أصبح نظام تحويل الأموال عبر الحدود سويفت رأس الحربة في الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا. وهو بديل قوي لاستخدام القوة حال فضلت روسيا مواجهة رد الفعل الغربي إزاء أي محاولة لاقتحام الحدود الأوكرانية. فسياسة العقوبات الأمريكية لن تكون هذه المرة شبيهة بما حدث إبان ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014. خاصة بعدما أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، قدرة واشنطن على فرض تكاليف سريعة وباهظة.

إذ تشهر الولايات المتحدة حاليًا خطة التسوية المالية العالمية “سويفت”. والتي تختصر تعريف مجتمع الاتصالات المالية العالمية بين البنوك. وهي جمعية تعاونية مقرها بلجيكا. وتضم ​​11000 مؤسسة مالية توفر رسائل آمنة للمعاملات المالية العالمية. وقد تم استحداثها عام 1973 لتحل محل التلكس.

يمكن تطبيق نظام سويفت لتبادل الرسائل في مختلف العمليات. ذلك مثل مطابقة أوامر العملاء بين الجهات المتداخلة بالعملية، والتصديق عليها كما في التحويلات النقدية الخاصة بالعمليات ونتائج التسوية. وأيضا في التصديق على تنفيذ عمليات التداول وتسويتها بين الأطراف المعنية. وبالطبع يمكن تطبيقها بكافة العمليات المتعلقة بالتغير في أرصدة العملاء.

قبل 10 سنوات، فعّلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ذلك السلاح في مواجهة طهران. مع استبعاد البنوك الإيرانية من النظام كجزء من حملة العقوبات التي نجحت في نهاية المطاف في إقناع إيران بالتفاوض على صفقة تحد من طموحاتها النووية.

“سويفت” تتضمن 42 مليون شفرة يتبادلها 11500 مستخدم في 200 دولة يوميًا. وذلك لتنسيق المدفوعات. ويفترض أنها محايدة تخضع لسلطة الاتحاد الأوروبي وليس سلطة الولايات المتحدة الأمريكية.

سويفت.. أكثر من مجرد نظام تحويل أموال عبر الحدود

جوتفريد ليبرانت، الرئيس التنفيذي السابق لـ”سويفت”، يقول إن النظام مستقل من الناحية الفنية. إلا أن أكثر من 40% من تدفقات مدفوعاته كانت بالدولار الأمريكي. وبالتالي لدى واشنطن سلطة عقوبات فعالة عليه.

التهديد بطرد المؤسسات الروسية من نظام “سويفت” تم الحديث عنه أكثر من مرة في أعقاب ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014. وحدث مرة ​​أخرى عام 2018 عندما سعت لمنع أوكرانيا من الوصول لبحر آزوف المتاخم للبحر الأسود. لكن الرغبة لتفعيله حاليًا تبدو أقوى من أي وقت مضى.

سبق أن حذر رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف في 2018 من أن الاستبعاد من نظام سويفت “سيكون في الواقع إعلان حرب. وقد أسست موسكو وبكين حينها خدمات الرسائل المالية الوطنية الخاصة بهما لضمان استمرار عمل مؤسساتهما.

ومن المتوقع أن تتضمن حزمة العقوبات الأمريكية بعض المكونات المالية والطاقة. ويمكنها منع بدء تشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا. رغم أن ذلك سيترك ألمانيا والكثير من أوروبا، تحت رحمة خط الأنابيب عبر أوكرانيا.

ويمكن أن تشمل الإجراءات المالية عقوبات على البنوك الروسية الكبرى. لكنه سيسبب الكثير من الصعوبات للشركات الأوروبية. فبمجرد وضع أحد البنوك على القائمة لا يمكن للمصارف والشركات بجميع أنحاء العالم التعامل معه دون أن يخضعوا للعقوبات الأمريكية. بما في ذلك حظر التعامل بالدولار.

حال قصر العقوبات المالية على البنوك من الدرجة الثانية أو أقسام معينة من البنوك الكبرى يمكن أن يُنظر إليه على أنه إشارة ضعف. كما أن معاقبة التجارة الثانوية بالسندات الحكومية الروسية سلاح غير فعال. فديون موسكو تبلغ 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ولديها احتياطيات وفيرة. وبالتالي يظل “سويفت” هو القرار الأقوى والأصعب.

الطرد من سويفت بمثابة تهديد شعبي بحسب بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني. وقد قال إن حكومته تناقش مع الولايات المتحدة احتمالية حظر روسيا من نظام سويفت. كما حذر البنك المركزي الأوروبي من الاستعداد في اليوم التالي، حال صاغ المشرعون الأمريكيون قانونًا يهدف إلى تحقيق ذلك.

