اليوم هو يوم الاحتفال بعيد الحب “الفالنتين” أعاده الله على المرتبطين بدوام الارتباط والمتزوجين والسناجل بالصبر والحرمان، أما بعد، فالحب يا أعزائي ومن وجهة نظر سيدة أربعينية مثلي سمعت وعرفت تجارب كثيرة، وأنا أعتقد أن لدي تصورات مهمة عن الحب، ونظريات تكونت على مر السنوات بالمشاهدة أو بالاشتباك المباشر أو بالقراءة أو حتى بالمنطق الذي يزداد أثره في تكوين وجهات النظر والآراء مع التقدم في السن. أقول إن الحب هو ما ندور حوله منذ طفولتنا، نبحث عنه، أو نعاني منه، أو نحاول أن نوجد له معنى ونفشل، نهرب منه أحيانًا، نغني له ونصنع له أفلامًا، وتؤلّف له الكتب في سبيل فهمه أو إرشاد الآخرين للحب المثالي، وكيف نتعامل مع الحبيب أو كيف ننجح في العلاقات العاطفية بشكل عام.. وأيضًا لاحظت أن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة التي ترسخت بداخلنا حول الحب فصارت مع الوقت حقائق علمية يجب أن تؤخذ كما هي.
“واعرف حكايات مليانة آهات ودموع وأنين”
مرسي جميل عزيز/أم كلثوم
(1)
مراية الحب عمياء:
أو الحب أعمى، هذا غير صحيح مطلقًا. فنحن نرى العيوب وندركها تمامًا. ثم نتغاضى عنها بارادتنا الحرة، نُطنشها تمامًا. لا نفكر فيها كثيرًا وحين تظهر مشكلة بسبب أحد هذه العيوب نكون مدركين تمامًا أن هذا هو السبب. لكننا لن نقول بشكل واضح لا للطرف الآخر أو لأنفسنا حتى لا تكبر المشكلة ويزداد البعاد. نحن نرى ونُبصر العيوب جيدًا. كل ما هنالك أننا لا نقول ذلك بصوت عال إلا في حالة واحدة وهي التحجج بالفراق أو التلكيك بالهجران، فهنا تُصبح العيوب جلية واضحة منطوقة نتغنى بها وندور نخبر بها الجميع، فلم نعد نطيق صبرًا بسبب عدم احتمال ما كنا نراه منذ البداية، أو لأننا سئمنا الحدوتة ونريد بداية أخرى طازجة.
“واصدق كل كلمة قلتهالي واكدب في هواك ظني وعينيا”
عبد الفتاح مصطفى/أم كلثوم
(2)
الحب يحدث رغمًا عنا:
يقولون إن الحب يحدث من أول نظرة، أو أننا “نقع” في الحب وكأنه حفرة في طريقنا. حسنا هذا كلام غير علمي وغير واقعي. أولًا غير علمي: لأن النظر لشخص يجعلك معجب به تلتفت له وتتابعه ببصرك نعم. ولكن تُحبه؟ عفوًا فإن ظننت هذا فهو الحماقة. ثانيًا: غير واقعي: لأنه بالمنطق الحب يمر بمراحل كثيرة أولها الإعجاب بالطبع. ولكن كثيرًا ما لا تكتمل دائرة الإعجاب تلك، وتنتهى للحب. فكم من أشخاص وجدناهم لطفاء وطيبون ولكننا لم نستطع أن نحبهم. بل أن بعض من هؤلاء اللطفاء صارحونا بحبهم ولم نستطع أن نبادلهم الحب مع أننا سبق وكنا معجبين بهم.
الحب قرار، بشكل غير مباشر أنت بداخلك تقرر أن تحب هذا الشخص الذي أثرت فيك طلته واُعجبت به، لن تلاحظ هذا الفعل- اتخاذ القرار- إن كنت صغيرًا في العشرينات. ولكن مع مرور السنوات ستنتبه لما يحدث بداخلك وستلاحظ أن عقلك يقرر بشكل ما أن يذهب في هذا الاتجاه نحو هذا الشخص سواء كان سيء أو جيد. فأنت ماشي ومكمل وواخد القرار ولكنك تتوهم أنك مسلوب الإرادة تمامًا و”واقع لشوشتك”.
“أمروني أحب لقيتني باحب.. أمروني أحب وأدوب ف الحب”
مرسي جميل عزيز/أم كلثوم
(3)
قلب أحمر وسهمين:
دائمًا ما نربط بين الحب وشكل القلب الأحمر، وقد نزيد عليهما كما كنا نفعل صغارًا- سهمين وحروف أسمائنا في آخر صفحة في كشكول الواجب. حسنا لا علاقة بين الشعور بالحب والقلب، فالقلب ليس مصدر الحب ولا مكان الإحساس به، ولا سكن للحبيب ولا منبع الشوق. وما يحدث عند الشعور بالإعجاب هو افراز هرمون السيروتونين. وهو هرمون السعادة وهرمون الأدرينالين، فتزداد نبضات القلب وقد تحدث رعشة في اليدين والشعور بالهدوء والحماس في وقت واحد وكذلك فقدان مؤقت للشهية.. ألم تلاحظ أن البطل في الأفلام الرومانسية حين يعود للمنزل من لقاء حبيبته تناديه أمه لتناول الطعام فيخبرها أنه “شبعان قوي قوي يا ماما” أو تضع البطلة يدها على خدها وتخبرها “ما ليش نفس يا ماما.. كلوا أنتوا”. فالموضوع عبارة عن مواد كيمائية يُطلق صراحها المخ فتؤثر على حركة القلب.. فقط.
