شهدت دولة الإمارات في الفترة الأخيرة نشاطًا متصاعدًا في كثير من الملفات الإقليمية والدولية. مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتقارب مع تركيا وإيران وسوريا وإثيوبيا. وقد اتخذت في هذا الإطار مجموعة من السياسات المركزية التي تمتد انعكاساتها، ليس فقط على المصالح الإماراتية. بل على نفوذ الدول الأخرى في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الأنظار دائمًا ما تتجه في منطقة الشرق الأوسط إلى دول تقليدية مثل السعودية وإسرائيل وتركيا وإيران ومصر والعراق وسوريا وأخيرًا قطر. إلا أن تجاهل الإمارات لم يعد ممكنًا. وهو ما يثير الكثير من الأسئلة حول الدور الذي تريد أن تلعبه هذه الدولة، والذي يحاول الباحث مصطفى صلاح تفسيره في ورقة سياسات جديدة، صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام).
للاطلاع على ورقة السياسات كاملة..
كيف تنامى الدور الإقليمي الإماراتي؟
تستند الدراسة التي قدمتها ورقة دام في تفسيرها تنامي الدور الإقليمي الإماراتي على فرضية أساسية. وهي أن اتساع نطاق الدول الفاشلة والضعيفة في منطقة الشرق الأوسط أفضى إلى إنتاج حزمة من فرص التنافس والتدخل للفاعلين الجدد من دول الصف الثاني. ذلك بما يتمتعون به من قدرات اقتصادية. وأن هذا النظام الجديد فتح الباب أمام الإمارات -على سبيل المثال- للعب أدوار إقليمية متعددة بهدف السيطرة على مجريات التحولات والأوضاع الإقليمية.
كما أن هذا النظام الجديد قد تشكل نتيجة غياب الفاعلية والتأثير عن القوى التقليدية بالشرق الأوسط، مثل مصر والعراق وسوريا. ذلك بسبب توجيه مواردها نحو أداء وظائف الدولة الداخلية، على خلفية الأزمات التي تواجهها. وهو ما أسهم في تراجع قدراتها على القيام بأدوارها الخارجية. حيث أنه يمكن التضحية بموارد الدول الموجهة إلى تنفيذ السياسة الخارجية لصالح مواجهة الأزمات الداخلية وليس العكس.
وهذه الفرضية تتسم بالمرحلية. أي أنه بمجرد تحقيق الاستقرار الداخلي في هذه الدول، تبدأ في إظهار ملامح السياسة الخارجية لها.
ووفق الباحث، فإنه يمكن تفسير الدور الإقليمي الإماراتي الجديد استنادًا على هذه الفرضية من خلال نظرية “السياسة الخارجية بين سلعتين”. إذ يمكن من خلالها توضيح ما إذا كانت الإمارات ترغب في تغيير النظام الإقليمي القائم أو الحفاظ عليه كتعبير عن ركيزتين. أولهما: مصادر قوتها الذاتية وثانيهما: الظروف الإقليمية والدولية السائدة. ومن ثم تحديد أهدافها بصورة أكثر دقة.
وبالإضافة إلى ذلك، تفترض هذه النظرية معالجة السياسة الخارجية لأي دولة باعتبارها موجهة لإنتاج سلعتين تتعلقان بمتطلبات الأمن الداخلي أو تعزيز نفوذها الخارجي. وهو ما يترتب عليه ظهور ما يعرف بالقدرة على التغيير الذي يؤسس للجهود الخاصة بالحفاظ على الوضع القائم أو تغييره.
ملامح الدور الإقليمي الإماراتي الجديد
لا تخفي الإمارات رغبتها في أن تصبح قوة إقليمية ذات ثقل سياسي واقتصادي. وقد ساعدتها في ذلك النهضة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها. فضلًا عن المشاريع التنموية والعمرانية والسياحية الضخمة التي أنجزتها. بالإضافة إلى تركيزها على تنويع الاقتصاد واستخدام أحدث التقنيات في مختلف المجالات.
