قفز سعر طن الحديد مع بداية شهر أبريل الجاري لمستويات غير مسبوقة بالسوق المحلية. فيما زاد سعر طن الحديد بين 3 و4 آلاف جنيه للطن. ليتجاوز سعره حاجز 21 ألف جنيه. وذلك بعدما اتخذت شركات “عز” و”المصريين” و”السويس للصلب” قرارًا بتحريك الأسعار.
وهنا نتساءل: “فلماذا ارتفعت أسعار الحديد في مصر خلال أبريل؟ وكيف أثرت تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على تصاعد أزمة حديد التسليح في مصر؟”.
خبراء مواد البناء لخصوا أسباب صعود سعره بارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا. وكذلك ارتفاع تكلفة الشحن. علاوة على زيادة الطلب المحلي في ظل تنفيذ عدد كبير من مشروعات الإسكان والتنمية العمرانية في مصر. حتى إن الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء طالب بمراجعة عقود المقاولات. وذلك للحصول على مدة إضافية لتسليم المشروعات في ظل الارتفاع المطرد في أسعار مواد البناء.
لماذا ارتفعت أسعار الحديد؟
وخلال الآونة الأخيرة تحركت أسعار الحديد بشكل لافت. وقال أحمد الزيني -رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالغرف التجارية- إن سعر الطن في مصر ارتفع بنسبة تتراوح بين 30-40% منذ بداية العام. ليتجاوز سعره 20 ألف جنيه تسليم أرض المصنع. وذلك نتيجة تبعات ارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا وأسعار الشحن والحرب الروسية على أوكرانيا.
وتستورد مصر خامات المعادن بنسبة 100%. لتعيد تصنيعها في أشكال مختلفة وتستخدمها أيضا في صناعات منتجات تامة الصنع -وفق الزيني. فيما أشار إلى أن مصر تستورد خامات إنتاج الحديد من الخارج. وما زالت المصانع المصرية لم تستورد الخامات بالأسعار الجديدة. لذا تحاول حاليًا تحقيق أعلى هامش ربحية قبل استيراد مواد خام بالأسعار الجديدة. ما تسبب في موجة الارتفاعات المتتالية في تسعيرة حديد التسليح.
وربط “الزيني” توقعات أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بعوامل أهمها التوترات السياسية عالميًا. وتأثيرها على الاقتصاد العالمي وأسعار مواد الخام. بالإضافة إلى حالة الارتباك في حركة الشحن “النقل البحري ونقل البضائع”.
وتابع أن الشعبة العامة لمواد البناء بالغرف التجارية تقدمت بطلب للحكومة بوقف تجديد رسم الإغراق على واردات الحديد من الخارج. والذي ينتهي في يونيو المقبل. وذلك لاستيراد كميات منه تعوض نقص الإنتاج المحلي نتيجة تأخر استيراد الخامات بسبب الحرب وارتفاع أسعار الشحن. بالإضافة إلى تحقيق توازن في العرض بالسوق المحلية.
من جانبه أوضح المهندس مصطفى الجلاد -الخبير الاقتصادي- أن أسعار الحديد تحركت بالسوق نتيجة ارتفاع الدولار. عقب قرار البنك المركزي برفع الفائدة وخفض قيمة الجنيه. ما أثر بشكل مباشر على ارتفاع فاتورة استيراد مستلزمات إنتاجه بما يوازي 20%.
وأوضح أن تراجع قيمة الجنيه رفع أسعار البضائع عامة. ومواد البناء بشكل خاص. وتابع أن القرار أسفر عن خفض قيمة رأس مال التجار بنحو 16-20%. مضيفًا أن مصانع الإنتاج والتجار عملوا على تعويض فارق قيمة رأس المال من خلال زيادة سعر الطن محليًا.
تداعيات حرب روسيا-أوكرانيا
وبحسب محمد حنفي -مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات- فإن سعر الطن بالسوق المحلية شهد صعودًا لمستويات قياسية لم تحدث في تاريخ صناعة الحديد. فيما رد زيادة الأسعار لارتفاع أسعار الخردة في البورصات العالمية. نتيجة الحرب والخوف من نقص الخام بالسوق المحلية.
وأضاف “حنفي” أن سعر طن الخردة صعد خلال الأسابيع الماضية بنحو 140 دولارًا. ليسجل 660 دولارًا مقابل 520 دولارًا قبل أسبوعين ماضيين.
