لم يكن الحظ حليف منتخب مصر الأول لكرة القدم في نهائي بطولة الأمم الأفريقية 2021 التي أقيمت بالكاميرون. فبعد 3 مباريات ماراثونية “بطولية” للفراعنة من ثمن النهائي أمام كوت ديفوار واللعب 120 دقيقة والفوز بركلات الترجيح. ثم أمام المغرب في ربع النهائي واللعب 120 دقيقة كذلك والفوز بالأشواط الإضافية، والمعاناة أمام الكاميرون المستضيف للحدث والإطاحة به بعد 120 دقيقة أيضًا واللجوء لركلات الترجيح. أتت المرة الرابعة على عكس مثلياتها. فكانت مؤلمة ومحبطة لأنها على اللقب نفسه.
خسر الفراعنة البطولة الثامنة التي كانت قاب قوسين أو أدنى منهم بركلات الترجيح الصعبة أمام السنغال، لأول مرة منذ عام 1984. ذلك بعد 120 دقيقة انتهت بالتعادل السلبي. ليكون أبناء النيل أول منتخب في تاريخ المسابقة القارية يلعب 4 مباريات متتالية لـ 120 دقيقة. وهو الرقم الفريد والاستثنائي في بطولة كبيرة لرجال المدرب البرتغالي كارلوس كيروش.
واجه المنتخب مصاعب عدة. وقد بدأت بظروف الإقامة والاستشفاء والتدريب، مرورًا بالإصابات المتوالية والمؤثرة في القوام الأساسي، وصولاً إلى الملاعب السيئة التي أضرت باللاعبين وصعبت مهمة تناقل الكرة بينهم. واجتمع مع كل ذلك الإرهاق والإجهاد البدني غير المسبوق مع 4 مباريات بمجموع 480 دقيقة.
رغم خسارة اللقب إلا أن نجوم الفراعنة وكل الجهاز الفني والطبي والإداري قدموا ملحمة مصرية كبيرة على الأراضي الكاميرونية. شرفوا مصر بشكل رائع، وكسبوا احترام الجميع. رغم خسارة اللقب في النهاية، خرج منتخبنا بمكاسب وغنائم عديدة.
كيروش.. لمنتخب مصر الآن مدرب كبير!
المدرب البرتغالي كيروش من أبرز المستفيدين من تلك البطولة وأكبر المزايا لمنتخب مصر. خاصة وأن الجماهير تحولت من المنتقدة لآدائه إلى راضية عنه إلى حد بعيد. وقد استطاع أن ينال كل الثقة عقب انتهاء المنافسات. وذلك على الرغم من عدم إحراز اللقب.
قبل انطلاق منافسات الكان شكك الكثيرون في البرتغالي كيروش، لدرجة تضاعفت عقب مباراة نيجيريا والخسارة المصحوبة بالأداء الباهت. إلا أنه مع انتهاء المنافسات عادت الثقة إليه بدرجة كبيرة. فقد أثبت أنه مدرب عملاق قادر على تقديم مباريات كبيرة بداية من كوت ديفوار إلى النهائي.
جيل جديد لمنتخب مصر.. وروح قتالية عظيمة
أحد أهم مكاسب بطولة أمم أفريقيا الأخيرة هو بناء جيل جديد قوي لمنتخب مصر. وهو جيل يضم عناصر مميزة من اللاعبين الشباب والخبرة، يستطيع أن ينافس على البطولات في قادم المواعيد.
ويتسم هذا الجيل بالروح والعزيمة طوال مشوار البطولة. فضلاً عن اللعب من أجل إسعاد الجماهير المصرية. وكذلك الروح القتالية العالية حتى ’خر لحظة في المباراة. ظهر هذا جليًا في مشاهد عدة. خاصة أمام النجوم الأفارقة الكبار في المنتخبات السمراء التي لاقاها المنتخب، مثل الكاميرون والسنغال وقبلهما كوت ديفوار.
بعد سنوات الغياب.. المنتخب يستعيد الهيبة
واحدة من أبرز مميزات وغنائم البطولة الأفريقية المنقضية أيضًا هي استعادة هيبة المنتخب الوطني. وكانت ضائعة منذ سنوات، وتحديدًا منذ جيل حسن شحاتة الذهبي، والفوز بثلاثة ألقاب قارية متتالية آخرها عام 2010.
وقد اكتسب المنتخب المصري احترام الجميع في القارة السمراء، وبدى واضحًا على كل منافسيه الذين واجههم في بطولة الأمم الأخيرة الحذر الشديد من قوة الفراعنة، واللعب بحرص كبير أمام نجوم فريقنا القومي. وهكذا بدى في تصريحات نجوم المنتخبات الأفريقية لوسائل الإعلام المختلفة.
