يبدو أن ليبيا تنزلق بشكل أعمق إلى الفوضى السياسية. إذ أعلن مجلس النواب في طبرق يوم 10 فبراير/شباط الجاري قراره استبدال رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بفتحي باشاغا. ذلك السياسي المعروف من مصراتة والشخصية القوية في غرب ليبيا. وقد شغل باشاغا سابقًا منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني.
جاء قرار البرلمان الشرقي عندما كانت ليبيا تواجه بالفعل مأزقًا سياسيًا. وقد أعقب فشلها في إجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر. وكانت تهدف إلى بدء عملية تحقيق الاستقرار السياسي. بينما تم دعم التعيين بشكل مباشر من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والجنرال خليفة حفتر. ذلك على الرغم من أنهما كانا على جانبين مختلفين عن باشاغا خلال الحرب الأهلية.
في المقابل، شاغل الوظيفة الحالي الدبيبة رفض بإصرار ترشيح باشاغا. خاصة بعد أن نجا من محاولة اغتيال قبل ساعات فقط من التصويت. ولم يكن وحده، إذ عارضت الميليشيات الموالية له القرار أيضًا. بل واندفعت بسرعة إلى العاصمة طرابلس.
عندما بدأ باشاغا المشاورات لتشكيل حكومة جديدة بعد التصويت، قدم الدبيبة وصالح خارطتي طريق مختلفتين للانتقال السياسي في ليبيا. من خلال تحديد تاريخين مختلفين للانتخابات التي طال انتظارها في البلاد. هاتان الخريطتان المتضاربتان تشكلان معًا طبقة إضافية من التعقيد في المشهد السياسي الليبي. بينما في مواجهة هذه التطورات، أعلنت الأمم المتحدة أنها ستواصل دعم دبيبة كرئيس وزراء مؤقت لليبيا. مع التأكيد على الحاجة إلى عملية سياسية شاملة.
ومع ذلك، فإن أحداث الأسبوع الماضي قد تؤدي إلى إنشاء إدارتين متعارضتين. وهذا التطور يهدد بمزيد من الخطر على التحول في ليبيا. كما أنه يعيدها إلى الوقت الذي كانت فيه بمثابة ساحة معركة لحكومتين متنافستين. مرة أخرى، يلوح خطر حدوث دوامة أخرى من العنف في الأفق فوق ليبيا. وهو ما تناوله بالتحليل باحثو المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI).
تحالف باشاغا.. كيف نعرقل مسار الانتخابات؟
يقول الباحث أنس القماطي، مؤسس ومدير “معهد صادق” في طرابلس، إن تعيين عقيلة صالح لمنافسه الجديد رئيس الوزراء فتحي باشاغا، هو محاولة مقصودة للاستيلاء على السلطة من رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة. وهو يرى أنه من غير المرجح الآن إجراء الانتخابات الرئاسية. وأن مجلس النواب يسعى يائسًا لتجنب انعقاد الانتخابات البرلمانية ومن ثم إزاحته من السلطة.
ويضيف القماطي إنه على الرغم من الاحتجاجات في طرابلس ضد قرار صالح، فإن الشغل الشاغل لليبيين هو كيف سيؤثر التنافس السياسي بين باشاغا والدبيبة على وقف إطلاق النار؟ إذ يدعم باشاغا القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة خليفة حفتر. وقد حاولت الإطاحة بالحكومة الأخيرة في طرابلس في عام 2019.
وفق القماطي، فإن تحالف باشاغا ومحاولة الاستيلاء على السلطة من الدبيبة في طرابلس، يجبر الجماعات المسلحة القوية على اختيار الإدارة التي يدعمونها. ومن ثم باتت ليبيا في مواجهة صدع أيديولوجي يكسر التحالفات العسكرية في غرب ليبيا. وقد يشعل ذلك جولة جديدة من العنف في البلاد.
عمل كمحاضر زائر في كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي في روما، حيث تركّزت محاضراته على التحليل السياسي والسياسة العامة. كما تركِّز أبحاثه على القضايا الاجتماعية- الاقتصادية، وحوكمة العولمة، وقطاع الأمن، والإسلام السياسي في ليبيا. وهو مؤسس “معهد صادق” التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها وتعتبر أول مركز أبحاث في ليبيا.
هكذا هي الطبقة السياسية الليبية
تقول الباحثة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيديريكا سايني فاسانوتي إن تعيين مجلس النواب لباشاغا يمثل ضربة أخرى لعملية التحول الديمقراطي الليبية. كما أنه يظهر كيف أن السياسيين الليبيين لا يهتمون بالصالح العام بقدر اهتمامهم بأنفسهم.
وترى فاسانوتي أنه على المستوى العملي، ما لم يتراجع باشاغا خطوة إلى الوراء، فمن المتوقع حدوث توترات حادة بشكل متزايد. إذ بدأ مواطنو طرابلس بالفعل في الاحتجاج في الشوارع ضد مجلس النواب وباشاغا.
