منذ ما يزيد عن 10 سنوات رفض البنك المركزي منح رخص جديدة للبنوك للعمل بالسوق المحلية. وقد اكتفى وقتها بالسماح بسوق الاستحواذات على الوحدات القائمة التي يصل عددها لنحو 38 بنكًا فقط. بينما قبل أيام قليلة، تغيرت هذه السياسة بموافقة المركزي على منح رخصة لبنك “ستاندرد تشارترد”. على أن يفتتح الأخير أول فرع في مصر بعد 6 أشهر.
“ستاندرد تشارترد” هو بنك متعدد الجنسيات، يقع مقره الرئيسي في لندن، وله فروع في 70 دولة حول العام. فيما تتعدى أصوله 817 مليار دولار. ومن المقرر أن يقدم خدمات جديدة في السوق المحلية على مستوى الاستثمار والتمويل.
قبل عامين، أعلن محافظ البنك المركزي عن موافقة مبدئية لمنح رخص لفروع بنوك أجنبية جديدة للعمل بمصر. لكنه لم يفصح حينها عن أسماء تلك البنوك. وظل الملف معلقًا. وقد ظل البنك المركزي متريثًا في ملف التراخيص للبنوك الجديدة بالذات ويدريها من كل الجوانب. خاصة أنه ملتزم بحماية الودائع في البنوك العاملة بالسوق المحلية كافة، على عكس الدول الغربية.
ويرجع مصدر بالبنك المركزي الموافقة لمنح رخص للبنوك في مصر إلى دخول الاقتصاد المصري مرحلة جديدة. يقول إنها تتطلب التوسع بالقطاع المصرفي. وذلك بهدف المساعدة في تنمية الاقتصاد الوطني.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يحتل الاقتصاد المصري المرتبة الثانية عربيًا بقيمة 438.3 مليار دولار في العام الحالي. ذلك بعد اقتصاد السعودية التي تحتل المركز الأول بقيمة 876.1 مليار دولار.
سياسة الودائع في الدول الغربية
في أمريكا لا يضمن الاحتياطي الفيدرالي أكثر من 100 ألف دولار لكل عميل. بينما لم يقدم بنك إنجلترا الضمان الكامل لأموال المودعين، إلا أبان الأزمة المالية العالمية في 2008 لاستعادة ثقة العملاء. وذلك حينما انهارت أكبر مؤسسة مالية تقدم قروضًا لأموال الرهن العقاري
وقد ظهر أول نظام لضمان الودائع المصرفية في العالم عام 1829 في ولاية نيويورك. ثم قامت عدة ولايات أخرى بإنشاء نظم مماثلة. ومع نهاية القرن التاسع عشر اختفت جميع أنظمة ضمان الودائع.
اختفت تلك الأنظمة بسبب عدم كفاية رأسمال المصارف. إلى جانب النقص في السيولة لدى المصارف، وكذلك إفلاس العديد منها. فضلًا عن الأزمات المالية المتلاحقة خلال فترات قريبة. ما أثر بشكلٍ واضحٍ على قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها. بالإضافة إلى عدم وجود مقرض أخير لتلك المصارف يساعدها على تجاوز الأزمة. فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لم يكن قد أنشأ بعد.
قانون المركزي المصري في التعامل مع البنوك
يحظر قانون البنك المركزي المصري على أي شخص طبيعي أو اعتباري غير مُسجل، أن يباشر أي عمل من أعمال البنوك. بينما استثنى الأشخاص الاعتبارية العامة، التي تباشر عملًا من هذه الأعمال، في حدود سند إنشائها.
والشخص الطبيعي هو الإنسان القادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات. أما الشخص المعنوي أو الاعتباري فهو بمعنى أصح الشركة أو المؤسسة.
وينص قانون البنك المركزي الجديد على توافر شروط لأي منشأة تتقدم للحصول على ترخيص بمزاولة أعمال البنوك. وأهم هذه الشروط أن تتخذ شكل شركة مساهمة مصرية، أو فرع لبنك أجنبي، أو شركة مساهمة مصرية تابعة للأخير أيضًا. على أن يتمتع مركزه الرئيسي بجنسية مُحددة.
ووفقًا للقانون، فإن أي بنك يعمل في مصر، يُلزم أن يبدي عدم ممانعة في تطبيق مبدأ الرقابة المشتركة مع البنك المركزي. بينما يحظر على أي شخص أو أطراف مرتبطة أن تتملك ما يزيد على 10% من رأس المال المصدر، أو من حقوق التصويت لأي بنك، أو أي نسبة مسيطرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب ألا يكون الترخيص متعارضًا مع المصلحة الاقتصادية العامة للدولة، أو الإخلال بقواعد المنافسة. كما يمنع القانون الممارسات الاحتكارية، وألا يكون الاسم التجاري الذي يتخذه البنك مماثلًا أو مشابهًا على نحو يثير اللبس مع اسم بنك آخر.
اقرأ أيضًا: تعليمات المركزي للسيولة الطارئة.. لا مكان للبنوك الضعيفة
قوانين المركزي التي تتعارض مع رجل أوراسكوم
بين رجال الأعمال المصريين، كان الملياردير المصري ورئيس شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، نجيب ساويرس، الوحيد إبداءً للرغبة في الحصول على رخصة لإنشاء بنك في مصر. إلا أن القانون بنقاطه سالفة الذكر دائمًا ما كان يقف حجر عثرة في طريق “رجل أوراسكوم”.