وكما يوضح الباحث، فإن ثمة مؤشرات يمكن من خلالها توضيح أبرز الملامح التي يتسم بها الدور الإماراتي الإقليمي في مختلف القضايا. ومنها أن الصعود الإماراتي كفاعل أساسي في مجريات الأوضاع الإقليمية والدولية لا يرتبط فقط بالتغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة العربية. ولكن بالتحول في مستوى الجيل الذي يتولى القيادة. وقد بدأت ملامحه في التكوين منذ مرحلة التسعينيات. بينما ظهرت ممارساته الأولى داخليًا بعد موت آخر الآباء المؤسسين للإمارات، الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة.
وتأسيسًا على ذلك، أصبح الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي صاحب القرار الفعلي. مع انسحاب شقيقه الشيخ خليفة، حاكم أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات بصورة تدريجية من الحياة العامة بسبب أزماته الصحية. وهو ما دفع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي إلى تنسيق أمور الحكم مع حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وعلى الرغم من اختلاف توجهاتهما التحديثية. إلا أنهما يتفقان على ضرورة تعزيز الدور الإماراتي في تشكيل مجريات الأوضاع الإقليمية والعالمية. ومن ناحية أخرى، تعد الظروف الإقليمية والدولية أكثر ما حكم وأثر في السياسة الخارجية للإمارات. وقد دفعها ذلك إلى الدخول في أحلاف ومحاور إقليمية والاندماج مع القوى الكبرى من أجل الحفاظ على أمنها ووجودها بالإضافة إلى تعزيز فاعلية دورها الإقليمي.
للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا
من الاقتصاد إلى خدمة الأهداف الإقليمية
يقول الباحث إن دور الإمارات تعاظم خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وقد أظهرت وجهًا سياسيًا مختلفًا عن الوجه الاقتصادي التجاري الذي تتميز فيه وعرفت به منذ استقلالها. إذ لم تعد الإمارات تعتمد على مواردها وقوتها الاقتصادية وتقديم المساعدات الإنسانية للدول الأخرى في بلورة دورها. وإن كانت هذه السياسات ضمن ملامحه. إلا أنها لجأت إلى تنويع أدواتها في تنفيذ خياراتها وأهدافها الإقليمية والعالمية.
أيضًا، عمل قادة الإمارات على تحييد الخلافات الداخلية. ذلك بالعمل على إحداث توازن اقتصادي يحول دون تبعية دبي لمركزية أبو ظبي. وكان هذا السعي يتمثل في تحويل دبي إلى مركز مالي عالمي، بالاهتمام بقطاعات السياحة والإعمار وغير ذلك من وسائل تنويع الاقتصاد، للتغلب على تضاؤل إنتاجها من النفط.
وضمن السياق ذاته، تعد الثورة إحدى أهم ركائز القوة الذاتية التي ساندت توجهات الإمارات في مسعاها للعب دور إقليمي مؤثر. إذ تُصنف باعتبارها الأولى عربيًا والثانية عالميًا بامتلاكها أكبر صناديق الثروة السيادية. وبناء عليه، تمثل الثروة ركيزة في إطار مراكمة القوة الإماراتية، سواء في ذلك القوة الناعمة مثل مبادئ الحوكمة وزيادة كفاءة الموارد البشرية أو حتى مراكمة القوة الصلبة.
الإمارات ودعم الأنظمة السلطوية
يشير الباحث كذلك إلى الانتقائية في اختيار الإمارات حلفائها من الدول وغير الدول. فعلى سبيل المثال تقوم الإمارات بدعم الأنظمة السلطوية والتدخل للحفاظ عليها ومواجهة الموجات الثورية ضدها. وهي في ضمن ذلك السياق، تدعم مجموعات وتيارات فكرية محددة دون غيرها. ذلك لتقويض التحركات الثورة عبر مختلف سُبل الدعم للمكونات المناهضة لها. وقد لجأت إلى السيطرة على أقاليم في دول محددة من خلال وكلائها المحليين كما في اليمن مثلًا. كما اتجهت نحو دعم المكون العسكري في السودان في مواجهة القوى المدنية. وأيضًا إلى دعم المشير خليفة حفتر ومجموعات مسلحة وشركات الأمن الخاصة في ليبيا في مواجهة القوى الداخلية الليبية الأخرى.
كذلك، اتجهت الإمارات نحو توجيه أهدافها الجديدة للسيطرة على الموانئ والممرات البحرية الاستراتيجية. وهو ما أسهم في التحول من سياساتها لنشر قدرتها على التأثير إلى اتخاذ مجموعة من السياسات لحماية نفوذها.
