في 17 أبريل/نيسان الجاري، اكتظ المعبر الحدودي في طابا بآلاف “السائحين الإسرائيليين” الراغبين في قضاء عطلة عيد الفصح بجنوب سيناء. بلغ عددهم يومها أكثر من 5 آلاف شخص ضمن أكثر من 40 ألف متوقع وصولهم إلى سيناء خلال فترة الأعياد اليهودية.
أظهرت لقطات مصورة الزحام الشديد عند أبواب المعبر وطابور الانتظار الطويل الذي امتد لعدة كيلومترات. وتوقعت هيئة المطارات الإسرائيلية، المسؤولة عن الحدود البرية، أن تستمر تلك الطوابير الطويلة خلال الأسبوع الجاري؛ ناصحًة “السائحين” بأن يأتوا خلال فترة ما بعد الظهر وليس صباحًا حيث ذروة الازدحام.
بالتزامن، كان غضبا يتنامى على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي من إعلان شركتين إسرائيليتين عن حفلين موسيقيين مختلفين في منتجعات طابا ونويبع بمرافقة أفراد أمن إسرائيليين لتأمينهم. وينظّم أحد الحفلين جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما يعرّف نفسه على صفحته في “فيسبوك” ونقلته “حركة مقاطعة إسرائيل BDS” في مصر.
أسفر ضغط “BDS” على إدارة فندق “توليب” عن نقل الحفل إلى فندق آخر وهو “هيلتون نويبع” الذي لم يستجب لأي ضغوط ليقام الحفلين في هذه الأثناء تحت شمس سيناء الدافئة ورمالها الذهبية التي وللمفارقة تتزامن ذكرى تحريرها -التاسعة والأربعين- من الاحتلال الصهيوني.
لم يكن مثل هذا النوع من حفلات الصهاينة هو الأول من نوعه في منتجعات جنوب سيناء الساحرة، وبطبيعة الحال قد لا يكون الأخير. ولكن توافق الحفلين مع ذكرى تحرير الأرض واقتحامات المستوطنين -تحت حماية شرطة الاحتلال- للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، سلط الضوء وأثار الغضب الشعبي الإلكتروني.
أما عن السياق السياسي فهو في توقيت تظهر فيه “علاقات دافئة وعلنية” أكثر فأكثر بين الحكومتين. إذ أُعلن عن أول رحلات طيران مباشر بين تل أبيب وشرم الشيخ -تصل إلى 9 رحلات أسبوعية بحسب الاتفاق الحالي؛ لتنشيط السياحة. وسبقها إقلاع رحلات مباشرة إلى تل أبيب عبر شركة “مصر للطيران” الحكومية.
هذا بالإضافة إلى اتفاقات لتوسيع التبادل التجاري المشترك وزيارتين معلنتين لنفتالي بينيت، رئيس وزراء الاحتلال، إلى مصر خلال 6 أشهر فقط. وقمة في النقب المحتلة لأول مرة جمعت وزير الخارجية المصري مع نظرائه من موقعي الاتفاقات التطبيعية.
تضافرت جميع هذه العوامل معا وأصبح بموجبها استقبال حفلات صهيونية “غير مرحب” ولطالما كان شعبيا. ولفت الأنظار مجددا نحو “السياحة الإسرائيلية” التي لفترة طويلة ظلت إحدى وجهاتها المفضلة سيناء. وقد تشهد تناميا في الأعداد الفترة المقبلة وفقا للنهج الحكومي الذي يحاول تقليل خسائر السياحة التي تضررت بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.
سياحة عرفت الكثير من التطور منذ توقيع اتفاق السلام عام 1979 وتأثرت صعودا وهبوطا بالأحداث السياسية وطبيعة العلاقات التي يبدو أنها تمر حاليا بأزهى فتراتها.