وهو ما اتفق معه محمد المهندس -رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات- بأن الكثير من المصانع المنتجة للمعادن تأثرت بصعود أسعار المعادن عالميًا. فيما أوضح أن هناك خطوط إنتاج لبعض المصانع لتصنيع معادن مختلفة توقفت عن الإنتاج.
وتوقع “المهندس” أن تتأثر المنتجات النهائية التي تدخل في صناعتها المعادن بالأسواق. ليس التي يدخل في صناعتها الحديد فقط خلال الفترة المقبلة نتيجة الزيادات الكبيرة في الخامات.
17 ألف سعرًا عادلًا للحديد
وخلال مداخلة هاتفية له ببرنامج “على مسؤوليتي” المذاع على فضائية “صدى البلد”. أكد أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء أن السعر العادل لطن الحديد هو 17 ألف جنيه وليس 21 ألفًا. وهو السعر الذي وصل إليه سعر الطن حاليا.
وأضاف أن أسعار مواد البناء غير عادلة. وأن السوق متروكة للعرض والطلب. ما تسبب في ارتفاع سعر الحديد بنحو قارب 5000 جنيه في أسبوعين.
ويتراوح حاليًا متوسط سعر طن الحديد بالأسواق للمستهلك بين 20500 و21 ألف جنيه. حيث رفعت شركات عز والمصريين والسويس للصلب سعر الطن تسليم أرض المصنع 3 آلاف جنيه. بينما رفعت شركة “بشاي للصلب” سعر الطن 4 آلاف جنيه.
ويصل سعر طن الحديد بشركة عز 20 ألف جنيه للطن تسليم أرض المصنع. فيما بلغ سعر الطن بشركة السويس للصلب 19900 جنيه. وشركة المصريين 19900 جنيه. ويصل سعر الطن بشركة بشاي للصلب إلى 20970 جنيهًا.
وفي 1 أبريل الجاري أعلنت شركة عز للصلب عن زيادة سعر طن الحديد بواقع 3000 جنيه. تأثرا بصعود سعر الدولار أمام الجنيه واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
وأرسل مصنع عز إخطارا إلى وكلائه بارتفاع الأسعار في مصر لشهر مارس بواقع 3000 جنيه للطن. ليسجل سعر طن بشاي نحو 20 ألف جنيه تسليم أرض مصنع. وهو الأعلى إنتاجية في مصر.
ركود سوق مواد البناء وتأثر عقود المقالاوت
وأثرت تبعات أزمة الحديد على سوق البناء في مصر. حيث أكد الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر أن سوق مواد البناء تشهد حالة ركود نتيجة ارتفاع أسعار الحديد مطلع أبريل. والتي تأثرت بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
أشار “خضر” في تصريحات لـ”مصر 360″ إلى أن هناك كميات متوافرة في السوق تلبي الاحتياجات -حال التراجع نتيجة ارتفاع الأسعار- مبينا أن هناك حالة إحجام من المستهلك عن الشراء منذ بداية أبريل.
وقال إن أسعار الحديد في مصر للمستهلك تصل إلى 21 ألف جنيه. وهو معدل أعلى بكثير مما كانت عليه توقعات وضع السوق بشأن 2022. وبالتالي هناك حالة معاناة لدى المواطنين من الارتفاع الضخم في أسعاره. وبالتالي ركود السوق خلال الربع الأخير من العام المالي الجاري 2021/2022.
كما طالت تأثيرات ارتفاع أسعار الحديد عقود المقاولات المختلفة.
وقال شمس الدين يوسف -عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء- إن أسعار مواد البناء سواء الحديد والإسمنت والألومنيوم والنحاس في ارتفاع مستمر خلال الفترة الحالية. إذ سجلت زيادة بمتوسط نسبة 20% منذ اندلاع الحرب الروسية. ما أدى إلى زيادة تكلفة عقود المقاولات بنفس النسبة. وهو ما يؤثر على قدرة شركات المقاولات على الالتزام بالجداول الزمنية لتنفيذ المشروعات.
وأضاف “يوسف” لـ”مصر 360″ أن الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء يبحث إجراءات مراجعة عقود المقاولات مع الجهات الحكومية. وذلك كي تنجح شركات المقاولات في الالتزام بتسليم المشروعات. لأن استمرار أسعار مواد البناء في الزيادة يؤثر على تكلفة إجمالي المشروع على الشركات. خاصة الصغيرة والمتوسطة والتي لا تستطيع تدبير تمويل تنفيذ المشروعات المكلفة بها.
