في عام 2007. صدر الفيلم الأمريكي The Kingdom. والذي يروي قصة تعاون بين المباحث الفيدرالية الأمريكية والسلطات السعودية. في قضية تتعلق بهجوم إرهابي على مجمع سكني يشغله أمريكيون بالعاصمة الرياض. يركز الفيلم في أحد جوانبه على الألفة التي نشأت سريعًا بين المحقق الأمريكي، والضابط السعودي النابه. الذي يلجأ للتفكير وربط الأدلة. بينما قائده يتعجل النتائج باستخدام التعذيب.

هكذا أغرقت حقبة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بأفلام تلقي الضوء على أهمية التعاون مع الأنظمة القمعية. والممالك التي تستبيح التعذيب من أجل حماية أمنها. عبرها، يعدون المواطن الأمريكي أن إباحة تلك التصرفات لن تكرر ما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

ظلت تلك السياسة قائمة في الأذهان الأمريكية حتى شغل البيت الأبيض دونالد ترامب. كرجل أعمال، أوضح بفجاجة أن حلفاء الولايات المتحدة -سواء في الشرق الأوسط أو غيره– لا يدفعون المال الكافي من أجل الدفاع عنهم. قال في مقابلة مع رويترز في أبريل/ نيسان 2017: “بصراحة، السعودية لم تعاملنا بعدالة. لأننا نخسر مبلغًا هائلًا من المال في الدفاع عنها”.

كان ذلك تكرارًا لما قاله الرئيس السابق من قبل خلال حملته الانتخابية في 2016. حينما قال في تجمع انتخابي في ويسكونسن: “لن يعبث أحد مع السعودية لأننا نراقبهم. إنهم لا يدفعون لنا ثمنًا عادلاً. نحن نفقد قميصنا “.

اقرأ أيضا: على حافة الهاوية.. مخاطر السلطوية غير المستقرة في الشرق الأوسط (1-2)

تراجع الدور الأمريكي

تحدث ترامب بينما قام خلفه بايدن بالأفعال. أسرع في تنفيذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بدرجة جعلت الأمر كارثيًا. تراجعت اهتماماته بقضايا الشرق الأوسط، دون ما يتعلق بمصالح الحليف الأبدي في دولة الاحتلال الإسرائيلي. وبقاء الالتزامات الأمنية التي تحق ضمان تدفق المصالح.

قدّمت واشنطن -مؤخرًا- التزامات أمنية صريحة أو ضمنية للعديد من شركائها القدامى في الشرق الأوسط. منهم المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، وإسرائيل. مع التأكيد على أن البلدان الثلاثة الأخيرة شريك رئيسي من خارج حلف “الناتو”. تأكيداً على هذا الكلام. جدّد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن التزام واشنطن “الصارم” والدائم تجاه إسرائيل. خلال زيارة قام بها للمنطقة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

مؤخرًا، أشار ديفيد شينكر، مدير “برنامج السياسة العربية” في معهد واشنطن. والذي شغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب. إلى أن بلاده في يناير/ كانون الثاني الماضي، أعطت ضمانات للإمارات. بعد تعرّضها لهجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة من مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن. رداً على الهجمات، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للإمارات التزام الولايات المتحدة “الثابت”. وتعهَّدَ بأن واشنطن “ستقف إلى جانب شركائها الإماراتيين ضد جميع التهديدات لأراضيها”.

غير أن العلاقات بين أمريكا والمملكة العربية السعودية فترت في عهد بايدن. حتى مع بقاء واشنطن ملتزمة ظاهرياً بتوفير المعدات والتدريب والمتابعة اللازمة لحماية السعودية والمنطقة. من آثار الإرهاب المزعزعة للاستقرار، ومكافحة النفوذ الإيراني، والتهديدات الأخرى. لكن بعد أن تعلّمت السعودية بأن الالتزامات الأمريكية قد تكون متقلبة، يبدو أنها تتعاون مع الصين لبناء ترسانتها الخاصة من الصواريخ الباليستية، وفقاً لصور الأقمار الصناعية.

