في مطلع هذا الشهر، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانز جروندبرج. عن التوصل إلى هدنة لمدة شهرين بين الأطراف المتنازعة في البلاد منذ سبع سنوات. مع بداية شهر رمضان، دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ. لتصير أول توقف حقيقي للصراع الدائر منذ عام 2015 بين المتمردين الحوثيين وإيران من جهة. والحكومة اليمنية وداعميها الخليجيين من جهة أخرى.
بالنظر إلى ظروف تحقيق تلك الهدنة. وقبلها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أعقاب تولي طالبان السلطة. وبدء التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد في سوريا. يبدو اتفاق وقف إطلاق النار نتاج تقدم الحوثيين وليس نجاحا للدبلوماسية الدولية. ما يعني أنه في كثير من الحالات، تظل الغلبة للقوة العسكرية، وليس للتسوية التفاوضية.
من نتائج وقف إطلاق النار فتح ميناء الحديدة الشمالي الرئيسي، والمجال الجوي حول العاصمة صنعاء. مما يسمح بوصول الإمدادات الحيوية إلى 21.2 مليون يمني يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء. حتى الآن، كان استخدام الوصول إلى هذه المساعدات أو رفضها أشبه ورقة بوكر يتبادلها كلا الجانبين. وهو شكل من أشكال الحرب الاقتصادية التي كانت مسؤولة عن آلاف الوفيات في الحرب التي مزقت البلاد منذ عام 2015.
ينظر العالم لهذه المساعدات كموضع ترحيب كبير. وذلك بالنظر إلى تسارع وتيرة الصراع منذ الصيف الماضي، عندما بدأ الحوثيون هجومًا كبيرًا على مأرب -وهي مركز غني بالنفط ومتحالف مع الحكومة في وسط اليمن- وتقدر وكالات الإغاثة الإنسانية أنه منذ ذلك الحين، تعرضت مستشفى أو مدرسة للهجوم كل ثلاثة أيام، وأن حوالي 25 مدنيا قتلوا أو أصيبوا يوميا.
اقرأ أيضا: خلف الهدنة اليمنية وإعلان المجلس الرئاسي (1-2)
هل تنتهي الصراعات قريبا؟
تشير الصفقة بين الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثي إلى تساؤلات حول الكيفية التي قد يخرج بها اليمن أخيرًا من هذا الصراع. فالشروط المحددة لوقف إطلاق النار مطروحة على الطاولة منذ أكثر من عام. لكن الآن هناك حقيقة تشير إلى أن كلا الجانبين قد يحاولا الآن إذابة الجليد في بعض المواقف. وأن الوضع قد يكون في النهاية جاهزًا للتسوية السياسية.
جاءت الهدنة بعد قرار مجلس الأمن الصادر في فبراير/ شباط. الذي يدين الحوثيين كجماعة إرهابية. والذي جاء بدعم سعودي-إماراتي. وهما أكبر داعمي الحكومة اليمنية -وكذلك عضوان حاليًا في مجلس الأمن- عن هذا التصنيف. حقيقة أنهم مستعدون الآن لعقد صفقة مع نفس “المجموعة الإرهابية” التي هندست إدانتها قبل أكثر من شهر بقليل تشير إلى مدى الإرادة السياسية الموجودة لإنهاء هذا الصراع.
وفق بيتر ساليزبيري خبير مجموعة الأزمات Crisis Group. تحدد الهدنة المعلنة حديثًا بعض الإجراءات الهامة لبناء الثقة. حيث ستخفف الحكومة اليمنية وقوات التحالف الحظر المفروض على دخول 18 شحنة وقود إلى ميناء الحديدة. الواقع على البحر الأحمر، وكذلك السماح برحلات جوية تجارية من وإلى العاصمة صنعاء -التي يسيطر عليها الحوثي- أسبوعيا من وجهتين: القاهرة وعما. وذلك لأول مرة منذ عام 2016. كما التزمت الأطراف. لإعادة فتح المحادثات حول الوصول البري إلى مدينة تعز الواقعة في وسط اليمن. والتي حاصرها الحوثيون منذ عام 2016، وأجزاء أخرى من البلاد.