الوضع الحالي في السوق سيتسبب في حالة ركود كذلك في عمليات بيع الوحدات السكنية على مستوى المشروعات المختلفة. نتيجة للارتفاع الذي يراه البعض أنه مبالغ فيه وغير متوقع. وبالتالي ستتأخر المدد الزمنية لتنفيذ المشروعات السكنية سواء التابعة للدولة أو القطاع الخاص.
رخص الحديد الجديدة وتسهيلات الإنتاج
ويراهن البعض على قدرة منح تراخيص جديدة لإنتاج الحديد في توفير كميات أكبر منه بالسوق. ومن ثم تراجع الأسعار نتيجة الإغراق.
فتزايد المنافسة على مستوى إنتاج الحديد بالسوق سيخلق حالة إيجابية على مستوى الأسعار وجودة المنتج النهائي.
وكانت الهيئة العامة للتنمية الصناعية طرحت 6 رخص لإنتاج الحديد في أكتوبر العام الماضي. وضم الطرح 3 رخص إنتاج بيليت. اثنتان منها بطاقة 1.1 مليون طن قيمة الواحدة 345 مليون جنيه. وثالثة لإنتاج 200 ألف طن بقيمة 62.8 مليون جنيه.
وشمل الطرح رخصة لإنتاج الإسفنجي طاقة 2.5 مليون طن. قيمتها 294.375 مليون جنيه. بالإضافة إلى رخصتين للمكورات طاقة 8 ملايين طن للواحدة وبقيمة 78.5 مليون جنيه.
وقال “الزيني” إنه في حال التبكير بمنح رخص الحديد متوقع دخول طاقات إنتاجية جديدة خلال 2023 على الأكثر. وتراجع سعره في مصر.
وأوضح أن منح رخص الحديد الجديدة قادرة على خلق منافسة والتوسع في الكميات المعروضة. وبالتالي تراجع الأسعار. مطالبًا بتيسير منح رخص الحديد وتقديم تسهيلات التوسع في الصناعة.
وتنتج مصر نحو 7.9 مليون طن حديد تسليح. ونحو 4.5 مليون طن بيليت. بينما تستورد 3.5 مليون طن بيليت -بحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية.
وبلغ حجم الاستهلاك المحلي من حديد التسليح 7.344 مليون طن في عام 2021 بزيادة قدرها 7%، وجاءت هذه الزيادة نتيجة استمرار تنفيذ المشروعات القومية، وعلى الأخص مشروع حياة كريمة لتطوير أكثر من 4700 قرية، ما ساهم في زيادة الطلب، وفي الوقت نفسه ارتفعت وتيرة النمو في البناء الخاص، بحسب بيانات شركة حديد عز للبورصة المصرية.
واردات مصر من خامات الحديد
وعلى صعيد واردات مصر من خام البيليت فتستورد وزارة الصناعة نحو 150 ألف طن بيليت من أوكرانيا وروسيا. وتستورد معادن أخرى من بينها الصاج من روسيا. بحيث يتم استيراد خامات المعادن لتستخدم في صناعة المنتجات تامة الصنع.
وارتفعت قيمة واردات مصر من خامات الحديد ومركزاتها ومواد أولية بنسبة 31.4% خلال الـ10 أشهر الأولى من 2021. لتسجل 4.281 مليار دولار في مقابل 3.258 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020.
وأوضحت نشرة التجارة الخارجية التي تصدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاعا كبيرا في واردات تلك السلع خلال أكتوبر بنسبة 41.3%. لتبلغ 433.195 مليون دولار في مقابل 306.516 مليون دولار.
وشهدت فاتورة استيراد مصر من خامات الحديد ومركزاتها نموًا خلال الفترة من يناير-أكتوبر 2021 بنسبة 65.1%. لتبلغ 1.252 مليار دولار. في مقابل 757.999 مليون دولار. وكذلك بنسبة 45.3% خلال أكتوبر. لتبلغ 178.137 مليون دولار مقابل 122.613 مليون دولار خلال أكتوبر 2020.
وقفزت قيمة واردات مصر من الحديد والصلب -فولاذ- من الهند بنسبة 73.8%. لتسجل 120.209 مليون دولار في مقابل 69.152 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2020.
وقال محمد حنفي -مدير غرفة الصناعات المعدنية في اتحاد الصناعات- إن السوق المصرية كانت تعتمد على استيراد ثلث احتياجات الحديد -الخامات التي تدخل في صناعة الحديد- من أوكرانيا. إلا أن هذه النسبة تضاءلت تمامًا نتيجة فرض رسوم على واردات البيليت من الخارج. وباتت هناك أسواق أخرى تتعامل معها مصر في استيراد خامات الحديد مثل البرازيل وأستراليا وتركيا.