قررت محكمة قسم ثان المنصورة (أمن الدولة طوارئ) تأجيل محاكمة الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية باتريك جورج زكي، إلى 6 أبريل المقبل. وذلك على ذمة القضية 1766 لسنة 2019 حصر تحقيق أمن الدولة العليا.
وكانت المحكمة قررت في ديسمبر الماضي، إخلاء سبيل الباحث بالمبادرة المصرية، مع تأجيل محاكمته إلى اليوم الثلاثاء للمرافعة. وذلك بعد أن استأنفت جلسات المحاكمة، وسبّبت قرارها -حينها- بتمكين دفاعه من الحصول على صورة رسمية من أوراق القضية.
إعمال المادة 102 في جلسة محاكمة باتريك
صموئيل ثروت محامي المبادرة المصرية وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن باتريك قال إن جورج حضر جلسة المحاكمة بشخصه. ذلك بعد رفض القاضي حضور هيئة الدفاع بصفة اعتبارية، متمسكًا بنص المادة 102 من قانون العقوبات. وتنص على الحضور الوجوبي للمتهمين خاصة في حالات الجرائم التي تكون العقوبة فيها هي الحبس.
كما رفض القاضي حضور الصحفيين، واكتفى بحضور هيئة الدفاع وأهل الباحث فقط.
وتنص المادة 102 من قانون العقوبات “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
ووفق هذه المادة، تكون العقوبة بالسجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب.
كما يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئاً مما نص عليه في الفقرة المذكورة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذكر.”
خلال جلسة المحاكمة، أكد المحامي صموئيل ثروت على تمسك هيئة الدفاع بطلباتها السابقة. وهي طلبات تتضمن “تفريغ كاميرات المطار ساعة وصول الباحث إلى الأراضي المصرية، وسؤال ضابط الجوازات، وكذا ضابط التحقيقات”.
وقد انتهت جلسة اليوم بعد سماع طلبات هيئة الدفاع بقرار إخلاء سبيل باتريك جورج على ذمة القضية إلى جلسة السادس من أبريل المقبل.
لا دليل على إدانة باتريك
معلقًا على المحاكمة وقرار التأجيل، قال المحامي نجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، إن قرار تأجيل محاكمة باتريك ليس ذي دلالة، مضيفًا أنه لابد من انتظار قرار القاضي، الذي رأى القضية غير جاهزة للحكم.
ويرى مينا ثابت المنسق الإقليمي لمنظمة القلم الدولية، أن غياب الدليل هو الشيء الأبرز والأكثر وضوحًا في هذه القضية.
ويضيف ثابت أن قرارات التأجيل المتكررة بدون وجود محاكمة جدية وفصل في موضوع الدعوى إنما يُظهر غرض المماطلة واستمرار الوضع تحت ضغط مستمر، حتى وإن كان باتريك في الوقت الحالي حر خارج السجن.
وينظر ثابت إلى قرار التأجيل اليوم على أنه يؤكد رغبة في إبقاء النشطاء وأصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان في تهديد مستمر. “هي رسالة بأنه من الممكن العودة للسجن في أي لحظة”. فإلى جانب غياب الأدلة على صحة الاتهامات الموجهة إلى باتريك، يبرز قرار إحالته من قبل نيابة أمن الدولة إلى محكمة استثنائية تنعدم فيها ضمانات المحاكمة العادلة، على حد قول المنسق الإقليمي لمنظمة القلم الدولية.
ردود فعل إيطالية
بعض ردود الفعل على قرار تأجيل محاكمة باتريك جاءت من إيطاليا، التي يحمل جنسيتها الشرفية. وقد حملت كلها رسائل دعم ومطالبة بالصمود حتى نيل الحرية.
إذ قال الكاتب والسياسي وعضو البرلمان الأوروبي بيرفرانسيسكوا ماجورينو إن “خبر تأجيل آخر لمحاكمة باتريك لا يجب أن يعيدنا خطوة للوراء، ولهذا سأبقى إلى جانبه وسأواصل الكفاح من أجل حريته”.
ويدافع ماجورينو عن باتريك، فيقول: “لم يرتكب أي جريمة وسيتمكن من العودة ليعيش حياة كاملة، وسيصبح من حقه السفر والالتحاق بالجامعة كما يشاء”، ووجه عضو البرلمان لباتريك نصيحة، :”تحلى بالصبر قليلا، أبق قويا كما أنت، نحن معك”.
أيضًا، كتبت الصحفية والمذيعة الإيطالية ماريلنا بيتريلو، مطالبة باتريك بقليل من الصبر.
كما تفاعل الكاتب والشاعر الإيطالي مورينو زولي مع قرار التأجيل. وكتب: “ليس اليوم، ربما غدا. كنا نتمنى حقًا أن تكون هذه النهاية، لكن سننتظر. لا تخذل نفسك باتريك، فنحن جميعًا معك”.