 

اقرأ أيضا: حقبة جيوسياسية جديدة.. تضاؤل ​​ثقة الشرق الأوسط في واشنطن

 

تنويع العلاقات بين العرب والقوى العظمى

بينما تدفع أمريكا بخطواتها إلى الخلف. عملت الصين على تعميق علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. رحبت الحكومات العربية بوجود الصين المتنامي في المنطقة. يرجع ذلك جزئيًا إلى أنه يسمح لها بتنويع علاقاتها مع القوى العظمى. وكذلك لأن بكين “تشاركها الكراهية تجاه القيم الديمقراطية”. وفق مها يحيى، مديرة مركز مالكولم كارنيجي بالشرق الأوسط.

وسّعت بكين الشراكات الاقتصادية والتجارية، وأقامت البنية التحتية. والطاقة، والتمويل، ومبادرات التكنولوجيا. أيضًا، أبرمت اتفاقيات دبلوماسية متعددة الأطراف، بما في ذلك منتدى التعاون بين الصين والدول العربية. واتفاقيات عسكرية ثنائية مع مصر، وإيران، والسعودية. كما أعلنت الإمارات عن شراء 12 طائرة تدريب مقاتلة صينية من طراز “L15″، مع إمكانية شراء 36 طائرة أخرى.

جاء هذا الإعلان بعد أشهر قليلة من كشف صحيفة “The Wall Street Journal” عن قيام الصين ببناء منشأة عسكرية في ميناء شمال العاصمة الإماراتية. بعد وقت قصير من ذلك الكشف، في ديسمبر/ كانون الأول 2021. علّقت أبو ظبي مفاوضاتها مع واشنطن لشراء 50 طائرة من طراز “F35” بقيمة 23 مليار دولار.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي. زار خمسة من كبار المسؤولين من الدول الخليجية العربية الغنية بالنفط الصين لمناقشة التعاون في الطاقة والبنية التحتية. بينما تعهد كبير الدبلوماسيين في تركيا بالقضاء على “التقارير الإعلامية التي تستهدف الصين” في وسائل الإعلام التركية. وضغط وزير الخارجية الإيراني لإحراز تقدم في استثمار 400 مليار دولار وعدت الصين بلاده به.

في تقرير مطول نشرته صحيفة The New York Times. تناول بن هوبارد وإيمي تشين الانخراط الصيني في الشرق الأوسط. في وقت تحد الولايات المتحدة من تورطها هناك. قالا إنه في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا -المنهكة من عقود من الحرب والاضطرابات في الشرق الأوسط- إلى الحد من مشاركتها هناك. تعمل الصين على تعميق علاقاتها مع كل من أصدقاء واشنطن وأعدائها في جميع أنحاء المنطقة.

اقرأ أيضا: معركة التنين الصيني والعم سام في أفريقيا.. منح ومحن لدول القارة

تقارب وانسحاب

على الرغم من أن الصين ليست قريبة من منافسة التدخل الواسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن دول المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الصين، ليس فقط لشراء نفطها. ولكن للاستثمار في بنيتها التحتية، والتعاون في التكنولوجيا والأمن، وهو اتجاه يمكن أن يتسارع مع انسحاب الولايات المتحدة.

يلفت تقرير الـ  The New York Times إلى أنه بالنسبة لبكين. فإن الاضطرابات الأخيرة في البلدان المجاورة -مثل أفغانستان وكازاخستان- قد عززت رغبتها في تنمية علاقات مستقرة في المنطقة. يأتي هذا التواصل بعد انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان بعد 20 عاماً من غزوه، وكذلك الانتهاء الرسمي لمهمته القتالية في العراق.

تابع التقرير: هذا إلى جانب الحديث المتكرر لإدارة الرئيس جو بايدن عن الصين كأولوية أمنية وطنية قصوى، الأمر الذي ترك العديد من شركائها في الشرق الأوسط يعتقدون أن اهتمام واشنطن يكمن في مكان آخر.

