في منتصف شهر فبراير/شباط الجاري، أعلنت شركة “بيكر ماكنزي” ارتفاع عدد صفقات الاندماج والاستحواذ في الأسواق المصرية. وذلك بنحو 38% خلال النصف الثاني من عام 2021، مقارنة مع الفترة من العام 2020. وأوضح تقرير الشركة ارتفاع عدد صفقات الاندماج والاستحواذ إلى 116 صفقة. وقد بلغت قيمتها 4.3 مليار دولار أميركي، بنسبة نمو بلغت 430% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق لها. تصدرت الإمارات قائمة الدول المستحوذة خلال عام 2021 من حيث عدد الصفقات. إذ أبرمت 20 صفقة، بزيادة 67% مقارنة مع العام السابق. كما جاءت الدولة الخليجية في المرتبة الأولى من حيث القيمة. وذلك بصفقات بلغت ملياري دولار، تليها المملكة المتحدة بصفقات بقيمة 1.7 مليار دولار.
تقرير “بيكر ماكنزي” تزامن مع إعلان وكالة “بلومبيرج” عن صفقة استحواذ محتملة لبنك “أبوظبي الأول” الإماراتي لشراء نسبة أغلبية لا تقل عن 51% للمجموعة المالية المصرية “هيرميس”.
الإعلان عن الشراء الذي بات وشيكًا قد يكون “أكبر عملية استحواذ حتى الآن في مصر” من قبل أكبر مُقرض في الإمارات. ومن المتوقع أن تصل قيمة الصفقة إلى1.2 مليار دولار.
وقد استحوذ بنك أبو ظبي الأول، في العام الماضي، على وحدة “بنك عودة”. وبذلك يصبح الاستحواذ على “هيرميس” -إن تم- ثاني استحواذات البنك في السوق المالية المصرية.
وبعيدًا عن القيمة المالية المنخفضة لصفقة الاستحواذ على “هيرميس”، ويتوقع خبراء سوق المال أن ترتفع قيمتها، توفر تلك الصفقة عوائد ضخمة لبنك أبو ظبي الأول. ذلك على مستوى العملية التشغيلية، نظرًا لما تضمه “هيرميس” من شركات تعمل في أنشطة مالية غير مصرفية عديدة. إلى جانب حصتها ببنك الاستثمار العربي. “مما يسهل على البنك التوسع في السوق المحلي وإقليميًا بشكل ينعكس على حجم استثماراته”، طبقًا لرؤية المحلل المالي محمد رضا.
سياق نشاط الاستثمارات الإماراتية الحالية
في السياق السياسي، تأتي تلك الخطوة بعد أيام من زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أبو ظبي (26 يناير/كانون الثاني)، ولقائه ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي يشرف شقيقه ومستشاره للأمن القومي، طحنون بن زايد، على بنك أبو ظبي الأول، بحسب موقع قناة “الحرة” الأمريكية.
وقد تأسس البنك من اندماج بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول في عام 2017. كما أن نصفه مملوك من قبل صندوق الثروة السيادية “شركة مبادلة للاستثمار”، وأعضاء من الأسرة الحاكمة في الإمارة، وفق “بلومبيرج”.
أما في السياق الاقتصادي، فإن الاستحواذات الأجنبية، خاصة الخليجية منها، على الشركات المصرية ليست جديدة. ولكن زادت وتيرتها مؤخرًا لأسباب يرجعها متخصصون في أسواق المال إلى الجائحة العالمية وتداعياتها على السوق المحلية. علاوة على تراجع أداء البورصة المصرية ما تسبب في تراجع قيم الشركات المقيدة في البورصة.
“تراجع قيم الشركات والمؤسسات المالية في مصر حاليًا، سبب أساسي لإقبال المستثمرين الأجانب على الاستثمار في مصر في الوقت الحالي”، تقول للمتخصصة في أسواق المال، رضوى السويفي.
ما هو الفارق بين الاستحواذات واستثمارات الحقول الخضراء؟
ولكن القطاعات التي تتركز فيها الاستثمارات الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص، تثير الجدل بشأن أبعادها الاجتماعية والاقتصادية على الخدمات العامة المقدمة للمصريين. ففي الوقت الذي يعتقد فيه بعض المتخصصين أنه يثبت تحسن الاقتصاد المصري ويتماشى مع توجهات الحكومة المصرية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، يرى البعض الآخر أنه استيلاء على أصول موجودة وتحويل أرباحها للخارج. بما لا يعود بالنفع على المواطنين في النهاية ولا يوفر فرص عمل حقيقية.
