“وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير”. تلك الجملة التي أنهت العديد من المكاتبات الرسمية وغير الرسمية، والتي جاءت بتنويعات أخرى لتؤكد أن الاحترام والتقدير خاتمة جيدة وباب للعودة يضمن مساحة آمنة وفرصة جديدة للوصل. مع احترامي وتقديري جملة نُلقيها في مكاتباتنا. كما أن البعض لا يعرف أنها خط الرجعة والمركب الأخير إذا قرر المعاودة والوصل.
لكن ونحن نردد هذه الكلمات هل نعرف فعلا ما هو الاحترام وماذا نقصد بالتقدير؟
بين الاحترام ومظاهره
قد يتصور البعض أن الاحترام مقتصر على بعض مظاهره وسلوكياته، والتي قد تكون جوفاء ينفذها الفرد نتيجة وجوده في موقع أضعف. فليس الوقوف عند دخول شخص، أو خفض الرأس والحديث بصوت منخفض هو الاحترام. ولكنه قيمة فيه عِزة ورفعة وشموخ. هو قيمة تُشير إلى قبول الآخر كما هو دون تطاول أو تقليل من شأن الآخر. كما أنه قيمة لابد أن تكون بداخل الفرد نفسه، فمن يحترم غيره يحترم نفسه أولا.
الخلط بين مظاهر الاحترام وبين القيمة نفسها يصنع حالة من التشويش. فلا تنكشف حقيقة المشاعر إلا عند الاختلاف. حيث تصبح الخلافات في العلاقات المتنوعة هي أفضل معيار وكاشف لحقيقة العلاقة وحقيقة المشاعر. ففي حالات الوفاق والحب يسعى كل طرف لإظهار أفضل صوره، ربما تعكس تفاصيل صغيرة عن جوانب الاحترام والتقدير في العلاقة. لكن هذه التفاصيل ربما تمر دون ملاحظة. بينما تُصبح الخلافات ساحة كشف وتعرية لكل الادعاءات والمشاعر المزيفة وحقيقة الأفراد.
في أوقات الحب والتناغم ربما تكشف السخرية من الآخر في عدم وجوده عدم احترام. فنحن لا نسخر ممن نحترمهم، وهناك فارق بين أن نسخر من أفعال ونعتبر بعض التفاصيل مادة للضحك في وجود أصحابها، وأن يكون ذلك في غيابهم وعدم معرفتهم بذلك. تلك السخرية التي تتحول في أوقات الغضب والخلاف لوقود يُزيد من اشتعال الحرائق ويأتي على بقايا العلاقة.
هل هناك فارق بين الاحترام والتقدير
يقول ماسلو إن التقدير هو أهم الحاجات الأساسية التي يحتاجها الإنسان في حياته. وهي تأتي في قمة الهرم لهذه الحاجات، ويأتي بعدها تحقيق الذات. هذا التقدير الذي يمكن أن نلخصه في كلمة شكرا عندما يفعل الآخر شيئا من أجلنا. والاحترام والتقدير مكملان. فحين تحترم شخص تُقدر ما يفعله من أجلك، مهما بدا صغيرا أو تافها من وجهة نظرك في لحظتها. لكن التقدير هو ما يدفعنا للتقدم وبذل المزيد من أجل الشريك.
كثير من العلاقات تفتقد الاحترام، فقد يصرح بعض الرجال بعدم احترامهم للشريكة. ويأتي ذلك في عدد من السلوكيات علّ أبرزها عدم الاستماع لها أو تجاهل ما تقول، أو توجيه نظرات الغضب عندما تبدأ الحديث في جماعة هو موجود بينهم، أو عندما تقول هي شيئا عكس ما يقول. بل أن الأمر قد يتجاوز ذلك بان يبدأ بالسخرية من أراءها، وتعمد التجاهل هو إهانة لها، تتعاظم وتكون بالغة الأثر عندما تكون في مشهد عام يشارك فيه آخرين.
تراكم مظاهر عدم الاحترام يُعمق الفجوة في العلاقات ويجعلها هزيلة أمام التحديات الحقيقية التي يمكن أن يخوضها الطرفان في معترك الحياة. وحتى في علاقات العمل، فالاحترام الزائف يمكن كشفه بسهولة ويعرض صاحبه لتبعات كبرى قد تصل إلى إفساد العمل وتلويث أجوائها بالكراهية.
في العلاقات يبدو احترام الشريك إلزاميا من ناحية المرأة في حين يبدو اختياريًا من جانب الرجل. وهذه الفكرة مغلوطة تمامًا، والترويج لها من خلال التصرفات هو تأكيد على فساد العلاقات. فالاحترام الحقيقي لا يُفرق في النوع. فلا يمكن أن تطلب من شخص أن يُظهر لك الاحترام في وجودك وغيابك. بينما أنت تسخر منه وتقلل من أهميته. وإذا كنت في الموقع الأقوى وقدم الشريك لك مظاهر الاحترام فهي زائفة سرعان ما تنهار وتدفن كل ما هو جميل بينكما.
وإذا كان ماسلو يجد في التقدير احتياج أساسي للإنسان يضعه قبل تحقيق الذات، فإننا دون أن نشعر نضعه أيضًا في ذات المكانة. إذ أن الفرد يمكنه أن يقوم بأعمال تفوق طاقته من أجل كلمة تقدير أو ابتسامة. وكثير من العلاقات متشبعة بعدم التقدير المتبادل بين الطرفين. ذلك نظرًا لأن كل طرف يضع توقعات كبرى. وحين يقوم الشريك بفعل أقل فإنه يُصاب بخيبة أمل. ولذا فإن التقدير يستوجب التخلي عن التوقعات، أو على الأقل تعديل التوقعات من وقت لآخر حسب قدرة الشريك وظروفه ومدى الضغوط التي يتعرض لها.
خطوط الرجعة تسير على قضبان الاحترام والتقدير
تصنع ثنائية الاحترام والتقدير العديد من التفاصيل الجميلة والمساحة الآمنة في أي علاقة. ومن ثم في أوقات الخلاف تبرز تلك التفاصيل كشمس تعادل ظلمة الغضب، وتقلل من آثار الحزن والكراهية المفاجئة. كما أنها تقدم ساحة خلاف واختلاف صحية تخلو من التطاول والسخرية والتقليل من الآخر. بل تقف على جهود كل طرف على حقيقتها. فحتى عند القطيعة ونهاية العلاقات تظل هناك شواهد حُسن المعاملة واللحظات التي انطوت على ابتسامة كانت مشبعة بالتقدير والاحترام المتبادل.
في الزواج، الاحترام المتبادل والتقدير يصنعان مناخًا صحيًا للأطفال. كما يخلقان أجواء هادئة تليق بحياة في مكان مغلق. وحتى مع الانفصال يتعلم الأطفال أول الدروس العملية. لأن الاختلاف لا يعني الكراهية ولا يعني طمس معالم الود والتقدير المتبادل. فإذا كنت تبدأ/ين علاقة احرصا على أن تقوم على دعائم الاحترام والتقدير. فهما ضمانة ألا نصل لحافة الكراهية.
للاطلاع على مقالات أخرى للكاتبة.. اضغط هنا