مع الانتهاكات المتعددة التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. تشهد إسرائيل هذه الأيام واحدة من أعنف الهجمات في الداخل. والتي بدأت منذ22 مارس/ آذار، على يد مواطنين عرب في إسرائيل، وفلسطينيين من الضفة الغربية. وكان أحدثها في السابع من أبريل/ نيسان. حيث أدى هجوم في وسط تل أبيب إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة عشرة آخرين.
يبدو أن العديد من العوامل قد ساهمت في تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والتي برز أشدها في باحات المسجد الأقصى قبل يومين. بعد اشتباكات بين فلسطينيين اعترضوا على زيارات يهود للمسجد والشرطة الإسرائيلية. ما أدى إلى سقوط 19 جريحا فلسطينيا مع اعتقال المئات. وجرح سبعة إسرائيليين
الذعر الإسرائيلي من الهجمات التي جاءت في فترة مضطربة في السياسة الإسرائيلية. والتي وصفت بأنها من قِبل “ذئاب منفردة“. صاحبتها انتكاسة أخرى للحكومة، بخلاف التدهور في حالة الأمن العام. حيث خسرت حكومة بينيت لابيد أغلبيتها في الكنيست. عشية إطلاق النار في تل أبيب. ففي خطوة غير متوقعة، أعلنت عيديت سليمان -المشرعة البارز من حزب يمينا بينيت- استقالتها من الائتلاف الحاكم. لم يكن قرار سليمان سوى دليل أخير على مخاطر الائتلاف الحاكم غير المتجانس الذي تم تشكيله سريعًا لوضع حد لحكم بنيامين نتنياهو.
تشكل أزمة شرعية السلطة الفلسطينية الحالية. والتطورات الأخيرة في اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل. جزءًا من الخلفية الأوسع للاضطرابات الأخيرة في الأراضي المحتلة. والتي صار احتمال إجراء انتخابات مبكرة فيها قد لا يكون مستبعدًا إلى هذا الحد. رغم أن حكومة بينيت تمكنت في العام الماضي من تحقيق بعض النتائج على المستويين المحلي والدولي. إلا أن تركيبتها المختلطة كانت تمثل دائمًا كعب أخيل الرئيسي. “إذا تركت السلطة التنفيذية بدون أغلبية، فقد تعيش بدعم خارجي من بعض أعضاء المعارضة”، كما تقول آنا ماريا باجيني الباحثة بجامعة نوتنجهام.
اقرأ أيضا: الحرب الباردة الجديدة.. إسرائيل بين المطرقة الأمريكية والسندان الروسي
الذئاب المنفردة
تُعرف بأنها الأشخاص الذين يرتكبون أعمال عنف من أجل دعم مجموعة، حركة، أو أيديولوجيا. ولكن بشكل فردي خارج عن هيكل القيادة، ودون مساعدة مادية من أي مجموعة. حيث أن الذئب الوحيد يستعد ويعمل وحده متأثرًا أو مدافعًا عن أيديولوجية ومعتقدات الجماعة.
شاع مصطلح “الذئب المنفرد” عام 1990 حين دعا العنصريان الأمريكيان ألكس كيرتس وتوم متذجر. الخلايا الفردية والصغيرة، إلى العمل تحت الأرض، وبسرية تامة، بدلاً من العمل كمنظمات كبيرة فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب. في تلك الفترة ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصرية تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال. وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم “ليس لدي ما أقول”.
في الألفية الجديدة. اتخذ تنظيم القاعدة، ومن بعده تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. فكرة الذئاب المنفردة لعناصر التنظيم أو المتأثرين به فكريًا. أدت تبني العديد من العناصر التكفيرية هذا التفكير إلى موجات عنف وأعمال إرهابية متفرقة في العديد من أنحاء العالم.
في ديسمبر/تشرين الأول 2020، بيّن تنظيم داعش في وسائل الإعلام التابعة له -مثل مجلة “دابق ورومية”- بعض الأساليب المتاحة لذئابه المنفردة في شكل رسائل. منها: إذا كانوا يمنعونك من الحصول على أسلحة فتاكة، فعندئذ أخبرهم أنه يمكن استخدام قلم رصاص حاد. أو يمكن أن يتعرض دراجته النارية أو سيارته لحرق متعمد مما قد يؤلمه في قلبه. لذلك شجعوا بعضكم البعض على مثل هذه الأعمال. ومن الأفضل أن تهاجم وتختبئ بسرعة، وتنتظر فرصة أخرى للهجوم مرة أخرى.