السياحة الإسرائيلية.. الفوج الأول بعد “كامب ديفيد”
في عام 1980 وعقب عام واحد من اتفاقية السلام وصل إلى مصر 6 آلاف “إسرائيلي” مع افتتاح الحدود رسميا في يناير/كانون الثاني من ذاك العام، وسيناء -التي لم يُستعد كامل ترابها آنذاك- لم تكن الوجهة الوحيدة إذ شملت رحلات أيضا إلى الإسكندرية والقاهرة حيث من يرغبون في تتبع جذورهم المصرية، في وقت “كانت نشوة اتفاقية السلام الجديدة ما زالت سائدة”، بتعبير صحيفة “كريستشن ساينس مونيتور” في تقريرها في سبتمبر/أيلول من نفس العام.
وبعد سبع سنوات كان إجمالي عدد “السائحين” في مصر خلال تلك السنوات وصل رقما قياسيا، بحسب “لوس أنجلِس تايمز“، التي قالت إنه زارها 580 ألف إسرائيلي، أو سدس السكان البالغ عددهم 4.4 مليون نسمة، وفقا لأرقام الحكومة الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة في تقريرها -بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 1987- إلى أن تدفق السياح هو أحد المؤشرات على أن “السلام البارد” طويل الأمد بين العدوين السابقين يفسح المجال تدريجيًا لمزيد من العلاقات الطبيعية، على الأقل على مستوى القاعدة الشعبية.. أو هكذا تصوّرت.
“يستشهد المصريون بأمثلة على “الإسرائيليين القبيحين” الذين يغنون الأغاني العبرية في الأماكن العامة أو يُغضبون أصحاب المتاجر بالمساومة العدوانية. بينما يشتكي الزوار الإسرائيليون من التأخيرات الناجمة عن النهج المصري المتساهل في الالتزام بالمواعيد”، تقول الصحيفة الأمريكية. وتضيف “قال معظم الإسرائيليين والمصريين الذين تمت مقابلتهم إنهم مستعدون للقتال في حرب أخرى، إذا لزم الأمر”.
في الأشهر السبعة الأولى من عام 1987 وصل من زاروا مصر إلى 33 ألف “سائح”، وهو ضعف العدد في نفس الفترة من العام السابق الذي تأثر بحادثة قتل الجندي سليمان خاطر في أكتوبر/تشرين الأول 1985، سبعة إسرائيليين بالرصاص في منطقة رأس برقة على الحدود.
ويتضح من تقرير “لوس أنجلِس تايمز” أن الأسكندرية والقاهرة وأسوان كانوا مدنا أحب “الإسرائيليون” زيارتها، خاصة الأخيرة التي قال أحدهم إنه دائما ما يسمع فيها صوت الإسرائيليين في الشوارع، وذلك خلال زيارته قبر “الأغا خان” وغنائهم أغاني عبرية أثناء عبور النيل.
بينما قال وكيل سفريات زار مصر أكثر من 20 مرة، إنه يجد الآن مفاهيما خاطئة أقل، ويمزح مع المُحرر “عندما ذهبت إلى القاهرة لأول مرة، اعتقد الناس أن كل الإسرائيليين لديهم ثلاث عيون”. وأضاف أن العديد من أصدقائه يذهبون إلى مصر مرتين في السنة فقط للتسوق حيث يشترون سترات وأحذية جلدية جديدة.
ويعرب أصحاب متاجر مصريين، للصحيفة، وبعضهم من قدامى المحاربين عن مشاعر متناقضة تجاه زبائنهم الإسرائيليين. فقال صاحب محل عطور في القاهرة عرّف نفسه فقط على أنه محمد: “لا بأس لهم أن يأتوا إلى مصر، لكن لا يمكنني أبدًا أن أكون صديقًا لإسرائيلي”. وأضاف أحمد صاحب محل مجوهرات في العاصمة أيضا “الإسرائيليون يجعلونني أشعر بالتوتر لأنهم يساومون كثيرًا، لكن العمل عمل”.
هجمات مسلحة أثرت على الأعداد
بعد ثلاث سنوات من هذا التقرير، ستتعرض حافلة تقل إسرائيليين كانت في طريقها من رفح إلى القاهرة لهجوم في مدينة الإسماعيلية سيسفر عن مقتل 9 منهم وإصابة 17 آخرين. وهو هجوم قالت الحكومة المصرية آنذاك إنه تم التخطيط له في الخارج بينما اتهمت حكومة الاحتلال منظمة التحرير الفلسطينية بتدبيره.