كان هناك الكثير من الأسباب للتشاؤم من أن جهود التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة ستنجح. كانت الخطوط العريضة للاتفاق هي: وقف القتال، والسماح بدخول سفن الوقود إلى الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء. في صميم جهود وساطة الأمم المتحدة منذ أوائل عام 2020. وسعى المبعوث الدولي مارتن جريفيث -سلف جروندبرج- إلى التوسط في وقف إطلاق النار حول هذه العناصر لمنع اندلاع معركة. لمأرب في كل من 2020 و2021. حتى الآن، تناوبت الحكومة والحوثيون على عرقلة مثل هذا الاتفاق.
حسابات الهدنة والمكاسب
الآن، التفاؤل بشأن انفراج دبلوماسي شجعه التغيير الكبير في جانب الحكومة اليمنية. بعد أيام قليلة من إعلان الهدنة، تنازل رئيس البلاد، عبد ربه منصور هادي، عن السلطة لمجلس رئاسي تم تشكيله حديثًا. حيث بدأ رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي الجديد مهامهم في عدن -مقر الحكومة المؤقت- بعد جلسة تخلّلها أداء اليمين أمام عدد من نواب البرلمان المنتخب في عام 2003. حسبما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية.
في السابق، كانت العقبة الرئيسية أمام أي محادثات سلام ناجحة. هي الدرجة الكبيرة من الانقسام والاقتتال الداخلي، بين الأطراف المختلفة في الجانب المناهض للحوثيين. قيل إن المجلس الجديد مبادرة تقودها السعودية تهدف إلى تحقيق بعض التماسك لهذه الغاية من طاولة المفاوضات. بالطبع لا يزال هناك طريق طويل لقطعه قبل الانتهاء من التوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع. ولا تقدم شروط ترتيب وقف إطلاق النار الحالي سوى رؤى محدودة حول الخطوط العريضة المحتملة لها.
مؤخرا، استقرت الأطراف اللاعبة في اليمن على مثل هذه المجموعة المحدودة من الشروط. فطالما سعى الحوثيون إلى رفع جميع القيود المفروضة على التجارة التي تدخل ميناء الحديدة. وفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية من جميع أنحاء العالم. لكن، شحنات الوقود الثمانية عشر ورحلتين أسبوعيتين، مكاسب لا زالت بعيدة كل البعد عن هذا الهدف.
علاوة على ذلك، سعى كل من الحوثيين والحكومة إلى الاتفاق لوقف إطلاق نار من شأنه أن يخدم جانبهم بشكل أساسي. مثلًا، أرادت الحكومة أن ينسحب الحوثيون من مواقعهم حول مأرب. آخر معقل للحكومة في الشمال، والتي وتقع أكبر منشآت استخراج النفط والغاز في البلاد في ضواحيها. من جانبهم، سعى الحوثيون -الذين يصورون الحرب على أنها معركة ضد العدوان السعودي- إلى قصر وقف إطلاق النار على الهجمات عبر الحدود.
اقرأ أيضا: الوجود الإماراتي في اليمن.. ممارسات عسكرية واستخباراتية خطيرة وآثار مدمرة
مستقبل اليمن.. إلى أين؟
تشير محللة النزاعات إيريكا جاستون. والتي لديها خبرة خاصة في الشرق الأوسط وأفغانستان. إلى أن الخلاف الآن يدور حول أسئلة أساسية حول طبيعة الدولة اليمنية. بما في ذلك ما إذا كانت ستبقى كدولة واحدة، بدلاً من تقسيمها إلى كيانين أو أكثر من الكيانات ذات السيادة. وكذلك ما هو الحزب أو الأطراف التي ستحكم هذه الأجزاء المكونة.
تقول إيريكا: كانت هذه معضلة صعبة حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية والتدخل الدولي في عام 2015. إنها نفس القضايا التي أحبطت عملية الانتقال التي أعقبت الربيع العربي، والتي أدت -من نواحٍ عديدة- إلى استيلاء الحوثيين على السلطة في عام 2014. في الوقت الحالي، أصبحت دورة الصراع أكثر تعقيدًا وترسيخًا بسبب السنوات السبع الماضية من الحرب. وما نتج عنها من تفكك للسلطة السياسية والأمنية، لا سيما في المنطقة المتحالفة -اسمياً- مع الحكومة اليمنية.
