جاءت قرارات البنك المركزي، في اجتماعه الاستثنائي، الإثنين، مخالفة لغالبية التوقعات، فيما يتعلق بنسبة رفع الفائدة، وليس مبدأ الرفع ذاته. ذلك إلى جانب اشتمالها على تخفيض لقيمة الجنيه. علاوة على توقيت إصدار القرار قبل أربعة أيام من موعدها الرسمي.
رفعت اللجنة سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي. ذلك بواقع 100 نقطة أساس. ليصل إلى 9,25% و10,25% و9,75% على الترتيب. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9,75%.
ودأبت لجنة السياسة النقدية على عقد اجتماعها كل 45 يومًا في يوم الخميس لمنح فرصة للسوق لامتصاص القرار يومي الإجازة في الجمعة والسبت. لكن مصدر بالبنك قال إن تغيير الموعد هو منح السوق فرصة أكبر لامتصاص القرار، قبل قدوم شهر رمضان. خاصة مع إعلان البنوك عن شهادات إدخار جديدة بفائدة أعلى، والتي من المتوقع أن تجتذب شريحة جديدة من العملاء.
في شهر رمضان، يتم تقليص مواعيد العمل بالبنوك، لتكون 4 ساعات يوميًا من التاسعة والنصف صباحًا إلى الواحدة والنصف بعد الظهر بالنسبة للجمهور. وبالنسبة للموظفين العاملين بالبنوك، من التاسعة صباحًا إلى الثانية بعد الظهر.
قال البنك، في تقرير وصل “مصر 360” نسخة منه، إن الضغوط التضخمية العالمية بدأت في الظهور من جديد بعد بوادر تعافي الاقتصاد العالمي من الاضطرابات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد. وذلك بسبب تطورات الصراع الروسي الأوكراني.
أضاف التقرير أن المخاطر المتعلقة بالاقتصاد العالمي نتيجة هذا الصراع تزايدت. ويأتي على رأس تلك الضغوط الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن. بالإضافة إلى تقلبات الأسواق المالية في الدول الناشئة. ما أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي.
وبحسب التقرير، فإن البنك المركزي يحافظ على معدل التضخم المستهدف للبنك المركزي والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022. مضيفة أن لجنة السياسة النقدية تستهدف تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط هو شرط أساسي لدعم القوة الشرائية للمواطن المصري وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة.
رفع الفائدة يجذب الأجانب للاستثمار في الجنيه وأدوات الدين
بحسب مذكرة بحثية لجولدمان ساكس فإن خطوة خفض الجنيه اليوم بنسبة تراوحت ما بين 10 و11% مع رفع المعدل الرئيسي للفائدة بمقدار 100 نقطة أساس سيزيدان من جاذبية السوق المصرية أمام المستثمرين الدوليين وصناديق الاستثمار العالمية.
كما يساعد أيضًا على تحسن تصنيف العملة المصرية، وعكس اتجاه التدفقات الخارجة للأموال من أدوات الدين المصرية لتتحول إلى شراء الجنيه المصري من جانب الصناديق الدولية. كما أن خفض العملة ورفع أسعار الفائدة سيزيدان من احتمالية قيام الحكومة بالتفاوض على اتفاق أو برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.
يبدو من تعليق جولدمان ساكس أن القرار مركز على جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر أو الحفاظ على وجودها في ظل رفع سعر الفائدة عالميًا في بريطانيا وأمريكا وغيرها، والتي قد تجذب الأموال الساخنة من مصر.
ساهم قرار البنك المركزي لتحرير سعر صرف العملة المحلية، في نوفمبر 2016، في إنعاش التدفقات الأجنبية على السندات وأذون الخزانة الحكومية. بينما تدور توقعات حول إمكانية خروج استثمارات أجنبية من الأسواق الناشئة بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة.
كان البنك المركزي البريطاني قد رفع معدل الفائدة لمواجهة التضخم الذي قد يتجاوز 8% في 2022 ليبلغ سعر الفائدة 0.75%. وهذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يشدد فيها البنك سياسته النقدية.
رفع الفائدة ليس العلاج المتكامل للتضخم
يوجد جدل بين المحللين الماليين فقطاع يقول إن الفائدة هدفها حماية صغار المودعين الذين يعيشون على ودائعهم، وقطاع آخر يرى أن التضخم الحالي ناتج عن ارتفاع تكلفة السلع. وبالتالي فرفع الفائدة، لا علاقة له بخفض الطلب، والتضخم في أسعار السلع الناتج عن التشغيل الكامل لعناصر الإنتاج وتوفر السيولة مع الأفراد وزيادة الطلب الاستهلاكي، هو الذى نرفع له سعر الفائدة، لسحب السيولة وخفض الطلب والأسعار.
