وافق مجلس الشيوخ، نهائيا على مشروع قانون العمل المقدم من الحكومة. بعد دراسة استمرت أربعة أشهر، وذلك بعد عرض مشروع قانون العمل الخاص على مجلس النواب منذ عام 2017. لتحقيق التوازن بين أطراف الإنتاج، وتحديد العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
“مشروع القانون يستهدف معالجة السلبيات التي أسفر عنها تطبيق قانون العمل الحالي. رقم 12 لسنة 2003 بتعديلاته، والتي وصلت إلى اختلال العلاقة بين أطراف العملية الإنتاجية”. كما قالت لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ في تقريرها.
خرج القانون من جانب مجلس الشيوخ تمهيدا لإرساله إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. ولكن على الصعيد العمالي، هناك عدد من الانتقادات تلاحق هذا المشروع.
حماية حقوق العمال
شهدت الجلسة عدد من المناقشات وعدد من المقترحات من جانب النواب، للوصول إلى قانون يحمي العامل. فمن جانبه يرى النائب حسام الخولي رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، أن قانون العمل الجديد يحمي العامل أولا وكذلك صاحب العمل ويعمل على تشجيعه بإنشاء شركات ومصانع.
وأشار الخولي إلى أن مشروع قانون العمل الجديد بشأنه أن يساهم في إخفاء أية معوقات، موضحا أن القانون يخاطب مؤسسات قد تكون صغيرة في عدد العمالة.
قانون العمل من الشيوخ
وعلى صعيد أخر، أوضح المستشار بهاء أبو شقة، رئيس حزب الوفد ووكيل أول مجلس الشيوخ. أن مشروع القانون الذي يتضمن 267 مادة، يحقق استقرار علاقة العمل بين العمال وأصحاب الاعمال. كما يضمن القانون تفعيل سبل الحوار المجتمعي وآليات التسوية الودية. بدءًا من المفاوضات وصولا إلى التحكيم الذي ينهى النزاع بحكم واجب النفاذ.
وفيما يتعلق بتنظيم علاقات العمل الفردية، أشار التقرير إلى أن المشروع حدد عددا من الحالات منها انتهاء العقد بمجرد انتهاء مدته. أو إذا أبرم عقد العمل لإنجاز عمل معين انتهى العقد بإنجاز هذا العمل ويجوز تجديده باتفاق صريح بين طرفيه. أو إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لأي من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بثلاثة أشهر. فيما يعتبر العامل مستقيلًا إذا تغيب دون مبرر مشروع أكثر من عشرين يوما متقطعة خلال السنة الواحدة. أو أكثر من عشرة أيام متتالية على أن يسبق ذلك إخطاره بخطاب موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل أو من يمثله. بالإضافة إلى العديد من المواد حول عقد العمل غير محدد المدة، والإخطار بالإنهاء من جانب صاحب العمل.
وخصص مشروع القانون بابا لتنظيم عملية التدريب، ونص على إنشاء مجلس أعلى لتنمية الموارد والمهارات البشرية. كما خصص مشروع القانون فصلا لتنظيم تشغيل النساء، لحمايتهن من التمييز ضدهن. وضمان المساواة بين جميع العاملين متى تماثلت أوضاع عملهم.
كما أحظر مشروع القانون تشغيل الأطفال قبل بلوغ 15 عاما، مع الإشارة لجواز تدريبهم متى بلغوا 14 عاما. وألزم صاحب العمل الذي يستخدم طفلا دون الـ16 بمنحه بطاقة تفيد بعمله لديه. وأبقى المشروع على حظر تشغيل الطفل أكثر من 6 ساعات يوميا. مع تخلل هذه الفترة راحة وتناول طعام مع حظر تشغيله في الفترة بين السابعة مساًء والسابعة صباحا.
إعادة إنتاج القانون القديم
فمن جانبه أوضح كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية. متسائلا: “لماذا يتم الدفع بقانون جديد”. مشيرا إلى أن مشروع القانون الذي تم الانتهاء منه لا يختلف عن القانون العمل الحالي رقم 12 لـ 2003.
وأوضح عباس، في تصريحات لـ ” مصر 360″ قائلا: “كان على المشرع أو الحكومة عند تعديل قانون النظر إلى المشاكل التي سببها القانون خلال فترة تطبيقه. والتي استمرت من 2003 وهي مدة كافية للتعرف على المشكلات الناتجة ولم يتم تلافيها في المشروع الجديد. والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على سوق العمل”.
وأشار إلى أن حجم القطاع الخاص ازداد بشكل كبير بجانب حجم العمالة غير الرسمية والتي وصلت إلى 14 مليون. في المقابل حجم العمالة في الشركات الحكومية تقلصت بحكم التصفية لعدد من المصانع.
قوانين العمل لحماية الجانب الأضعف
وفيما يتعلق بتنظيم آليات العمل، أوضح المنسق العام لدار الخدمات النقابية، أن مواد قانون العمل تحمل تناقضا في مسألة فصل العامل. وهو ما أبقى عليه المشروع الجديد، حيث أجاز للعامل وصاحب العمل حق إنهاء علاقة العمل بإبلاغ الطرف الثاني قبل شهرين. مبررا بذلك الفصل، قائلا: “لا يصح أن يتم المساواة بين قوة صاحب العمل وقوة العامل. وقوانين العمل نشأت لتحمي الجانب الأضعف وهو العامل والمشرع لم يفعل ذلك”.