وضمن هذا الاتجاه، هدفت الإمارات إلى تعزيز دورها الإقليمي الجديد من خلال شركة موانئ دبي الذراع الاقتصادي للتحركات الخارجية لها ضمن طموحاتها للسيطرة على الموانئ في الدول الأخرى. ذلك عبر امتلاك الأساطيل البحرية التجارية التي ساهمت في ربطها بالعالم الخارجي. بالإضافة إلى امتلاك جماعات كوكلاء لحماية وتعزيز نفوذها على السواحل والجزر والموانئ، كما هو الحال بالنسبة لليمن. وهو ما مكنها من حماية مصالحها الحيوية.
تُعد شركة مواني دبي والتي تدير نحو 78 ميناء ومحطة في 40 دولة حول العالم أحد المرتكزات الاقتصادية في السياسة الخارجية الإماراتية.
يقول الباحث إن السيطرة على المنافذ البحرية تدفع بالسياسة الخارجية الإماراتية إلى تحقيق التوازن في اتجاهين. أولهما: العمل على تعزيز حضورها على مستوى الأمن البحري وأمن الملاحة البحرية. بينما ثانيهما: الاستثمارات الاقتصادية الجغرافية حول المجاري المائية الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وخليج السويس.
أبعاد أخلاقية للدور الإماراتي
يرى الباحث أن دور الإمارات الإقليمي الجديد يرتكز على مجموعة من الأبعاد القيمية والأخلاقية والدينية، مثل الترويج للمعتقد الإبراهيمي أو بيت العائلة الإبراهيمية الذي يمثل صرحًا يجمع الديانات السماوية الرئيسية. وهو يجسد وفق التصور الإماراتي نموذجًا للتسامح والعيش المشترك، كامتداد لما يعرف بوثيقة الأخوة الإنسانية التي تضم شيخ الأزهر أحمد الطيب في مصر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، والذي سيتم إنشاء مقره في جزيرة السعديات ليضم مسجد وكنيسة ومعبد كمرتكز ثقافي في إطار أهدافها المتعلقة برسم ملامح صورة ذهنية أكثر إيجابية عن دورها.
للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا
وقد اتبعت الإمارات سياسة خارجية قائمة على نشر القوة بعد أن كانت تنتهج سياسة خارجية سلمية في تسوية الخلافات استنادًا على قدراتها الاقتصادية أو من خلال المنظمات الإقليمية والدولية. وهذا التحول ظهر بصورة واضحة من خلال التدخلات العسكرية المباشرة في مناطق الصراعات أو من خلال دعم وإيجاد وكلاء محليين لها في مناطق الصراعات الأخرى ودعم الأطراف الذين يمثلون امتدادًا لمصالحها. ذلك مثل التدخل بقوات عسكرية إماراتية في الأزمة اليمنية أو من خلال دعم قوات الحراك الجنوبي في اليمن للانفصال أو الجنود الكولومبيين الذين اكتسبوا خبرة قتالية خلال حروب العصابات.
ووفق الباحث، فإن الدور الإقليمي الإماراتي يستند على مفهوم القوة الناعمة الذكية. وهي تقوم على صناعة الصورة الإيجابية لتحركات الإمارات الخارجية من خلال مجلس القوة الناعمة الإماراتي الذي تأسس في عام 2017. ويعتبر امتدادًا لمراكمة عوامل القوة الذاتية الإماراتية وخاصة الاقتصادية منها المتمثلة في المؤسسات المالية. وأولها صندوق أبو ظبي السيادي الذي تبلغ قيمة أصوله 773.0 مليار دولار، والمؤسسات البحثية والاستشارية.
وقد أولت الإمارات أهمية كبيرة لتحسين صورتها الذهنية لدى شعوب المنطقة والعالم، وفي إطار تنفيذ ذلك توسعت في امتلاك الشبكات الإعلامية الإقليمية والدولية بمختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمطبوعة، بالإضافة إلى امتلاك العلامات التجارية العالمية. بيد أن اتجاه دولة الإمارات لتوظيف قوتها الاقتصادية في تعزيز أدوات القوة الناعمة لا يتوقف عند امتلاك وسائل الإعلام في الداخل والخارج، بل يمتد لتوجيه مراكز الفكر والمؤسسات البحثية وشركات العلاقات العامة لخدمة أهدافها.