وقال رئيس الوزراء إسحاق شامير للتلفزيون الإسرائيلي إن الهجوم “خطير ومروع” مضيفا أن “هذا الهجوم يثبت أن الكراهية لإسرائيل ما زالت قائمة وتتزايد ضراوة في المنطقة”. فيما وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الهجوم بأنه “عمل إرهابي مروع” وأنه “محاولة واضحة من قبل أعداء السلام لوقف جهود المصالحة والحوار” حيث كان قبل أسبوع من محادثات سلام ستُجرى في واشنطن.
وبعد 8 أشهر وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني “عبر مسلح يرتدي زيا شبه عسكري مصري الحدود المصرية الإسرائيلية بالقرب من إيلات وفتح النار على حافلة وثلاث مركبات تقل جنودا إسرائيليين وعمال. فقُتل أربعة إسرائيليين وأصيب 27 بجروح”، وفقا لتقرير “أنماط الإرهاب العالمي: 1990” الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
وأشار ذات التقرير إلى أن خالد عبد الناصر، نجل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر “تم تحديده على أنه رئيس منظمة ثورة مصر. وهو أيضا على محاكمة بتهمة التخطيط لهجمات على المصالح الأمريكية والإسرائيلية”. إذ نفذ التنظيم أربع عمليات مسلحة، منها ثلاث ضد عناصر من جهاز المخابرات الإسرائيلى “الموساد”، والرابعة كانت ضد أمريكى يعمل فى السفارة الأمريكية. لكنها لم تنجح، وأسفرت العمليات الثلاث عن مقتل اثنين إسرائيليين.
السياحة الإسرائيلية.. عام الانتعاشة
تأثرت أعداد الزوار “الإسرائيليين” بطبيعة الحال بهذه العمليات وانخفضت كذلك في السنوات التالية مع مد موجة إرهاب جماعة الجهاد الإسلامي والتي شملت سائحين من جنسيات مختلفة. ولكن مع هدوء الأوضاع مطلع الألفية عادت الأعداد للارتفاع مجددا قبل أن يودي تفجير فندق “هيلتون طابا”عام 2004 بحياة 12 إسرائيلي.
انخفضت الأعداد مع المخاوف الأمنية. ولكن بعد ست سنوات وفي عام 2010 كان قد وصل عدد “السائحين الإسرائيليين” في مصر إلى أكثر من 226 ألف، بحسب “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى“. قبل أن يتراجع في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، لينخفض عدد السياح إلى 133 ألف عام 2012. ثم بدأت هذه الأرقام ترتفع تدريجيا بعد ذلك، لتصل إلى أكثر من 140 ألف عام 2014 وما يزيد عن 148 ألف عام 2015.
وأظهر تقرير نُشر في أكتوبر/تشرين الأول من إعداد القناة الثانية الإسرائيلية، على سبيل المثال، قَوْل أحد السياح “إن الوضع الأمني في القدس أكثر خطورة من سيناء”.
فيما أشارت إحصاءات من معبر طابا الحدودي إلى أن 14,270 “إسرائيلي” عبروا الحدود في شهر يونيو/حزيران من عام 2016، وتبعهم 29 ألف في يوليو/تموز و45 ألف في أغسطس/آب. وهي أعداد مشابهة لنفس الفترة من العام السابق. ووفقا لبيانات وزارة السياحة المصرية فإن إجمالي الرقم تضاعف في عام 2017 ليصل إلى حوالي 234 ألف.
لكن عام 2019 كان هو العام الذي سجل رقما قياسيا في أعداد “الإسرائيليين” إذ تضاعف أكثر من ثلاث مرات ليصل إلى 700 ألف “سائح” بزيادة 20% عن العام السابق، بحسب سفارة الاحتلال في القاهرة، ما شكّل حينها 5% تقريبا من إجمالي عدد السائحين. وهو رقم انخفض بشكل حاد عامي 2020 ثم بشكل أقل حدة في 2021 بفعل جائحة كوفيد-19.