وفي العدد الثاني من مجلة “صوت الهند” التي بدأت في فبراير/شباط 2020. شجّع المتحدث باسم التنظيم على اللجوء إلى هجمات تستهدف عناصر الجيش والشرطة. باستخدام أسلحة وتكتيكات بسيطة. وفي العددين الرابع والخامس، طالب التنظيم بقتل الناس عن طريق طعنهم بالمقص، وبذل جهود أقل من خلال المساعدة في نشر فيروس كوفيد 19. واصفة إياه بأنه “سلاح أكبر بكثير من الحجارة”.
تفويض بينيت للأمن.. سياق أوسع وراء العنف
غداة الهجوم الذي وقع قبل أيام في وسط مدينة تل أبيب، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ما وصفه بـ “تفويض مطلق لقوات الأمن للقضاء على موجة جديدة من الإرهاب”. ليشن الجيش الإسرائيلي سلسلة من عمليات الدهم في المنطقة التي يتحدر منها منفذ الهجوم الذي أودى بحياة خمسة أشخاص. في حي بني براك لليهود المتشددين في إحدى ضواحي المدينة. وهو الهجوم الثاني خلال تسعة أيام.
كما قُتل ثلاثة مقاتلين من حركة الجهاد الإسلامي -ثاني حركة إسلامية فلسطينية مسلحة بعد حماس- في تبادل لإطلاق النار مرتبط بعمليات الدهم. بعد أن “رحبت” الحركة بهجوم تل أبيب. وهو ما فعلته أيضا حركة حماس. التي أعلنت أنها تبارك “العملية البطولية” في تل أبيب التي تشكل “ردا طبيعيا ومشروعا على تصعيد الاحتلال جرائمه” على حد قولها.
يرى هيو لوفات، زميل السياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. أن الهجمات الفلسطينية الأخيرة في إسرائيل. والتي جاء أغلبها بتكتيكات الذئاب المنفردة. تبدو ذات دوافع فردية، أي دون أي قيادة من أعلى إلى أسفل “على الرغم من بعض الصلات بداعش وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح”. حسب زعمه.
وأضاف: لا توجد أي علاقة واضحة بين المهاجمين الذين ينتمون إلى مجتمعات فلسطينية مختلفة. بدوي من النقب الإسرائيلي، واثنان من المواطنين الإسرائيليين من أم الفحم. وفلسطينيين من بلدة جنين بالضفة الغربية. مع ذلك، فقد تم تشكيل هؤلاء الأفراد بلا شك من خلال ديناميكيات محلية مماثلة، من الآفاق الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة. إلى التمييز المؤسسي والعنف من قبل دولة إسرائيل. بما في ذلك المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
وأشار زميل السياسات بالمجلس الأوروبي إلى أن ذلك يأتي وسط غضب فلسطيني متزايد. من اختفاء أي احتمال لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية. وتزايد المشاعر الدينية الناجمة عن الأعمال الإسرائيلية في القدس “وبالتالي، فإن غالبية الفلسطينيين ينظرون الآن إلى المواجهة المسلحة على أنها أفضل وسيلة للتحرر الوطني. بينما الرد الأمني القاسي من قبل إسرائيل لن يفعل الكثير لتغيير دوافع العنف هذه”.
اقرأ أيضا: 34 عاما على انطلاقة “حماس”: اختلاف على الحكم واتفاق على “المقاومة”
منظمة التحرير لم تعد قوة في السياسة الإقليمية
بدأت مظاهر الانقسام بين الفصائل الفلسطينية تطفو على السطح مع زيادة شعبية حركة حماس التي تأسست عام 1987، إبان “انتفاضة الحجارة“. ومنافستها، حركة “فتح” التي تأسست عام 1965، وتحولت إلى “السلطة الوطنية الفلسطينية” في أعقاب اتفاقية أوسلو. والتي تمثل القيادة التقليدية للشعب الفلسطيني. تفاقمت الخلافات، إثر تبني السلطة منهج الحل السلمي للصراع مع إسرائيل، على أساس مبدأ
زادت حدة التوتر بين الحركتين، عقب رفض حماس وقف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته فتح تهديدا لمشروعها السياسي. استمرت الخلافات السياسية، وتحولت لاشتباكات مسلحة، انتهت بسيطرة حماس على القطاع في 14 يونيو/ حزيران 2007. منذ ذلك التاريخ. تعددت الخلافات والاتفاقات بين الجبهتين حتى الآن. مروا بعدة اتفاقيات بالقاهرة والسعودية وغيرهما.
يلفت عمر حسن عبدالرحمن، زميل مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية. إلى أن اجتماع النقب بين لبيد ووزراء خارجية البحرين ومصر والمغرب والإمارات. أعطى إشارة للفلسطينيين إلى أنهم لا يعتبرون مهمين من قبل اللاعبين الإقليميين. يقول: في الواقع، لم تتم دعوة الفلسطينيين للمشاركة فقط -وهذا غير مفاجئ نظرًا لاعتراضهم على التطبيع- ولكن لم تتم مناقشة قضاياهم. حتى بعد تعليق واحد من الوفد المصري، وهو خروج كبير عن عقود من إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية.