وسبق لساويرس أن انتقد طارق عامر محافظ البنك المركزي صراحة -في مقابلة صحفية. وقال إنه سبب تأخر إتمام صفقة استحواذه على شركة “سي آي كابيتال” القابضة من البنك التجاري الدولي عام 2016. ولا يزال إلى الآن يبدي رغبته في الحصول على وحدة بنكية حتى ولو رقمية.
قال ساويرس -في كلمته بجلسة ريادة الأعمال والابتكار في منتدى شباب العالم نسخة 2017- إنه سعى بكل الطرق لفتح بنك خاص في مصر. لكنه يظن أن المسؤولين يرفضون إصدار رخصة لفرد. ويشير إلى أنه خاطب عدة دول أوروبية بهذا الأمر، ووافقت على منحه رخصة تأسيس بنك خاص، وأسهم في تمويل المشروعات الصغيرة.
ويبدو أن البنك المركزي لا يريد العودة لتجربة 2003 التي اضطر فيها لتحمل تكاليف عملية إصلاح مصرفية بلغت أكثر من مليار ومائتي مليون جنيه، بتقليل عدد البنوك العاملة بالسوق المحلي والعمل على تقوية مراكزها المالية. وحينها كانت هناك بنوك ضعيفة غير قادرة على المنافسة.
وقد استحوذ بنك المصرف المتحد، المملوك للبنك المركزي، بنسبة 99% على ثلاثة من الكيانات الضعيفة التي لم تقوى على الصمود أمام قوانين وسياسة الإصلاح المصرفي حينها. وهي: البنك المصري المتحد سابقًا – المصرف الإسلامي للتنمية والاستثمار سابقًا – بنك النيل سابقًا.
لماذا ستاندرد تشارترد؟
سماح البنك المركزي بدخول “ستاندرد تشارترد” إلى السوق المصرية يفتح الكثير من التساؤلات. خاصة أنه ألغى أخيرًا أكثر من 100 وظيفة في الإمارات، التي تمثل أكبر سوق له بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في إطار جهوده لتقليص مصاريفه عالميًا.
هذه التساؤلات يجيب عنها تقرير صدر أخيرًا عن وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية. إذ كشفت أن القطاع المصرفي المصري يتمتع بنسبة ربحية أعلى من منطقة الخليج. فمتوسط العائد على حقوق الملكية للقطاع المصري البنكي يصل إلى نحو 23% عام 2020، مقابل 10% و17% بالدول الخليجية.
ويقول محمد أبو باشا، كبير المحللين بالمجموعة المالية هيرميس القابضة، إن عودة مصر لإصدار تراخيص أجنبية للعمل في بمصر، يعبر عن أن القطاع جاذب للبنوك الأجنبية.
وتحولت “هيرميس” إلى بنك شامل بمصر في نوفمبر الماضي. ذلك بعد إتمامها صفقة الاستحواذ على 51% من أسهم بنك الاستثمار العربي، مع استحواذ صندوق مصر السيادي على حصة قدرها 25% في البنك ذاته، وبقاء نسبة 24% في يد بنك الاستثمار القومي.
ووفق أبو باشا، فإن عدد البنوك في مصر كافٍ، وإذا كانت هناك إضافة يجب أن تكون إضافة نوعية وقوية كما يحدث مع “ستاندرد تشارترد”.
المركزي والصفقات الضخمة
شهد العام الماضي صفقة ضخمة في قطاع البنوك المصرية، باستحواذ بنك أبو ظبي الأول على 100% من رأسمال بنك عوده اللبناني في مصر. وذلك بحجم 34.7 مليون سهم وقيمة 600 مليون دولار.
وخلال عقد واحد، شهد القطاع المصرفي المصري 5 صفقات استحواذ، أبرزها عام 2013 الذي شهد صفقتي استحوذ بنك الإمارات دبي الوطني على بنك بي إن بي باريبا، بقيمة 500 مليون دولار، وقطر الوطني على البنك الأهلي سوسيتيه جنرال.
يقول الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن منح الرخص الجديدة للبنوك يستغرق وقتًا طويلًا للتأكد من مدة جدية هذه المؤسسات الجديدة، ورغبتها في الاستثمار الحقيقي، وليس فقط تجميع ودائع عملاء وجني أرباح وتحويلها للخارج بالعملة الصعبة.
ويلزم قانون البنوك المصارف بزيادة رأسمالها المدفوع إلى 5 مليارات جنيه خلال 3 سنوات (حتى 2023). ما قد يؤدي إلى حدوث دمج بين البنوك الصغيرة في السوق حاليًا، مثلما حدث في 2003، حينما انخفض عدد البنوك من 56 إلى 39 بنكًا.
يضيف أستاذ الاقتصاد أن تواجد البنوك الأجنبية يزيد من المنافسة في السوق المصرفية على خدمة الزبائن. خاصة مع بدء تجربة الرقمنة البنكية والفروع الذكية. وذلك يمثل مصدرًا لتمويل المستثمرين أيضًا، خاصة بالعملة الصعبة. على اعتبار أن تلك البنوك على مستوى العالم تجني أرباحها بالعملات التي يحتاجها المستوردون المحليون للاستيراد.