سمات الدور الإقليمي الإماراتي الجديد
يقول الباحث إن الدور الإقليمي الإماراتي يتم في طبيعة أهدافه الجديدة بمجموعة من المظاهر. وهو يلخصها في البعد عن الدوائر التقليدية في علاقاتها الخارجية وتهميشها. خاصة الدائرتين العربية والإسلامية. بالإضافة إلى إيجاد بعد جديد في سياساتها الخارجية يتعلق بالهوية كسمة مميزة لها في تحركاتها. فشرعت في تكوين شراكات وعلاقات مع دول يمكن أن تؤدي إلى إيجاد هوية جديدة للمنطقة. مثل الاتجاه نحو تصدير ما يعرف بالدين الإبراهيمي الذي سيساهم في سهولة دمج إسرائيل في المنطقة.
أيضًا، تسعى الإمارات إلى “عسكرة نفوذها” على المستوى الداخلي وفي إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية. إذ تستضيف القواعد العسكرية الأجنبية الخاصة بثلاث دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية (الظفرة) وفرنسا (معسكر السلام) وأستراليا (المنهاد الجوية). فضلًا عن الدخول في مشروعات التسليح والدفاع العسكري المختلفة مع الدول الكبرى مثل روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. كما تنتشر بقواعدها العسكرية في مناطق مختلفة من العالم.
تتسم سياسة الإمارات الخارجية كذلك بأنها ذات توجه علماني. حيث تختلف توجهاتها عن باقي الدول في محيطها الجغرافي القريب. وهو الأمر الذي سمح لها بنسج علاقات مع الدول الغربية وتعميقها وتكوين شراكات معها. بالإضافة إلى الاعتماد عليها في نشر بعض القيم الغربية داخل المنطقة. وهي سياسة نوعية وموجهة نحو استهداف قضايا محددة دون غيرها. حيث يتم تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها سواء بالدعم أو المواجهة مثل قضايا التحول الديموقراطي والإرهاب والموانئ البحرية والمساعدات الإنسانية، والتواجد والانتشار العسكري.
وضمن السياق ذاته، فإن الدور الإماراتي في المنطقة تعدى حالة التدخلات العادية إلى ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون الدولي. مثل تمويل الانقلابات العسكرية. فضلًا عن الرشاوى التي تقدمها لمؤسسات وأشخاص للعمل ضد مصالح بلادهم. وأيضًا محاولة تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها بخلق اضطرابات لزعزعة نظم مستقرة أو شراء ذمم وولاءات على نطاق واسع.
وبالإضافة إلى ذلك، تستهدف الإمارات أن تصبح قوة مركزية في الإقليم يتم الاعتماد عليها من جانب الدول الكبرى في التأثير على مجريات الأوضاع داخل النظام الإقليمي العربي. دونما الاعتبار لتأثيرات هذه التوجهات السلبية في الأمن القومي للدول العربية. على سبيل المثال اتجهت الإمارات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل لكي تكون بوابة ومدخل التفاهم بالنسبة للدول الأخرى من داخل وخارج الإقليم مع إسرائيل.
كانت دوافع الإمارات من هذا السلوك يتمثل في تقوية علاقتها بواشنطن، وسحب الامتيازات من دول المواجهة أو دول الطوق في إدارة القضية الفلسطينية مثل مصر والأردن وسوريا.
https://www.youtube.com/watch?v=5LJOCkV5TtE
مستقبل الدور الإقليمي الإماراتي
في تحليله لهذا الدور الإقليمي الإماراتي المتصاعد، يقول الباحث مصطفى صلاح، إن ثمة مجموعة من المسارات المستقبلية التي يمكن من خلالها استقراء سيناريوهات هذا النفوذ.
