في عام 2009 وخلال منتدى دافوس الاقتصادي، شن رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، هجومًا حادًا على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. ذلك بسبب الحرب على الغزة. قال حينها: “حين يتعلق الأمر بالقتل أنتم تعرفون جيدًا كيف تقتلون. وأنا أعرف جيدًا كيف قتلتم أطفالًا على الشواطئ”. وفي 2022 استقبل أردوغان -هذه المرة كرئيس- نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوج في أنقرة. وقد وصف الزيارة بأنها “تاريخية” و”نقطة تحول” في العلاقات بين الدولتين.
كثيرة هي الأسباب التي تدفع إلى التقارب بينهما. وفي القلب منها تترآى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية التي سنّت الإمارات شرائعها وسرّعت من خطواتها؛ مُحفزةّ الآخرين على جني الفوائد المتصورة، وأولها طرق باب البيت الأبيض. اتفاقات أعادت صياغة التحالفات والهندسات الأمنية في المنطقة. فبات الكل يقف في طابور طويل لخطب ود تل أبيب. مدفوعًا بالخوف من أن تفوته الفرصة فيصبح وحيدًا بمعزل عن المكاسب. أما الدول التي لطالما ارتبطت بعلاقات دبلوماسية وأمنية طويلة الأمد كانت تجري عادةً في الخفاء، صارت تحرص على أن تصبح أكثر علنيةً ودفئًا.
ما بين 2009 و2022 انقضى أكثر من 13 عامًا، ومعها جرت تحولات وتغيرات سياسية داخلية وخارجية في منطقة الشرق الأوسط. تغيرات قضت بانتقال أنقرة من الحلف المعادي أيدولوجيًا إلى الحلف المهادن براجماتيًا. وفي صلب هذا التحول عقبات اقتصادية تركية داخلية يحاول أردوغان تجاوزها، وأخرى إقليمية يسعى فيها لكسر عزلته الدبلوماسية والحفاظ على مصالحه الطاقوية.
التقارب التركي الإسرائيلي.. علاقات تاريخية
كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل، في مارس/آذار 1949. حينها كانت المبادرة التركية نابعة من الرغبة في كسب التأييد في واشنطن. وأيضًا كسب الدعم لعضويتها في حلف الناتو. وسريعًا رأى الطرفان المنافع المتبادلة من تقوية العلاقات.
على الصعيد الاقتصادي، تمكنت إسرائيل من الوصول إلى السلع الزراعية الأساسية التي يتم إنتاجها في جميع أنحاء الأناضول. بينما أمّنت تركيا الواردات الحيوية من السلع والتكنولوجيا الإسرائيلية. فضلًا عن الاستفادة من معرفة الأخيرة في الزراعة والري.
في الوقت نفسه، سعت الدولتان إلى الاستفادة من القدرات الاستخباراتية والعسكرية الهامة لبعضهما البعض. وفي عام 1958، مع وصول الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر إلى كل من حدودهما، وافقت أنقرة وتل أبيب على اتفاقية “التحالف المحيطي” السرية أو “الميثاق الشبح” (تحالف استخباري ثلاثي ضم إيران)، ليبشرا ببدء حقبة من التعاون الأمني غير المسبوق.
وسعيًا لمواجهة التوسع السوفيتي والقومية العربية والإسلاموية والإرهاب، انخرطت تركيا وإسرائيل في تبادل معلومات استخباراتية رفيعة المستوى وتخطيط حرب. بما في ذلك اجتماعات نصف سنوية بين قادة المخابرات والجيش في كل منهما. ذلك بحسب ما يشير إليه معهد أبحاث السياسة الخارجية (FPRI).
لكن سرعان ما ثبت أن هذا التعاون الواسع غير قادر على تحمل الضغوط الخارجية. تحديدًا رغبة تركيا في كسب التأييد العربي لموقفها من الصراع القبرصي. فضلًا عن زيادة الاعتماد على النفط العربي والاهتمام بتوسيع صادراتها إلى الأسواق العربية. إلى جانب ازدياد المعارضة الداخلية لإسرائيل.
