استحوذت القطاعات المرتبطة بالعقارات والإنشاءات على نصيب الأسد من قروض القطاع المصرفي. بنسبة 42% في ظل تفضيل البنوك تمويل المطورين العقاريين لضرب عصفورين بحجر واحد. أحدهما ضمان التسديد مع المكاسب التي يحققها العقار باستمرار، والثاني الحديث عن دور وطني في دعم التنمية العمرانية بمصر.
جاء في مقدمة القطاعات الحاصلة على أعلى نسبة اقتراض العام المالي 2020/2021: قطاع التشييد والبناء بنسبة 22%. بينما كانت نسبة الحديد والصلب بنسبة 10.35% والتنمية العقارية بنسبة 9.5% بين أرصدة التسهيلات الائتمانية الممنوحة لأكبر 100 عميل مقترض.
ووفق بيانات البنك المركزي، بلغ إجمالي التسهيلات التي حصلت عليها أكبر 100 شركة متضمنة قطاعي الأعمال العام وقطاع الأعمال الخاص. نحو 507.6 مليار جنيه في يونيو/حزيران 2021 بمعدل نمو 19%، مقارنة بالعام السابق.
تتماشي تلك المعدلات مع لجوء العديد من شركات التطوير العقاري للحصول على تمويلات تتعدى المليارات من البنوك للدفع بمعدل الإنشاءات. والالتزام بمواعيد التسليم القانونية المقررة في العقود، تحاشيا للإضرار بسمعتها.
التزام مطلوب
تخشى الشركات، حاليًا، من مواعيد التسليم بعدما دأب الحاجزون على تأسيس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. يشتكون فيها من التأخير ويتهمون الشركات بالنصب ما يجعل العملاء الجدد يبتعدون عنها. ووصل الأمر لدرجة مطالبة بعض الشركات بقانون يحميها من هجوم السوشيال ميديا.
أصبح الاقتراض البنكي وسيلة أساسية للشركات العقارية، حاليًا، بعد توجيهات الدولة الأخيرة بعدم الإعلان عن أي مشروع إلا بعد تنفيذ %30 من الإنشاءات. ما حال دون حصول الشركات كالمعتاد على أموال مسبقة من العملاء قبل وضع طوبة واحدة في المشروع.
جاءت أبرز التمويلات الممنوحة للقطاع العقاري من قبل البنوك المصرية: رواسي للتطوير العقاري 9 مليارات جنيه. “ماونتن فيو” 5 مليارات جنيه، حسن علام العقارية 4 مليارات جنيه، تطوير مصر 3 مليارات جنيه، مدينة نصر للإسكان 2.5 مليار جنيه.
شملت القائمة أيضًا كلُ من: بالم هيلز للتعمير 2.5 مليار جنيه، السعودية المصرية للتعمير 1.9 مليار جنيه. السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار “سوديك” 1.57 مليار جنيه. سكاي للاستثمارات وإدارة الأصول العقارية 1.3 مليار جنيه. سيتي إيدج 1.1 مليار جنيه، عامر جروب بنحو مليار جنيه.
الطلب الحقيقي
البنوك كانت تتحفظ في السابق على التمويلات العقارية لكنها توسعت مع تنامي الطلب على العقارات. والارتفاعات المستمرة في أسعارها التي كان أهمها العام الحالي بوتيرة وصلت إلى 20% بشكل تدريجي، نتيجة زيادة التكلفة. إضافة إلى الطلب خاصة المشروعات الواقعة بالمدن القريبة من العاصمة الإدارية والمدن الساحلية.
صحيح أن الطلب على العقار شهد تراجعًا بنسبة 3٪ خلال شهر ديسمبر/كانون الأول بالمقارنة مع نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لتسجل قيمته بأحد مؤشرات القياس 2544 نقطة. ويعد هذا التراجع طبيعي، فالسوق العقاري تشهد تباطأ في الطلب. خلال موسم الشتاء يعود بقوة في الصيف مع عودة المصريين بالخليج خاصة المُعلمين.
بحسب بيان لداكر عبد اللاه، نائب رئيس الاتحاد العربي للمجتمعات العمرانية. فإنه في ظل ارتفاع معدلات التضخم عالميا وتأخر سلاسل الإمداد في توفير احتياجات قطاع العقارات والإنشاءات وارتفاع أسعار الطاقة ورسوم الشحن عالميا. فمن المتوقع ارتفاع أسعار العقارات بنسبة لا تقل عن 20% مقارنة بـ2021.