يشير الباحث في الاقتصادي السياسي وائل جمال إلى أن الباحثين، ممن يعتقدون في أولوية الاستثمار الأجنبي أصلًا، يفرّقون بين الاستحواذات وبين ما يسمونه “استثمارات الحقول الخضراء”. والأخيرة تؤسس نشاطًا اقتصاديًا جديدًا وتوظف عمالة جديدة ولا تكتفي بالاستيلاء على أصول موجودة وتحويل أرباحها للخارج كما هو الحال في أغلب الأحوال.
يضيف أن تصاعد عمليات الدمج والاستحواذ يجب مراقبته من أجهزة مواجهة الاحتكارات للنظر في احتمالية الأوضاع الاحتكارية التي تترتب عليها.
وبحسب الأرقام التي أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، يوم 16 فبراير/شباط الجاري، فإن متوسط نمو الاقتصاد المصري قفز بنسبة 8.3% خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي. بينما قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد إن الحكومة تتوقع نمو خلال العام المالي الحالي بين 6.2% إلى 6.5%.
ورغم أرقام النمو التي تتفاخر بها الحكومة، فإن ذلك لم ينعكس على تراجع مستوى البطالة سوى بنسبة طفيفة بلغت 0.1% ليصل إلى 7.4% بالربع الأخير من عام 2021 بعدما كان 7.5%.
توسع إماراتي في عدة قطاعات
تقول “cnbc arabia” المعنية بالشؤون الاقتصادية، إن ارتفاع نمو الاقتصاد أدى إلى تزايد الاستثمارات الأجنبية. ومنها الاستثمارات الإماراتية التي صعدت إلى حوالي 15 مليار دولار. ومن المتوقع أن تنمو خلال العقد المقبل لتصل إلى ما يزيد عن 35 مليار دولار، بحسب الصحيفة.
وذكر تقرير صادر عن الهيئة العامة للاستثمار، نهاية الشهر الماضي، أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يتصدر الاستثمارات الإماراتية فى مصر. ذلك بنحو 55 شركة واستثمارات تبلغ 2 مليار دولار. يليه قطاع التمويل الذي تبلغ استثماراته 1.700 مليار دولار و49 شركة مؤسسة.
ويأتي القطاع الإنشائي في المرتبة الثالثة باستثمارات 814 مليون دولار وعدد شركات مؤسسة 118 شركة. ثم الاستثمارات الصناعية بعدد شركات مؤسسة 131 شركة واستثمارات 544 مليون دولار.
وفي المرتبة الخامسة تتواجد الاستثمارات فى القطاع الخدمي بإجمالي 343 مليون دولار و275 شركة. تليها الاستثمارات السياحية بعدد شركات مؤسسة 48 شركة باستثمارات 260 مليون دولار. بينما تحتل المرتبة السابعة والأخير الاستثمارات الزراعية بقيمة 129 مليون دولار.
ولكن الخطوة الأهم كانت مع نهاية العام الماضي، والتي تم بموجبها تأسست منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار في مجموعة متنوعة من القطاعات والمجالات والأصول. وذلك عبر شركة أبوظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادى.
والأخير من الصناديق “المغلقة” التي لا يُعرف حجم أموالها بشكل شفاف وكذلك أوجه إنفاقها. وهو ما توفره البنود التشريعية في قوانين تلك الصناديق من غياب للرقابة البرلمانية والقضائية.
وأعفى القانون المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من كافة الضرائب. بل إن الصندوق السيادي مُحصّن كذلك من الطعن في عقوده.
الصندوق السيادي كان قد توسع مؤخرًا في استثمارات بقطاعي التعليم والصحة، لما يوفره القطاعين من أرباح كبيرة في ظل تدني مستواهما الحكومي، ودخل في شراكة مع “هيرميس” في هذا الإطار.
اقرأ أيضا: صندوق مصر السيادي: خطوات الخصخصة المتسارعة للخدمات العامة
يشي ذلك بأن الاستثمارات الإماراتية في القطاعين ستتوسع كذلك بالشراكة مع الصندوق. علمًا بأن القطاع الصحي يشهد هيمنة من المستثمرين الإماراتيين. فعلى مدار الأعوام الأخيرة، نجحت شركة “أبراج كابيتال” الإماراتية، المتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، في إتمام أكثر من صفقة استحواذ لها على أكبر كيانات طبية داخل مصر، نقلتها من مجرد مستثمر إلى محتكر للقطاع الذي يخدم الملايين من المواطنين.
وشملت صفقات الاستحواذ للشركة الإماراتية، شراء 12 مستشفى خاصًا. وكان أبرزها مستشفى “القاهرة التخصصي” و”بدراوي” و”القاهرة” و”كليوباترا” و”النيل”. ذلك إلى جانب معامل التحاليل الأشهر “المختبر” و”البرج” وتأسيس شركة جديدة تضم المعملين، وإتمامها صفقة شراء شركة آمون للأدوية.
