تثير الخطوات الأمريكية لنشر بعوضة معدلة وراثيًا لإبعاد الأنواع الطبيعية المسببة للأمراض المخاوف. رغم قصر التجربة على الولايات المتحدة. خاصة بعد تأكيد الشركة المنفذة للمشروع أن إجراءها تجارب ميدانية خارج الولايات تضمن إطلاق أكثر من مليار بعوضة على مر السنين.
ونشرت الولايات المتحدة البعوض المعدل وراثيًا بعد موافقة وكالة حماية البيئة على خطة لاختبار بعوض من سلالة “الزاعجة المصرية”. طورته شركة أوكسيتيك للتكنولوجيا الحيوية وراثيًا. بحيث يتم إطلاق الذكور التي لا تلدغ في الجو. على أن تتزاوج مع الإناث التي تقوم بالعضّ. ليكون نسلها غير قادر على البقاء على قيد الحياة حتى يصلوا إلى مرحلة النضج.
خلال 2021 تم إطلاق ملايين البعوض في إحدى مقاطعات فلوريدا في مشروع تجريبي. ومن المقرر توسعته ليشمل أربع مقاطعات في كاليفورنيا. مع انتظار الموافقة من المنظمين بالولايات.
توسع في إطلاق البعوضة المعدلة
وقالت ميريديث فينسوم -رئيسة الشؤون العامة العالمية في شركة أوكسيتيك- إنه بينما تعطي موافقة وكالة حماية البيئة مقاطعة واحدة في فلوريدا وأربع مقاطعات في كاليفورنيا وإطلاق أكثر من ملياري بعوض ذكر معدّل وراثيًا عبر الولايات. فمن المخطط أن يكون الإطلاق محدودًا بدرجة أكبر. بحيث يغطي ولاية فلوريدا فقط. ثم التوسع بمقاطعة تولير بكاليفورنيا.
الشركة تتحدث عن أن الهدف هو الحد من انتقال الأمراض الضارة. مثل حمى الضنك (حمى تكسير العظام). وزيكا والحمى الصفراء وداء الشيكونجونيا. وهي حمى تنتشر في أفريقيا وتسبب آلاماً حادة في المفاصل.
ورغم أن “الزاعجة المصرية” تشكل جزءًا صغيرًا فقط من إجمالي عدد البعوض في فلوريدا. فإنها تمثل عددًا كبيرًا من حالات الأمراض البشرية. وشهدت فلوريدا تفشي حمى الضنك عام 2020. لكن لم يتم تأكيد حالات حمى الضنك أو شيكونجونيا أو زيكا أو الحمى الصفراء وفق مسؤولي الصحة بالولاية.
وقالت “فينسوم” إنه لا يمكن اكتشاف الاختلاف بالعين المجردة. فالحشرات المعدلة تنتج ذرية ذكورًا وإناثا. لكن لا يمكنها البقاء على قيد الحياة. وبمرور الوقت ومع انخفاض عدد الإناث سينخفض عدد الحشرات بشكل عام.
مشروع علمي أم مخاطرة
قوبلت تلك الخطوة ببعض المعارضة من الجماعات البيئية التي تشعر بالقلق إزاء الآثار المحتملة للحشرات المعدلة وراثيا.
وقالت دانا بيرلز -مديرة برنامج الغذاء والتكنولوجيا لدى أصدقاء الأرض: “هذه خطوة مدمرة وخطيرة على الصحة العامة”.
أحد الشواغل الرئيسية فيما يتعلق بتوسيع مشروع فلوريدا. هو عدم وجود تاريخ علمي واسع الانتشار وخاضع لمراجعة الأقران من العام الماضي. ويقصد بـ”مراجعة الأقران” إخضاع أي عمل أكاديميي “بحث أو مقالة أو دراسة أو أطروحة” إلى فحص دقيق من قبل خبراء بمجال العمل. وذلك قبل منح الإذن بنشر العمل في دورية متخصصة.
تعميم دون مراجعة
ومن المتوقع إصدار البيانات التي تمت مراجعتها من قِبل النظراء. وفقًا لرئيسة الشؤون العامة العالمية في شركة أوكسيتيك. لكن بيرلز قالت إن هناك قلقًا بشأن مخاطر محتملة دون مراجعة أكثر صرامة وعلنية.
كان الافتقار إلى انتقال مؤكد لأمراض مثل حمى الضنك أو داء الشيكونجونيا أو زيكا أو الحمى الصفراء من الزاعجة المصرية في كاليفورنيا مصدر قلق لبيرلز. التي قالت إنه لا توجد مشكلة فورية. لكن توجد أمور مجهولة.
