يصادف يوليو 2022 الذكرى السنوية العشرين لتأسيس الاتحاد الأفريقي رسميًا في ديربان بجنوب إفريقيا. بينما يأتي ضمن أحد المبادئ التأسيسية للاتحاد تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة. فقد بنى القادة الأفارقة هيكلًا مفصلًا من شأنه أن يُمكّن منظمة الاتحاد من الوفاء بهذا التفويض.
شهد عام 2021 الكثير من الاضطرابات في القارة السمراء. حيث الانقلابات في تشاد وغينيا ومالي والسودان. وأيضًا الاستيلاء المنظم على السلطة في تونس، والقتال المطول في إثيوبيا. هذا مع وجود تهديد متزايد من التطرف الإسلامي العابر للحدود. في الوقت الذي كانت استجابة الاتحاد الأفريقي لهذه الأزمات مختلطة، وفق ورقة توصيات صدرت الثلاثاء الماضي عن مجموعة الأزمات الدولية. وقد جاءت تحت عنوان “ثمانية أولويات للاتحاد الأفريقي عام 2022”. وتناولت ما اعتبرته فرصة لتقييم إنجازات الاتحاد، وكذلك تنشيط عمله لحماية السلام والأمن في القارة.
واجه الاتحاد صعوبة كبيرة في التعامل مع نزاعين يُمكن وصفهما بأنهما “ملحّين للغاية”. وهما الحرب الأهلية في إثيوبيا، والتمرد في منطقة كابو ديلجادو في موزمبيق. ذلك لأن الحكومات قاومت ما تعتبره “تدخلًا خارجيًا”، وأصرّت على أن أزمات كل منهما هي شؤون داخلية. كذلك ظل الاتحاد متفرجًا إلى حد كبير مع خطر التحول السياسي في ليبيا عن مساره. كما رفضت كل من تشاد والصومال اختيار الاتحاد الأفريقي لممثل أعلى. ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الدول الأعضاء تقبل بأولويته في السلام والأمن القاريين.
ديبي خليفة أبيه في تشاد
بعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو في ساحة المعركة في 20 أبريل 2021. عينت مجموعة من جنرالات الجيش ابنه محمد ديبي البالغ من العمر 37 عامًا كزعيم للمجلس العسكري الانتقالي. وهو المجلس المكون من 15 عضوًا.
في عام 2000، تبنت منظمة الوحدة الأفريقية -التي سبقت الاتحاد الأفريقي- قواعد تسمح لها بتعليق عضوية الدول التي كان لديها تغيير غير دستوري في الحكومة.
طبق الاتحاد الأفريقي هذه القواعد من قبل. لكنه في هذه الحالة لم يعاقب تشاد. الآن، ومع نشر موظفين إضافيين في نجامينا، يجب على الاتحاد الأفريقي العمل على إلزام المجلس العسكري بالوعود التي قطعها عندما استولى على السلطة. وهي الحوار الوطني الذي من المقرر أن يبدأ في منتصف فبراير الجاري، والانتخابات التي ستجرى قبل نهاية عام 2022.
أدى تعيين محمد ديبي إلى نقاش حاد بين أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي حول ما إذا كان سيتم تعليق عضوية تشاد في المنظمة.
أراد أنصار التعليق تجنب تصورات ازدواجية المعايير، بالنظر إلى أن الاتحاد الأفريقي سبق له أن قام بشطب غينيا ومالي بسبب الانقلابات التي قام بها كل منهما. وجادل آخرون بضرورة تجنب تشاد لأنها تساهم بالعديد من القوات في مهام مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد ولأن التعليق يمكن أن يزعزع استقرار سياساتها الداخلية.
بالإضافة إلى ذلك، رأوا أن تغيير القيادة في تشاد كان دستوريًا لأن رئيس البرلمان -الذي يليه في الترتيب للرئاسة بموجب الدستور- أيد علنًا الانتقال، ولأن الحزب الحاكم بقيَّ في السلطة.
مصداقية الاتحاد الأفريقي
من أجل إيجاد حل وسط، قرر المجلس عدم تعليق عضوية تشاد. بدلًا من ذلك، وضع عددًا من القواعد الأساسية للمجلس العسكري. وقد شمل -من بين أمور أخرى- مطالبة المجلس العسكري بتغيير الميثاق الانتقالي لتحديد طول الفترة الانتقالية بـ 18 شهرًا، ومنع قادته من الترشح في انتخابات نهائية.