تؤكد غرفة التطوير العقاري أن مدخلات صناعة العقار تتضمن 30% خراسانات مسلحة (رمل وزلط وحديد) ارتفعت بنسبة 80% تقريباً. وكذلك المنتجات المكملة للتشطيبات مثل النحاس (الكابلات)، والألومنيوم (الأولومينتال) فشهدت ارتفاعات سعرية.
الأمر ذاته أكده تقرير للإدارة المركزية للاحتياجات ومواد البناء، التابعة لوزارة الإسكان التي تحدثت عن ارتفاع أسعار التشطيب نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي بنسب تصل إلى 15%. بينما ارتفعت مواد البناء ليبلغ طن الحديد نحو 14500 جنيه. بمعدل زيادة في السعر بلغ %51 في سبتمبر 2021 عن الشهر ذاته من 2020.
وسجلت العقارات قفزات خيالية خلال العقد الأخير، فتراوحت أسعار المتر المربع السكنى في سنة (2011/ 2012) في حدود 3200 جنيه ثم قفزت في 2013/2014 لتتراوح الأسعار بين 3500 و4000 جنيه، وزادت في 2015 إلى 6 آلاف جنيه للمتر، وفي 2017/2018 سجلت ما يقرب من 8500 جنيه للمتر.
إغراء الفائدة
تغري ارتفاع الفائدة المرتفعة بالاستثمار الآمن عبر ودائع قروض البنوك أكثر من الاستثمار بالعقار الذي يحتاج إلى فترة زمنية لجني ثماره ولا يمكن تسييله بسهولة.
لكن الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن السوق العقارية تحكمها قوى العرض والطلب. وعدد السكان الكبير يجعل الطلب على الوحدات مستمر خاصة في ظل المجتمع المصري الذي يشكل الشباب المكون الأساسي له.
الشركات العقارية والبنوك تتوقعان دائًما أن يستمر الطلب بسب الفجوة في القطاع السكني. فمصر تحتاج إلى 600 ألف شقة سنويًا تقابل عدد الزيجات كل عام على أقل تقدير. تضاف الفجوة في الوحدات تصل لنحو 2 مليون وحدة، بحسب بيانات وزارة الإسكان.
وفقًا لدراسة لشركة “الأهلي فاروس” للاستثمارات المالية، فإن العقارات لا تزال مخزون للقيمة. في ظل التضخم المرتفع المتوقع عام 2022، لكنها توقعت أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة العام الحالي سلبية على معنويات السوق.
في المقابل تتوقع الشركات العقارية والبنوك أن يستمر الطلب بسب الفجوة في القطاع السكني. فمصر تحتاج إلى 600 ألف شقة سنويًا تقابل عدد الزيجات كل عام على أقل تقدير. تضاف الفجوة في الوحدات تصل لنحو 2 مليون وحدة، بحسب بيانات وزارة الإسكان.
يضيف عبده أن الشركات العقارية والبنوك لديهما مصلحة واحدة في ارتفاع نسبة الاقتراض. فالقطاع المصري لديه ودائع بنحو 6 تريليونات جنيه الفائدة عليها تكبد البنوك 600 مليون جنيه. وعليها أن توظفها بعائد أعلى.
شركات العقارات وأموال العملاء
بحسب بيان اتحاد البنوك المصرية، ارتفعت معدلات التوظيف لتصل حجم القروض والتسهيلات الائتمانية الممنوحة للعملاء لنحو 48.5% من حجم ودائع العملاء في أكتوبر/تشرين الأول 2021، فيما وصل حجم أصول القطاع المصرفي المصري لنحو 8,758 تريليون جنيه في أكتوبر/تشرين الأول 2021
تفضل البنوك العملاء الكبار لتقليل مخاطر التعثر، ما انعكس على مؤشر القروض غير المنتظمة إلى إجمالي القروض تحسن في الأداء. حيث انخفض المؤشر من 8.5% في يونيو 2014 إلى 3.6% في سبتمبر/أيلول 2021.
يشير عبده إلى أن الشركات العقارية اعتادت في الماضي البناء بأموال العملاء بالحصول على أقساط قبل البناء أخرها بموعد التسليم. ومع قرار إنهاء 30% من البناء قبل البيع، كان لزامًا عليها أن تبحث عن آليات تمويلية أهمها التمويل البنكي.