وفي عام 1966، خفضت أنقرة العلاقات مع إسرائيل إلى أدنى مستوياتها. بينما كانت تنتهج سياسة خارجية أكثر تأييدًا للفلسطينيين. وقد بلغ ذلك ذروته باعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974. وكذلك التصويت على دعم قرار الأمم المتحدة الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية في العام التالي. ومع ذلك، أثبت تاريخ التعاون بين البلدين أنه فعّال في إعادة التأهيل السريع للعلاقات وتوسيعها، بدءًا من التأسيس الرسمي للسفارات في عام 1991.
ووفقًا للمعهد الأمريكي، المعني بالجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، فقد ولّد عهد “معاهدة الشبح” تعاطفات قوية مؤيدة لإسرائيل داخل القوات المسلحة التركية التي تمتعت طوال التسعينيات بالسيطرة الكاملة على القرارات السياسية. واستغل الجنرالات والدبلوماسيون الأتراك حسابات التفاضل والتكامل الإقليمي -حيث أصبح العالم العربي في حالة من الفوضى بعد حرب الخليج، وانخرطت تل أبيب بنشاط مع الفلسطينيين- للبدء في الانخراط بشكل علني مع نظرائهم الإسرائيليين.
وأملًا في الحصول على اليد العليا في نزاعها المسلح مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، دخلت تركيا سريعًا في عدد من اتفاقيات التعاون الأمني مع إسرائيل التي تضمنت نقل التكنولوجيا العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب على مكافحة الإرهاب. وقُننت هذه الاتفاقيات رسميًا في اتفاقية الدفاع التركية الإسرائيلية لعام 1996. وقد أدت لشراء أنقرة عدد كبير من الأسلحة وأدوات التكنولوجيا من الشركات الإسرائيلية. بالإضافة إلى إنفاق أكثر من ملياري دولار خلال العقد التالي.
“انتعشت العلاقات معتمدةً على حقيقة أن كلا الجانبين كان حريصًا على إثبات قيمته الجيوستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة”. ومن جهتها، شاركت واشنطن أنقرة وتل أبيب الرغبة في كبح النفوذ الإقليمي للأنظمة المعادية في دمشق وبغداد وطهران”، بحسب ما يقول معهد FPRI.
التقارب التركي الإسرائيلي.. العلاقات مع قدوم أردوغان
في مارس/آذار 2003 وصل حزب “العدالة والتنمية” التركي إلى الحكم وبات أردوغان رئيسًا للوزراء، وسط أجواء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. حينها حاول موازنة موقف متضامن مع الشعب الفلسطيني، دون التهديد بقطع تام للعلاقة مع الاحتلال. وبعد عدة أشهر، جمّدت تركيا علاقتها الاستخبارية مع الاحتلال. كما ألغت صفقات لشراء أسلحة إسرائيلية بمئات ملايين الدولارات.
لكن في الوقت ذاته، ومع الخفوت التدريجي لأحداث الانتفاضة، وإعلان شارون خطة الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، توجه أردوغان ومعه وفد كبير من وزرائه ونحو 100 من رجال الأعمال الأتراك، إلى فلسطين المحتلة في زيارة لتل أبيب ورام الله.
وتعهد خلال زيارته بالمساعدة في التوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. قال: “يمكننا بفضل علاقاتنا الخاصة مع الجانبين أن نمثل قيمة مضافة لمثل هذه الجهود”. وقد أتت تلك الزيارة في سياق المباحثات الشاقة بشأن طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقد اعتقد أن العلاقة مع إسرائيل قد ترفع من أسهمها في المفاوضات الأوروبية.
هكذا كانت طبيعة العلاقة بين البلدين إلى أن جاء العام 2008.