سرعان ما وافق المجلس العسكري على هذه الشروط، لكنه لم يعدل الميثاق بعد، ادعى أن المراجعات ستكون موضوع نقاش خلال الحوار الوطني. كما دعا مجلس السلم والأمن إلى تعيين ممثل أعلى يعمل مع السلطات التشادية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، فضلًا عن إنشاء آلية دعم بقيادة الاتحاد الأفريقي. تتكون من فريق من الخبراء الانتخابيين، والدستوريين، والمستشارين السياسيين والعسكريين، الذين يدعمون الممثل الأعلى للاتحاد.
في الوقت ذاته، واجهت استجابة الاتحاد الأفريقي للوضع التشادي بعض الانتقادات. حيث اعتبر بعض المراقبين أن قرار عدم تعليق عضوية تشاد يقوض مصداقية المنظمة.
في أوائل يوليو، تلقى الاتحاد الأفريقي ضربة أخرى، عندما رفضت نجامينا اختيار الدبلوماسي السنغالي إبراهيما فال لمنصب الممثل الأعلى. حيث لم تتم استشارة المجلس العسكري بشأن القرار.
منذ وفاة إدريس ديبي، تطلع الشركاء الدوليون للاتحاد الأفريقي إلى تولي زمام القيادة في قضية تشاد.
الآن، مع تعيين الدبلوماسي الكونغولي باسيلي إيكويبي كممثل أعلى له، ونشر آلية الدعم الخاصة به، ينبغي على الاتحاد الأفريقي تكثيف الجهود لضمان استمرار الانتقال التشادي على المسار الصحيح.
لقد حقق الانتقال بعض التقدم المشجع. وافق معظم أصحاب المصلحة التشاديين على الانضمام إلى الحوار الوطني المقبل، الذي يهدف -من بين أمور أخرى- إلى حل القضايا الدستورية والانتخابية الخلافية. وتمكن المواطنون أيضًا من التعبير عن توقعاتهم من العملية من خلال المشاورات المحلية.
المجلس العسكري في تشاد بحاجة للدعم الجماهيري
قبل إجراء الحوار، سيحتاج المجلس العسكري إلى حشد الدعم من الجمهور. تحقيقًا لهذه الغاية، ينبغي على الاتحاد الأفريقي، بدعم من الشركاء الدوليين، تشجيع المجلس العسكري على إعادة التأكيد علنًا على أن الانتقال لن يتجاوز 18 شهرًا وأن أعضاء المجلس العسكري لن يترشحوا للانتخابات الرئاسية.
يمكن أن يقدم الاتحاد الأفريقي الدعم لمساعدة المشاركين في الحوار على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القواعد الانتخابية الرئيسية. مثل هذا الاتفاق سيقطع شوطا نحو تخفيف التوترات السياسية خلال المرحلة الانتقالية النهائية.
كما اتخذت السلطات خطوات لإشراك الجماعات المسلحة -المعروفة في تشاد باسم “الجماعات السياسية العسكرية”- في الحوار الوطني.
في أغسطس، طلب المجلس العسكري من لجنة برئاسة الرئيس السابق كوكوني وديع إجراء جرد لمطالب الجماعات المتمردة الرئيسية. وشاركت إحدى حركات التمرد -التي تتخذ من ليبيا مقراً لها بشكل أساسي- في القتال الذي أدى إلى مقتل ديبي. وعلى الرغم من إضعافها، فقد تشن هجمات جديدة إذا فشلت المفاوضات مع السلطات التشادية.
تحدثت لجنة أودي في أواخر عام 2021، مع ممثلي الجماعات المسلحة في مدن خارج تشاد، بما في ذلك باريس والدوحة والقاهرة.
منذ ذلك الحين، وافق المجلس العسكري على بعض الشروط التي يقول قادة المتمردين إنه يجب الوفاء بها إذا أرادوا المشاركة في الحوار، بما في ذلك العفو وإعادة الممتلكات.
ومن المقرر أن تجري السلطات والجماعات المسلحة التشادية مزيدا من المحادثات في الدوحة في فبراير/ شباط. ومن المرجح أن يناقش المشاركون قضايا شائكة، مثل نزع السلاح وربطه بتعويضات مالية محتملة، ودمج المقاتلين المتمردين في الجيش. يجب على الاتحاد الأفريقي دعم هذه المحادثات والضغط على مختلف أصحاب المصلحة للوفاء بالتزاماتهم بعد المفاوضات.