مع مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، شهدت إثيوبيا تغيرا دراماتيكيا كبيرا في سير المعارك، بعدما تمكن رئيس الوزراء آبي أحمد من قلب معادلة الصراع مع متمردي التيجراي. ليتحول جيشه من الدفاع إلى الهجوم، بعد أن كانت قوات الأخيرة على بعد مئات الأميال من العاصمة أديس أبابا.
وهذا التحوّل في مسار المعركة كان بفضل دول عدة أمدت آبي أحمد بالسلاح والطائرات المُسيّرة، من بينها تركيا وإيران والصين والإمارات. والأخيرة تحديدا أظهرت دعما عسكريا قويا لرئيس الوزراء الإثيوبي الذي استقبله ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في أبو ظبي قبل أيام. وكان ذلك ضمن ما يبدو أنها محاولات للتهدئة في منطقة القرن الأفريقي بدفع أمريكي.
ورغم قلق الولايات المتحدة من الدعم الذي قدمه حليفاها، الإمارات وتركيا، للجيش الإثيوبي من خلال مبيعات السلاح المتزايدة، ومطالبات إدارة بايدن لهما بالتوقف عن هذا الدعم. إلا أنه يبدو أن تلك الأسلحة لا تزال تلعب دورا في الحرب الأهلية الإثيوبية، بحسب ما كشفته وحدة تقصي الحقائق في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
اقرأ أيضا: زيارة حميدتي إلى إثيوبيا: أهداف خفيّة خلف الترتيبات المُعلنة
تفاصيل جديدة تظهر
أشار تحقيق “بي بي سي”، الذي اعتمد على صور الأقمار الصناعية وتتبع الرحلات الجوية وتحليل مقاطع الفيديو، إلى أنه خلال شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الجاري وقعت هجمات متفرقة على مخيم للنازحين وصوب المتمردين في منطقة أوروميا -المتحالفة مع التيجراي- ما أسفر عن عشرات الضحايا.
وأظهرت الدلائل التي تتبعها التقرير إلى استخدام طائرات مُسيّرة إيرانية وتركية، وأخرى صينية قدمتها الإمارات إلى أديس أبابا، كانت سببا في مقتل 28 مدنيا في سوق جنوبي تيجراي. وتشير قاعدة بيانات الأسلحة، بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إلى امتلاك الإمارات كل من طائرات “وينج لونج” المسيّرة وصواريخ “بلو أرو” الصينية.
وتظهر أبحاث بيانات الرحلات تسجيل 119 رحلة شحن خلال خمسة أشهر العام الماضي من المطارات العسكرية الإماراتية إلى قاعدة “هرار ميدا” الجوية (جنوب شرقي العاصمة أديس أبابا) وبولي، المطار الدولي الرئيسي في العاصمة. ورغم إشارة الإذاعة البريطانية إلا أنها قالت: “لا نستطيع تأكيد ماذا كانت تحمله هذه الرحلات”.
وكانت تقارير إعلامية قد رصدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حركة جسر جوي دشنته دولة الإمارات العربية؛ لتقديم مساعدات ودعم عسكري لقوات جوية تتبع الجيش الوطني الإثيوبي عبر شركات شحن إسبانية وأوكرانية وصينية، وصلت لأكثر من 90 رحلة جوية خلال شهرين.
ويقال إن الطائرات الصينية المسيّرة “وينج لونج” أثبتت كفاءتها وقدرتها العسكرية الكبيرة في إعطاب الدبابات والمدفعية الثقيلة وإلقاء القنابل على المشاة في الأراضي السهلية المفتوحة.
من جانبه، رفض ليجيس تولو، المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، الحديث عن تفاصيل الهجمات المذكورة. وقال لبي بي سي: “لن أقول أين، لكن الحكومة استخدمتها (الطائرة المسيّرة) في أوقات وأماكن مختلفة”. وأصر على أنها لم تستهدف مدنيين.
