في نظرة سريعة على المصوتين والممتنعين على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب “روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”. نجد أن 17 دولة أفريقية من ضمن الـ35 دولة التي غابت أو امتنعت عن التصويت ضد روسيا. فيما كانت إريتريا الدولة الأفريقية الوحيدة التي اتخذت قرارا بالتصويت ضد القرار.

تتجه سياسات أغلب البلدان الأفريقية التي شهدت قرب ملحوظاً تجاه روسيا في العقد الأخير إلى محاولة تجنب الانحياز لأي من أطراف الحرب. في وقت تؤثر فيه الحرب بشكل أو بأخر على المصالح المباشرة وغير المباشرة للعديد من البلدان الأفريقية.

الممتنعون عن التصويت ضد روسيا

على مدى السنوات القليلة الماضية، أقامت روسيا تحالفات عسكرية مع الحكومات في عملية أفريقيا التي تواجه حركات تمرد عنيفة أو عدم استقرار سياسي. بما في ذلك ليبيا ومالي والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق. وهو ما يعكس مواقف العديد من البلدان الأفريقية الآن من الحرب الروسية على أوكرانيا.

كانت السودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى من بين أبرز الحلفاء الأفارقة لروسيا الممتنعون عن التصويت ضدها. وهو ما يفسره بشكل واضح التقارب الدبلوماسي وصفقات التسليح والمصالح الاستراتيجية. بين هذه البلدان وروسيا والتي زادت في الأونة الآخيرة.

منذ بداية الحرب الروسية أظهرت السودان تقارب شديد لصالح تأمين وحماية المصالح الروسية في أفريقيا بشكل خاص في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. فرغم تسريب معلومات عن رفض السودان لاتفاقية القاعدة العسكرية الروسية في البحر الأحمر خلال العام الماضي. إلا أنه بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان محمد حمدان دقلو إلى روسيا في غضون بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا. جاءت تصريحاته مرحبة بإنشاء القاعدة الروسية طالما لم تتعارض مع مصالح بلاده. حيث قال في مؤتمر صحفي عقب عودته من موسكو في 3 مارس: “مستعدون لاقامة قواعد بحرية عسكرية روسية على البحر الأحمر ما دامت لا تهدد الأمن السوداني. ولدينا 730 كيلو متراً على البحر الأحمر إذا ارادت أي دولة أن تقيم قاعدة عسكرية ولدينا مصلحة معها ليس لدينا مشكلة في ذلك”.

معونات روسية إنسانية للسودان

منذ أواخر عهد الرئيس السوداني المعزول عمر البشير كانت روسيا الملجأ للسودان. من أجل الحماية من الآثار الاقتصادية والسياسية القاسية التي خلفتها العقوبات الأمريكية على السودان. حيث قدمت روسيا الكثير من المعونات لتعزيز وتجهيز القوات المسلحة السودانية. كذلك كان المكون العسكري في السودان منذ بداية المرحلة الانتقالية في 2019 على تواصل وتشاور مستمر مع روسيا. وهو ما وفر منفذاً للسياسات الروسية التي تسعى للعودة الجيوسياسية إلى أفريقيا بشكل خاص في المجال العسكري. حيث صدرت تصريحات متفرقة من الكرملين الروسي بتواجد مدربين عسكريين روس في السودان لدعم القوات الحكومية السودانية. فيما كان البلدين قد وقعا اتفاق عسكري تفني لمدة سبع سنوات في 2019 يتضمن بنود تتعلق بالإمداد العسكري التقني. والتدريب الهندسي والتعليم العسكري والطب والتاريخ العسكري إضافة إلى تعاون البلدين في عمليات حفظ السلام. وتبادل المعلومات حول القضايا العسكرية والأمن الدولي.

