مع تصاعد الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكذلك العقوبات الأمريكية والغربية ضد روسيا. تلقي هذه الحرب بظلالها على أحد أهم مشاريع الطاقة المصرية في الألفية الثانية. وهو مشروع محطة الضبعة النووية، الذي يُعد أحد أبرز الوسائل التي تعتزم البلاد -التي تستعد لاستضافة مؤتمر المناخ المُقبل Cop 27- استخدامها للتخلي عن انبعاثات الكربون.
تتناثر التساؤلات حول مصير مشروع أول محطة للطاقة النووية في مصر مع اقتراب موعد إطلاقه. فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، وكذلك عدد من الشركات والشخصيات الروسية. قد تؤخر المشروع المصري الذي تنفذه عملاق الطاقة الروسية، شركة روساتوم. حيث يتوقع مراقبون تعليق العمل فيه واستئنافه بعد الحرب.
قبيل التوقعات التشاؤمية بسبب العقوبات المفروضة على الكرملين. في 18 يناير/كانون الثاني، قال المدير العام لشركة روساتوم، أليكسي ليخاتشيف. للصحفيين الروس. أن بناء أول مفاعل في محطة الضبعة النووية سيبدأ في يوليو/ تموز. بعدها، في 17 فبراير/شباط، أعلنت هيئة المحطات النووية المصرية أن المفاعل الأول -بطاقة 1200 ميجاوات- سيبدأ العمل في عام 2028. بينما سيتم الانتهاء من جميع المفاعلات الأربعة التي تتضمنها المحطة -بطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات- وبدء التشغيل الكامل في عام 2031.
حتى بعد بدء العملية الخاصة الروسية في موسكو -كما يصر الكرملين على تسميتها- صرّح وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، في 3 مارس/أذار، بأنه “لا يعتقد أن تنفيذ مشروع الضبعة سيتعطل”. وفي في 15 مارس/أذار، قال مصدر في هيئة المحطات النووية المصرية لوكالة أنباء تاس الروسية. إن “العقوبات الغربية ضد موسكو لن تؤثر على مسار مشروع محطة الضبعة”.
اقرأ أيضًا: من أجل فهم طريق مصر الطويل نحو إزالة الكربون
الموقف المصري من الحرب
في بيان صحفي بتاريخ 24 فبراير/ شباط. دعت وزارة الخارجية المصرية جميع أطراف الأزمة الأوكرانية، إلى إعطاء الأولوية للحوار والحلول الدبلوماسية. وتسوية الأزمة سياسياً بما يحفظ الأمن والاستقرار الدوليين. ويضمن عدم تصعيد الموقف أو تصعيده. ومنع الأوضاع الإنسانية والاقتصادية من التدهور.
في 2 مارس/أذار، صوتت مصر لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي على أوكرانيا. مع ذلك-بعد التصويت- أصدر مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، بيانًا أوضح فيه أن تصويت القاهرة “نابع من إيمانها الراسخ بالقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”. وشدد على “رفض مصر للعقوبات الاقتصادية التي لا تدخل في آلية نظام دولي متعدد الأطراف. بناء على تجارب سابقة كان لها آثار إنسانية خطيرة وسلبية. وفاقمت من معاناة المدنيين على مدى العقود الماضية”.
أيضأ، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال محادثة هاتفية يوم 24 مارس/أذار، مع نظيره الأوكراني، موقف مصر من إيجاد حل سلمي للنزاع. وجهود القاهرة لتحقيق هذه الغاية، وفقًا للبيان الصادر عن وزارة الخارجية.
ثلاث اتفاقيات وأربع محطات
أثار مشروع الضبعة النووي -منذ بدايته- جدلاً واسعاً، ونال نصيبه من الانتقادات، لا سيما بسبب موقعه في مرسى مطروح. وهي منطقة سياحية يمكن للدولة استغلالها في عدد من المشاريع السياحية والاستثمارية على ساحل البحر المتوسط في منطقة مميزة للغاية تمتد على أكثر من 60 كيلومترا على طول الساحل الشمالي.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وقّع الجانبان المصري والروسي ثلاث اتفاقيات. واحدة لبناء وتشغيل محطات الطاقة النووية. وواحدة تحصل مصر بموجبها على قرض بناء من روسيا يتم سداده عن طريق بيع الطاقة المولدة. ومذكرة تفاهم بين الشركة النووية المصرية، وهيئة التنظيم الإشعاعي والرقابة البيئية والصناعية والنووية الفيدرالية لروسيا.
في 19 مايو/أيار 2016، نشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رقم 484 لعام 2015. بالمصادقة على الاتفاقية الموقعة بين موسكو والقاهرة. بموجب الاتفاقية ستحصل مصر على قرض قيمته 25 مليار دولار من روسيا. لتمويل الأعمال والخدمات والشحنات المتعلقة ببناء وتشغيل المعدات لوحدات الطاقة في محطة الضبعة بنسبة 85%. وستتحمل مصر نسبة الـ 15٪ المتبقية على شكل أقساط. القرض لمدة 13 سنة بمعدل فائدة سنوي 3٪.
في ديسمبر/كانون الأول 2017. وقعت القاهرة وموسكو اتفاقية لبناء أول محطة للطاقة النووية في مصر خلال زيارة بوتين للقاهرة. وفي 10 مارس/أذار 2019، حصلت محطة الضبعة النووية من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية على إذن قبول الموقع. ويعد الإذن إقرارًا بأن الموقع وخصائصه تتوافق مع المتطلبات المصرية، ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما ينعكس على ضمان التشغيل الآمن والموثوق للمنشآت النووية.