اقرأ أيضًا: كيف يتأثر الاقتصاد المصري برفع الفائدة في أمريكا؟
يقول أحمد العطيفي إن رفع الفائدة ليس علاجًا كاملًا للتضخم. فالسبب الأكبر لرفع الفائدة بالأسواق الناشئة هو الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بأدوات الدين. ذلك خوفًا من هروبها إلى الخارج.
ويرى العطيفي أن التضخم الحالي ليس بسبب وفرة السيولة. وكان يتطلب عدة أسعار للفائدة وليس واحدة. على أن يكون من بينها سعر فائدة خاص للاستثمارات في أدوات الدين بالعملة الاجنبية للمستثمرين الأجانب فقط. وتكون الإصدارات من عام إلى 3 أعوام على أقصى تقدير. ذلك كي نحافظ على تواجد الأجانب. إلى جانب وضع سعر فائدة مختلف ومنخفض للودائع البنكية بالعملة المحلية. وأيضًا سعر فائدة متدني للمشروعات والصناعات المحلية، حتى يمكننا السيطرة على التضخم القادم من الخارج.
رفع الفائدة يحمي صغار المودعين من التضخم
لكن محمد عبدالعال، المحلل المصرفي يعتبر أن قرارات المركزي تستهدف مواجهة الظروف الخارجة عن إرادة الاقتصاد المصري والناتجة عن الأزمة الاوكرانية الروسية. ولغرض حماية مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي. وكذلك امتصاص أي ضغوط تضخمية جديدة.
يوافقه الرأي المحلل المالي محمد جاب الله. يقول إن قرار الفائدة يتضمن جانبًا اجتماعيًا هامًا يكون نصب أعين لجنة المركزي. وهو القطاع العائلي ومن يعيشون على فوائد البنوك، والذين يخشى المركزي على ودائعهم من التأكل مع ارتفاع مستوى التضخم.
يضيف جاب الله أن الحكومة هي أول الخاسرين برفع سعر الفائدة ببساطة. لأن الحكومة هي أكبر المقترضين أساسًا سواء من البنوك المحلية أو من خلال السندات فرفع سعر الفائدة طبيعي يرفع معه أعباء خدمة الدين.
قالت رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، إن قرارات البنك المركزي برفع سعر الفائدة وطرح بنكا الأهلى ومصر لشهادة إدخارية بعائد 18% وما تبعه من ارتفاع سعر الدولار تعد خطوات جريئة وفي الاتجاه الصحيح.
وأصدر بنك مصر، مجددًا، شهادة “طلعت حرب” الإدارية بفائدة 18% التي تتمتع بمعدل عائد ثابت طوال مدة الاحتفاظ بها. وتبلغ مدة الشهادة سنة ويصرف العائد عليها شهريًا. ويتم احتساب المدة اعتبارًا من يوم العمل التالي للشراء. وتبدأ فئات الشهادة من 1000 جنيه ومضاعفاتها وتصدر للأفراد الطبيعيين أو القصر. كما قرر البنك الأهلي إصدار شهادة سنوية بفائدة 18% أيضًا، بعد قرار البنك المركزي اليوم برفع سعر الفائدة.
أكدت السويفي أن قرارات المركزي تظهر استجابة فورية للتطورات العالمية. معتبرة أن 17.50 جنيه للدولار الأمريكي هي القيمة العادلة لسعر الصرف باستخدام عدة طرق. وكان السوق يتوقعها على نطاق واسع، ومن ثم سيكون لخفض الجنيه تأثير إيجابي على التدفقات الدولارية لمصر.
هل يعود الدولار للسعر العادل؟
سجل الدولار في البنوك بحلول الساعة 2.30 ظهرًا، مستوى 18.15 جنيه للشراء و18.25 جنيه للبيع، في عدة بنوك. لكن بعض المصرفيين يقولوه إنه ارتفاع مؤقت سيتبعه استقرار للعملة الأمريكية عند السعر العادل لها في فلك 17,50 جنيه.
أشارت إلى أن تشديد السياسة النقدية، في ضوء اتجاهات التضخم المتوقعة، أمر لا بد منه. فالبنك المركزي ربما يكون قد رفع أسعار الفائدة بحذر، مراعاة للتأثير على الميزانية المالية ونمو الناتج المحلي الإجمالي. وإن كان من المرجح أن تشهد الفائدة زيادة أخرى بمقدار 1% هذا العام، اعتمادًا على التطورات العالمية”.
بحسب السويفي، فإن شهادات الإيداع التي تقدمها بنوك القطاع العام تهدف إلى تقليل السيولة في السوق وتشجيع الادخار بالعملة المحلية. ذلك بالإضافة إلى تعويض المدخرين عن الارتفاع المتوقع في التضخم.