 

ولعل أبرز نتائج التقارب والدعم السوداني للموقف الروسي تمثلت في المنحة الروسية المقدرة بـ20 ألف طن من القمح وصلت ميناء بورتسودان قبل يومين. في صورة “مساعدة إنسانية” في وقت تتخوف فيه دول شمال القارة الأفريقية بشكل خاص من أزمة في الأمن الغذائي. بسبب نقص إمدادات القمح الأوكراني والروسي منذ اندلاع الحرب، نتيجة التوتر على الحدود والشحنات الأوكرانية. وفرض العقوبات على الصادرات الروسية من جانب آخر. فيما تتجه التقديرات أن دول شمال أفريقيا تستورد ما يقرب من 60% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا نظراً لسعرها المنخفض نسبياً.

العون الروسي لمالي وأفريقيا الوسطى

ويفسر دعم مالي لروسيا التقارب الواضح بين الدولتين في أعقاب التصعيد بين مالي وفرنسا إثر انقلاب عسكري في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وهو ما يعد سبباً قويا للدعم القوي الذي تظهره مالي الآن في حماية المصالح الروسية في القارة بشكل خاص منطقة الغرب الأفريقي. حيث كان لوزير خارجية مالي تصريحاً في أعقاب زيارة لوزير الخارجية الروسي لبلاده نهاية العام الماضي. قال فيها: “كلما واجهت بلدنا مشاكل ومواقف صعبة مع الغرب وقفت روسيا إلى جانبنا وساعدتنا ودعمتنا”.

كانت وسائل إعلان غربية قد نقلت معلومات عن صفقة عسكرية بين مالي وروسيا. لتجنيد مرتزقة من مجموعة فاجنر (شركة عسكرية روسية) في الوقت الذي سعى فيه الاتحاد الأوروبي بتحريض من فرنسا. بفرض عقوبات على مالي إثر انقلاب عسكري، فيما فسر مراقبوان التقارب المالي الروسي بأنه يثير غضب القوى الغربية الأوروبية. خاصة عندما لجأ المجلس العسكري في مالي للاستعانة بما يقرب من 400 عنصر من مرتزقة شركة فاجنر الروسية.

وتعد جمهورية أفريقيا الوسطى بؤرة أخرى تنشط فيها قوات شركة فاجنر. حيث توافد المرتزقة الروس إليها منذ 2018 بعد انسحاب فرنسا. فيما يعين الرئيس حراسته الخاصة ومستشاريه للأمن القومي من الروس. مثل فاليري زاخاروف الموظف السابق في الأمن الفيدرالي الروسي.

سياسات روسيا لكسب الود الأفريقي

لعل الدبلوماسية الروسية التي روجت على أنها الحليف أو الشريك العسكري في دعم أنظمة الحكم في بعض البلدان الأفريقية. دون الاكتراث للمعايير الأوروبية والأمريكية التي تقف عند حقوق الإنسان ونقد الأعمال العدائية. كانت المنفذ لحماية مصالحها في أفريقيا خاصة مع حاجة العديد من الزعماء الأفارقة. إلى دعم سلطتهم في مواجهة المتطرفين والمتمردين في وقت انخفض فيه اهتمام ودعم الغرب لهذه الأنظمة.

خلال السنوات الخمس الأخيرة أصبح الروس منتظرون لملء أي فراغ تتركه فرنسا وغيرها من القوى الأوروبية في أفريقيا. كما حدث في أفريقيا الوسطى ومالي، وهو ما بدا واضحا في عقد الصفقات بين مالي وفاجنر الروسية في أعقاب قرار الرئيس الفرنسي ماكرون. بسحب عناصر عملية برخان البالغ عددهم 5100 إلى النصف والانسحاب من المدن الرئيسية في شمال مالي.

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين

ولم يعد نشاط المرتزقة الروس في حماية بعض القادة الأفارقة موجه لمعارضيهم فقط. بل كانت عدة معارك بين المرتزقة الروس وقوات تاكوبا العام الماضي. والتي تضم قوات أوروبية معظمها من فرنسا محل جدل وقلق من المجتمع الدولي من النشاط الروسي في منطقة الساحل الأفريقي.

