“بالتأكيد البوكر هي أهم جائزة أدبية عربية، وتحظى بمتابعة واهتمام القراء والكُتاب، فما بالك لو كان الكاتب مدرجاً في القائمة”.. هكذا عبر الروائي طارق إمام عن سعادته باختيار روايته “ماكيت القاهرة” ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. هذا الاختيار الذي يؤكد على لمعان وبريق موهبة إمام بين أقرانه من الكتاب. من خلال كتابة جريئة مميزة ونصوص بعيدة عن الواقع منحازة لواقع جديد مثير مليء بالسحر والخيال.
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، الثلاثاء، عن الروايات المرشحة للقائمة القصيرة في الدورة الخامسة عشرة. ومن بينهم: “ماكيت القاهرة” للكاتب والناقد طارق إمام، و”دلشاد – سيرة الجوع والشبع” لبشرى خلفان، و”يوميات روز” لريم الكمالي. و”الخط الأبيض من الليل” لخالد النصرالله، و”خبز على طاولة الخال ميلاد” لمحمد النعّاس. و”أسير البرتغاليين” لمحسن الوكيلي.
ويقول طارق “في علم السرد يطلق على هذا النوع من الروايات “ميتا رواية” ما بعد الرواية. حيث الرواية في حد ذاتها موضوع لنفسها داخل النص، والكتابة تتأمل نفسها وتعري تقنياتها. لكنني وبعيداً عن نظريات الأدب أحب الكتابة في هذه المسافة العمياء، والهجينية، والمموهة. بين كافة الحدود: الواقع والخيال، السرد والشعر، التوثيق والتحريف، الإيهام الفني وكسر الإيهام”.
موضحا “هذه المسافة هي حريتي الشخصية والكاملة عندما أكتب، أحب المناطق غير المنتمية بالكامل. التي تخون الحدود الصارمة التي تخنق الفنون وحتى الأوطان”.
اختار طارق إمام وهو روائي من طراز فريد، لنفسه ساحة لا يجيد اللعب فيها سوى قليلون. ليعزف منفردا أروع مقطوعات التي بدأت بمجموعته الأولى “طيور جديدة لم يفسدها الهواء” عام 1995. أحد عشر كتابا، هي رصيد طارق الأدبي بين روايات ومجموعات قصصية، أبرزها معشوقته “هدوء القتلة” 2007. و”الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس” 2012، و”ضريح أبي” 2013، “مدينة الحوائط اللانهائية” عام 2018، و”طعم النوم” 2019.
واقع يتداخل فيه الوهم والحقيقة
وكما قال شكرى المبخوت، رئيس لجنة التحكيم بجائزة البوكر، إن “ماكيت القاهرة” أعادت بناء واقع يتداخل فيه الوهم والحقيقة. وحرصت على حريّة التعبير والإبداع في مواجهة سلطات ظاهرة وخفيّة تقمع الفكر وحريّة اختيار الهويّة الفرديّة.
يعمل طارق صحافيا، شغل منصب نائب رئيس تحرير مجلة “الإذاعة والتليفزيون” القاهرية. وهو كاتب وروائي مصري من مواليد 1977، تُرجمت بعض أعماله إلى أكثر من لغة، ونال العديد من الجوائز المصرية والعربية والدولية. منها جائزة الدولة التشجيعية بمصر، جائزة ساويرس مرتين، الجائزة المركزية لوزارة الثقافة المصرية مرتين، جائزة سعاد الصباح الكويتية. وجائزة متحف الكلمة الإسبانية.
صدرت “ماكيت القاهرة” لأوّل مرة عن منشورات المتوسط في عام 2021، دخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2022. تدور أحداث الرواية في القاهرة عام 2045، وتتناول الرواية بشكل فانتازي، مشروع إنجاز ماكيت للعاصمة المصرية السابقة قبل ربع قرن.
ويقول إمام لمصر 360: “كنت بالتأكيد حريصًا على المتابعة وآملاً في تجاوز القائمة الطويلة للقصيرة.. وسعدت جداً بوجودي ضمن اللائحة القصيرة وبخاصة أن القائمة الطويلة كانت فعلا مميزة في تقديري، وأي ستة أعمال فيها تستحق أن تؤلف القائمة القصيرة”.
ويرى إمام أن جائزة البوكر تسهم بشكل ملحوظ في توسيع رقعة التلقي وتمنح النص ضوءاً واهتماماً يضيف لمقروئيته.
بيتٌ من ورق وبيتٌ من الخرسانة
ومن الرواية: “بدأ محاكاة القاهرة بالورق. في الطفولة يتساوى بيتٌ من ورق وبيتٌ من الخرسانة، وفقط عندما يكبر الناس، يكتشفون أن البيوت تُصنَع من الموادِّ التي تجعلها قادرةً على حماية نفسها وليس الدفاع عمَّنْ يقطنونها.