تقول الباحثة إنه من الواضح أن هذا التعيين، الذي قرره البرلمان المنتهي قبل سنوات، ليس له أي قيمة سياسية. لكنه يرادف السطحية المطلقة وفساد القيادة الليبية. بينما تشير إلى أن المجتمع الدولي لم يؤيد هذه الخطوة في الوقت الحالي. أو إلى الآن لم يفعل.
هي زميل مشارك أول في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، وأيضًا زميلة أولى غير مقيمة في مركز القرن الحادي والعشرين للأمن والاستخبارات، التابع لبرنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز. وقد حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة ميلانو في عام 2004، بدراسة العلاقة المثيرة للجدل بين الفاشية والصليب الأحمر الإيطالي.
باشاغا – حفتر.. صفقة الشيطان
ترى كلوديا جازيني، كبيرة المحللين بمجموعة الأزمات الدولية، أن تحالف فتحي باشاغا الجديد مع خليفة حفتر يمكن أن يتحول إلى صفقة مع الشيطان من أجل النفوذ. إذ كان دعم حفتر ضروريًا لتأمين دعم البرلمان في طبرق لباشاغا. بينما يظهر كليهما، في تعاونهما وكانا عدوين سابقين في ساحة المعركة، باعتبارهما المناسبين لبناء جسر التواصل الذي ينهي الانقسامات بين الشرق والغرب في ليبيا.
تتحدث جازيني عن كُلفة هذه الصفقة. تقول إنه في مقابل دعم حفتر، من المفترض أن يمنح باشاغا للوزارات الرئيسية مثل الدفاع والداخلية المفتاح الذي غاب عنها في الفترات السابقة. ذلك بتمويل المسؤولين الموالين لحفتر. وكذلك زيادة المخصصات المالية للقوات التي يقودها حفتر، والتي لطالما تمت المطالبة بها.
هذه المطالب، وفق جازيني، تعكس كيف تظل المحافظ الأمنية والمالية من أولويات حفتر. لكن هل ستقبل الجماهير التي تتخذ من طرابلس مقرًا مثل هذه التنازلات؟
هي كبيرة المحللين الاستشاريين بشأن ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية منذ عام 2012. بينما في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 ومارس/آذار 2018، عملت كمستشارة سياسية لغسان سلامة، الممثل الخاص والرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL).
باشاغا والدبيبة والميليشيات.. في ليبيا لا يزال حديث السياسة للبنادق
يقول المحلل عماد الدين بادي إن الميليشيات الليبية تقف في قلب المناورات الحالية على السلطة في ليبيا. وبالتالي، فإن تمركزها في مواجهة اللاعبين السياسيين المتنافسين سيكون العامل الرئيسي المحدد في شكل المشهد المقبل.
وقد انخرط كل من فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة في استعراض للقوة مؤخرًا في العاصمة الليبية طرابلس. حيث حشدوا الجماعات المسلحة الموالية لهما متخذين سياسة “حافة الهاوية” التي يمكن أن تحول المشهد بسهولة إلى اشتباكات مسلحة.
ومع ذلك، يرى بادي أن هناك شيء واحد يجب ملاحظته. وهو أنه في إطار سعيه لتحالفات مع خليفة حفتر والميليشيات التي تعهد ذات مرة بتفكيكها في غرب ليبيا للمطالبة بالشرعية، سيكون من الصعب على باشاغا الحفاظ على البرنامج الإصلاحي الذي استفاد منه كثيرًا في الفترة السابقة.
باختصار، مناورات الأطراف الحالية لعملية الانتقال في ليبيا، لا تفضي إلى أي إصلاح ذي مغزى لأمن البلاد، كما يقول بادي.
هو مستشار مستقل متخصص في الحوكمة. مع أكثر من 8 سنوات من الخبرة، يقدم الاستشارات بانتظام للمنظمات الدولية، والوكالات ومنظمات المجتمع المدني، حول سُبل تعزيز كفاءة برامجها وأنشطتها الإنمائية من خلال بناء القدرات والبحث والتخطيط الاستراتيجي. وفي الفترة من عام 2015 إلى عام 2018، اكتسب خبرة عملية في تصميم التنفيذ المراعي للنزاع لمبادرة رئيسية لتحقيق الاستقرار. ويتم تنفيذها في جميع أنحاء ليبيا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
مساران سياسيان يقودان إلى اللا شيء
وفق الباحثة فيرجيني كولومبييه، ساهم غياب جهود الوساطة المستمرة والضغط على الأحزاب الليبية، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بشكل كبير في استئناف الانقسامات المؤسسية. إذ تُركت الفصائل المتنافسة لنفسها. كما تم تشجيعها على الاستمرار في تفضيل التنافس على السلطة، بدلًا من بناء توافق الآراء حول المبادئ الأساسية التي يمكن أن تنظم الحياة السياسية في البلاد.
