يمكن أن نضع تصورا على الحلقة الرابعة من مسلسل “مين قال؟”. الذي خصصنا له هذا المقال على اعتبارها الحلقة الأقوى دراميًا في سياق الحكي والتطور والمجاز, هذا إذا تجاوزنا مقياس القوة الدرامية التي يمكن من خلالها المقارنة بين مسلسلات الموسم الرمضاني المختلفة هذا العام إذا كانت تصلح المقارنات العامة من خلال قوة مسلسل وآخر أو مقارنات خاصة بين قوة الحلقات ذاتها التي لا تستدعي مط أو تزويق الحدوتة بعيدًا عن قوة المسلسل ذاته من عدمها.
“مين قال؟” مسلسل تليفزيوني مقبول ضمن موسم رمضاني ضعيف إجمالًا.
(برومو المسلسل)
انتصارا للشباب
“في حاجات مش هاقدر أجربها لما أكبر/ ومش هاعرف أرجع لتاريخ النهارده/ أكون فنان أرسم على كلسون/ أرتن لغات خريج ألسن/ نجم شباك أقفل سينمات/ رجل اعمال ساويرس في نفسه/ مين اللي قال لازم أبقى تابع ليك؟ مين قال لازم الطريقة دي؟ ليه مش الطريقة دي أو الطريقة دي؟ مين قال لازم أبقى تابع ليك؟ مخي مش طاقق لا ده موزون/ كل محطة مخطط لها لون/ ذهني حاضر وجات لي فكرة/ ما تسيبوني أشوط يمكن تيجي جون”.
تبدأ الحلقة كما المسلسل عمومًا من خلال أغنية “مين قال” التي يظهر فيها بوضوح أنها تتنصر للجيل الجديد على حساب التقاليد القديمة التي يتبعها أبناء الجيل السابق بسلطتهم من خلال اختيار مذهل للرابر المصري شاهين. وربما تقدّمه كأفضل تتر لمسلسل رمضاني إلى جانب تتر أحمد سعد لمسلسل توبة.
يحكي المسلسل أساسًا قصة الابن شريف. من لحظة نجاحه في الثانوية العامة وانتظار والده الالتحاق بكلية الهندسة التي يرى أنها الأفضل في تأهيله لسوق العمل. وبين رغبة شريف ذاته في العمل الحر والدخول إلى كلية بيزنس التي تساعده على تطور حلمه بالعمل الإبداعي الحر. الحلقات الثلاث التي سبقت تلك الحلقة، مهدت ببطء غير ممل لتلك الحالة التي يعيشها شريف وأصدقاءه من السن نفسه.
في الحلقة الرابعة نتلمس لمسات مخرجة العمل نادين خان في تتابع اللقطات الدارمية أثناء عودة كل ابن من الأبناء إلى منزله مع ردود الفعل من الأهل على اختلافاتهم بالخوف الواضح والرهبة المتوقعة والحب المؤلم المحرك لكل شيء.
المشاهد الأقوى في مين قال
المشاهد الأقوى التي لا تنتصر لطرف على حساب الآخر كما تقدّم بالتوازي سلطة مفهومة وغير متقبّلة في الوقت ذاته. الضغط على شريف الذي تم تثبيته أثناء وجوده في حارة شعبية لم يعتد وجود من يشبهه فيها. وصديقه الذي يتعاطى المخدرات أو صديقه لاعب الكرة بعد عودته من ساعة صفا مع فتاة مقابل خوف حقيقي من الأهل. الذين يتم تقديمهم في الحلقات السابقة كجزء من تلك المشكلات التي تعتبر حركات هروبية بشكل أو بآخر.
أظهرت كذلك لمسة شديدة الذكاء من مجدي أمين وورشته -الرجل الذي ظهر توازنه المذهل في عرض كتابته في أنضج مشاركاته خلال مسلسل العام الماضي “خلي بالك من زيزي” أكثر حتى من “ليه لا”. الذي شارك خلاله نادين خان العمل.
تخرج مجدي من ورشة مريم نعوم الواعدة التي لا زالت تقدم نماذج مبشرة تمامًا.
“إنت واحد عنده حلم كبير أوي. كبير لدرجة إن مفيش مساحة لحد تاني يحلم غيرك”.
