في محاولة لمواجهة أول الأزمات التي تصاحب منصبه الجديد. كثّف المستشار الألماني، أولاف شولتس جهوده الدبلوماسية لتجنب هجوم روسيا على أوكرانيا. لذا ذهب إلى كييف أولاً قبل أن يتوجه إلى موسكو اليوم 15 فبراير/شباط.
وبمناسبة الزيارة نشر معهد كارنيجي في أوروبا تحليلًا قصيرًا أشارت فيه جودي ديمبسي رئيس تحرير Strategic Europe إلى أنه رغم نفي موسكو المتكرر نوايا لغزو أوكرانيا. تمركز ما يقرب من 130 ألف جندي على الحدود الشرقية للبلاد. بينما تجري تدريبات مشتركة في بيلاروسيا المجاورة.
كما نشرت روسيا سفنا حربية في البحر الأسود. وتقول “ديمبسي”: بينما تصر روسيا على أن الناتو هو الذي يشكل تهديدًا أمنيًا لموسكو. فإن ما تفعله روسيا بأوكرانيا يمثل تهديدًا أمنيًا كبيرًا. البلد محاصر تقريبًا من قبل القوات الروسية.
أشارت ديمبسي كذلك إلى أن تجنب الحرب يصب في مصلحة جميع حكومات الاتحاد الأوروبي وأوروبا الشرقية: “لقد تعرضت أوكرانيا بالفعل عدة مرات لإراقة الدماء. عانت البلاد من معاناة هائلة. من المجاعة التي فرضها السوفييت في ثلاثينيات القرن. والدمار المروع خلال الحرب العالمية الثانية على النازي والسوفييت. إلى مقتل أكثر من 13000 شخص عام 2014 بعد غزو روسيا لأوكرانيا الشرقية”.
وتابعت: مع التعزيز العسكري الروسي يبدو أنه لا توجد نهاية في الأفق لهذا الكتالوج من المشاكل. ما لم تغير ألمانيا موقفها.
تحركات روسيا
رغم الحديث عن التعزيزات العسكرية المتواصلة أكد الكرملين اليوم بدء عملية سحب مقررة لجزء من القوات الروسية المنتشرة عند الحدود مع أوكرانيا. لكن في الوقت نفسه شدد متحدث الكرملين على أن بلاده “ستواصل تحريك جنودها في أنحاء البلاد كما تراه مناسبًا”. وقال للصحفيين: “قلنا دائما إنه بعد انتهاء التدريبات سيعود الجنود إلى قواعدهم الدائمة. ما من جديد هنا. إنها عملية عادية”.
جاء هذا الإعلان بعد يوم واحد من إشارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن بلاده “مستعدة لمواصلة مباحثات المظالم الأمنية”. والتي أدت إلى الأزمة الأوكرانية. في تغيير واضح للنبرة العدائية التي قادت إلى أسابيع من التوتر المتصاعد.
في المقابل، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن روسيا تدلي بتصريحات متباينة باستمرار. وأضاف: لهذا السبب لدينا قاعدة. لن نصدق عندما نسمع، سنصدق عندما نرى. عندما نرى القوات تنسحب، سنصدق بأن التصعيد توقف.
غموض ألماني تجاه روسيا
توضح ديمبسي أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كُتب الكثير عن غموض ألمانيا تجاه روسيا. يعتمد هذا الغموض جزئيًا على التاريخ المعقد الذي شكل العلاقة بين هذين البلدين “ولكن حتى الآن فقط يمكن للتاريخ أن يذهب في تفسير تردد ألمانيا المستمر. في توضيح ما يحدث في أوروبا الشرقية بشكل عام وروسيا بشكل خاص. أرجعت الباحث غير المقيم بمعهد كارنيجي أن التفسير هو كون أوروبا الشرقية “موضع نزاع”، حسب قولها.
في الوقت نفسه، ترى موسكو، أنه يجب أن تظل دول الجوار الشرقي للاتحاد الأوروبي. بما في ذلك أوكرانيا، وبيلاروسيا، ومولدوفا، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان. في دائرة نفوذ روسيا. تضيف: هذه منطقة لا ينبغي أن تقترب من الاتحاد الأوروبي أو الناتو. إنها منطقة يجب أن تكون المنطقة الأمنية العازلة لروسيا.
لكن، إذا أصبح كل هذا حقيقة واقعة، فستصبح أوروبا الشرقية منطقة غير مستقرة للغاية. من شأنها أن تكبد كل من روسيا والاتحاد الأوروبي تكلفة باهظة. لهذا السبب يتعين على ألمانيا اتخاذ موقف بشأن مستقبل المنطقة ودور روسيا.