محاكمة باتريك
في 14 سبتمبر الماضي، بدأت أولى جلسات محاكمة باتريك أمام محكمة جنح أمن الدولة (طوارئ) قسم ثان المنصورة.
ووفق ما صرحت به نيابة أمن الدولة -حينها- فإن الاتهام يستند إلى مقال بعنوان “تهجير وقتل وتضييق: حصيلة أسبوع في يوميات أقباط مصر”، نشره باتريك في يوليو 2019 على موقع “درج” الصحفي. وهو مقال أسبوعي يتناول حياته كمسيحي مصري يتلقى الأخبار التي تخص أوضاع المسيحيين المصريين كشأن خاص وعام في آن واحد.
وفي الشهر نفسه سبتمبر 2021، استنكرت 10 منظمات حقوقية إحالة باتريك للمحاكمة أمام محكمة استثنائية. وذلك بعد 19 شهرًا من الحبس الاحتياطي بلا مبرر قانوني وبلا تحقيقات.
وشملت هذه المنظمات: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان – مؤسسة حرية الفكر والتعبير – المفوضية المصرية للحقوق والحريات – «كوميتي فور جستس» – مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب – مبادرة الحرية – الجبهة المصرية لحقوق الإنسان – معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
وقد لفتت هذه المنظمات -في بيانها- إلى ما وصفته بـ”المفارقة في صدور قرار محاكمة باتريك الاستثنائية في اليوم التالي مباشرة لإطلاق استراتيجية الدولة لحقوق الإنسان”.
القبض على باتريك
ألقي القبض على الباحث في النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية في فبراير/شباط 2020، بعد توقفيه في مطار القاهرة قادما من إيطاليا في إجازة دراسية. وجرى احتجازه بشكل غير قانوني ودون السماح له بالتواصل مع أهله أو محاميه لمدة تجاوزت 24 ساعة.
تم التحقيق مع باتريك من قبل جهات سيادية في مطار القاهرة، ليتم نقله إلى إحدى مقرات الأمن الوطني بالقاهرة ثم لاحقا إلى مقر آخر للأمن الوطني بمدينة المنصورة، محل ميلاده وسكنه الأصلي. ليستمر احتجازه بسجن طرة لمدة 22 شهرا متجاوزًا أقصى مدة حبس احتياطي منصوص عليها بالمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية.
وقد أسندت له النيابة تهم في القضية 1766 لسنة 2019 حصر تحقيق أمن الدولة العليا، تضمنت “إذاعة أخبار وبيانات كاذبة بالداخل والخارج عن اﻷحوال الداخلية للبلاد”. وهي التهم التي رأت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنه يواجه بسببها احتمال صدور حكم بالسجن 5 سنوات.
باتريك والجنسية الإيطالية
أثناء حملات المطالبة بإخلاء سبيل باتريك، وبعد مرور عام على احتجازه، أعلنت أكثر من 50 مدينة إيطالية منحه الجنسية الشرفية تحت عنوان “100 مدينة مع باتريك”. وكان ذلك في 14 أبريل 2021. بينما صوّت مجلس الشيوخ الإيطالي بالموافقة على اقتراح مقدم من اثنين من أعضائه لمنحه الجنسية الإيطالية استثنائيًا.
وكانت حملة الدفاع عن باتريك أعلنت حصوله على جائزة “ماريا جراتسيا كوتولي”. وهي الجائزة التي تمنحها صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الإيطالية، وتسلمها عنه صديق دراسته.
وفي 17 فبراير/شباط 2020 نظم جميع شركاء GEMMA احتجاجًا في مدنهم. وقد طالبوا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن «باتريك» وإجراء تحقيق مستقل في التعذيب الذي تعرض له.
وفي 19 من الشهر نفسه، احتجت منظمة العفو الدولية. واعتبرته سجين رأي. فيما أدلى رئيس جامعة فرانشيسكو أوبرتيني -من جامعة بولونيا- ببيان طالب فيه بالإفراج عن باتريك زكي بموجب تدابير إنفاذ القانون. وفي 12 سبتمبر/أيلول 2020 أدلى رئيس الجامعة ذاته ببيان آخر يطالب بالإفراج عنه.
وحسب حملة الدفاع عن الباحث، فإن جامعة بولونيا، التي يدرس بها الماجستير، قررت في يونيو/حزيران تكريس إصدار «الكلاسيكيات» الخاص بالجامعة للدفاع عن «باتريك» والمطالبة بحريته.
و«الكلاسيكيات» إصدار سنوي باسم الجامعة يصدر منذ 20 عامًا. ويعتبر من أهم الإصدارات التي تمثل الجامعة على مستوى الطلاب والأدباء والمثقفين. وقد وضع متحف المقاومة المنتشر في تورينو مجسمًا لـ«باتريك». ودعا جميع زوار المتحف للدفاع عنه وتذكير العالم بأنه لا يزال محتجزًا لأكثر من سنة وثلاثة أشهر.