وعلى صعيد الحقل النفطى، أصبحت شركة “دراجون أويل”، المملوكة بالكامل لحكومة دبي، لاعبًا فعالًا فى قطاع البترول، بعد أن استحوذت على 100% من أصول شركة “بى بى” البريطانية فى كافة امتيازات إنتاج واكتشاف النفط فى خليج السويس.
وتوسعت أنشطة شركة “إمارات مصر” البترولية خلال العامين الماضيين. إذ بلغ عدد محطات الخدمة وتموين السيارات التي تتبعها 16 محطة، وسط خطة رسمية بمضاعفة أعدادها خلال السنوات المقبلة. كما دخلت في شراكة مع “مصر للبترول” التي تتبع الهيئة العامة للبترول في مشروع “أمصرجيت” لتموين الطائرات في مطار برج العرب الدولي منذ عام 2014.
وفي حقل الغاز الطبيعي كشفت شركة “دانة غاز” الإماراتية عن نيتها التوسع في السوق المصري وتخطيطها لاستثمارات جديدة. ذلك لتعويض تراجع إنتاج الغاز خلال المدة الماضية. لتدخل في محادثات مع شركة الغاز المصرية “إيجاس” لدورة استثمارية جديدة.
الاستثمارات الإماراتية والدخول في قطاعات جديدة
تقود 6 قطاعات اقتصادية توجه الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال السنوات الخمس المقبلة. وهي: الصحة، العقارات، السياحة، التكنولوجيا، الطاقة، المعادن الثمينة. وقد انضم إليها أخيرًا قطاعي النقل والطاقة المتجددة.
في التاسع من الشهر الجاري، زار وزير النقل كامل الوزير الإمارات. وبحسب بيان وزارته تباحث الجانبان في مشروعات التعاون في مجال النقل النهري، وأن هناك توافقًا على توقيع اتفاقية خلال الفترة المقبلة لتشغيل خط نقل بضائع عبر نهر النيل لنقل منتجات محطة السكر الجديدة في المنيا.
كما تم التباحث حول شراكة موانئ أبو ظبي في إنشاء وتشغيل مشروع نقل الركاب النهري في القاهرة الكبرى. إضافة إلى الشراكة بين موانئ أبو ظبي وهيئة موانئ البحر الأحمر لتطوير ميناء شرم الشيخ. ليصبح أحد المحطات الرئيسية لسفن الكروز في حوض البحر الأحمر.
وكانت موانئ أبو ظبي أعلنت، نهاية العام الماضي، نيتها استثمار 500 مليون دولار في مينائي العاشر من رمضان الجاف وسفاجا.
ليس ذلك فقط، بل التقى الوزير مع رئيس مجموعة بن عمير القابضة للنقل والمواصلات العامة، الذي أعرب عن اهتمام مجموعته بإدارة وتشغيل الأوتوبيس الترددي في مصر مع المشاركة في الاستثمارات المطلوبة للمشروع.
وإلى جانب قطاع النقل، تشهد قطاعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتحلية المياه رغبة إماراتية في الاستثمار والتوسع. وتستهدف شركتي “النويس” و”أميا”، الاستثمار في قطاعي تحلية المياه والهيدروجين.
وقال حسين النويس، رئيس مجلس إدارة الشركة: “نعمل على الانتهاء من محطتين لتوليد الطاقة المتجددة في مصر بسعة 1000 ميجاواط خلال 2-3 سنة باستثمارات مليار دولار، ودخلنا في مفاوضات أولية مع الحكومة المصرية بشأن استثمارات لإنشاء محطات لتحلية المياه”.
وأوضح أن استثمارات الشركة تتركز في قطاع الطاقة المتجددة تحديدًا عبر مشروعين يُتوقّع إنجازهما خلال عامين إلى 3 أعوام. أولهما للطاقة الشمسية في كوم أمبو جنوب مصر. بالإضافة إلى مشروع آخر يعمل بطاقة الرياح في رأس غارب على البحر الأحمر، إلى جانب تحلية مياه البحر. وهو القطاع البالغ قدراته المتاحة أكثر من 3 ملايين متر مكعب، “ويشكل نقطة جذب مهمة للمستثمرين”.
ويشير هاني توفيق، عضو مجلس إدارة هيئة الاستثمار السابق، إلى غياب الاستثمارات الإماراتية في قطاعي الزراعة والصناعة ، موضحا “مثل هذه النوعية من الاستثمارات لا تساعد على توفير فرص عمل كبيرة، ولا تمثل إضافة كبيرة للناتج المحلي الإجمالي المصري”.