بعد إحكام الرئيس قيس سعيِّد قبضته على السلطة في تونس في 25 يوليو/تموز 2021. فإن تونس تواجه خطر اندلاع عنف غير مسبوق.
فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية مُكربة. مع تصلب الخطاب الوطني والشعبوي للرئيس. بعد قيامه بتعليق الدستور جزئياً. بالمقابل زاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضغوطهما على “سعيد” للعودة عن هذا المسار. وهددا بتخفيض المساعدات. الأمر الذي من شأنه أن يفاقم من حدة الأزمة، خصوصاً إذا لم تكن الدولة قادرة على دفع ديونها الخارجية.
ويمكن لهذا الوضع -بحسب تقييم موقف لمنظمة مجموعة الأزمات الدولية– أن يزيد من الاستقطاب الحاصل في تونس. حيث تقف القوى المؤيدة للرئيس في جهة والعناصر المعادية له في الجهة المقابلة.
وقد يلجأ “سعيد” إلى اتخاذ إجراءات قمعية من شأنها أن تُحدث اضطرابات حادة وتزيد عزلته السياسية بشكل يدفع البلاد إلى المجهول.
ولمنع هذا فإن هناك نصائح للرئيس بالموافقة على إجراء حوار وطني. وأن يسمح لوزراء حكومته بتولي أمر السياسة الاقتصادية. كما ينبغي على شركاء تونس الرئيسيين تشجيع الرئيس على قبول العودة إلى نظام دستوري متفاوض عليه لتوفير آفاق اقتصادية أكثر إشراقاً.
تونس وقرارات يوليو
لقد تركزت سلطة الحكم في يدي الرئيس “سعيد” بعد فرض حالة الطوارئ في 25 تموز/يوليو. بعد قراراته بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء. كما شكل مجلس قضاء أعلى مؤقتاً وضعه تحت سيطرته وحل البرلمان في 30 مارس/آذار.
ورغم أن التونسيين ما زالوا يتمتعون بالحريات المدنية. فقد تم سجن كثير من الشخصيات السياسية. خصوصاً من تنظيم النهضة الإخواني وتحالف الكرامة -ذوي الميول الإسلامية. فيما يرى مراقبون أن هذا “تحول نحو الاستبداد”.
الرئيس التونسي لا يزال يحظى بالشعبية رغم أن المعارضة لحكمه تتنامى. لكن أنصار “سعيد” الأكثر حماسة يشجعونه ليس فقط على الإمساك بجميع خيوط السلطة. بل يشجعون أيضاً خططه لإحداث نظام سياسي جديد يكون عبارة عن “ديمقراطية شعبية”.
أما المجموعة المعادية لـ”سعيد” فتتكون من “ناشطين إسلاميين ومتعاطفين معهم”. إضافة إلى مستقلين. وكثير منهم يعملون في مهن فكرية كانوا قد عارضوا في كثير من الأحيان الرئيس زين العابدين بن علي “1987-2011”.
وهذا الفصيل الأخير يخشى العودة إلى الاستبداد ويدفع إلى إنهاء حالة الطوارئ. في الوقت الذي تنحدر فيه البلاد إلى حالة من التردي الاجتماعي-الاقتصادي الشديد.
ضغوط خارجية
لا يتمتع “سعيد” وحكومة نجلاء بودن التي تولت مهامها في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بهامش مناورة كبير على مستوى الاقتصاد الكلي. وسط ضغوط خارجية قوية. فالرئيس وحده يسيطر على سياسة الدولة ويرى السياسة الاقتصادية للبلاد على الأغلب عبر منظور رسالة أخلاقية لمعالجة الفساد و”المضاربين”. لكنه فشل حتى الآن في تحقيق التوازن في الميزانية الوطنية. ما أدى إلى خفض الترتيب السيادي لتونس في منتصف أكتوبر/تشرين الأول/ ومنتصف مارس/آذار، على التوالي.
وفي بداية عام 2021 امتنع صندوق النقد الدولي عن تجديد تسهيلات قروضه لتونس بالنظر إلى فشل البلاد في تبني استراتيجية إصلاحية واقعية بمشاركة ممثلين سياسيين وعن قطاع الأعمال والنقابات أو تحقيق شروطه المسبقة. تلك المتمثلة في تخفيض فاتورة أجور القطاع العام.
ودون التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في عام 2022 تخاطر تونس بعدم التمكن من دفع ديونها الخارجية.
فضلا عن ذلك تبنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظوراً سلبياً تجاه سيطرة “سعيد” على السلطة. ودعيا بإلحاح للعودة إلى النظام الدستوري في وقت يفرضان فيه ضغوطاً اقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى تقليص الأموال المخصصة للتعاون الثنائي.
توترات اجتماعية وفقر
كل هذه الضغوط من شأنها دفع شرائح كاملة من المجتمع التونسي إلى الفقر وتغذية توترات اجتماعية وسياسية على المدى القصير والمتوسط يمكن أن تتحول إلى العنف.
وقد يلجأ الرئيس التونسي لمضاعفة الإجراءات القمعية. خصوصاً باستهداف المجتمع المدني وقطاع الأعمال. كما يمكن لخطابه الشعبوي أن يثير العداء بين أتباعه نحو الأجانب والأغنياء.
وفي إطار خطته لإحداث نظام سياسي جديد يمكن لقيامه بترقية أنصاره إلى مواقع في السلطة المحلية. إضافة إلى قيامه بحل الإدارات البلدية المنتخبة. وأن يطلق منافسة محلية عنيفة عبر الإخلال بالتوازن بين الشبكات الزبائنية. وإحكام قبضته على السلطة، واتخاذ القرارات دون نقاش أو حوار. وتبني إجراءات محاربة الفساد التي لا تفعل الكثير لتحسين حياة غالبية السكان. كل هذا يعزل الرئيس سياسياً.
حلول واجبة
ولمنع تحقق مثل هذا السيناريو ولتقليص حدة الاستقطاب ينبغي على الرئيس التونسي إطلاق حوار سياسي وطني. انسجاماً مع الدعوات المتكررة من المجموعات السياسية والنقابات والجمعيات. وينبغي أن يمضي هذا الحوار إلى أبعد من الخطط القائمة. مثل المنصة التي أطلقت حديثاً للتشاور مع المواطنين على الإنترنت. وأن يشمل نطاقاً واسعاً من التنظيمات -بما فيها المنظمات السياسية والنقابات والجمعيات. وينبغي أن يتم إجراء هذا الحوار الشامل والتشاركي قبل الاستفتاء الدستوري الذي يزمع سعيد إجراءه في 25 يوليو/تموز 2022.
كما ينبغي على “سعيد” مراجعة المرسوم 117 تاريخ 22 سبتمبر/ أيلول 2021 بشأن إجراءات الطوارئ. وفضلا عن منح رئيسة الوزراء “بودن” مساحة كافية لتعيين الوزراء ووضع استراتيجية اقتصادية.