أصبحت قضية التغير المناخي هامشية بالنسبة لأوروبا التي تعيد العمل بالفحم بكثافة رغم استمرار إمدادات الغاز القادمة من روسيا. وذلك من أجل إيقاع الضرر باقتصاد روسيا. لتصبح المعادلة حاليًا إضعاف موسكو أهم من تلويث العالم.

روبرت هابيك -نائب المستشار ووزير الاقتصاد والطاقة الألماني– قال إن محطات الفحم يمكن أن تعمل لما بعد عام 2030 -عندما تستهدف برلين حاليًا وضع حد للوقود- لكن الهدف النهائي هو زيادة استقلال الطاقة من خلال الطاقة المتجددة.

وقال “هابيك” إن الفحم يمكن أن يساعد في تعويض استخدام الغاز الروسي. لكن الاعتماد على الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا وله مخاطر أمنية. خاصة في كونه شكلا آخر من أشكال التبعية للدول التي تقوم بتصديره.

ربما يقصد المسؤول الألماني الصين التي تتصدر قائمة أكبر دول العالم المنتجة للفحم بنسبة 47% بنحو 3.7 مليار طن فحم. والهند ثانيًا بحجم إنتاج بلغ 783 مليون طن فحم بنحو 10%. والولايات المتحدة بنحو 640 مليون طن في 2019. وأستراليا بحجم 550 مليون طن وروسيا 430 مليون طن.

ازدواجية حزب الخضر الألماني بعد وصوله للسلطة

وزيرة الخارجية الألمانية -أنالينا بربوك- وهي أيضًا زعيمة سابقة لحزب الخضر قالت إن الاستخدام الموسع للفحم هو “الثمن الذي يتعين علينا جميعًا دفعه مقابل هذه الحرب”.

الغريب أن حزب الخضر هو تيار سياسي تشكل من حركات احتجاجية ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي مطالبة بالحفاظ على البيئة من تلوث الصناعة والتخلص من الطاقة النووية. وتنتمي أغلبية ناخبي الحزب إلى أصحاب الأعمال الحرة وفي مقدمتهم المحامون والأطباء.

يتكرر الأمر في إيطاليا حينما ألمح رئيس الوزراء ماريو دراجي لإعادة فتح محطات الطاقة العاملة بالفحم لمواجهة أزمة الإمداد قصيرة الأجل. وذلك لتخفيف أثر ارتفاع فواتير الطاقة على المنازل والشركات. مع تقديم 6 مليارات يورو لمساعدة المستهلكين والشركات التي تضررت من ارتفاع فواتير الطاقة في إطار حزمة بـ8 مليارات يورو لدعم الاقتصاد.

في اسكتلندا -المنطوية تحت التاج البريطاني– تجري مؤسسة “جلاكسو جيونرجي أوبزرفاتوري” دراسة على إمكان استغلال مناجم الفحم القديمة في تدفئة المنازل وتخزين الحرارة. بزعم أنها مصدر مستدام للطاقة ومنخفض الكربون. وإذا كان 25% من منازل بريطانيا تقع على أراضٍ تضم مناجم فحم فيمكن  استغلالها حال نجاح الدراسة لحصد نتائج مرضية.

تفسير براغماتي لتلويث البيئة بالتفريق بين حرق الأخشاب والفحم

المساعي الأوروبية تزامنت مع دراسة أجراها “جلوبال كربون بروجكت” -ائتلاف يضم علماء دوليين يدرسون “ميزانيات” الكربون العالمية وعممته الأمم المتحدة. قالت إن إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميا في 2021 سيصل إلى ما يقل 0.8% فقط عن مستواه في 2019. مضيفة أن الانبعاثات الناتجة عن استخدام الفحم الحجري في 2021 ستتجاوز المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة لكنها ستبقى دون مستواها القياسي المسجّل في 2014.

وتراهن أوروبا حاليا على ما يسمى “الطاقة الحيوية للخشب لتوليد طاقة عبر حرق الخشب مباشرة. أو مع الفحم أو مصادر الوقود الأخرى. وتروج لها على أنها منخفضة الانبعاثات وتعتبرها بديلاً قابلاً للتطبيق للمصادر التقليدية المستنفدة.

حجة أوروبا التي تتنامى حالياً أنه ما دامت الغابات التي يمكن قطع أشجارها تعاود النمو مجددًا فإن ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الخشب ستمتصه الأشجار النامية. ما يمكن اعتباره صناعة “صفرية التلويث” أو صناعة وقود خال من الانبعاثات قدر البعض قيمتها بنحو 50 مليار دولار عالميًا في 2020.

الأسوأ بالنسبة لتغير المناخ

لكن 500 عالم أكدوا أن قطع الأشجار من أجل الطاقة سيقوض مكافحة تغير المناخ. بينما تؤكد دراسة أجريت عام 2018 بقيادة أحد الموقعين على الرسالة جون ستيرمان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هذا الرأي. فتقول إن قطع الأشجار لحرقها سيكون أسوأ بالنسبة للمناخ خلال العقود القليلة القادمة.

بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية فإن حرق الأخشاب في المنازل ينتج عنه تلوث جزيئي صغير أكثر من كل حركة المرور على الطرق في المملكة المتحدة. مؤكدة أنه ارتفع بمقدار الثلث من عام 2010 إلى عام 2020 ليصل إلى 13900 طن سنويًا.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الفحم مسؤول عن توليد نحو ثلث كهرباء العالم. ومتوقع أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2022 ثم يستقر عند مستوى جديد رغم تأثيره الضار على البيئة.

ووصفت منظمة السلام الأخضر الفحم بأنه “الطريقة الأقذر والأكثر تلويثًا لإنتاج الطاقة عبر تأجيج تغير المناخ وزيادة حدة الطقس المتطرف وتسميم الهواء رغم إمكانية الحصول على طاقة متجددة مستدامة بنسبة 100٪.

لا تنظروا إلى السماء

في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 26” الأخيرة تعهدت 23 دولة جديدة بالتخلص التدريجي من الفحم. لكن لم تنضم أكثر الدول استخداما لأكثر أنواع الوقود تلويثا للبيئة مثل أستراليا والهند وأمريكا والصين التي تملك نحو نصف المصانع العاملة بالفحم حول العالم وتخطط لبناء المزيد.

خلال فعاليات المؤتمر تم توجيه تحذيرات مباشرة من أن الاحترار العالمي حال تجاوز حده 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية سيؤدي لتأثيرات مناخية أكثر كارثية من العواصف وموجات الحر والجفاف والفيضانات التي شهدها العالم بالفعل.

روسيا ذاتها تقف ضد التغير المناخي وسبق لها في مجلس الأمن الدولي استخدام حقّ النقض “فيتو” ضد مشروع قرار أعدّته النيجر وأيرلندا يعتبر تغير المناخ تهديدًا للأمن الدولي.

وتغيب فلاديمير بوتين عن حضور قمة تغير المناخ للأمم المتحدة (كوب 26) بجلاسكو. على الرغم من تأكيد روسيا باستمرار أن تغير المناخ يعد أحد أهم أولويات سياستها الخارجية.

يشبه السيناريو الأوروبي حاليًا الفيلم الأمريكي “لا تنظروا إلى السماء” حينما أعاد “البيت الأبيض” العمل بالصواريخ الموجهة لمذنب مدمر للكواكب بعد اكتشاف وجود ثروات من الذهب على متنه. وتحذير العلماء حينها من أن تلك الثروات لن تصبح ذات قيمة حال ما تدمرت الأرض من الأساس.