منذ إعلان الهدنة بين الحكومة في إثيوبيا ومقاتلي جبهة تحرير تيجراي. وصلت أربع قوافل مساعدات تحوي أطنانا من المساعدات الغذائية. لكن، من أجل ضمان استمرار الهدنة. يجب على أديس أبابا أن ترفع على الفور جميع العقبات لمنح القائمين على أعمال الإغاثة وصول غير مقيد لمناطق المساعدات. والذي تحتاجه للتخفيف من الوضع الإنساني اليائس لتيجراي.
على الرغم من أن الهدنة تم تطبيقها بشكل جزئي فقط. لكن، لا يزال هناك سبب للتفاؤل بشأنها. بدا أن رئيس الوزراء آبي أحمد أدرك -بعد إراقة دماء عديدة- أن النهج العسكري لن يحل ما هو في الأساس نزاع سياسي. يبدو أيضًا أن المسؤولين في مقلي -أكبر مدن تيجراي- قد تبنوا عقلية أكثر واقعية.
في 24 مارس/ آذار تحدث أحد كبار قادة جبهة تيجراي لـ Crisis Group. توقع أن الهدنة ستستمر لمدة شهر تقريبًا. يمكن خلالها استمرار تسليم المساعدات عن طريق البر. والتحرك في إنهاء الوجود الإريتري والأمهرة في تيجراي الغربية. لكن، المسؤول نفسه أشار أيضًا إلى أن الصفقة قد تستمر حتى لو لم تكتمل هذه العمليات بعد 30 يومًا.
في الواقع، إذا لبى الطرفان توقعات بعضهما البعض وبناء الثقة في عملية السلام. فإن الخطوة التالية يمكن أن تكون وقف إطلاق نار دائم، يشمل إعادة تمركز القوات. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى محادثات أوسع. كذلك، قد يوفر الاقتصاد الإثيوبي المتعثر بعض الحوافز للتسوية.
اقرأ أيضا: مؤشر GTI لعام 2022.. الإرهاب يركز عملياته في مناطق الصراع وعدم الاستقرار السياسي
سلام إثيوبيا والتحسن الاقتصادي
يبدو أن المشاكل الاقتصادية لإثيوبيا قد ساهمت في دفع الحكومة إلى اتخاذ بعض الخطوات نحو السلام. ما يقرب من خُمس الشعب الإثيوبي -بما في ذلك العديد من خارج تيجراي- يحتاجون إلى المساعدة. يرجع ذلك جزئيًا إلى الجفاف الشديد في الجنوب والشرق. حتى قبل أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة العالمية.
في فبراير/ شباط الماضي، تسارع التضخم السنوي في أديس أبابا إلى 33%. بينما تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي. في غضون ذلك، جعلت مدفوعات الفائدة المتزايدة، وعملية إعادة التفاوض بشأن الديون، حكومة آبي أحمد غير قادرة على الاقتراض من الخارج. بينما قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -وشركاء آخرون- بإجراء تخفيضات كبيرة في المساعدات. بما في ذلك تعليق الدعم السخي لميزانية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
من أجل تحسين الاقتصاد. يجب على كلا الجانبين العمل على تحريك القطع على رقعة الصراع من أجل المصالحة السياسية. يجب أن يبدأ البرلمان الإثيوبي بشطب جبهة تحرير تيجراي كمنظمة إرهابية -من بين أشياء أخرى- حتى يتمكن ممثلوها من المشاركة في الحوار الوطني. ربما كذلك يتعين عليهم اتخاذ نفس الخطوة مع جيش تحرير أوروميا للحفاظ على جانب آخر من الاستقرار. من جانبها، يجب على حكومة تيجراي الاعتراف بسلطة أبي أحمد والتراجع عن قرار مقلي المصيري قبل الحرب، ووصفها بأنها غير شرعية.
لكن بينما توحي الهدنة بإمكانية وجود طريق للخروج من الصراع، تكثر العوائق. فقد استمرت المخاوف بشأن نوايا الحكومة الفيدرالية بين الجهات الخارجية وفي مقلي. لقد أدى تلاعب أديس أبابا بوصول المساعدات الإنسانية للضغط على قادة تيجراي إلى تعريض مئات الآلاف لخطر المجاعة. وقد أشارت إلى أنها قد تستخدم الآن وعد الإغاثة للضغط من أجل انسحاب التيجرايين من مواقعها في عفار وأمهرة.
تتشكل إثيوبيا من عدد من القوميات والأقاليم. يتمتع كل منها بما يشبه الحكم الذاتي تحت مظلة الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا. هذه القوميات -أو الأعراق- هي: قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان. وقومية الأمهرية وتمثل 27%. والقومية الصومالية وتمثل 6.2%. التيجراي وتمثل 6.1%. السيداما وتمثل 4%. الجوراج وتمثل 2.5%.
مشكلات أخرى أمام إثيوبيا
في بيانها الصادر في 24 مارس ، دعت الحكومة الفيدرالية تيجراي إلى “الكف عن جميع أعمال العدوان الإضافية. والانسحاب من المناطق التي احتلوها في المناطق المجاورة”. وذلك من أجل تحسين نجاح الهدنة. ورد مقلي أنه يجب فصل القضايا السياسية والإنسانية. مع ذلك، يفكر قادة تيجراي في “انسحاب متدرج” من المنطقتين. كجزء من وقف إطلاق النار إذا أبدت الحكومة الفيدرالية حسن النية.