وأوضح: رحبت بكين بفرصة توسيع نفوذها. ويُقدِّر القادة العرب أن الصين -التي تروّج لفضيلة “عدم التدخل” في شؤون الدول الأخرى- لن تتدخل في سياساتهم الداخلية. أو ترسل جيشها للإطاحة بحكام مستبدين غير ودودين. ويمكن لكل طرف أن يعتمد على الآخر في التغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان.

الصعود الإقليمي والاعتماد على الاستبداد

في هذا السياق، أصبحت مجموعة من القوى الإقليمية أيضًا أكثر نشاطًا في تأمين مصالحها في المنطقة. الإمارات -التي كانت ذات يوم فاعلًا إقليميًا صغيرًا نسبيًا- أصبحت الآن لاعبًا مؤثرًا في مصر وليبيا والسودان وتونس واليمن والقرن الأفريقي. وهي غالبًا ما تقدم الدعم المالي والسياسي للحكومات الاستبدادية. والقوات المسلحة بالوكالة على حساب الديمقراطية.

بالمثل، فإن تركيا -التي سعت منذ عقد واحد فقط إلى توثيق العلاقات مع أوروبا- أصبحت الآن لاعبًا نشطًا في شمال أفريقيا والمشرق العربي. وفق معهد كارنيجي الشرق الأوسط. صارت أنقرة تسعى إلى منطقة نفوذ تتوسع باستمرار من خلال دعم القوى الإسلامية بالوكالة في ليبيا والصومال وسوريا واليمن.

أيضًا نجد أن قطر دخلت اللعبة، إلى جانب ولي العهد السعودي الشاب. الذي استخدمت بلاده منذ فترة طويلة دولاراتها النفطية لشراء النفوذ في المنطقة. وبالطبع، تواصل إيران استغلال الانقسامات في العديد من الدول العربية لتعزيز نفوذها، عبر ميليشياتها العاملة بالوكالة.

تقول مها يحيى، مديرة مركز مالكولم كارنيجي بالشرق الأوسط: ليس من المستغرب أن السلطات الاستبدادية سعت وراء مصالحها في الخارج. فقد فعلت ذلك في كثير من الأحيان على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت ستار “الاستقرار”. ساهموا في تفتيت بعض البلدان، وقوضوا التحولات الديمقراطية في دول أخرى -كان آخرها في السودان وتونس- حيث تلقى قادة الانقلاب دعمًا من بعض دول الخليج.

تضيف: بدأت قوى إقليمية أخرى -بما في ذلك مصر والأردن والإمارات- في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في سوريا. على الرغم من اتهامه بارتكاب جرائم حرب. منطقهم المعلن هو كبح النفوذ الإيراني في بلاد الشام.

عقبات التغيير

على الجانب الآخر من المنطقة. كشفت دراسة استقصائية أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC في المغرب، في 2019. أن أكثر من نصف المستطلعين في البلاد يسعون إلى تغيير سياسي فوري. كذلك أشار إبراهيم طه في مقاله “عودة الربيع العربي” في Global Security Review إلى أن ما يقرب من 70% من سكان الجزائر دون سن الثلاثين. وهو ما يشبه المظهر الديموغرافي لاحتجاجات الربيع العربي، بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي وبدفع من الصعوبات الاقتصادية التي تسعى إلى الإطاحة بالأنظمة المدعومة من الجيش.

وتكشف دراسة حالة لمصر أن خلع القيادة المواجهة للجبهة هو مجرد ستار دخاني لهيكل السلطة الذي لا يزال قائماً. والذي يمثل بشكل أساسي -وفقًا للدراسة- البيروقراطيين، وأعضاء المؤسسات الأمنية والعسكرية، والأوليجارشية الموالية للنظام القديم.

تمثل أوجه التشابه هذه عقبات مماثلة، حيث لا يمكن تحمل المعارضة اللامركزية على المدى الطويل. في الوقت نفسه، لا يزال وجود وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح للديمقراطية مصدر قلق للحكومات العربية. كما اتضح من انقطاع الإنترنت في السودان، والذي أدى فقط إلى زيادة تأجيج المظالم العامة.