زار إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- أنقرة ضمن جهود الوساطة التي قدمتها الأخيرة لاتفاق مصالحة بين الاحتلال وسوريا. لكن بعد 4 أيام فقط من عودة أولمرت شن الاحتلال عدوانًا على قطاع غزة. وهو ما عدته تركيا إهانة متعمدة لها ومحاولة لإحراجها مع حلفائها الفلسطينيين (حركة حماس). لتنقلب العلاقات رأسا على عقب وتتدهور لأمد طويل.
أظهر ما حدث في منتدى دافوس التوتر الكبير في العلاقات بين البلدين. وفي عام 2010 انهارت العلاقة تمامًا مع قتل الاحتلال 10 نشطاء أتراك خلال محاولة كسر الحصار البحري المفروض على غزة، والمعروف بحادث السفينة مرمرة.
واستمر التجميد حتى عام 2016 حين طبّع البلدان مجددًا بعد جولات مفاوضات ووساطات عديدة في عدد من المدن الاوروبية ليعود تبادل السفراء والتواصل الدبلوماسي. ولكن لم يستغرق الأمرى سوى عامين كي تُقطع العلاقات مجددا مع قتل الاحتلال عشرات الفلسطينيين خلال مسيرات العودة بالقرب من السياج الحدودي في غزة. ثم نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس.
على الرغم من ذلك، بدا وكأن الرئيس التركي تراجع عن حساباته “الصفرية” ليُظهر مغازلته العلنية للجانب الإسرائيلي، بدءًا من العام الماضي. وفيها تواصل مع الرئيس الإسرائيلي هرتسوج في أكثر من مناسبة. منها تعزيته في وفاة والدته قبل أن يحادث نفتالي بينيت، رئيس الوزراء وصاحب القرار السياسي، هاتفيًا كأول تواصل بين رأسي الإدارة السياسية في البلدين منذ عام 2013.
وفي فبراير/شباط من العام الجاري، قال أردوغان عند إعلانه الزيارة المرتقبة لهرتسوج: “يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا، وبخلاف استخدامه، يمكننا أيضًا المشاركة في جهد مشترك عند مروره إلى أوروبا”.
ومن هنا، كانت نقطة الانطلاق، في خطوة أولى رمزية أكثر منها سياسية، نحو تقارب حذر ومحفوف بالتوجس.
السياق الحالي للتقارب التركي الإسرائيلي
تأتي الزيارة فيما دخلت تركيا وإسرائيل بقوة على خط الوساطة بين كييف وموسكو في محاولة لوقف الحرب المستمرة. واختار كلا البلدين شكلًا معينًا من الحياد. إذ وقفا خطابيًا إلى جانب وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. بينما حاولا عدم تعطيل علاقاتهم مع موسكو. وعرض كل من أردوغان وبينيت التوسط. فالتقى الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بينما تحدث أردوغان معه عبر الهاتف.
“تخلق الحرب في أوكرانيا حافزًا إضافيًا لكلا البلدين لإعادة النظر في علاقتهما، والتي يجب على الولايات المتحدة دعمها بشكل أكثر نشاطًا”. ذلك وفقًا لما يراه معهد “بروكينجز”.
ويشير المعهد إلى مواجهة أردوغان صعوبات اقتصادية كبيرة في الداخل ما أثر على شعبيته. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أحزاب المعارضة يمكن أن تحصل على الأغلبية إذا أجريت الانتخابات اليوم.
علاوة على ذلك، تركت السياسة الخارجية التركية الدولة معزولة في المنطقة. ما دفع أردوغان إلى الشروع في جهد نشط لإعادة بناء العلاقات مع الإمارات ومصر والسعودية. “يجب أن يُنظر إلى زيارة هرتسوج على أنها محاولة تركية للانتقال من سياسة خارجية مدفوعة أيديولوجيًا إلى سياسة أكثر واقعية”، يقول المعهد الأمريكي.