وترى كولومبييه أن المبادرتين المتنافستين اللتين قدمهما عبد الحميد الدبيبة وعقيلة صالح توضح عدم اهتمامهما المشترك ببناء مؤسسات سياسية وظيفية وتمثيلية. وهذا يؤكد أنه بدون استئناف عملية الحوار السياسي التي تهدف إلى الضغط على الفصائل المتنافسة، فمن غير المرجح أن يتم تنظيم انتخابات ذات مغزى قريبًا. ناهيك عن المساهمة في تحقيق سلام دائم.
هي أستاذة غير متفرغة في برنامج اتجاهات الشرق الأوسط التابع لمركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة. عملت كزميل باحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا (EUI) منذ سبتمبر 2013. اهتماماتها البحثية الرئيسية هي الديناميكيات الاجتماعية والسياسية في ليبيا، مع التركيز على عمليات الوساطة والمصالحة، الاقتصاد السياسي للنزاعات، والقضايا الأمنية.
باشاغا-الدبيبة.. التحدي الذي تواجهه الأمم المتحدة الآن؟
يقول الباحث تيم إيتون إن جهود مجلس النواب لانتزاع السيطرة على العملية السياسية في ليبيا من الأمم المتحدة تهدد بعرقلة ما تبقى من عملية منتدى الحوار السياسي بين برلين وليبيا.
إلى الآن، يوضح سجل مجلس النواب أن قيادته للمسار الدستوري والتأخيرات المقترحة لمدة 14 شهرًا للانتخابات من غير المرجح أن تؤدي إلى أي شيء أكثر من ترسيخ المزيد من النخب الحالية، يضيف إيتون. وهو يرى أن تعيين فتحي باشاغا كرئيس للوزراء من قبل برلمان طبرق يضعه في منافسة مباشرة مع عبد الحميد الدبيبة، الذي وصل للسلطة إلى جانب مجلس الرئاسة بموجب مخرجات منتدى الحوار السياسي الليبي. وهذا يخلق احتمالًا لفترة جديدة من الانقسام الإداري والارتباك السياسي في ليبيا.
هنا، يكمن التحدي الذي يواجه الأمم المتحدة في انتزاع النصر من بين فكي الهزيمة. ذلك بالضغط على باشاغا والدبيبة للتوصل إلى اتفاق بشأن انتخابات عاجلة. ولكن من أجل تجنب إخفاقات ديسمبر/كانون الأول، يجب أن يكون هناك اتفاق على الأساس القانوني ومعايير التدقيق للمرشحين. بالإضافة إلى حل مؤقت بشأن من يحكم في هذه الأثناء، كما يوضح إيتون.
هو باحث أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لشاتام هاوس. يركز بحثه على الاقتصاد السياسي للصراع الليبي. وفي عام 2018، أعد تقريرًا عن تطور اقتصاد الحرب في ليبيا، يوضح فيه كيف أصبحت الأنشطة الاقتصادية مرتبطة بشكل متزايد بالعنف.
المؤامرة المحلية والفاعلون الدوليون
يرى كريم مزران، وهو كبير باحثين بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي، أنه ليس هناك شك في أن مناورة استبدال باشاغا بالدبيبة هي تقليد ليبي بامتياز. والأمر لا يخرج عن سياق المؤامرة التي تم وضعها من قبل الطبقات العليا من الطبقة السياسية في البلاد لفترة ما بعد القذافي. لكنه يؤكد أيضًا وجود تدخل أو عمل/ضغط من الجهات الدولية. وهو ينظر إلى آخر تطور في الوضع السياسي في ليبيا على أنه يعبر عن تعديل في مواقف هؤلاء الفاعلين الخارجيين.
يضيف مزران أنه من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن فرنسا وقطر هما الدولتان الرئيسيتان الداعمتان لحكومات صالح وحفتر وباشاغا. ذلك إلى جانب مصر، التي تبدو أكثر ترددًا في الإعلان عن دعمها.
ومن ناحية أخرى، قد يكون الأمر أكثر إثارة للدهشة أن الإمارات هي الداعم الرئيسي الحالي للدبيبة. ذلك إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة، التي يبدو أنها تميل أكثر إلى تعزيز وإيجاد اتفاق بين الطرفين المتعارضين. على أن يؤدي في الأخير إلى تعديل وزاري وتحديد موعد محدد لإجراء الانتخابات. ستظهر الأيام القليلة المقبلة كيف سيتطور هذا الوضع المعقد في ليبيا، وفق ما يقول مزران.
هو مدير مبادرة شمال أفريقيا وزميل أول مقيم في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي مع التركيز على عمليات التغيير في شمال أفريقيا. بصفته باحثًا ليبيًا إيطاليًا متميزًا، يجلب عمقًا هائلًا من الفهم لعملية الانتقال في ليبيا وأماكن أخرى في المنطقة.