وأضافت: سيكون من الصعب على أي تسوية سياسية مستقبلية إقصاء الحوثيين من الدولة اليمنية المستقبلية. مع ذلك، حتى وقف إطلاق النار المؤقت هذا يبدو من نواح كثيرة وكأنه انتصار للحوثيين. من أجل تمديد وقف إطلاق النار، ولكي تتقدم محادثات السلام، سيكون من الصعب لأي تسوية سياسية مستقبلية استبعاد الحوثيين من الدولة المستقبلية. أو حتى إخراجهم من سيطرتهم الحالية على العاصمة وشمال اليمن.
وأشارت المحللة الأمريكية إلى أن “هذا الانتصار المحدود المؤقت” لم يتحقق من خلال اختراق دبلوماسي. ولكن لأن الاستراتيجية العسكرية الناجحة للحوثيين “غيرت الحقائق بشأن الأرض وتكاليف الصراع خلال العام الماضي”.
بالطبع، هناك عوامل تمهيدية خففت الطريق نحو الهدنة. فمنذ بعض الوقت، يشير الجانبان السعودي والإماراتي إلى استنفادهما من هذه الحرب الطويلة. فالإمارات اتخذت قرار الانسحاب من العمليات القتالية المباشرة قبل عامين. كما أن التغيير في السياسة الأمريكية- اليمنية الذي أدخله الرئيس الأمريكي جو بايدن. بما في ذلك إزالة الحوثيين من القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية، وسحب الدعم للعمليات الهجومية في اليمن. أدى إلى تغيير موقف دول الخليج تجاه استمرار القتال.
طاولة المفاوضات ونهاية الحروب
كانت العوامل الفورية والمعجلة لوقف إطلاق النار هي مكاسب الحوثيين في مأرب. إضافة إلى سلسلة هجماتهم الناجحة بالطائرات بدون طيار. وهجمات الصواريخ على أهداف سعودية وإماراتية عالية القيمة هذا العام. هذا -في الواقع- قد يكون ما دفع السعوديين والإماراتيين إلى تقديم تنازلات. والاعتراف بأن أي نصر ما زال بعيد المنال.
تؤكد معايير الدبلوماسية والوساطة الدولية أن السبيل الوحيد لحل النزاع هو من خلال السلام المتفاوض عليه وعملية سياسية تمثيلية. لكن، الأكاديميون هم أقل تفاؤلاً بكثير في هذه الجبهة. وفق إيريكا، الباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومعهد السياسة العامة العالمية.
تشير معظم الدراسات إلى أن الحروب الأهلية تنتهي بانتصار عسكري في كثير من الأحيان أكثر من التسويات التي يتم التفاوض عليها. ولكن، الكثير من التفكير حول التوقيت والتسلسل والإجراءات التي تدخل في المفاوضات الدبلوماسية. مبنية على الاعتقاد بأن الأطراف المتحاربة يجب أن تجلس إلى طاولة المفاوضات عاجلاً أم آجلاً. لأن هذا هو في نهاية المطاف منتهي النزاعات.
هذه المعتقدات مدمجة في ميثاق الأمم المتحدة وتنعكس في البيانات والاستراتيجيات الدولية للمشاركة. مثلًا، فيما يتعلق بالحرب الأهلية السورية. أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن “الدبلوماسية العنيفة التي تحل الأسباب الجذرية للصراع” وليس العمل العسكري. باعتبارها وحدها القادرة على إنهاء القتال وتحقيق سلام دائم. وهي قناعة أبلغت تمركز الولايات المتحدة وأفعالها لسنوات عديدة. كما حذر الدبلوماسيون من قبل باستمرار من أنه “لا يوجد حل عسكري” للصراع في أفغانستان. وقد تم استثمار طاقة هائلة في المحادثات بين الأفغان في الدوحة. اعتقادًا منهم أن أي حل يجب أن يبدأ بالحوار.