في هذا السياق، تنظر تركيا وإسرائيل تقليديًا إلى الاتجاهات والتطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط بطريقة مماثلة. حيث يعلق كلاهما أهمية كبيرة على الاستقرار في سوريا. كما يؤمنان بأن إيران يجب ألا تمتلك أسلحة نووية، ويعطيان الأولوية لمحاربة الإرهاب.
أما على الجانب الاقتصادي، فيبدو أن توتر العلاقات لم يؤثر على تعاونهما بشكل كبير. فخلال سنوات العداء، حافظا على التجارة. وقد بلغت 8.4 مليار دولار في عام 2021، ارتفاعًا من 6.2 مليارات دولار في 2019 و2020، وفقًا للبيانات الرسمية.
الغاز كمحرك للتقارب
اعتبر الجانبان اكتشاف إسرائيل للغاز الطبيعي البحري بمثابة عامل تغيير محتمل للعبة. مع احتمال نقل إسرائيل الغاز إلى تركيا، ومن هناك إلى جنوب أوروبا. صحيح أنه تم تعليق خطط خط الأنابيب هذا في السنوات الأخيرة. لكن الضغط الذي تفرضه الحرب الروسية الأوكرانية على أسواق الطاقة من المرجح أن ينعشها. خاصة إذا استمرت العلاقات الثنائية في التحسن.
وسحبت إدارة بايدن فجأة الدعم الأمريكي لخط أنابيب “إيست ميد”، في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي هدف إلى نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى الأسواق الأوروبية. وأشاد أردوغان بالخطوة الأمريكية ووصفها بـ”انتصار”. وقال: “إذا كان للغاز الإسرائيلي أن يصل إلى أوروبا، فلا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر تركيا.. يمكننا الجلوس والتحدث عن الشروط”.
ويرى الباحث والمحلل الأمريكي سورين كيرن، في تقرير نشره معهد “جيتستون” الأمريكي، أن سحب الدعم الأمريكي من خط أنابيب “إيست ميد” الذي يوصف بأنه “قرار كارثي.. وخطأ استراتيجي.. واسترضاء” لأردوغان، يمثل انتصارًا جيوسياسيًا كبيرًا لـ”رجل تركيا القوي”.
ومشروع “إيست ميد”، وقعته إسرائيل واليونان وقبرص في بداية 2020 بدعم قوي من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وكان مقررًا استكماله بحلول 2025 ليوفر ما يصل إلى 10% من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي.
وخلال المؤتمر المشترك بين الرئيسين تحدث أردوغان عن أهمية هذا ملف. قال: “أعتقد أن هذه فرصة لإحياء التعاون في مجال الطاقة، كما لدينا إمكانية للتعاون مع إسرائيل في القطاع الدفاعي.. ويمكننا التعاون مع إسرائيل في قضايا الطاقة في شرق المتوسط”. ومن المقرر أن يزور وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز إسرائيل الشهر المقبل.
يأمل أردوغان أن تساعد استعادة العلاقات مع إسرائيل ومصر –بحسب “فورين بوليسي”– في إنهاء العزلة المتزايدة لبلاده في شرق البحر المتوسط. إذ شهدت المنطقة شراكة توسع دبلوماسي وعسكري مذهلة وغير مسبوقة بين إسرائيل ومصر والإمارات واليونان وقبرص، وجميعها دول قلقة من الحضور التركي المتزايد في المنطقة. وفتحت أيضا آفاق التعاون في مجال الطاقة تحت رعاية منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي منظمة تأمل أنقرة في الانضمام إليها.
“لطالما نظرت تركيا إلى اليونان وقبرص على أنهما منافسان رئيسيان. وقد يكون الهدف الآخر لموجة أردوغان الدبلوماسية هو محاولة إزاحتهما عن شبكة الشراكات سريعة التطور في المنطقة. حتى الآن، لا يبدو أن هذا الثمن الذي ترغب إسرائيل في دفعه”، وفقًا للمجلة الأمريكية. وقد ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست”، بحسب مصدر حكومي إسرائيلي، أن تحسين العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لن يأتي على حساب التحالف مع اليونان وقبرص.