سيناريو تعزيز النفوذ المشروط:
ويفترض إمكانية تعزيز الإمارات لدورها الإقليمي في التأثير على مجريات الأوضاع ذات الصلة في أماكن تواجدها. بالإضافة إلى زيادة الاعتماد عليها من جانب الدول الكبرى في صنع الترتيبات المستقبلية الخاصة بتشكيل النظام الإقليمي في المنطقة العربية. ويستند هذا الافتراض على استمرار الإمارات في استخدام قوتها الذكية الناعمة والصلبة في تنفيذ أهداف سياساتها الخارجية. ذلك بالتزامن مع استمرار تراجع أدوار الدول التقليدية داخل المنطقة نتيجة تفاقم الأزمات الداخلية.
سيناريو الصعود المرحلي:
ويفترض أن السياسة الخارجية الإمارتية تتسم بالمرحلية وعدم ارتكازها على محددات ثابتة ومسارات دائمة. ذلك بسبب التقلبات المتزايدة للأوضاع التي تشهدها مناطق الشرق الأوسط. وأن هذه السياسات يمكن وصفها تحت مسمى “لحظة الخليج”. بسبب انخراط الدول الخليجية بصورة عامة في كثير من هذه الملفات.
ويؤشر على ذلك أن السياسات المركزية الإماراتية لا يمكنها التأثير في كثير من القضايا والملفات داخل المنطقة وتزاحمها في ذلك دول إقليمية ودولية أخرى. وأنه في حال استعادت الدول التقليدية مكانتها في النظام الإقليمي سيؤدي ذلك إلى وجود إعادة التوازنات الإقليمية في خريطة التفاعلات الإقليمية والدولية، ومن ثم لن تصبح الإمارات وحدها القادرة على التأثير، وهو ما يعزز المنافسة الإقليمية على قيادة هذا النظام. وبالتالي من المحتمل ظهور نظام إقليمي جديد متعدد الأطراف تكون الإمارات أحد أطرافه وليس الطرف الوحيد.
سيناريو تراجع النفوذ التدريجي:
يفترض هذا السيناريو تراجع النفوذ الإقليمي والدور الإماراتي في التأثير على مجريات الأوضاع الإقليمية والدولية. خاصة وأن هذا الدور تكونت ملامحه الرئيسية من الترتيبات الإقليمية التي تشهد بالأساس حالة من السيولة والتغير المستمر. وأنه على الرغم من سعي الإمارات إلى امتلاك معايير القوة الشاملة إلا أن هناك اختلاف في الأوزان النسبية لكل دولة داخل هذا النظام استنادًا على حالة السيولة السابق ذكرها. وهو ما قد يؤدي إلى ظهور فاعلين آخرين يمكن أن يساهموا في التراجع التدريجي للنفوذ الإماراتي.
سيناريو التراجع الكلي:
ويفترض عدم قدرة الإمارات على حفظ نفوذها نتيجة تراجعها عن القيام بمتطلبات هذا الدور. بالإضافة إلى إمكانية تسوية الأزمات التي تنخرط بداخلها بصورة تتعارض مع مصالحها من جانب. ومن جانب آخر، الاستعادة الكاملة لنفوذ الدول التقليدية ودورها الإقليمي. خاصة وأن الإمارات لم توقف محاولات التغيير في المنطقة ولا تزال الأنظمة التي تقف إلى جانبها عاجزة عن تلبية رغبات الشعوب. وهو ما يجعل نفوذها غير مستقر لا يتسم بالاستمرارية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استثمارات الإمارات في العالم العربي محدودة. كما لا تمتلك مقومات رسم دولة قوية وسط الخريطة الدولية.
ويختتم الباحث بأن معضلة السياسة الإقليمية الإماراتية تظل وفق نظرية السياسة الخارجية بين سلعتين قائمة على أسس متغيرة وليست ثابتة. وهو ما قد يدفعها إلى الاستمرار في الموائمة بين هذه الظروف. خاصة وأن السياسة الإماراتية تتجه بأدواتها إلى التحرك في الأقاليم التي تشهد صراعات وأزمات ممتدة. ومن ثم يتطلب ذلك تخصيص واستنزاف موارد أكثر.
ويقول إنه وفق ما تم عرضه في السابق، فإن السياسة الإماراتية تتجه نحو قضايا نوعية ومحددة. وفي حال فشلها في تعزيز دورها من خلال هذه الأدوات، فسيؤدي ذلك إلى إخفاقات متعددة تمتد تأثيراتها السلبية على مسارات هذا الدور المتعددة.