واستخدمت روسيا أيضاً حق الفيتو لحماية مصالح بعض البلدان الأفريقية وحمايتهم من عقوبات مقدره من قبل مجلس الأمن الدولي. حيث تشاركت مع الصين في رفض قرار ضد إثيوبيا خلال الهجوم الذي شنته حكومة أبي أحمد على التيجراي. فضلاً عن دعم زيمبابوي في 2008 حيث رفضت محاولة توقيع عقوبات من قبل الأمم المتحدة عليها بسبب انتهاك حقوق الإنسان.

واستطاعت روسيا أيضاً الوقوف أمام الضغوط الأوروبية الموجهة من قبل فرنسا على مالي. حيث تصدت لحشد فرنسي ومحاولة لفرض عقوبات قاسية على مالي عبر منظمة إيكواس واعتبارها أن تفاقم الوضع في مالي. أصبح شأن أفريقي أوروبي وليس شأن فرنسي مالي. ونجحت روسيا بالفعل بدعم من الصين في إفشال قرار من مجلس الأمن ضد الحكومة الانتقالية في مالي.

شرق أفريقيا ودعم روسيا

إلى جانب الدعم الواضح لصالح روسيا في منطقة الغرب الأفريقي امتنعت أغلب البلدان في شرق أفريقيا من التصويت ضد روسيا باستثناء كينيا. فيما أظهر بعض المسؤولين في شرق أفريقيا دعماً واضحاً وصريح للموقف الروسي حيث غرد الجنرال موهوزي كيانروجابا نجل الرئيس الأوغندي تضامناً مع تحرك موسكو ضد كييف.

وتمتلك أوغندا بالاشتراك مع شركة Pro-heli International Services الروسية منشأة إصلاح وصيانة طائرات الهليكوبتر. كان قد أطلقها الرئيس موسيفيني في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي. وهو ما يثير التخوفات من دعم أي قرارت قد تتسبب في عقوبات على روسياً وتعوق عمل المنشأة في توفير الخدمات للعملاء في شرق أفريقيا.

وفسر تصريح لمندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة، أدونيا أييباري، عقب جلسة التصويت على القرار المتعلق بروسيا. اتجاه دولته وبعض البلدان في شرق أفريقيا لتجنب التصويت على القرار في تبني سياسية الحياد. مشيرًا إلى أن بلاده كانت تتولى للتو “حركة عدم الانحياز”. فيما أكد اهتمام أوغندا بلعب دور بناء في الحفاظ على السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وفقاً للمعلومات المتداولة عن حجم الأسلحة الروسية في شرق أفريقيا في السلاح الجوي. فإن القوات الإثيوبية تمتلك عدد من الطائرات النفاثة طراز 20 Sukhoi-27s و9 Mig-23s. كما تم تزويد أوغندا بخمس طائرات روسية من طراز Mig21s وSukhoi30s. إضافة إلى عدد من الطائرات المقاتلة والهليكوبتر لدى جمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا ورواندا وبوروندي وكينيا.

وتملك إريتريا الدولة الأفريقية التي صوتت بشكل مباشر لصالح روسيا. ثماني طائرات مقاتلة روسية الصنع و12 طائرة هليكوبتر مقاتلة. وتمتلك السودان السودان 35 طائرة نفاثة روسية و67 مروحية بينما يمتلك جنوب السودان 14 طائرة هليكوبتر.

إلى جانب السلاح الجوي مدت روسيا القوات البرية الأفريقية بعدد من المعدات. حيث تمتلك أوغندا 237 دبابة قتال رئيسية زودتها بها روسيا و1056 ناقلة جند. بينما تمتلك إثيوبيا 459 دبابة قتال، إلا أن كينيا التي صوتت ضد روسيا. رغم امتلاكها أسطول من الدبابات الروسية القتالية من طراز T-72 كانت قد تم تزويدها بهم من قبل أوكرانيا.