يعتقد مركز “كارنيجي” أن الانفراج في شرق المتوسط يصب في مصلحة أنقرة، التي ستتمكن من خلال تعاونها مع إسرائيل من مواصلة الاستثمار في استراتيجيتها الناجحة حتى الآن والرامية إلى تنويع مصادر الطاقة لديها بعيدًا عن الغاز الروسي.
ويعد تنويع واردات الطاقة أساسيًا لتركيا التي تستورد جميع موارد الطاقة التي تستهلكها تقريبًا، وقد شهدت مؤخرًا نقصًا في هذا المجال. فقد أدى انخفاض قيمة الليرة التركية خلال العام الفائت إلى ارتفاع فاتورة الطاقة للأسر التركية بنسبة تصل إلى 127%، و400% للقطاع الصناعي.
لكن المركز يوضح “مع أن تعاون تركيا مع إسرائيل في قضايا الطاقة أمر مهم، لا يزال الجدول الزمني لهذا التعاون مبهمًا. فبناء خط أنابيب جديد بين إسرائيل وتركيا سيكون مشروعًا مكلفًا ولن يبدأ تشغيله قبل بضع سنوات. وينطبق الأمر نفسه على استثمار حقل الغاز الطبيعي المُكتشف حديثًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا في البحر الأسود. لذا، قد تواجه خطة أردوغان… بعض العراقيل”.
ما جنته الاتفاقات الإبراهيمية
بعد تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لم تعد إسرائيل تعتمد على وجودها الدبلوماسي في تركيا كرأس جسر في العالم الإسلامي، بحسب ما يشير معهد السياسة الخارجية. ولهذا يعتقد مسؤولان إسرائيليان أن محاولات أردوغان لتحسين العلاقات هي أيضًا نتيجة لاتفاقات أبراهام، التي أعادت تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط وعززت مكانة إسرائيل الإقليمية، وفقا لما نقله موقع “أكسيوس” عنهما.
كانت الكثير من الدوافع وراء اتفاقات إبراهيم هو الاقتناع بأن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب، وبالتالي فإن “أنقرة ليست محصنة ضد تفكير مماثل” بتعبير مجلة “World Politics Review”. ويأمل أردوغان أن تساعد العلاقات المحسّنة مع إسرائيل على استعادة علاقة جيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، و”الاستعداد الإسرائيلي لوضع كلمة طيبة عن أنقرة يستحق أي تنازلات قد تقدمها تركيا في العلاقات الثنائية”.
تعود المجلة إلى زمن الربيع العربي حيث أدى الدعم التركي المبكر والحماسي للحركات الاحتجاجية الموالية للإخوان المسلمين إلى قطيعة واضحة مع الدول العربية، ومع فشل هذه الحركات في الفوز بالسلطة أو التمسك بالسيطرة عليها تركوا تركيا معزولة وبدون أي حلفاء سياسيين منتصرين.
وتوضح “ساهمت اتفاقيات إبراهيم في هذه الديناميكية، حيث كانت بمثابة رفض للانفصال الكبير بين تركيا وإسرائيل بشأن القضايا الفلسطينية وانعكاسًا على أن المنطقة كانت تتحرك في اتجاه مختلف. كما عززت حقيقة أن إسرائيل لم تعد تعتمد على تركيا كمصدر تشتد الحاجة إليه للعلاقات الدبلوماسية بين الدول ذات الأغلبية المسلمة أو كشريك أمني. أردوغان لا يريد أن تترك تركيا في الخلف بينما تتحرك بقية دول الشرق الأوسط إلى الأمام، خاصة بعد النظر إلى الطريقة التي تم بها الاحتفاء بالمطبعين الجدد واحتضانهم في كثير من الأوساط كمبتكرين جريئين، على الرغم من تطبيع العلاقات التركية مع إسرائيل منذ عام 1949”.