كرة سويفت في ملعب أمريكا وروسيا

يظل الحماس الأوروبي لطرد روسيا من سويفت مرهونًا بمدى طموح ودموية غزو روسي جديد. مع وجود خيار آخر بتوقيع عقوبات على خمسة بنوك كبيرة مملوكة للدولة، تخضع بالفعل “لعقوبات منخفضة الحدة”. أو توسيع الأمر ليشمل بنوك القطاع الخاص في العقوبات بما يمنعها من مبادلة الدولارات بالروبل.

بريان أوتول، الخبير في أتلانتيك كاونسل، يقول إن العديد من المعاملات عبر الحدود تتم عبر  الدولار. وبالتالي، فإن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب ستؤدي إلى 75% من العقوبات الأمريكية الأوروبية المشتركة.

ورغم أن احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية البالغة 630 مليار دولار تعطي حصانة للاقتصاد الروسي. لكن المواطنون العاديون سيعانون. ذلك لأن روسيا استحوذت على 1.5 في المائة من إجمالي المعاملات على شبكة المدفوعات الدولية “سويفت” عام 2020 .

وقد طورت موسكو بنفسها نظام مراسلة بديل يسمى SPFS. وهو يعالج حوالي خمس المدفوعات المحلية. لكنه سيكون بطيئًا وغير آمن، وهو قريب من رسائل البريد الإلكتروني أو التلكس أو الفاكسات التي عفا عليها الزمن.

يمتلك SPFS حاليًا نحو 400 عميل بحسب البنك المركزي الروسي. لكن حجم الرسائل محدود. كما أنّ عمليات النظام مقصورةٌ على أيام العمل الأسبوعية، وليس على مدار جميع أيام الأسبوع وطول ساعات اليوم الواحد.

إدوارد فيشمان، زميل مساعد في مركز الأمن الأمريكي الجديد، يرى أن أي بنوك مستهدفة بالعقوبات ستواجه “مشكلات سيولة كبيرة” وفقدانًا كبيرًا للثقة. ما يعني أنها قد تحتاج لإنقاذ من خلال الكرملين ما يجعله فعالًا عن مجرد قطع البنوك عن “سويفت” الذي سيكون بمثابة صداع وليس تهديدًا وجوديًا.

دانيال تانيباوم، المسؤول السابق في المكتب الأمريكي لمراقبة الأصول الأجنبية، يقول إن قطع البنوك الروسية عن سويفت سيكون مثل استخدام البازوكا. في حين أن البندقية ربما تكون بنفس الفعالية تقريبًا.

أضاف أنه من الأفضل تحديد عدد قليل من المؤسسات المالية الروسية المحددة بطريقة تقطعها بشكل أساسي عن الاقتصاد العالمي. ذلك مع السماح للمؤسسات الصغيرة بالعمل لتمويل التجارة التي لم يتم حظرها.

موسكو تهدد بسلاح الغاز

السياسيون الروس هددوا في المقابل بسلاح الغاز ووقف تدفقاته التي تعتمد عليها أوروبا في 40% من الإمدادات. ذلك في وقت تشهد فيه أوروبا أسعارًا قياسية للغاز ونقصًا في الإمدادات، ومع ارتفاع أسعار النفط عن 90 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014.

نيكولاي جورافليف، نائب رئيس مجلس الشيوخ بالبرلمان الروسي، قال إنه حال انفصال روسيا عن سويفت: “لن نسلم بضائعنا – النفط والغاز والمعادن”.

وفقًا لمركز كارنيجي في موسكو، فإن قطعها عن “سويفت” سيؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي لموسكو بنسبة 5%. وقد سجل الناتج المحلي الروسي في آخر الأرقام الرسمية المعلنة 1.58 تريليون دولار بما يعني أن الخروج من سويفت يكبد روسيا 75 مليار دولار.

وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي في العام 2022 من 2.9% إلى 2.8%، أما بالنسبة للعام 2023 فعلى العكس فقد رفع الصندوق توقعاتها لنمو الاقتصاد الروسي من 2% إلى 2.1%.

يوفر نظام “سويفت” التكنولوجي مزايا تجعل البحث عن بدائل غير جذاب نسبيًا رغم سلاسة فكرته  فأنظمة المراسلة المالية البديلة التي أنشأتها الصين (CIPS)  وروسيا (SPFS ) ليست مبنية على نظام الكتل  وهي  مستنسخات من سويفت تتنافس معها فقط إلى المدى المحدود.

بينما يتعهد الرئيس بايدن بأنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا ستواجه عواقب اقتصادية وخيمة  وتطبيق حزمة شديدة من العقوبات التي من شأنها قطع الاقتصاد الروسي فعليًا عن جزء كبير من النظام المالي العالمي بما يلمح لـ”سويفت”، يقول مسؤول العقوبات في وزارة الخزانة بإدارة أوباما إن الاقتصاد الروسي وحش مختلف، وأنه ضعف حجم أي اقتصاد فرضته الولايات المتحدة على الإطلاق.