وفي ذات العام (2021) قاد وزير المخابرات، إيلي كوهين، ما قال إنه أكبر وفد إسرائيلي رسمي إلى مصر منذ 20 عامًا، بما في ذلك مسؤولين من مكتبه، بالإضافة إلى بعثة تجارية تضم أكثر من 20 إسرائيليًا إلى شرم الشيخ لتعزيز التعاون في مصر على صعيد الاقتصاد والسياحة والأمن والاستخبارات.
صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلت عن عودة السياحة الإسرائيلية إلى سيناء موقفا حدث في مدينة في دهب. وتقول “كانت امرأتان إسرائيليتان شابتان تستحمّان بالشمس بالقرب من الماء عندما نزل زوجان من سكان القاهرة إلى جوارهما وسألا بالإنجليزية ما الذي أتى بهم إلى سيناء. رد أحدهم بلكنة إسرائيلية: نحن في رحلة ما قبل الجيش. بدا المصريون متفاجئين، مما دفع الفتاة لتوضيح أن الرجال والنساء مطالبون بالخدمة في الجيش الإسرائيلي. شرحت الفتاة: لدينا الكثير من الأعداء. حدقوا فيها بهدوء… قبل أن يبتعدوا عنها”.
ولكن سائحة أخرى ذكرت “لقد افتقدوا الإسرائيليين حقًا. كنت خائفة من المجيء إلى هنا، لكن الناس كانوا ودودين للغاية والعديد من العمال يتحدثون العبرية”.
لتعويض السياحة الروسية والأوكرانية
مع نهاية شهر مارس/آذار الماضي، وفي أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، رفع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قيود السفر إلى سيناء. وذلك عقب زيارة بينيت لشرم الشيخ في نفس الشهر. تبحث مصر حاليًا عن أسواق سياحية بديلة كجزء من خطة حكومية لزيادة عدد السياح في محاولة لإنقاذ القطاع الحيوي المتأثر بالحرب التي أوقفت تدفق السياح من البلدين، اللذين يشكلان ثلث إجمالي عدد السياح في مصر سنويًا.
وأكملت السلطات في عام 2021 بناء جدار من الخرسانة والأسلاك بطول 36 كيلومترًا حول شرم الشيخ بهدف تشديد الإجراءات الأمنية في منطقة جذب ساحلية شهيرة في محاولة لجذب السياح.
يقول بول ريفلين، أستاذ الاقتصاد الزائر في الشرق الأوسط بجامعة إيموري، لموقع “المونيتور” إن الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين لديها إمكانات كبيرة لتنشيط السياحة الإسرائيلية إلى شرم الشيخ وستساعد مصر في التغلب على بعض آثار الحرب الروسية في أوكرانيا.
لكنها لن تكون كافية لتعويض الخسائر المتراكمة التي تكبدها قطاع السياحة على مر السنين، بحسب مجدي سليم، المسؤول السابق بوزارة السياحة المصرية، الذي يرى أن الرحلات الجوية المباشرة بين مصر وإسرائيل قد تعزز السياحة الإسرائيلية في البلاد، لكنه دعا إلى ضرورة استهداف أسواق أخرى في أوروبا وشرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية.
هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان”، ذكرت أن إسرائيل تنسق مع مصر لضمان أمن السياح الإسرائيليين الذين يتوافدون على سيناء لقضاء عطلة عيد الفصح، مشيرة إلى أن “القيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي رفعت من حالة التأهب على طول محاور السفر على الجانب الإسرائيلي وفي منطقة معبر طابا الحدودي”. وأكدت أن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تراقب عن كثب دخول الإسرائيليين إلى سيناء من أجل ضمان أمن عشرات الآلاف الذين وصلوا ومن المتوقع وصولهم”.
يكتب فرع حركة مقاطعة إسرائيل في مصر عن انتشار “السائحين الإسرائيليين” في سيناء قائلا: “في كل عام نفتخر ونتباهى بأبطال حرب عام 73 مع أهلنا وجيراننا ونستمع إلى حكايات المقاومة الباسلة وكيف عبرنا ما كان يعتبره العدو الإسرائيلي مستحيلًا. لكن للأسف ونحن نُعد منشورًا احتفاليًا مثل كل عام اكتشفنا أن الاحتلال الصهيوني.. يعود إلى سيناء من جديد”.