من هذا المنطلق تركت اتفاقات أبراهام أثرًا مباشرًا على الوضع القائم “ما يثبت أن إقامة علاقة مفتوحة وشفافة ومؤسسية واستراتيجية مع إسرائيل أصبحت معيارًا مقبولًا في المنطقة ويقوّض التوقعات بأن العداء بين إسرائيل والدول العربية سيبقى في أوجه”.
كذلك، أشارت الاتفاقية إلى أن “القضية الفلسطينية لم تعد إطارًا معياريًا حاسمًا في بناء علاقات مع إسرائيل، ما يحدّ أيضًا من عدد الدول المستعدة للتحرك من أجل القضية الفلسطينية على حساب اعتبارات السياسة الخارجية” وفقا لتحليل “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”. كما أن تركيا تخسر دعم جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في وجه جماعات الضغط الأرمنية في الولايات المتحدة. وبالتالي أدركت أنقرة أهمية إسرائيل لمصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
ويضيف المعهد “في إطار هذا التغيير في الموقف تجاه إسرائيل، بدأت سابقة منح الأولوية للمصالح الوطنية على حساب الهوية وسردياتها المرافقة بتغيير آفاق النخب السياسية التركية. وعليه، أصبحت المؤسسات السياسية الحاكمة أكثر تصميمًا الآن على تصويب العلاقات مع إسرائيل مع أخذ المزيد من الاعتبارات الاستراتيجية في الحسبان”.
العلاقة مع حماس
بينما تواصل إسرائيل اتهاماتها لأنقرة، بتقديم تسهيلات لقادة حماس، وتوفير ملجئ لهم على أراضيها، بدا أن تقدما حصل في هذا الخصوص، بعد أن كشفت صحيفة “حورييت” التركية، المقربة من الحكومة، النقاب عن أن أنقرة أبلغت قيادة حركة حماس مؤخرا بأنها لا ترغب بإبقاء أي من عناصر الجناح المسلح للحركة داخل تركيا، بعد اتهامات تل أبيب لهم، باستخدام الأراضي التركية كقاعدة للتخطيط لشن هجمات داخل إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن أنقرة أطلقت منذ أكثر من عام محادثات سرية مع عدة دول في المنطقة، من بينها إسرائيل، لإخراج قيادات حماس، المقيمة على أراضيها. وحسب ما نقل موقع “i24News” العبري، أبلغت أنقرة حماس بأنها لا تريد بقاء العسكريين من الحركة على أراضيها، و”لن توفر مساعدات عسكرية للحركة”، ولكنها ستسمح فقط باستمرار النشاط السياسي لحماس على أراضيها.
لكن لا تتشكل السياسة التي ينفذها أردوغان من خلال العلاقات الخارجية فحسب، وفق موقع “مودرن دبلوماسي”، بل هي أيضًا قضية داخلية تركية يلعب فيها الرأي العام دورًا رئيسيًا. ويبدو أنه حتى إجراء الانتخابات في تركيا (المقرر إجراؤها في 25 يونيو/حزيران 2023)، لن يكون هناك تطبيع كامل مع إسرائيل.
“غالبية الشعب التركي يدعم الفلسطينيين وحقوقهم، ويشعرون بالتضامن الكامل معهم ويعارضون الوجود الإسرائيلي. بجانب أن أردوغان يعتبر القضية الفلسطينية عاملًا مهمًا في بناء هوية وطنية إسلامية تركية متجددة. وهذه المواقف تزيد من شعبيته وتعزز دعم الناس له ولحزبه، وكذلك سلطته ومكانته في العالم الإسلامي”.
تبحث إدارة بايدن عن طرق لإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ويبدو أنها قريبة من توقيع اتفاق نووي آخر مع إيران. ومع هذه الاعتبارات، تتطلع إسرائيل إلى تعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة الأخرى التي يمكن أن توازن طهران.. لكنهم سيتقدمون بحذر عندما يتعلق الأمر بتركيا.