يتوقع الاقتصاديون حاليا أن يشهد التضخم العالمي ارتفاعًا قياسيًا كأحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. خاصة مع نقص الإمدادات الغذائية القادمة من دولتين يحتلان الصدارة في إنتاج الغذاء عالميًا. فضلا عن اشتعال أسعار النفط ليتجاوز البرميل 100 دولار للمرة الأولى في 8 سنوات.
وقال صندوق النقد الدولي إن ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار المواد الغذائية تسببا في زيادة معدلات التضخم عالميا خاصة في أوروبا. كما أدت الاضطرابات المستمرة بسلاسل التوريد والضغوط اللوجيستية والطلب القوي على البضائع في استمرار ضغوط ارتفاع الأسعار. خاصة في الولايات المتحدة.
وتوقع الصندوق -في تحديث لتقريره الربع سنوي لآفاق الاقتصاد العالمي- أن يظل التضخم العالمي مرتفعًا. على أن تبلغ زيادات الأسعار العام في متوسطها 3.9٪ بالاقتصادات المتقدمة. و5.9٪ بالاقتصادات الناشئة والبلدان النامية في 2022.
أضاف الصندوق أنه بافتراض انحسار الوباء في نهاية المطاف فمتوقع أن يتلاشى ارتفاع التضخم مع حل مشكلات سلاسل التوريد. ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة. وأيضًا عند تبدل الطلب نحو الخدمات بدلًا من الاستهلاك الكثيف للسلع.
أشارت التوقعات إلى أن العقود الآجلة للنفط سترتفع بنحو 12٪ العام الحالي. مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بنحو 58٪. لكن من المرجح أن ينخفض مرة أخرى عام 2023 مع انتهاء اختلالات العرض والطلب.
وتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بوتيرة 4.5٪ في 2022 بعد ارتفاعها بنسبة 23.1٪ في العام الماضي. وفقًا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
نيران التضخم العالمي ستطول الجميع
وتتسبب الارتفاعات في زيادة الأعباء بشكل كبير على الاقتصادات الناشئة وذات الدخل المنخفض. حيث يشكل الغذاء عادة نصف الإنفاق الاستهلاكي. وتنخفض تلك الحصة بشكل كبير بالاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة. حيث يمثل الغذاء أقل من سُبع فواتير التسوق المنزلية.
وقال وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية بمجموعة العشرين إن ارتفاع التضخم الناجم عن اضطراب الإمدادات يشكل خطراً محتملاً على آفاق الاقتصاد العالمي. خاصة مع تزايد المخاطر عن التوتر الجيوسياسي الحالي ونقاط ضعف الاقتصاد الكلي.
البنك الدولي ذكر أن التضخم عاد بسرعة وأثبت أنه أكثر عنادًا واستمرارية من كل ما تصورت البنوك المركزية الكبرى.
ففي 15 من أصل 34 دولة مصنفة على أنها “اقتصادات متقدمة” كان معدل التضخم السنوي أعلى من 5%. و71% من الأسوق النامية أصبحت ضعف ما كانت عليه تقريبا.
وأكد البنك أن التضخم أصبح مشكلة عالمية تسببت في زيادة أسعار السلع الأساسية. إلى جانب ارتفاع الطلب العالمي. فبحلول يناير 2022 كانت أسعار النفط ارتفعت بنسبة 77% عن مستواها في ديسمبر 2020. كما ارتفعت تكاليف النقل إلى عنان السماء.
بعد ساعات من الغزو الروسي أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي -وهو مقياس التضخم الأساسي لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي- ارتفع بنسبة 5.2% عن العام الماضي. وأعلى من تقديرات الخبراء البالغة 5.1%. وأيضا أعلى مستوى منذ عام 1983.
المكتب الوطني للإحصاء بفرنسا “إينسي” ذكر أن أسعار المستهلكين في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ارتفعت في فبراير الجاري بنسبة 4.1% مقابل توقعات بـ3.7% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. بعد أن ارتفعت بنسبة 3.3% في يناير.
أوروبا في موقف صعب
توقع معهد “إيفو” الألماني للبحوث الاقتصادية أن يصل معدل التضخم بألمانيا إلى 5%. مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا. وليس 3%” كما يخطط ثلثا الشركات في قطاع التجزئة لرفع أسعارها. وتصل النسبة إلى 85% في قطاع الأغذية. وفي جميع القطاعات ذكرت 47.1% من الشركات أنها تخطط لزيادة الأسعار.
خلال عام 2021 تجاوزت الزيادات بأسعار المواد الغذائية على مدى 12 شهرا 5% في 79% من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. في حين لم تكن الاقتصادات المتقدمة محصنة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية فإن 27% منها شهدت ارتفاعات في الأسعار تجاوزت 5%.
يمثل الغذاء حصة أكبر كثيًرا من متوسط سلة استهلاك الأسر في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وهذا يعني أن التضخم في هذه الاقتصادات من المرجح أن يثبت كونه متواصلا. وسوف تُـتَـرجَـم أسعار الطاقة المرتفعة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب ارتفاع تكاليف الأسمدة والنقل وما إلى ذلك.
ويؤكد البنك الدولي أن الاستجابة السياسية الأكثر قوة من جانب البنوك المركزية الكبرى لن تكون بشرى سارة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وستجعل أغلبها يواجه تكاليف تمويل أعلى وقد يصبح اندلاع أزمات الديون في بعضها أكثر احتمالا.
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي -كريستالينا غورغييف- قالت إن “الأزمة الروسية الأوكرانية” أدت أيضا إلى خروج الأموال من الأسواق الناشئة. مضيفة: “عندما نحتاج إلى العكس تماما يذهب المزيد من التمويل إلى هناك”.
ارتفاع قياسي لأسعار كل شيء
خلال ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب سجلت الأسعار مستويات قياسية. فالنفط سجل مستوى يتراوح بين 100 و104 دولارات. والبلاديوم الذي يستخدم في صناعة المحركات والمركبات -تستأثر روسيا بقرابة نصف الإنتاج العالمي منه- قفز لأعلى مستوى في 7 سنوات. كما ارتفعت العقود الآجلة القياسية الهولندية بما يصل إلى 41%. وهو صعود لليوم الرابع على التوالي فيما صعدت عقود الطاقة تسليم شهر مارس في ألمانيا بنسبة 31%.
وتتزايد المخاوف حاليا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة للأسر وزيادة الضغط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة. حتى إن يواكيم ناجل -محافظ البنك المركزي الألماني (البوندسبانك)- قال إن المواطنين لديهم أموال أقل بكثير في محافظهم. وكثير من الناس قلقون بشأن فقدان القوة الشرائية.
وقد سجلت بريطانيا، -سادس أقوى اقتصاد في العالم- أعلى مستوى له في 30 عاماً ليبلغ 5.5%. وفي أكبر الاقتصادت الأوروبية فالوضع ليس أفضل حالا. حيث بلغ التضخم بألمانيا أعلى مستوى له في 28 عاما مقتربا من 5%.
العديد من الحكومات الأوروبية -من بينها ألمانيا- تدخلت للتخفيف من تأثير الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة. حيث تعهدت كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بتقديم مساعدات لتخفيف الضغوط على الأسر الفقيرة.
محافظ بنك إنجلترا -أندرو بيلي- قلل من فاعلية سلاح الفائدة في الظروف حاليا. قائلا إن زيادة معدل الفائدة حاليا لن تؤدي إلى تعزيز إمدادات الغاز أو رفع إنتاج الرقائق. لكنها في المقابل قد تؤدي إلى إبطاء الاقتصاد وزيادة معدل البطالة.