لكن، ليست تيجراي وحدها منبع قلق الحكومة الإثيوبية. هناك أيضا عفار، وهو اقتصاديًا أهم أقاليم إثيوبيا التسع، والذي يحظى بأهمية استراتيجية للبلد الذي لا يمتلك أي منفذ بحري. إذ تمر في شرق الإقليم خطوط السكة الحديد التي تربط إثيوبيا بجيبوتي، ومن ثم إلى البحر الأحمر.
قالت حكومة تيجراي إن قواتها تحركت إلى مناطق عفار في 24 يناير/تشرين الثاني. بسبب الهجمات المستمرة من ميليشيات عفار المدعومة من إريتريا. وقوات عفار الإقليمية حول بلدة أبالا الحدودية، التي تبعد 40 كيلومترًا فقط عن مقلي. حيث هدد الرئيس الإقليمي أوال أربع، في السابق، بعرقلة القوافل المتجهة إلى تيجراي إذا لم تفعل الحكومة ذلك. استشهد مسؤولو عفار بمخاوف أمنية لشرح سبب عدم قدرة القوافل على التحرك. بل إن السكان المحليين نهبوا الشاحنات التي كانت تنقل المساعدات إلى بلدات عفار في مارس / آذار.
بعد انسحاب قوات تيجراي في 12 أبريل/نيسان. يمكن لحكومة أديس أبابا ووكالات الإغاثة أن تقطع شوطا نحو تهدئة مخاوف العفاري والأمهرة. وتحفيز تعاون أكبر من قبل السلطات للسماح بمرور آمن للمساعدة إلى تيجراي. من خلال توفير الدعم الإنساني للمدنيين النازحين خلال تحركات قوات تيجراي جنوبا في النصف الثاني من عام 2021.
اقرأ أيضا: “تقسيم تيجراي” و”ديكتاتور إريتريا”.. ورقة آبي أحمد لاستمالة السلطة في إثيوبيا
مستقبل تيجراي الغربية
في الوقت نفسه، يُعّد مستقبل تيجراي الغربية -التي تحتلها قوات الأمهرة- من أكثر القضايا الشائكة التي يجب حلها. فالمنطقة الواقعة على الحدود مع السودان، تم تضمينها في تيجراي عندما قادت جبهة التحرير الاتحاد الإثيوبي في أوائل التسعينيات. وأعاد ترسيم جميع الحدود الوطنية على أساس التركيبة السكانية العرقية واللغوية.
عندما اندلعت الحرب في عام 2020، تدفق مقاتلي ميليشيات الأمهرة، ما أدى إلى تشريد حوالي سبعمائة ألف من التيجرايين، وهي خطوة وصفتها الجماعات الحقوقية بأنها “تطهير عرقي“. قام الجيش الإريتري منذ ذلك الحين بتدريب قوات الأمهرة في المنطقة. وعزم مسؤولو الأمهرة على الاحتفاظ بما يعتبرونه أرضهم التاريخية. حيث يرفض تيجراي النزعة الوحدوية لأمهرة باعتبارها غير دستورية، ويطالب بإعادة المنطقة إلى إدارتها.
تقدم هذه المطالب لأبي خيارين سيئين. إمّا تحويل أمهرة وحلفائها الإريتريين إلى أعداء. أو العودة إلى الحرب مع حكومة تيجراي. من ناحية أخرى. يعارض رئيس إريتريا أسياس أفورقي أي تنازلات للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. بينما يلومها على تنظيم عزلة إريتريا الدولية التي استمرت لعقود عندما كانت في السلطة.
رغم أن حكومة أسياس كانت هادئة -عادة- بشأن نواياها، فمن المرجح أن تحتفظ القوات الإريترية بمواقع حول بلدة حميرة الحدودية -وهي جسر بري رئيسي إلى السودان في شمال غرب تيجراي- نظرًا للعداء العميق بين تيجراي والقادة الإريتريين. من المرجح أيضا أن يرى أسياس عودة قوات تيجراي إلى تيجراي الغربية وإنشاء خطوط إمداد من السودان كتهديد وجودي قريب.
وبينما قد يكون الرئيس الإريتري على استعداد لمنح آبي أحمد مساحة للمناورة. لإلغاء تجميد دعم المانحين، وتخفيف المشاكل الاقتصادية لإثيوبيا. فمن غير المرجح أن يسمح لتيجراي بالتعافي. مع ذلك، إذا كانت تصرفات آبي أحمد بشأن تيجراي الغربية أقل من مطالب مقلي. فقد يستخدم قادتها الوسائل العسكرية لمحاولة استعادة المنطقة، وكذلك كسر الحصار.
من أجل المستقبل
ربما تقبل أديس أبابا الإدارة المشتركة أو الحكم الذاتي المحلي. ولكن من غير المرجح أن تقبل أي من الحكومات الإقليمية -حكومة تيجراي أو أمهرة- مثل هذا الاقتراح. حيث يدعي كلاهما أن الإقليم ملك لهما بشكل شرعي. ورغم اقتراح رئيس الوزراء إجراء استفتاء لتسوية القضية، لكن من غير المرجح أن تتفق أي من المنطقتين. خاصة على من سيكون مؤهلا للتصويت.
سيتطلب إنهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا صعودًا حادًا. إن تحفيز المحادثات بشأن تسوية نهائية بين قادة أديس أبابا وتيجراي يتطلب عدة خطوات. منها سماح الحكومة الفيدرالية للإقليم بتلقي إغاثة كافية قبل أن يتدهور الوضع الإنساني أكثر. وإعادة الخدمات الحيوية إلى تيجراي. كما سيتعين عليها أن تعرض -ويقبل زعماء تيجراي- ضمانات لغرب تيجراي. مع اتفاق كلا الجانبين على تدابير إضافية لبناء الثقة.