أصدرت وحدة الدراسات السياسية بمركز التنمية والدعم والإعلام “دام” في مطلع مارس الجاري ملفًا خاصًا بعنوان “دول الجوار العربي في 2022 والمرحلة الانتقالية المضطربة”.
وتضمن الملف 5 مقالات كتبت عن أربع دول عربية –السودان وليبيا وتونس واليمن. وجاءت تحت عناوين: “هل سيكون 2022 عام حسم الأزمة التونسية”. و”الحالة الليبية.. مستجدات المشهد والسيناريوهات المتوقعة”. ثم “بعد تأجيل الانتخابات.. أي مستقبل ينتظر الليبيين في العام الجديد؟” تلاه “مع دخولها العام الثامن.. البحث عن 5 محددات لفتح الباب أمام تسوية للأزمة اليمنية”. وأخيرا “الأزمة السودانية: نحو ملامح مستقبلية”.
دولتان من الأربع -بحسب الملف- تعانيان من حروب أهلية بعد فشل الفترة الانتقالية. فيما اثنتان تمران بفترة انتقالية متعثرة مفتوحة على سيناريوهات متعددة حاولت المقالات الخمسة مناقشتها.
ما يميز الفترات الانتقالية هو انبعاث التناقضات المسكوت عنها حين يتصاعد الجهوي/المحلي والإثني واللغوي والطائفي والمذهبي والديني. بالإضافة إلى المطالب الاقتصادية والاجتماعية، ودون تطوير مقاربات واقتراحات جديدة للتعامل مع هذه التناقضات فسيكون تحقيق الاستقرار أمرًا مستحكما.
إن الفترات الانتقالية تتسم بطرح سؤال الهوية الوطنية. وقد أجمعت الدراسات أنه لا نجاح لتحول ديموقراطي دون التوافق على هوية وطنية جامعة.
ومع القناعة بأن الانتفاضات الديمقراطية العربية سوف تسهم في بلورة الهوية الوطنية كما يجري في لبنان والعراق. فإنه يجب أن نكون متنبهين لاستخدام معارك الهوية لتبرير الصراع السياسي. وكذا محاولة بعض الهويات الفرعية الهيمنة على المشهد السياسي. ساعين لتحقيق بعض المكاسب الجزئية على حساب بناء الهوية الوطنية الجامعة.
للاطلاع على ملف “دام” كاملًا..
هواجس المرحلة الانتقالية
فاقم الأمر انبعاث الوعي بمشاريع متناقضة تثير حماسة جهات معينة وهواجس فئات أخرى. مثل الحديث عن المشروع الإسلامي أو العثمانية الجديدة أو الهلال الشيعي أو الأفريقية في مقابل العربية في السودان.
في الفترات الانتقالية تهيمن الهواجس على الجميع. لذا فلا حكم إلا بالتراضي. ويجب أن تكون هناك دائما سياسات وخطابات الطمأنة لمواجهة الشعور بعدم الأمان على المصالح. مصالح الدول والفئات الاجتماعية والهويات والقوى السياسية والحزبية الأضعف.
يتسم الطور الانتقالي العربي بأن الدولة باتت محل تساؤل بحيث يصير المطلوب بناؤها عن طريق إعادة التفكير فيها. فالتحدي الأساسي الذي تواجهه الجماعة الوطنية في كل قطر عربي هو إحداث تحول ديمقراطي ذي جوهر اجتماعي. أحد شروط نجاحه إعادة بناء الدولة ولكن من خلال طرح صيغ جديدة لإعادة البناء.
لقد بتنا الآن أمام معضلة تصيب كل الدول العربية هي أن: استمرار الدولة مرهون باستمرار النظام السياسي الحاكم، خاصة في ظل تحلل الدولة الوطنية إلى عناصرها الأولية من طائفية وقبلية وإثنية وجهوية ومذهبية.