اقرأ أيضا: “اتفاق إبراهيم”.. التطبيع العربي-الإسرائيلي قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط

لا خالية ولا مستقرة

مرة أخرى، يُطلب من المواطنين في الشرق الأوسط الاختيار بين الحرية والاستقرار. ولكن على عكس الجيل الأخير من الحكام المستبدين. الذين يمكنهم على الأقل الادعاء بتقديم مزايا اقتصادية واجتماعية، مقابل طاعة سياسية. فإن المجموعة الجديدة من القادة الاستبداديين لا يمكن أن تعد بالازدهار أو الاستقرار.

يواجه القادة الجدد ظروفًا أقسى لا تجعلهم يستطيعون الحديث مثل سابقيهم. يتحركون في مواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة المتزايدة. بعضها بسبب الوباء، والبعض الآخر بسبب اتجاهات الطاقة والمناخ غير المواتية على المدى الطويل. وأصبحت الدول العربية غير قادرة بشكل متزايد على تعطيل الصفقات الاستبدادية.

يعاني كل من لبنان والعراق من ضائقة اقتصادية شديدة. ليبيا وسوريا واليمن غارقين في حروب أهلية ويواجهون أزمات إنسانية خطيرة. حتى البلدان المستقرة مثل مصر وتونس تكافح اقتصاديًا. في جميع أنحاء المنطقة، ترتفع نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بينما ينخفض ​​الإنفاق على الخدمات العامة.

وسط هذا، يتعين على دول الخليج -التي كانت غنية في السابق- أن تتعامل مع نهاية وشيكة لعصر النفط. تشير مها يحيى إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يكون منح دول الخليج الثرية فترة راحة مؤقتة. تقول: لكن في النهاية، ستصبح أنظمتهم الريعية غير مستدامة.

تتابع يحيى أنه بسبب افتقار بعض الحكومات العربية إلى وسائل استمالة المجتمع. شرعت في تنفيذ مشاريع عملاقة تهدف إلى إبراز قوة الدولة وعظمتها دون تقديم أي خدمات فعلية.

تقول: مصر هي مثال ساطع. قد تصل تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة المخطط لها -المملوكة بشكل أساسي للجيش ووزارة الإسكان- إلى أكثر من 60 مليار دولار. دفع الإنفاق العام على هذا المشروع وغيره من المشاريع القومية التي تهدف إلى تصوير التقدم نسبة الدين العام في مصر إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة فلكية تصل إلى 80%.

بشكل أقل، اتبعت الحكومة التونسية أيضًا سياسات الرمزية مع تجاهل الحقائق الاقتصادية. مما أدى إلى تأجيج السخط الشعبي، الذي يعكس في بعض النواحي المزاج الوطني في الفترة التي سبقت الثورة التي بدأت في عام 2010.

تحديات بيئية وإنسانية

في سياق بدأ العالم كله في الحديث عنه جديًا، نجد أن التحديات البيئية -بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه- ستجعل من الصعب على الدول العربية تنمية اقتصاداتها وإعالة مواطنيها.  حيث ترتفع درجة حرارة الشرق الأوسط بمعدل ضعف المعدل العالمي. مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، والهجرة الحضرية، والمنافسة على الموارد.

تقع 11 من أصل 17 دولة تعاني من الإجهاد المائي في العالم في المنطقة. ووفقًا للبنك الدولي، فإن ندرة المياه ستكلف الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما بين 7% و14%من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050. وبينما يدفع التصحر المتزايد والجفاف الناس نحو المدن، يؤدي إلى الضغط على البنية التحتية وزيادة التوترات بين المجتمعات. مثلما حدث في الفترة بين عامي 2007 و2010. حيث دفع الجفاف 1.5 مليون شخص من شمال شرق سوريا إلى غرب البلاد، مما ساهم في زيادة كبيرة في عدد سكان الحضر. ربما لم يؤد هذا إلى اندلاع انتفاضة 2011، لكنه أدى إلى تسريع تدهور الظروف المعيشية، وغذى السخط الشعبي.