يرى عبدالرحمن أن سبب عدم الأهمية المتزايد هذا يعود جزئيًا إلى التنازل التدريجي للسلطة الفلسطينية عن نفوذها الإقليمي “بل وتبديدها على مدى سنوات عديدة. أصبحت تعتمد بشكل مفرط على عملية السلام لإحلالها دولة”. لذلك -نتيجة للعديد من العوامل- لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية بعد أوسلو ببساطة قوة في السياسة الإقليمية.
يلفت كذلك إلى أنه على الرغم من عدم ارتباطه بشكل مباشر باجتماع النقب. فمن المحتمل أن تكون الأحداث الأخيرة “نتيجة سخط من الوضع الحالي -بما في ذلك اتفاقيات إبراهيم- ولكن الأهم من ذلك، القمع الإسرائيلي المستمر. والطرد القسري، والاستعمار دون أي شيء. نهاية في الأفق”.
هل سيستفيد بيبي بشكل كاف من متاعب بينيت؟
يشير نمرود جورين، رئيس ومؤسس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية MITVIM إلى أن التدهور الأمني في إسرائيل يصل إلى توقيت دقيق. ففي أشهرها التسعة الأولى، تمتعت الحكومة الإسرائيلية بهدوء سياسي نسبي. وتعاملت بشكل فعال مع العديد من الشؤون الداخلية والخارجية.
لكن، يشير القرار الأخير لعضو الكنيست سيلمان بالاستقالة من الائتلاف إلى تغيير كبير. حيث فقد التحالف أغلبيته في البرلمان. في حين لم تتم الإطاحة بالحكومة، وليس لنتنياهو حكومة بديلة لتشكيلها. هكذا بدأ العد التنازلي لإجراء انتخابات مبكرة. لتبدو آفاق الاستقرار السياسي طويل الأمد -بما في ذلك تنفيذ اتفاقية التناوب بين لبيد وبينيت- ضئيلة الآن. وفق قوله.
وأضاف جورين: يشكل استئناف الهجمات الإرهابية ضغوطًا على بينيت -وخاصة من اليمين- في كل من التحالف والمعارضة. للرد عسكريًا واعتماد سياسات يمينية أكثر. مع ذلك، قد تؤدي مثل هذه الردود إلى تصعيد إسرائيلي- فلسطيني غير مرغوب فيه. وزيادة الانقسامات داخل التحالف.
وأضاف: يجب أن تستجيب الحكومة بنفس الطريقة المهنية والحساسة التي ساعدتها على مواجهة التحديات الرئيسية بفعالية في الأشهر الأخيرة. لا ينبغي لها أن تختار التصعيد، بل إيجاد حلول أمنية ذكية والاستفادة من الواقع الدبلوماسي الإقليمي الجديد. الذي يدين فيه القادة العرب والمسلمون -بما في ذلك في السلطة الفلسطينية- بوضوح الهجمات الأخيرة. ومستعدون للتعامل مع القيادة الإسرائيلية”.
ما هي فرصة نتانياهو؟
تشير آنا ماريا باجيني الباحثة بجامعة نوتنجهام. إلى أن استقالة سيلمان تركت حكومة بينيت بدون أغلبية، وبقي بنيامين نتنياهو بأربعة وخمسين مقعدًا فقط. ما لا يسمح له بقلب ميزان الكنيست الحالي لصالحه. تقول: تبدو الكتلتان صلبتين في مواقعهما. مما لا يترك مجالًا لتغيير كبير في التوازن. أيضًا، في الحالة الأكثر احتمالًا لإجراء انتخابات مبكرة. لن تتغير احتمالات أن يصبح نتنياهو رئيسًا للوزراء مرة أخرى بشكل كبير.
في هذا السيناريو، من المرجح أن تؤدي اضطرابات الموجة الأخيرة من الهجمات إلى إثارة الزخم في محاولة نتنياهو لـ “قلب الحكومة اليائسة بشكل متزايد للحصول عليها”، كما قالت باجيني. التي أضافت: كذلك في ظل ضائقة قضائية -من خلال تحميل بينيت المسؤولية عن الوضع الأمني- يعزز نتنياهو حقيقة معروفة في إسرائيل. فالحكومة التي لا يُنظر إليها على أنها يمينية متشددة، سيتم تقويضها باستمرار في نظر الجمهور الإسرائيلي. عند مواجهة موجة من الإرهاب.