في صباح يوم 21 مارس الماضي، فوجئ المواطن وسام حمدي، بامتلاء الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي بـ”سكرين شوت” تُوضح ارتفاعًا في سعر الدولار. الأمر الذي قابله انخفاض في قيمة العملة المحلية الجنيه. لم يعر الأمر اهتمامًا في البداية. إذ كان شاغل وسام وهو موظف بإحدى الجهات الحكومية، حينها ارتفاع سعر رغيف العيش. ذلك قبل صدور قرار تسعيره الجبري من جانب الحكومة.
وسام يتقاضى راتبًا شهريًا يبلغ 3700 جنيه. هذا المبلغ كان يساوي قبل قرار تخفيض قيمة الجنيه نحو 235.6 دولار. بينما ما بين ليلة وضحاها انخفضت إلى ما يقرب 200 دولارً.
هذه قيمة الجنيه في الأسواق الشعبية
بعد انتهاء عمله الروتيني، خرج وسام من مقر عمله بالدقي قاصدًا منزله في بشتيل. وقبل أن يستقل الميكروباص من موقف كوبري الخشب، مر على سوق الخضر والفاكهة. كان يحاول شراء فاكهة وخضروات. بما أن راتب الشهر الجديد كان سيُعلن خلال أيام.
بمجرد دخوله إلى السوق الشعبي الصغير الكائن في أحد الشوارع الجانبية بمنطقة كوبري الخشب، شاهد ارتفاعًا في سعر كيلو الطماطم بنحو 4 جنيهات. الكوسة أيضًا زادت ما مقداره الجنيه. وكذلك الفاصوليا التي زادت بنحو 3 جنيهات.
عند استفساره عن الأسباب، كانت الإجابة واحدة: “الدولار زاد يا أستاذ”. فيما كان يُقابل تلك الإجابات بـ”مقطع من أشهر العبارات بذاءة في مصر”.
لا الإجابات ولا ردوده كانت ستعوضه عما فقده من راتبه. فهو لما دخل إلى سوق الخضروات كانت يُخطط لشراء دجاجة واثنين كيلو من الطماطم وكيلو من الكوسة. كانت تُكلفة هذه الوجبة في حدود 56 جنيهًا. بينما بعد الزيادة باتت تكلفتها حوالي 66 جنيهًا، بزيادة 10 جنيهات.
وفقًا لبيانات صادرة عن الغرف التجارية، فإن القرارات الاقتصادية الفجائية ستُربك الأسواق إلى حين استقرارها بعد فترة. لكن كل شيء سيُعاد تسعيره وفقًا لسعر الدولار. وقد شددت الغرف على أن ارتفاع الأسعار لن يتوقف عند هذا الحد. لكن سيظهر تأثيره خلال الأشهر المقبلة. خاصة بعد زيادة تكلفة البضائع المستوردة.
وتوقعت الغرف التجارية، بأن نسب ارتفاع السلع حاليًا في الأسواق تُقدر بما يتراوح بين نحو 10 إلى 15%.
خرج وسام من السوق مستغنيًا عن خضار الكوسة. اكتفى بكيلو واحد فقط من البطاطس له ولزوجته وطفلته الصغيرة التي ستُكمل عامها الخامس في مايو المقبل.
حتى الدواء لن يسلم من تردي الجنيه
في طريقه، مر بالصيدلية مجبرًا على شراء دواء للكحة التي لازمته طيلة أسبوع، ولم يجد حلًا أمام نهشها رئتيه داخل جسده الضئيل.
داخل الصيدلية، دار حديث بينه وبين الصيدلي حول ارتفاع سعر الدولار، وتأثيره على الأدوية. كان مجمل الحديث أنه عقب أي زيادة في سعر الدولار تلاحق الزيادة سعر الدواء بالتبعية. وقد دلل الصيدلي على ذلك بما حدث بعد تحرير سعر الصرف عام 2016. حين ارتفعت أسعار 3 آلاف صنف دوائي في العام 2017 مباشرة.
وفقًا لرئيس شعبة الدواء بالغرف التجارية علي عوف، فإن أي زيادة في سعر الدواء سيُعلن عنها. خاصة وأن الدواء ضمن السلعة التي يتم تسعيرها جبريًا. لكن بحسب التوقعات التي أصدرتها المؤسسات الاقتصادية، فإن قطاع صناعة الأدوية سيتأثر بشكل كبير نتيجة ارتفاع سعر الدولار وانخفاض الجنيه. كون 88% من المواد الفعالة المستخدمة في الصناعة يتم استيرادها من الخارج بالدولار، لذا يتوقع ارتفاع الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
أيضًا، هناك توقعات بارتفاع أسعار الخدمات الصحية بنسب تتراوح بين 5 إلى 10%. إضافة إلى الزيادة السنوية المقدرة بنحو 10%. وبحسب تقرير صادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، فإن الإنفاق على الخدمات الصحية في مصر “مربك”. ذلك لأن الإنفاق الشخصي يبلغ 60%، مقابل العلاج في المستشفيات الحكومية والعامة والتي تصل نسبتها إلى 19.4% فقط، من إنفاق المصريين على الصحة.
عبثت وعبس.. كيف يغادر المصريون تعاستهم!
خرج وسام من الصيدلية مرتبكًا، خائفًا من عدم قدرته على سداد احتياجات أسرته. واستمر حاله إلى أن قادته قدماه إلى الميكروباص فزاده ضيقًا. ضيقه هذه المرة خوفًا سيطر على الأجواء. فبين جنبات الميكروباص الضيقة اتخذت كل الحوارات محورًا واحدًا حول ارتفاع الأسعار.
هناك شخص يقول إن أسعار اللحوم ارتفعت بقيم بين 20 إلى 40 جنيهًا. آخر ييردد أنه سمع رئيس شعبة الأدوات الكهربائية يقول في أحد البرامج التليفزيونية، إن هناك ارتفاع في أسعارها تقترب من 15% أو تزيد.
لم يحرك وسام ساكنًا، أمام تلك الحوارات، لكن مشاعر الغضب والحزن والألم كانت تُسيطر عليه. وسام ليس وحده، لكنه ضمن آلاف المصريين الذين يعيشون خوفًا وتعاسة. ويبدو أن السعادة لن تعرف المصريين خلال عام 2022. إذ وفقًا لمؤشر السعادة العالمي كان المواطنين المصري ضمن 20 شعبًا هم الأكثر تعاسة في العالم، كما يذكر تقرير شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
وتصنف النسخة العاشرة من تقرير السعادة العالمي 146 دولة ضمن مؤشر السعادة العالمي لهذا العام. بينما تأتي مصر في المرتبة الـ129.
أخيرًا، وصل وسام مسكنه في الطابق الثامن من إحدى عمارات بشتيل المطلة على الطريق الدائري. استقبلته زوجته وطفلته الصغيرة. فيما كان يحاول هو لملمة شتات نفسه أمام طفلته الصغيرة التي كانت تعبث بجبهته ورأسه.