اليوم، يساهم الصراع في ليبيا وسوريا واليمن، في تدفق اللاجئين إلى العراق والأردن ولبنان والصومال وتونس وتركيا. مما أثار منافسة على الموارد الشحيحة، حيث كافحت السلطات المحلية لاستيعاب الوافدين الجدد. بمرور الوقت، من المؤكد أن تؤدي هذه الضغوط السكانية إلى تأجيج السخط السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

اقرأ أيضا: عام في البيت الأبيض.. سياسات بايدن تلقي بظلالها على أزمات الشرق الأوسط

ترتيب غير مستقر

تلفت مديرة معهد كارنيجي إلى أن حكومات المنطقة -بسبب عدم قدرتها على إعالة مواطنيها- زادت في استخدام الترهيب. وقد عزز هذا بدوره ثقافة الإفلات من العقاب على مستوى المنطقة.

تقول: بينما تبدأ الدول العربية في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في سوريا، لا يبدو أنها مهتمة بمحاسبة المسؤولين السوريين على جرائمهم المروعة. ولا يبدو أن هناك اهتمامًا كبيرًا بحل مشكلة اللاجئين. التي من المرجح أن يستخدمها النظام السوري كوسيلة ضغط لتسريع عملية التطبيع.

تضيف مها يحيى: طالما ظل نظام الأسد في السلطة دون حل سياسي ذي مصداقية. فلن يتمكن ملايين اللاجئين من العودة إلى ديارهم. وطالما يفلت المسؤولون السوريون من العدالة، فإن الأنظمة الاستبدادية -في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه- لن يكون لديها حافز يذكر للامتناع عن ارتكاب جرائم مماثلة ضد شعبها.

تشير إلى أن النظام الأوتوقراطي الجديد المستقر في الشرق الأوسط مقدر له أن يكون غير مستقر. وبعيدًا عن “الاستبداد الدائم” الذي شاهده العديد من الباحثين في المنطقة قبل انتفاضات 2011. من المرجح أن يؤدي مزيج القمع المحلي، والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة. والتدخل الدولي، الذي ترسخ في العواصم العربية. إلى مزيد من عدم الاستقرار والمزيد من العنف وعودة التطرف.

تؤكد: تعاني الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط -التي أجوفها الفساد وسوء الإدارة- من ظروف اقتصادية معاكسة. من أجل تقديم المنافع الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت تهدئة شعوبها ذات يوم. تلعب الجهات المسلحة -سواء كانت أجهزة الأمن القومي أو الميليشيات الخاصة- دورًا أكثر أهمية من أي وقت مضى في العديد من البلدان، اقتصاديًا وسياسيًا.

تتابع: في هذه الأثناء، يتعرض الأشخاص العاديون للضغط بسبب العنف المتزايد من ناحية والموارد المتضائلة من ناحية أخرى – تمامًا كما كان الحال قبل الانتفاضات العربية في عام 2011، وفي العراق وسوريا، قبل صعود الدولة الإسلامية.

يجب ألا يطمئن أحد

إلى هذا الوضع السياسي، أضافت روسيا والصين توترات متصاعدة بين القوى العظمى. بينما قامت إيران ودول الخليج بتأجيج الصراع وتسليح الهويات الطائفية، سعياً وراء نفوذ إقليمي أكبر.

الآن يشعر السنة في جميع أنحاء الشرق الأوسط بالغضب من سياسات إيران التوسعية. بعد أن شاهدوا القوات السورية -المدعومة من إيران وروسيا- والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش يدمرون أربع مدن سنية رئيسية. هي الموصل والرقة وحمص وحلب.

في الواقع، يجب ألا يطمئن التحول الاستبدادي في الشرق الأوسط أحداً. بدلًا من ذلك، يجب أن يكون بمثابة تحذير من عدم الاستقرار الأكبر في المستقبل.