المرحلة الانتقالية في تونس:
ربما تكون أزمة كثير من المسارات التي أعقبت بعض الثورات الشعبية في العالم العربي. ومنها تونس. أنها لم تحرص على بناء نظام فعّال. إنما ركزت على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية. ووسعت ليس فقط من صلاحيات البرلمان وإنما صلاحيات رئيس الحكومة في مواجهة رئيس الجمهورية.
والواضح أن الدستور التونسي نشأ بعيوب مرحلة “ما بعد الثورة”. والتي اعتبرت أن مواجهة الاستبداد سيكون بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتحصين البرلمان حتى وضعت صلاحيات الرئيس في منازعة مع رئيس الحكومة وأصابت النظام السياسي بالشلل.
المرحلة الانتقالية في ليبيا:
يأمل الليبيون أن تقود الجهود الإقليمية والدولية والمحلية الجارية إلى إجراء انتخابات عامة في القريب العاجل. باعتبارها المخرج الآمن للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد خلال السنوات الماضية.
أزمة ليبيا تقف عند محطة التوافق على بنود خارطة طريق جديدة تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. بالإضافة إلى الاتفاق على قاعدة دستورية وقانونية يجري على أساسها الانتخاب. فيما يبقى التخوف الأساسي يتمثل في خلق حكومتين في الداخل الليبي.
ويقول الدكتور عمرو الشوبكي خلال الدراسة إن هناك عاملين رئيسيين في حال استمرارهما بنفس الصورة التي كانا عليها العام الماضي فإن هذا سيعني أن الانتخابات ستكون مصدرا لمزيد من الانقسام والمواجهات الأهلية وليس عامل دعم وتوافق: أولهما استمرار التناقضات العميقة بين بعض المرشحين والمعادلة الصفرية التي تحكم العلاقة بينهم. وثانيها استمرار الانقسام في مؤسسات الدولة وأجهزتها. خاصة بين الشرق والغرب بكل ما يمثله ذلك من رمزية سياسية ومجتمعية وأيضا دلالة إقليمية.
أزمة اليمن:
عام ثامن تدخله الأزمة اليمنية وسط كم هائل من التباينات التي تعصف بالمشهد. فيما تتضاءل الآمال باحتمالات الحسم العسكري أو الحل السياسي للصراع على المدى القريب. نظرًا لتشابك التدخلات الإقليمية والدولية في وسط بالغ تلعقيد تغذيه أسباب طائفية وجهوية وثقافية واجتماعية وأهداف سياسية متباينة، إلا أنه رغم ذلك يظل حل الأزمة أو السير قدما نحو التهدئة أسير مجموعة محددات. منها المصالحات الإقليمية، يعد محددا رئيسيا لمسار2021 – تسارع معدل سير المصالحات الإقليمية. إذ يمكن القول إن تلاقي أهداف الأطراف الخليجية إضافة لمصر ربما يحفز مساعي الحسم العسكري أو محاولات الوصول لحل للنزاع بين الأطراف اليمنية. خاصة في ظل ارتفاع كلفة استمرار الأزمات والصراعات في المنطقة.
الوضع السوداني
عدد من المتغيرات سبحت في النهر السوداني الهادر منذ عامين. منها استقالة رئيس الحكومة التنفيذية. وإصرار الشارع على التظاهر والمطالبة بحكم مدني بلا شراكة مع المكون العسكري.
هذه المتغيرات فرضت واقعا جديدا على المستوى السياسي والميداني الذي يتسم حاليا بطابع المواجهة المفتوحة بين المكون العسكري في المجلس السيادي وبين الشارع السوداني وقواه السياسية والشبابية. وبطبيعة الحال ستكون المعطيات الراهنة مؤثرة بامتياز في تشكيل بعض ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة بالسودان.
من هنا أصبح “البرهان” الهدف الأول للثوار في الشوارع والمواكب. حيث ارتفع شعار “البرهان ضد السودان” سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أو في الشوارع التي عاد إليها زخمها الأول.