وأضاف عباس أن المشروع الجديد لم يحمي القطاع الأكبر وهو العمالة غير الرسمية والذي يشكل 45%. حيث أبقى على نفس مواد القانون الحالي بتوفير إعانة 3 أشهر وبشروط. فكان من المفترض أن تحمى هذه الفئة ويتم توفير الحماية القانونية لها وبعقود عمل محدد بها ساعات العمل والأجور.
وعن مشروع القانون الجديد، أشار عباس إلى أنها ليست تغييرات جوهرية، حيث منح 3 شهور إجازة وضع للمرأة. وذلك وفقا لما جاء في قانون الخدمة المدنية حتى لا يكون هناك أي تمييز. كما قام بعمل محكمة عمالية مختصة لتسريع وتيرة التقاضي. وانتقد بشدة تخفيض أجر العلاوة والتي كان مقدرا لها 7% على الأجر الأساسي لتصبح 3% على الأجر التأميني بسبب رفض رجال الأعمال الامتثال لتطبيق الحد الأدنى للأجور.
وأنهى عباس ملاحظاته بالاستنكار: “إذا لم تدرس قانون يحمي العمال فلماذا التغيير إذا.. فلم تحدث تغييرات جذرية أو مراعاة للتغييرات”.
وكانت دار الخدمات طالبت البرلمان المصري بضرورة إجراء حوار مجتمعي حقيقي حول مشروع القانون قبل مناقشته وإقراره. على أن يشارك في هذا الحوار ممثلو العمال الحقيقيون، بدلا من أن يقتصر كما سبق. على ممثلي رجال الأعمال وممثلي الحكومة متمثلة في “وزارة القوى العاملة” واتحاد العمال الرسمي المنفصل عن مصالح العمال وهمومهم.
الطرف الأقوى في علاقة العمل
الكاتب طارق عبد العال، أشار إلى التغيير الكامل في النظرة العامة للقانون من جهة المشرع. ما جاء في نص المادة 79 من مشروع القانون والذي جعل الأجور، بعد مراعاة الحد الأدنى. من اختصاص المجلس الأعلى للأجور بما يضمن تحقيق التوازن بين طرفي علاقة العمل وضمان زيادة الإنتاج.
وتسائل عبد العال “هل مثل ذلك الأمر بهذه السهولة، أم أن الحكومة صاحبة مشروع القانون قد مالت ناحية الطرف الأقوى في علاقة العمل وهم أصحاب الأعمال”. وما يؤكد ذلك ما تضمنته المادة 78 من مشروع القانون في تشكيل مجلس الأجور. والذي نص على أن يشمل أربعة من العمال يختارهم الاتحاد العام للنقابات. مشيرا إلى أن المشروع قد حدد نسبة العلاوة الدورية بـ 3% بدلا من 7 %. حيث لم تأت النصوص بصيغة قاطعة الدلالة بخصوصها، وهو ما يحتاج إلى مراجعة كاملة لهذه الحقوق.
قانون بلا مساواة
ومن خلال قراءة نقدية من منظور النوع الاجتماعي لمشروع قانون العمل الجديد. أوضحت الباحثة النسوية، منى عزت أن مشروع القانون خلا من ذكر الاتفاقية 100 الخاصة بالمساواة في الأجور عن العمل المتساوي في القيمة. والاتفاقية 111 الخاصة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة، وهما الخاصتان بالمساواة بين الجنسين، والتي وقعت عليهم مصر، وذلك فيما يتعلق باتفاقيات العمل الدولية الموقعة عليها مصر.
وأضافت عزت خلال قراءتها للقانون، أنه لم يتضمن فلسفة القانون وأهدافه الإشارة إلى تحقيق بيئة عمل آمنة ومحفزة للنساء والرجال. أو الإشارة إلى القضاء على العنف والتمييز في العمل.
وأشارت عزت إلى أن الفصل الثالث الذي جاء بعنوان “تشغيل النساء” تم فيه الإبقاء على المادة 88 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003. التي نصت على حماية النساء من التمييز ضدهن وضمان المساواة بين جميع العاملين متى تماثلت أوضاع عملهم. وتتعارض هذه المادة مع المادتين التاليتين (89/90) وأيضا تم الإبقاء عليهما من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وهما تمنحان الصلاحية للوزير المختص أن يحدد الأحوال والمناسبات والأوقات والأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها. وبذلك تستمر الوصاية على النساء.
كما أوضحت عزت أنه كان من المنتظر أن يتم تعديل صياغة هاتين المادتين بما يتوافق مع التعديلات التي أجراها وزير القوى العاملة عام 2021 بإصداره قرارين (43/44) يتعلقا بهاتين المادتين (89/ 90) والذي أتاح فيهما الوزير جميع مجالات العمل للنساء ما عدا العمل في المحاجر.