تشير ديمبسي كذلك إلى أن برلين تتحمل مسؤولية أخلاقية ومعنوي وسياسية واقتصادية للقيام بذلك الدور. بسبب ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية. تقول: “إذا كان بإمكان الرئيس فرانك فالتر شتاينماير أن يجادل بأن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه روسيا -كما فعل في عام 2021- فلماذا لا يمكنه قول الشيء نفسه عن بيلاروسيا وأوكرانيا؟ ما عليك سوى قراءة كتاب “أراضي الدم” لتيموثي سنايدر للتعرف على كيفية ذبح سكان هذه البلدان خلال أوائل الأربعينيات.
العمالة في مقابل حقوق الإنسان
تشير رئيس تحرير Strategic Europe، إلى أن المسؤولية السياسية تكمل الأخلاقية. ثم هناك الجوانب الاقتصادية. لكن الصناعة الألمانية حصدت فوائد العمالة المنخفضة التكلفة والقرب الجغرافي لهذه البلدان لممارسة الأعمال التجارية. زاد إجمالي التجارة مع شركائها الشرقيين بنسبة 20 % في عام 2021 إلى أكثر من 500 مليار يورو.
ووصفت صمت Ost-Ausschuss – أو اللجنة الشرقية الألمانية القوية والمؤثرة – لما كان يحدث في بيلاروسيا خلال العامين الماضيين وكيف يتم ترهيب أوكرانيا اليوم أمر مخجل. أما بالنسبة لموقف الصناعة الألمانية تجاه روسيا، فقد أصبحت العلاقات مع نظرائهم الروس -ولا سيما الرئيس فلاديمير بوتين والوفد المرافق له- قريبة جدًا، لدرجة أنها تؤثر على سياسة برلين تجاه روسيا.
وتوضح أنه “من النادر أن تقرأ أو تسمع من الشركات الألمانية التي تقوم بأعمال تجارية في روسيا حول تآكل حقوق الإنسان. وإغلاق المنظمات غير الحكومية، وسجن زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني، وحظر منظمة ميموريال لحقوق الإنسان. وهي منظمة خاصة للعديد من الروس الذين أرادوا حساب العصر الستاليني”.
ليست ألمانيا وحدها
لفتت ديمبسي إلى أنه يصعب تبرير هذا التحفظ بشأن روسيا في عهد بوتين نظرًا للهجمات الإلكترونية الروسية على البوندستاج -البرلمان الألماني- وقتل شيشاني في المنفى في برلين في عام 2019. ومحاولة قتل نافالني بعامل كيميائي. تقول: “إذا تحدث رؤساء الصناعة الألمان بوضوح حول ما يحدث في روسيا اليوم، فقد يؤدي ذلك إلى تشديد موقف الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولز، وإضعاف تأثير مؤيديه في روسيا”.
ووصفت شولز بأنه “لا يشكك أبدًا في نوع النظام الذي يتم بناؤه في روسيا وكيف ينذر بالسوء لأوروبا الشرقية”. مشيرة إلى أن هذه الدول “تحاول بصعوبة التحرك نحو الديمقراطية والاقتراب من الاتحاد الأوروبي”. في وقت تدعم فيه روسيا نظام ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا، مع استمرار تدخلها في السياسة المولدوفية، وترهيبها لأوكرانيا، وتأثيرها في أرمينيا وجورجيا. كلها -حسب ديمسي- عوامل تعمل على إحباط الاتجاه الغربي لهذه البلدان “إنهم يدورون حول كبح جماح بناء المؤسسات الديمقراطية”.
في ختام تحليلها، أشارت رئيس تحرير Strategic Europe، إلى أن ألمانيا لا تستطيع وحدها التأثير على ما يحدث في أوروبا الشرقية أو روسيا. ولكن بسبب موقعها في الاتحاد الأوروبي وعلاقتها مع روسيا، فإنها تتمتع بالقوة الاقتصادية.
وأكدت: “يجب أن تمتلك البوصلة السياسية لتتولى زمام المبادرة. تتطلب تلك القيادة إرادة سياسية لربط الجهود الدبلوماسية بالضغط الكبير على روسيا. قبل كل شيء”. تعني المؤسسات السياسية والاقتصادية الألمانية التي تدعم تطلعات مواطني أوروبا الشرقية.