يتكون مشروع الضبعة النووي من أربعة مفاعلات مائية مضغوطة VVER-1200 من تصميم AES-2006. وتعتبر المفاعلات -التي تبلغ قدرة كل منها 1200 ميجاواط- الأكثر أمانًا والأكثر شيوعًا في العالم، وفقًا لهيئة محطات الطاقة النووية. وقتها، قال الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة. إنه سيتم من خلال عقود تنفيذ محطة الضبعة النووية مراعاة استهداف %20 كحد أدنى لنسبة المشاركة المحلية للوحدة النووية الأولى، وصولًا إلى نسبة %35 للوحدة النووية الرابعة.
اقرأ أيضا: مؤتمر “فالداي”.. هل تحتاج روسيا استراتيجية جديدة للشرق الأوسط؟
توقعات بالتأجيل
رغم إعلان الهيئة المصرية العامة للرقابة النووية والإشعاعية -في بيان صحفي- في 28 فبراير/شباط. أنه قد تم إصدار تصريح لإنشاء موقع للتخزين الجاف للوقود النووي، والذي سيتم استهلاكه في طوال عمر المحطة. إلا أن الخطوات للتنفيذ لازالت ثقيلة. فقد تم تأجيل المشروع بالفعل لما يقرب من عامين بسبب جائحة كوفيد 19. وكان من المقرر أن يبدأ البناء في النصف الثاني من عام 2020. لكن تم تأجيله حتى منتصف عام 2022.
كان الدكتور أمجد الوكيل رئيس هيئة المحطات النووية المصرية قد أكد قد توقع -في تصريحات خاصة لـ “المال” في يوليو/تموز 2021- إصدار الإذن بالتنفيذ خلال النصف الثاني من عام 2022. وهو المشروع الذي أشار لـ “Al-Monitor”، قبل أيام. أنه سيحقق لمصر عائدات بقيمة 264 مليار دولار على مدى 60 عامًا. وهو عمر المحطة النووية.
في استطلاع رأي أجراه إبراهيم عياد. يعتقد المحللون الذين تحدثوا إلى “Al-Monitor” أن الحرب الروسية ستؤثر على المشروع النووي المصري. حيث قال مجدي حمدان -العضو السابق في جبهة الإنقاذ الوطني- إن المشروع من المحتمل جدًا أن يتأثر بالحرب. ويتوقع تعليق العمل فيه واستئنافه بعد العملية العسكرية الروسية “ربما مع دولة أخرى غير روسيا”، حسب تعبيره.
وأضاف: حتى الآن لم يتم اتخاذ خطوات مهمة فيما يتعلق بمشروع الضبعة. ما يعني أنه سيكون من السهل على الشركات الروسية التوقف عن العمل.
بينما أشار محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية. أن مصر وروسيا تربطهما علاقات قوية “خاصة في مجالات التسلح والطاقة والنووية” حسب تعبيره للموقع نفسه. وأشار إلى أن الضبعة مشروع نووي طويل الأمد “وبالتالي فإن التأخير ليس له نتائج تذكر”. مع ذلك، أوضح أن الحرب الروسية الأوكرانية قد تؤثر على تاريخ بدء المشروع بسبب العقوبات الاقتصادية التي تؤثر على الشركات الروسية.
اعتبارات المخاطر المرتبطة بالعقوبات
تبادل الرئيسان المصري والروسي مكالمة هاتفية في 9 مارس/ أذار، وقالت الرئاسة المصرية -في بيان صحفي- إن الرئيسان بحثا سبل تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين من خلال مشروعات التنمية المشتركة الجارية بينهما. مؤكدين على “قوة التطور التاريخي”. والعلاقات بين القاهرة وموسكو في مختلف المجالات، إضافة إلى الصداقة الشعبية والرسمية.
في اليوم نفسه، غردت وزارة الخارجية الروسية، على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: “بحث بوتين والسيسي خلال اتصال هاتفي سبل تطوير الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو. بما في ذلك تنفيذ مشاريع مشتركة كبرى في مجال الطاقة النووية”. وفي 23 مارس/أذار، طمأن السفير الروسي بالقاهرة، جورجي بوريسينكو. وفد من الاتحاد المصري لخريجي الجامعات الروسية. بأن التعاون مستمر بين القاهرة وموسكو، مؤكدا التزام روسيا بتنفيذ جميع الاتفاقيات التي وقعتها موسكو مع مصر.
يلفت محمد سليمان، الباحث في معهد الشرق الأوسط. إلى أن بناء مشروع نووي للأغراض السلمية هو هدف استراتيجي للقاهرة. لكن “بصفتها سوقًا ناشئة، يجب على مصر أن تأخذ في الاعتبار المخاطر المرتبطة بالعقوبات المفروضة على روسيا. وكيف يمكن أن تؤثر على الاقتصاد المصري”.
وقال: واشنطن تدرك أن روسيا لاعب رئيسي في الشرق الأوسط، ولها تأثير كبير في سوريا وليبيا. وأنه على الرغم من تصويت مصر لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. يجب على القاهرة أن تدخل في ذلك مصالحها الأمنية الحيوية مع روسيا في ليبيا. بالإضافة إلى تعاون أوسع على الصعيدين الأمني والعسكري.