واتصلت بي بي سي بالحكومات المعنية بشأن التقارير التي تفيد باستخدام طائرات مسيّرة هجومية من دول أخرى في إثيوبيا. لكنها لم ترد. كما تواصلت أيضا مع شركة الدفاع التركية التي تصنع طائرة “بيرقدار” المسيّرة، لكنها لم نحصل على رد.
ولا يوجد حظر أسلحة على إثيوبيا في الوقت الراهن، ولم يحسم إلى الآن تصدير الطائرات المسيّرة الهجومية في الأنظمة والمعاهدات الدولية.
اقرأ أيضا: الدعم الصيني لآبي أحمد.. إشارات بكين للضغط على واشنطن
الدعم الإماراتي المبكر لآبي أحمد
بعد شهرين فقط من وصول آبي أحمد إلى رئاسة وزراء إثيوبيا، تعهدت الإمارات بتقديم مساعدات واستثمارات تصل إلى 3 مليارات دولار لمساعدة البلد الأفريقي على التغلب على النقص الحاد في العملة الأجنبية.
وقال المتحدث باسم الحكومة لرويترز -آنذاك- إنه بعد أن التقى أبي أحمد مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فإن الإمارات ستودع مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي. فيما أشار مسؤول بوزارة الخارجية الإثيوبية إن الملياري دولار الأخرى سيتم استثمارها في السياحة والطاقة المتجددة والزراعة.
ولعبت أبو ظبي دورا كبيرا في إنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا. ذلك بعدما عرض آبي أحمد تنفيذ اتفاق السلام الموقع بين البلدين في عام 2000. وإريتريا الآن تعد لاعبا رئيسا في حرب التيجراي. وقد شاركت قواتها في الحرب التي تُتهم كل أطرافها بارتكاب “جرائم حرب” و”تطهير عرقي”.
وقد استخدمت الإمارات قاعدة “عصب” العسكرية في إريتريا من أجل مد أديس أبابا بالمساعدات العسكرية والطائرات المُسيّرة، بحسب اتهامات المتحدث باسم جبهة تحرير شعب التيجراي، جيتاتشو رضا، في وقت مبكر من الصراع (نوفمبر/تشرين الثاني 2020).
ويرى مراقبون للشأن الأفريقي أن الدعم العسكري الإماراتي لنظام آبي أحمد من ضمن أهدافه حماية المصالح الإماراتية في إريتريا كذلك. وهي تتمثل في بقاء نظام أسياس أفورقي. خاصة وأن جبهة تحرير تيجراي لديها نفوذ على جماعات المعارضة في إريتريا. كما أنها تكن عداءً واضحًا لنظام الأخير.
وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تهدد فيه بتوقيع عقوبات على إثيوبيا، كانت الإمارات ترسل أطنانًا من الإمدادات الطبية وغيرها من المساعدات إلى إثيوبيا. ذلك بالتزامن مع فرض آبي أحمد حصارا على إقليم التيجراي؛ مانعًا وصول أي مساعدات غذائية أو طبية.
اقرأ أيضا: الدور الإماراتي في إثيوبيا.. من الدعوة لحل سياسي لدعم عسكري مباشر
اتهامات جبهة تحرير التيجراي
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهمت جبهة تحرير شعب تيجراي إيران وتركيا والإمارات بتزويد الحكومة الإثيوبية بالسلاح. وزعمت أن الأسلحة المقدمة للجيش الإثيوبي قد “استخدمت لإدامة الأزمة الإنسانية في تيجراي وتصعيد الصراع”.
وفي رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قال رئيس الجبهة دبرتسيون جيبريمايكل، إن القوى الثلاث في الشرق الأوسط كانت طرفًا في الصراع من خلال تزويد الحكومة الإثيوبية بالأسلحة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار.
ودعا جبريمايكل جوتيريش إلى تقديم المشورة للقوى الثلاث “بوقف إمداد الحكومة الفيدرالية لإثيوبيا بالأسلحة”. وأشار إلى أن هذه الأسلحة “تُستخدم لمهاجمة المدنيين والأهداف المدنية في انتهاك كامل للقانون الإنساني الدولي وأن استخدامها يؤدي إلى تصعيد الحرب وزيادة زعزعة استقرار إثيوبيا”.
