الخبرات الموجعة، الضغوط والعدو خلف طموح أحيانًا وتلبية احتياج أحيانًا أخرى. صراع الحياة الذي يأخذنا لمناطق منهكة، فيُصبح بعض من وقت الفراغ حاجة مُلحة، سعيًا لبعض الراحة. ولكن هل في الفراغ راحة؟
الفراغ كوحش يلتهم الروح
مثل ثُعبان يكبر ببطء، يتغذى على كل شيء، يكون هو الوقت، الزمن، صراعنا الدائم وعدونا الذي نهرب منه ونطارده. فلا نعرف هل نريد له أن يتجمد، أم يمضي سريعًا. لكنه عراك دائم يهدأ ويشتعل دون أن يُدرك كل منا من الفائز.
بعض النساء يتذرعن بالمسؤولية. نساء متطوعات وأُخريات مجبولات عليها بفعل الظروف وتراجع آخرين عن مسؤولياتهم. فتتحول الحياة لمسابقة عدو. كل شيء لابد أن يحدث بسرعة. أحيانًا يوازي الفعل أفعال أخرى، فتزاحم المهام يدفع بالأدرينالين إلى أوجه. نرى نساء تعددن الطعام وتتابعن الأطفال، ويمكن أن تقوم بجزء من العمل في المنزل، غير مهام أخرى.
تطوق بعض النساء وربما الغالبية لوقت فراغ. وقتًا تعزل نفسها عن المناصب العديدة التي تشغلها في حياة من حولها، كطاهية ومدبرة منزل، وموظفة وصديقة وأم، وغير ذلك من أعباء تضغط على كاهلها وتحني طموحاتها نحو التطلع إلى طموح جديد.
بعض من الراحة يليق بالمتعبات منا، إغماض للعقل، وإطلاق الروح لتهدأ من إنهاكها الدائم. وسط كل ذلك، تظهر أحلام البقاء بالمنزل، الدفع بكل شيء بعيدًا كنجاة من المسؤولية والهم. ظنًا أنها نجاة حقيقية، وليس هذا بصحيح.
الفراغ الذي ننشده، يتحول إلى وحش ينهش الروح، يصاحبه أرق، أو نوم طويل مصحوب بآلام في الظهر، وصداع يسعى لامتلاك الرأس بمجمله. في الفراغ تخرج كل التفاصيل على مائدة الوقت، فتتمدد للتشريح، مستسلمة. تأخذ التفاصيل حيزًا أكبر بكثير مما هي عليه، فتُصبح أبسط الأمور قنابل موقوتة تنفجر في الروح وتُدمر مسارات المحبة والعمر.
الحياة بلا مشروع
النسوة الطامحات في إقامة منزلية ورجل يتكفل بنفقات الحياة والرفاهية، ظنًا بأن ذلك يبعد بهن عن التجربة، يُخلي حيواتهن من الألم والانكسار، وينأى بكل منهن عن أوجاع التجربة. كثير من الصغيرات بتن يحلمن بلقب ربة منزل، دون أن يلتفتن أن الحياة الخاوية من الطموح هي قبر تحت التأسيس، تشرع صاحبته يومًا بعد الآخر في بنائه حتى تسكنه.
في الفراغ تتعاظم الوحدة، يُصبح مسار نملة من برطمان السكر حتى مخبأها، قضية كبرى مثل الحرب العالمية. نُعيد اجترار الأفعال وتعمل نظرية التأويل بأحسن ما يكون. تكثر الاحتمالات ويكون سوء الظن هو البطل دائم الحضور، مثل فيلم عن جماعة من الأشرار، لا خير ينتصر ولا حتى في الخيال. كل الأفعال خاوية إلا من وجع الظن.
حين تكون المرأة بلا حلم، بلا مشروع، تُصبح مصدة لريح الفراغ. تهرب من الوحدة المقيدة بمعصمها، ولا شيء جديد، الأفلام خابية، والخروجات لا تأكل الفراغ. كلها محض أكاذيب تختلقها الواحدة حتى تظن نفسها مشغولة. ولكن هذا يتضح بمجرد أن تعود إلى حوائطها المصمتة، وعقلها الخاوي من طموح تسعى إليه.
الفراغ يا سيدتي طريق ممهد نحو الاكتئاب والجنون. حيث يُصبح كل شيء مُضاعف بشكل لا متناهي. صباح الخير التي جاءت باردة من الزوج أو الصديق أو الصديقة يُعاد تأويلها وتوضع عشرات الاحتمالات لأزمة يفتعلها العقل حتى يعمل. البحث بين الأصدقاء والأهل عن رفيق يصارع وحدتك فلا تجدين رفيق دائم.
المسارات المتوهمة لقتل الوحدة وأوقات الفراغ بخروج أو نشاط مؤقت. كلها مسكنات لا تصنع مشروعًا.
قد تكون الحياة صعبة، التجارب مشفوعة بالألم والوجع، الأخريات اللواتي يصرخن من المسؤولية ومن إنهاك الحياة، الشوارع الصاخبة وضجيج المشاكل الذي لا يخفت حتى مع قدوم الليل. كلها وحوش تقترب بعيون حمراء مثل ذئاب تهم لالتقاط فريستها، وكلها بواعث لأن تتخفف بعض النساء من المسؤولية والتجربة وترغبن في بيت لا تتكفلن فيه إلا بالقدر اليسير من الأعباء، ولكن من قال إن تلك حياة تُثمر أشجار السعادة؟
أن يكون للمرأة مشروع حياة لا يعني بالضرورة أن تعمل وتخوض ضجيج الشارع والمصالح والشركات. ولكنه يعني أن تعتني بنفسها وعقلها. أن تُربي روحها وتسعى لاستقلاليتها.
الوعي ابن بار للمعرفة. تلك المعرفة التي تنساب عبر كل شيء رغمًا عنا. صار التجاهل لما يحيط بك يا عزيزتي لا جدوى منه، فأبواب المعرفة مشرعة أمام عينيك أينما وليتِ بصرك.
الفراغ ذئب جائع يتغذى على الروح، فتنطفأ لمعة العين، تصير الحياة بلا معنى، ولا هدف. أن يكون لك مشروع وحلم هو طوق النجاة، فإن كنا نعيش الحياة مرة واحدة لماذا نختار أن نعيشها أموات؟