جواهر جديدة في صفوف الفراعنة
لعل أبرز ما كسبه المنتخب المصري من بطولة الكان الأخيرة هو اكتشاف عدد من اللاعبين الذين سيكونون نواة لبناء جيل قوي قادر على تحقيق الألقاب في المستقبل. جواهر ثمينة ضمتها تشكيلة مصر. وقد كان لهم التأثير الكبير في المباريات. وهنا، يحسب للمدرب كيروش جراءته في الدفع بهؤلاء اللاعبين الذين نجحوا في فرض أنفسهم.
من بين هذه المواهب محمد عبد المنعم مدافع النادي الأهلي الشاب الذي ظهر بأداء بطولي طوال مشوار البطولة. وكذلك أحمد فتوح لاعب الزمالك المتألق. بالإضافة إلى عمر كمال ومهند لاشين وإمام عاشور وأحمد سيد زيزو وعمر مرموش. كل هؤلاء النجوم مكاسب لمصر من بطولة أمم أفريقيا، وسيعول عليهم الجهاز الفني لمنتخب مصر كثيرًا في المستقبل.
التوحد خلف منتخب مصر ونسيان قمصان الأندية
من أبرز مكاسب البطولة كذلك عودة التلاحم بين الجماهير المصرية. حيث شهدت هذه المسابقة وحدة الجماهير بشكل كبير بعد تصريحات القائد محمد صلاح. وطالب جماهير الكرة بمساندة المنتخب دون الالتفات إلى الأندية. وهو ما حدث بعد ذلك.
هذه الروح كانت مفقود طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر. بعد أن دخل الجميع في صراعات القطبين الأهلي والزمالك. ووصل الأمر لتعصب حاد ومناوشات بين الجانبين، وأزمة حقيقية خانقة. قبل أن يهدأ المنتخب المصري من روعها بالبطولة الأخيرة. خاصة حالة التآخي بين نجوم الأهلي والزمالك والروح الكبيرة لديهما التي ظهرت على الشاشات.
أبوجبل أسد العرين وصلاح قائد حقيقي
سجلت البطولة مكسبًا مهمًا، وهو الحارس الثاني للفراعنة ونجم نادي الزمالك محمد أبو جبل، الذي قدم بطولة أكثر من رائعة، وساهم بتصدياته العظيمة في المباريات وتألقه الجبار في ركلات الترجيح أمام أكبر منتخبات القارة ونجوم العالم، ليبهر الجميع ويثبت أنه حارس من طينة الكبار والعظماء الذين ارتدوا قميص المنتخب على مر العصور.
وكان لزميله الحارس الأول محمد الشناوي الذي أصيب أثناء البطولة ولم يكملها ومدربه عصام الحضري الدور الكبير في مساعدته لتحقيق هذا التألق، الذي طمأن كل الجماهير على مركز حراسة المرمى، بتواجد أبو جبل الذي كان له نصيب من اسمه بهذه البطولة وكان كالجبل حقيقة.
أيضًا، كسبنا القائد محمد صلاح، والذي لاقى تشكيكات كبيرة في إمكانية قيادته للمنتخب وعدم جدارته بشارة القيادة. إلا أنه أظهر روح القائد وحرص على تحفيز وتوجيه اللاعبين خلال البطولة. وهو ما ظهر جليًا خلال المباريات الفاصلة.
مكاسب مالية جيدة
آخر المكاسب التي حققها المنتخب خلال البطولة هي الجوائز المالية، حيث حصد منتخبنا وصيف البطولة جائزة مالية قيمتها 2.75 مليون دولار، وهي تعد غنيمة جيدة تساعد الاتحاد في تحسين أوضاعه وتصحيح مشاكل ونواقص وأزمات المنتخب القومي قبل التحدي الأهم بتصفيات كأس العالم المقبلة، فيما حصل منتخب السنغال على الجائزة الأكبر المقدرة بـ5 ملايين دولار.
فرصة مواتية للانتقام من زملاء ماني
ومن المقرر أن يلتقي منتخب مصر نظيره السنغالي في التصفيات النهائية لكأس العالم التي ستلعب في قطر بنهاية العام الجاري، يومي 24 و29 مارس المقبلين بنظام الذهاب والعودة، ومن يتفوق في مجموع المباراتين يتأهل مباشرة للمونديال.
وتعد خسارة نهائي أمم أفريقيا حافزًا قويًا للاعبي منتخب مصر، في تحقيق الفوز على السنغال في المباراتين الفاصلتين اللتان ستلعبان بنهاية مارس المقبل. فمن المتوقع أن يقاتل نجوم الفراعنة فيهما لرد الاعتبار والانتقام من أسود التيرانجا وإسعاد الجماهير المصرية بالتواجد في نهائيات كأس العالم المقبل للمرة الثالثة في تاريخنا.