وتابع في رسالته: “إن استعدادهم لتزويد المتحاربين بالسلاح والتدخل بطريقة حزبية في القضايا السياسية الداخلية، بما في ذلك النزاعات المسلحة، ثبت أنه مزعزع بشدة للاستقرار”.
يقول أليكس دي وال، الباحث في شؤون القرن الإفريقي، إنه الأسلحة الإماراتية قد تنقذ حكومة آبي أحمد. “لكن كما رأينا من ليبيا واليمن، قد يأتي إنقاذ الحكومة على حساب خسارة دولة فاعلة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار القرن الأفريقي لجيل كامل”.
والأسوأ من ذلك، بحسب دي وال، فإنه عن قصد أو بغير علم، تحرض الإمارات نظامًا إثيوبيًا على ارتكاب فظائع جماعية تتصاعد يومًا بعد يوم. “إن صفارات الإنذار بالإبادة الجماعية تدوي بصوت عالٍ”.
اقرأ أيضا: آبي أحمد وصناعة الديكتاتور
طحنون بن زايد و”تعاون محدود”
يشير تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن آبي أحمد “بنى ترسانته من الطائرات بدون طيار من خلال الاستفادة من تعاطف الحكام المستبدين الأجانب وقطاع مزدهر من تجارة الأسلحة العالمية”.
وقال مسؤول غربي وآخر إثيوبي سابق للصحيفة الأمريكية إن الإماراتيين دربوا قوات الحرس الجمهوري الخاصة بآبي أحمد وقدموا دعما عسكريا حاسما في بداية الحرب، وشنوا ضربات بطائرات بدون طيار دمرت مستودعات المدفعية والأسلحة في تيجراي.
توقفت الضربات الإماراتية في يناير/كانون الثاني من العام الماضي بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة بضغط من واشنطن. لكن المسؤولين قالوا إن النشاط الإماراتي في الأشهر الأخيرة، استؤنف إلى حد كبير في شكل أحدث الطائرات بدون طيار صينية الصنع.
“يبدو أن ضربات الطائرات بدون طيار الإماراتية، بتوجيه من مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد آل نهيان، هي ازدراء للجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحرب”، تعلق الصحيفة.
وطبقا لما أوردته، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحاولون جذب الإمارات في جهود السلام كحليف، لكن هذا التعاون محدود. وذكر مسؤول أمريكي مُطلّع على تلك الاجتماعات، أن طحنون نفى، للمبعوث السابق جيفري فيلتمان، أن تكون بلاده تشحن أسلحة إلى إثيوبيا.
ولفتت الصحيفة إلى أنه على الجانب المقابل، تبدو علاقات آبي آحمد مع تركيا أكثر انفتاحا وعلنية، وهو ما كان دافعا لتوقيع اتفاقية دفاعية عسكرية بينهما في أغسطس/آب الماضي.
وبحسب المعهد الإيطالي للدراسات الدولية، فإنه في ظل تطور الصراع لمدة تزيد عن 15 شهرا، مُسفرا عن آلاف القتلى واللاجئين، لم تفلح الجهود الأمريكية المختلفة في وقف النزاع. ومؤخرا، نظرا لعدم قدرة الإدارة الأمريكية على ضبط ملفات النزاع في منطقة القرن الأفريقي، أعلنت تعيين مبعوث جديد للقرن الإفريقي “ديفيد ساترفيلد” في 6 يناير/كانون الثاني بديلا لفيلتمان.
الآن يبدو أن الطريق يُفتح أمام جهود وساطة جديدة من قبل الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة -بمساعدة إماراتية- مع وصول المساعدات الإنسانية كهدف رئيسي. ولكن “أظهرت الحالة الإثيوبية فشل القرار الأمريكي متعدد المستويات في وقف الصراع. وتفوق دور بعض القوى الفاعلة الأجنبية”، بتعبير المعهد.