أما القلب نفسه فهو مجرد عضو عضلي مجوف تتقلص عضلاته ما يقارب سبعين مرة في الدقيقة. وهو يضخ بهذه النبضات نحو عشرة آلاف لتر من الدم في اليوم الواحد إلى جميع إنحاء الجسد. ويقوم القلب بعملية ضخ هذه الكميات الكبيرة على مدى الحياة. وفي بعض الأحيان كما عند إجراء التمارين الرياضية، يزيد القلب كمية ضخه للدم إلى خمس مرات عن المعتاد.
بس هكذا يا جماعة، إذا أردنا أن نصنع لوجو للحب، شعارًا يعني فلنضع صورة المخ بلون أزرق كيمائي جميل. فهو السبب الرئيسي للإحساس بالسعادة، أو لتكن المعدة بلون برتقالي فاقع فهي تتأثر أيضًا بهرمون السعادة.
“والقى نعيم قلبي يوم ما التقيك جنبي”
أحمد رامي/أم كلثوم
(4)
“أنت القلب الكبير” بصوت شويكار في مسرحية سيدتي الجميلة
كثيرون يروجون لأنفسهم أن قلبهم كبير ويساع من الحبايب كثيرين. بالطبع هي أكذوبة يروجون لها خاصة الرجال. فهي عادة مستحبة بين الرجال أن يخبروا بعضهم البعض بذلك. ربما ليذكر نفسه أنه أمر مشروع أو ليجد رجل آخر مثله يؤيده في ذلك. فيبررون الخيانة أو تعدد الزوجات أو حتى العين الزائغة التي هي أضعف الممارسات لهذه الحقيقة الزائفة التي يعتقدونها.
حين يحب أحدنا سواء رجل أو امرأة فهو شخص واحد فقط الذي نراه. يصبح هو الذي يملأ العين ويُريح العقل ويُشبع الجسد. وحين ننظر لشخص آخر فهذا معناه أننا لم نكن نحب حقًا أو أنه كان حقيقيًا، ولكنه انتهى لأسباب كثيرة. حينها يجب أن نعلن ذلك بوضوح. فلا يوجد ما يسمى بقلبي كبير وأقدر أحب اتنين. وهذه تُرضيني في جانب والأخرى في جانب آخر.. هذا استهبال صريح، ولا أريد أن أصفه بصفة أخرى أكثر وضوحًا. لأن هذا مقال محترم ولا يصح أن نذكر فيه الشتائم أعزك الله.
“القلب يعشق كل جميل”
بيرم التونسي/أم كلثوم
(5)
الحب الحقيقي يدوم
ولا البلاستيك كمان. لا يوجد ما يسمى بدوام أي نوع من أنواع المشاعر. لا خوف يدوم ولا فرح أو حزن يدوم. الأصدقاء يأتون ويرحلون. أنت شخصيًا كل مرة أحببت فيها تظل تقول استحالة أن ينتهي هذا الحب، ولكنه ينتهي، كما سينتهي أي حب آخر وأي علاقة أخرى ستخوضها. ليس لأن بك عيبًا ما، فكلنا هكذا، وليس لأننا غير طبيعيين، بل نحن كما صنعتنا الطبيعة تمامًا، كل شيء في الطبيعة له مراحله، يبدأ وننبهر ونتسحل وننشرح ونغيب عن العالم ونتغنى ثم نفيق ونحاول استعادة البدايات والصفاء. ولكننا نبتعد ولا نصدق ثم نصدق وندرك ونظن أن هناك عيبًا ما بنا أو في اختياراتنا.. لكن كل ما هنالك أننا ننضج.. تفكيرنا يتغير، احتياجاتنا في شريكنا تتغير مع الوقت. نرى أشياءً لم نكن نراها في زحمة الانبساط والحماس وحين تهدأ النفوس تتجلى الحقيقة ونعرف ماذا نريد. فنفارق ونبتعد ونتألم ثم نقترب كالفراش من ضوء شخص آخر ونبدأ مرة أخرى مع شخص جديد بتفكير مختلف واحتياجات أخرى. وهذا لا يعني أن حبنا لم يكن حقيقيًا. مطلقًا، ببساطة نحن وأيضًا الطرف الآخر تغيرنا.. فحكاية أن الحب الحقيقي دائم وأنه لا ينتهي هي أسطورة صنعناها. الدوام لله وحده.
“واللي صدق في الحب قليل
وإن دام يدوم يوم واللا يومين”
بيرم التونسي/أم كلثوم