فيما كان أقرانه يصنعون مراكب وطائرات كان هو آخذاً بتشييد بيوت بيضاء تقطعها خطوط الورق المسطَّر، يضع عليه توقيعاً بدائياً سيظلُّ يطوّره استناداً لأصله الطفولي حتَّى يمنحه أخيراً هذه الهيئة: أوريجا.
لكنه لن يلبث أن يكتشف أن المدينة تحتاج موادَّ أقوى، وألواناً أخرى، فلا وجود لمدينةٍ بريئةٍ إلى هذه الدرجة.
مُطوِّراً من ولعه، سيكتشف أن المُدُن، حتى لو كانت غير حقيقية، خُلِقت لتبقى، بينما لم يُخلَق الإنسان نفسه إلَّا ليموت. كانت المراكب الورقية تغرق في مياه الحمَّامات، والطائرات تحلِّق لسنتيمترات، ثمَّ تنتحر على خشب الدكك الوعر أو تحت الأحذية، وحتَّى لو وجدت لنفسها مكاناً في السماء الواطئة خارج شبابيك الفصول، سرعان ما كان يبتلعها رمل الفناء. مدينته أيضاً كانت تدهسها الأقدام مع رنين جرس المغادرة. كان يفكِّر، يمكن لطائرةٍ أن تسقط ولمركب أن يغرق، إن هذا يحدث في الواقع أيضاً، لكنْ، لا يجب لمدينةٍ أن تختفي لمجرد أن جرساً أطلقت صرخته يدٌ ما، كأن الوجود محض يومٍ دراسي”.
البوكر أهم الجوائز الأدبية المرموقة
الجائزة العالمية للرواية العربية من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي. وتتضمن القائمة القصيرة لدورة الجائزة الخامسة عشرة نخبة من الكُتّاب تتراوح أعمارهم ما بين 34 و52 عاماً. ينتمون إلى ستّة بلدان. وتعالج رواياتهم قضايا هامة، من بينها الهوية وحرية التعبير وذاكرة المدن والجندرية. وتعطي صوتاً للمهمشين والمقموعين والمنسيين في متون التاريخ.
ويُعلن عن الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية في 22 مايو/أيلول، في أبو ظبي، وسيتم بث الفعالية افتراضياً.
تهدف الجائزة إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً. من خلال ترجمة الروايات الفائزة والتي وصلت إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسية أخرى ونشرها. بالإضافة إلى الجائزة السنوية. تدعم “الجائزة العالمية للرواية العربية” مبادرات ثقافية أخرى، وقد أُطلقت عام 2009 ندوتها الأولى (ورشة الكتّاب). لمجموعة من الكتّاب العرب الشباب الواعدين.
أطلقت النسخة الأولى للجائزة في عام 2007 في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ ومقرها في لندن. وتُنظم بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة – أبو ظبي وبرعاية من مؤسسة جائزة بوكر البريطانية. على الرغم من أن الجائزة غالبًا ما يشار إليها باسم “جائزة البوكر العربية” أو “النسخة العربية من جائزة البوكر العالمية”. إلا أنهما مؤسستان منفصلتان ومستقلتان تمامًا، والجائزة العالمية للرواية العربية ليست لها أي علاقة بجائزة مان بوكر.
تُمنح الجائزة في مجال الرواية حصرًا، ويتم ترشيح قائمة طويلة يستخلص منها قائمة نهائية (قصيرة) من ست روايات لتتنافس فيما بينها على الجائزة. وتمنح الرواية الفائزة خمسين ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى عشرة آلاف دولار لكل رواية من الروايات الستة ضمن القائمة القصيرة.
مشروع أدبي جديد
يستعد طارق إمام لمشروع أدبي جديد بعد رواية “ماكييت القاهرة” هو كتابة رواية تأريخية عن الشاعر السكندري الإيطالي جوزيب أونجاريتي. وتعد واحدة من أحلامه الروائية التى يحلم بتحقيقها ضمن مسيرته الأدبية.
وأوضح طارق إمام خلال تصريحات صحفية لموقع جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، أن روايته التأريخية. التى يكتبها عن الشاعر السكندري الإيطالي جوزيب أونجاريتي، ترصد طبيعة علاقة الفرد المراوح على مستوى الهوية بمدينة مراوحة بدورها. في لحظة تاريخية خاصة كانت الإسكندرية فيها تخلع رداء المدينة الكوزموبوليتانية لتكتسب هوية جديدة.
وقال إمام عن مشروع روايته الجديدة يعد واحدا من أحلامه الروائية. المتصلة برواية سابقة له وهي “الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس” الصادرة فى عام 2012، ليس كجزءٍ ثان له. لكن كتعميق للسؤال حول علاقة الفرد/ الشاعر/ نصف المصري نصف الأجنبي بالمكان، وعلاقة ذلك بالفعل الشعري نفسه وبالسؤال الوجودي لشخص مغترب في مدينة مغتربة.