وأضافت أنه دون البيانات لم يكن من الواضح ما إذا كان البعوض وذريته سيعمل كما توقعت شركة أوكسيتيك. مضيفة أن هناك مخاوف من إمكانية إنتاج أنواع هجينة يصعب القضاء عليها. فبمجرد إطلاق هذا البعوض في البيئة لا يمكن التعرف عليه. ويمكن أن يخلق مشكلات.
شركة أوكسيتيك للتكنولوجيا الحيوية مقرها المملكة المتحدة. ولديها خطة لإطلاق ما يقرب من 2.4 مليار بعوضة معدلة وراثيًا حتى عام 2024.
ويستهدف المشروع “الزاعجة المصرية”. وهي واحدة من أكثر من 3500 نوع من البعوض والحشرة الغازية الخطيرة التي تنشر أمراضًا. وساعدت ظروف الجفاف المدمرة في كاليفورنيا -مع انخفاض منسوب المياه في الأنابيب. وتباطؤ الركود في مجاري المياه وانخفاض هطول الأمطار- على ازدهار أعداد البعوض التي تعيش قرب المنازل والمجتمعات.
ولم تنتشر الأمراض الخطيرة في ولاية كاليفورنيا بعد. لكن تم تسليط الضوء على الحشرة الغازية “البعوض” من قبل المسؤولين باعتبارها خطرًا متزايدًا.
أنثى البعوضة المصرية.. غير قابلة للمكافحة
راجيف فيدياناتان -مدير البرامج الأمريكية في أوكسيتيك– قال إن الزاعجة المصرية لا تنتمي إلى أمريكا. وهي مدمرة للبيئة. وأنثاها تفضل الأكل والتكاثر في منازل الناس وحولها. وتخرج في النهار. ما يجعل القضاء عليها أكثر صعوبة بالمبيدات. فالفراشات والنحل بالخارج خلال النهار أيضًا. ما يجعل تلك الحشرات غير متوافقة تمامًا مع المكافحة التقليدية للبعوض.
يتم تسليم ما يسمى بذكور البعوض “الصديق” للشركة على شكل بيض جاهز للنشر في جهاز بمجرد إضافة الماء. والذي يمكن أن يساعد في الحد من التكلفة المرتفعة المرتبطة عادةً بالقضاء على الأنواع. وأدخلت الشركة بالفعل هذه السلالة المعينة من البعوض المعدل وراثيًا في البرازيل. فيما تدعي الشركة أن لها نتائج “مشجعة”.
وكالة حماية البيئة الأمريكية أوصت بعدم إطلاق البعوض قرب أي مصادر محتملة للتتراسيكلين. وهو مضاد حيوي يتم اشتقاقه من بكتيريا شبيهة بالفطريَّات تعيش في التراب لونها ذهبي. بجانب عدم جواز إطلاقه على مسافة أقرب من 500 متر من مرافق معالجة مياه الصرف الصحي ومزارع الحمضيات. فضلا عن التفاح والكمثرى والنكتارين ومناطق زراعة الخوخ أو الماشية التجارية والدواجن ومنتجي المواشي.
اللعب الأمريكي والكشف الروسي
تم تجهيز جميع الحشرات المعدلة بجين محدد يمكن للعلماء استخدامه لتمييزها عن الكائنات البرية. وسيتم وضع مراقبة منتظمة لضمان التخطيط للتجربة. وقد حظي تأييدا من مئات المراكز الصحية والغذائية. لكن بيرلز تقول: “لا يوجد شيء اسمه فعال بنسبة 100٪ في العلوم. ومصدر القلق هو ما إذا كان يمكن إنتاج نوع هجين ويصعب القضاء عليه أو ما إذا كانت الأنواع الأخرى من البعوض ستملأ ببساطة الفجوة البيئية التي قد تتركها بعوضة الزاعجة المصرية”.
بعض سكان فلوريدا عارضوا الفكرة منذ البداية. واتخذوا إجراءات قانونية لوقفها. حتى إن مارا دالي -إحدى المعارضات- تمنت حدوث “اضطرابات مدنية”. وتشير إلى أنه يمكن للسكان رش مجتمعاتهم بالمبيدات الحشرية في محاولة “للانسحاب” من التجربة. بينما قالت مجلة “نيتشر” إن الشركة لا تكشف عن المواقع الدقيقة للإطلاقات الموجودة على ممتلكات خاصة يتم إحاطتها بسياج لمنع تعرضها للتخريب.
تأتي تلك الخطوات بعدما اتهمت وزارة الدفاع الروسية واشنطن بأنها خصصت 32 مليون دولار لنشاط مختبرات عسكرية أوكرانية في كييف وأوديسا وخاركوف. بجانب مليون و600 ألف دولار لدراسة انتقال الأمراض من الخفافيش إلى البشر بأوكرانيا وجورجيا -حسب وكالة “إنترفاكس” الروسية.