تقول ذلك صديقة شريف إليه أثناء طلبها الانفصال عنه. وربما تصلح كتقديم لشخصيته التي تمثل محور الكلام في قضية السلطة الأبوية والرقابة على الأبناء التي يسعى المسلسل إلى عرضها في مسلسل يحمل نظرات “دراما الكومبوندات” الموجّهة لطبقة بعينها يمكنها السكن في “مدينتي” ودخول الجامعات التي تحمل الأحرف الثلاثة “الجامعات الخاصة”.
ساكني الكومباوندات
يمثل الشاب الذي يقدّم دوره أحمد داش بأداء متواضع -كالعادة- قطاعا كبيرا من جيل ما بعد 2011 ساكني الكومبوندات. تحديدًا الذين لم يعد يؤمنون بالمعايير التي شكّلت الجيل الذي سبقه.
الشيء الأكثر سخرية وأهمية أيضًا بالنسبة لي كان في تفصيلة أن شريف أساسًا لم يحصل على مجموع كلية هندسة. بينما حصل على مجموع يمكنه من دخول كلية الهندسة في جامعة خاصة. تلك التفصيلة التي يتم التغاضي عنها حتى بالنقاش مثيرة للحيرة ومفسرّة عمومًا.
شريف الشاب “النيرد” ليس شابا شديد الذكاء بالمعنى العام الذي يسعى المسلسل لتقديمه. هو مجرد شاب “حِرك” يحاول الخروج من نطاق عائلته وكومبوانده إلى العالم الخارجي الذي يرى فيه ذاته كمطور وعصامي لديه عدد من المميزات التي لا تتوفر لدى كثيرين. وربما تلك النقطة التأسيسية التي تقدم المسلسل بشكل أفضل من التقليدية المعتادة.
تثبيت الولد في مكان شعبي أثناء بحثه عن نوع ورق معين يمكن من خلاله صناعة الكرسي الذي يريده. يخبره بالعالم الذي ليس من السهل النزول إليه ويؤهل فرضية الأب أو سلطته في الحفاظ على ابنه من معارك قد لا يمكنه التعامل معها الآن. وربما في اللحظة ذاتها تخبره أنه يمكنه استغلال تلك النقطة لصالحه فيما بعد: الفتى الذي تؤهله طبقته وتعليمه للتقدم عدة خطوات على العالم الذي يريد أن يستغل إمكاناته فيما بعد. هل يمكن فعلًا تحمل المخاطرة دون مساندة الأهل/السلطة؟
أسوأ أدوار سليمان
على المستوى الفني نحن أمام واحد من أسوأ أدوار جمال سليمان غير المعهود عنه هذا الأداء التمثيلي المخجل. إلى جانب عدد من الشباب -أصدقاء شريف الذين يشاركونه الطبقة والفكر. ومشاركيه في المعاناة من السلطة الأبوية في أسرهم أحيانًا من خلال شدتها وأخرى من خلال التنازل عنها تمامًا.
الحلقة ذاتها التي قررنا الانطلاق من خلالها والنهاية بها كأفضل تعبير للكتابة عن المسلس بها.
يتذكر جمال سليمان الأب أثناء حوار مع والدته أن ما يسعى إليه شريف/الشاب يمكن تجريبته إذا كانت الحال غير الحال بينما هم “يا دوب ربنا ساترها معانا”. تلك هي المسألة: التجربة لا يمكن خوضها لأن فشلها لا يمكن تحمله. أي إنه يمكنه أن ينحدر بطبقتهم التي يعيشونها الآن إلى مرتبة أدنى. وربما هو الخوف الأكثر مشروعية والخط الدرامي الأكثر قوة الذي يؤهل فرضية المسلسل دون الوقوع في فخ الخطابية والمباشرة والانتصار على السلطة الأبوية -التي نرفضها على كل حال- دون سياق منطقي.
مسلسل “مين قال؟” يمكن تقديمه كعمل أمكنه تقديم فكرته بشكل جيد نوعًا ما حتى الآن. لكن ربما حصرته فكرته ذاتها في جمهور ضيق يمكنه التعايش مع المشكلات التي يعانيها شريف في أسرته. بينما يمكن مطها على خط أطول لرؤية معاناة هذا الجيل عمومًا من سلطة أبوية أو رقابية عمومًا على أغلب حركاته أو مساحة تجريبه في عالم لا يحتمل التجريب. سلطة أبوية خطرة غير مدمرة.