لماذا تتجه أفريقيا إلى الحياد؟

العديد من الكتابات المحلية في صحف أفريقية تتجه إلى اعتبار مشكلة روسيا مع أوكرانيا. مشكلة بعيده عن القارة ومصالحها المباشرة. وأن الأفارقة يرون أن ما يحدث مشكلة تخص الأوروبين بشكل أكبر وهم سعداء بترك الأوروبيين يتعاملون معها. فيما أن الأشخاص غير البيض سيكون من مصلحتهم الوقوف إلى جانب روسيا. وهو ما عبر عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. في تصريح له بأن “غالبية البشر غير البيض يدعمون موقف روسيا في أوكرانيا”.

ولعل المصالح الأفريقية في دعم الموقف الروسي تتوقف أيضاً على تأمين امدادات روسيا للسلاح في مناطق شرق وغرب القارة الأفريقية. حيث إنه من المؤكد تعرض مصالح الجيوش الإثيوبية والأوغندية للخطر حيث أنها الأكثر اعتماداً على الطائرات الروسية في القارة الأفريقية. وهو ما يدعم التوجه الأفريقي بالالتزام بالحياد مع محاولة التحايل على الإضرار بالموقف الروسي على المستوى الدولي. في محاولة لتأمين مصالحها الاستراتيجية المقدمة من روسيا. خاصة وأن فرض أي عقوبات على روسيا سيكون له عواقب بعيده المدى في توريد المعدات العسكرية والمدنية. وعمليات الصيانة والإصلاح لترسانة الأسلحة الروسية التي أصبحت منتشرة في القارة.

المصالح الأفريقية الروسية

ويتجه محللون لتأكيد نوعاً من المخاطر على المصالح الأفريقية المعتمدة بشكل كبير على السلاح الروسي. بخاصة مع معاناه عدد من البلدان الأفريقية من العقوبات الأوروبية وهو ما يفرض عليهم ضرورة إيجاد بدائل لموسكو. لتجاوز العقوبات الغربية وإبقاء العناصر الرئيسية في جيوشهم جاهزة عمليًا لحماية مصالحهم.

مع الموقف الأفريقي الحيادي قد يكون لدى الدول الأفريقية بديل في حال تدهور الأمر ضد روسيا فيما يتعلق بفرض عقوبات. أو إعاقة تحركاتها وعلاقاتها في الداخل الأفريقي وذلك بالاعتماد على الخصوم الحاليين لروسيا. مثل إسرائيل وبولندا وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. بما في ذلك أوكرانيا حيث يبقى لديهم القدرة على سد الفجوة. لكن هذا الاتجاه سيفرض عدد من التحديات فيما يتعلق بسياسات جديدة قد يفرضها الحلفاء الجدد أو اشتراطات محددة لم تكن مفروضة من قبل روسيا.

وقد يعطي الدعم الأفريقي الغير مباشر لروسيا منذ جلسة التصويت ضد في الأمم المتحدة. العديد من الإشارات أن روسيا لا يمكن عزلها دبلوماسياً مع حربها ضد أوكرانياً بشكل خاص في أفريقيا. وأنها لا تزال قادرة على حماية مصالحها وعقد شراكات استراتيجية في قنوات جديدة. مقابل توفير الأمن وتأمين احتياجات العديد من بلدان القارة الأفريقية من السلاح والدعم الأمني.

وتبقى المصلحة الأفريقية حتى هذه اللحظة في الوقوف على الحياد وعدم خسارة أي من طرفي الحرب. في محاولة لتأمين المصالح الأمنية التي يعكسها التقارب الأمني والاستراتيجي الأخير مع روسيا من جانب. وعدم خسارة المعسكر الغربي المناوئ لروسيا لتجنب الإضرار بالمصالح الأمنية لمعظم البلدان. المعتمدة أمنياً على روسيا في حال تدهور موقفها جراء فرض العقوبات.