تعتزم وزارة التجارة والصناعة طرح أراض جديدة بمدينة الروبيكي ببدر أمام المستثمرين بالمرحلة الأولى خلال الفترة القادمة لاستغلالها في مصنوعات الجلود. فضلا عن مكونات الإنتاج وتصنيع منتجات نهائية كاملة الصنع. بديلا لتصدير الجلد نصف تشطيب.
يأتي هذا الإجراء استكمالا لتقنين أوضاع المصانع غير الرسمية. تمهيدا لدمجها في الاقتصاد الرسمي. وذلك بعد نقل وتجميع الورش العاملة في صناعة ودباغة الجلود بمنطقة سور مجري العيون بالروبيكي.
ويهدف القرار إلى الجمع بين مصانع الدباغة ومصانع تصنيع المنتجات الجلدية. وتكوين مدينة صناعية متكاملة بداية من إعداد وصباغة الجلود وتصنيعها في شكل منتج نهائي. وذلك للحد من استيراد الجلود المصنعة والتي بلغت حسب بيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات 174 مليون دولار -في المركز الثاني عشر بين قائمة السلع المستوردة.
مشروع جديد للجلود بنظام المناطق الحرة
وقد وافقت الحكومة مؤخرا على طلب هيئة الاستثمار بشأن إقامة مشروع جديد بنظام المناطق الحرة الخاصة. وذلك تحت اسم شركة “ليزر آند مور لصناعة الجلود” كشركة مساهمة مصرية تحت التأسيس بمنطقة الروبيكي للعمل في النشاط نفسه.
ووفقا للهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية، فإن المشروع يستهدف معدل نمو صناعي بقطاع الجلود يصل إلى مليار جنيه سنويا. والمنتجات الجلدية إلى 6 مليارات. وتوفير فرص عمل لعدد 15 ألف عامل مع ألف فرصة عمل جديدة مباشرة باستكمال باقي مراحل المشروع في مصر بالمحافظات الحدودية ونقاط الاستيراد.
100 مصنع
يقام المشروع على مساحة 515 فدانا ويعمل في مجالات عدة بجانب تصنيع الجلود. مثل تصنيع الورنيشات وإعادة تدوير مخلفات الجلود. حيث يتم التخلص من النفايات عبر مدافن صحية تستخدم فيما بعد لتصنيع الأسمدة الحيوانية. أو فى عمليات التشجير أو إدخالها في تصنيع المادة اللاصقة “الغراء” والجيلاتين الطبي والغذائي للحد من استيرادها.
ووفقا لياسر جابر -متحدث وزارة التجارة والصناعة- تم تدشين المرحلة الثالثة بمنطقة الروبيكي لإنشاء منطقة صناعية كاملة لصناعة الجلود. ستبدأ بطرح 100 مصنع للعمل في هذا المجال لكنها ما زالت تحت الإنشاء.
وقال “جابر” لـ”مصر 360″: “المشروع يستهدف تجميع كل المصانع والورش العاملة في صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية في منطقة واحدة. وذلك لتشجيع المصنعين للخروج من الموسكي وباب الشعرية ودمجهم رسميا وتقديم حزمة محفزات ومزايا لهم”.
وكشف أن نقل المصنعين من وسط المدينة ما زال تحت الدراسة ولم يصدر فيه قرار رسمي حتى الآن. فقد تم طرح النقل قبل ذلك على أصحاب ورش التصنيع لكنهم رفضوا. وتابع: “ما تعمل عليه الوزارة حاليا هو طرح أراض للراغبين في الانتقال وإنشاء مصانع هناك”.
أنشطة ملوثة
كانت صناعة ودباغة الجلود أحد الأنشطة الخطرة الملوثة للبيئة وسط العاصمة. وذلك بفعل الغازات السامة التي تصدر عنها. إذ تسبب عملية الفلترة لمخلفات الصرف وإعادة تدويرها في عملية كيميائية ضارة جدا آثارا سيئة على صحة الإنسان. كما تؤدي مادة الكروم التي يتم تصريفها في شبكات الصرف الصحي إلي تآكل وتلف الشبكات.
وكان استخدام طرق بدائية في عملية الفلترة يؤدي لعدم استرجاع مادة الكروم ما يرفع من تكلفة الإنتاج. حيث يمكن أن يستخلص الكروم بالفلترة الصحيحة بنسبة 99%. ويستطيع أن يوفر أكثر من 1.3 مليون دولار سنويا. ويتم إعادة معالجة الكيماويات الناتجة عن عملية الدباغة لتدخل مرة أخرى في إنتاج الجلود بما يسهم في تقليل استهلاك المياه.
أزمة المجاز
وفقاَ لمحمود سراج رئيس المجلس التصديري للجلود باتحاد الصناعات، ورئيس غرفة دباغة الجلود، فأن الأزمة تكمن في غياب وجود مجازر آلية، فاغلب الجلود المتداولة سوقياَ مذبوحة بشكل يدوي فتتعرض للتهتك أثناء السلخ اليدوي من الجزارين وتكون غير صالحة للتصنيع.
وقال “سراج” لـ”مصر 360″: “صناعة جلود جيدة ومنافسة تبدأ بوجود مجازر آلية تعمل بنظام التتبع. بداية من عملية الذبح ثم غسل وتنظيف الجلد وتمليحه حتى دخوله مرحلة الدباغة”. ولفت إلى أن صناعة دباغة وتجهيز الجلود لا تقل أهمية عن أي صناعة أخرى. نظرا لحجم استثماراتها. معتبرا إياها إحدى الصناعات الثقيلة. حيث تدخل عملية كيميائية معقدة للوصول بالجلد إلى شكله النهائي لتصنيع الملابس أو الأحذية وغيرها من منتجات الجلود.
صناعة مكونات التصنيع
ترجع أزمة صناعة الجلود في مصر إلى ارتفاع تكاليف تصنيعها. وذلك لاعتمادها على مكونات مستوردة بنسبة 95% -وفق “سراج”. وقال: “لأن عملية تصنيع الجلود يدخل فيها أكثر من 20 مكونا تصنيعيا تستورد من الصين وإيطاليا وألمانيا والبرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا. وأشار إلى ارتفاع الأسعار إلى ثلاثة أضعاف مؤخرا. إضافة لزيادة سعر الشحن.
ويرى “سراج” ضرورة تغيير آليات العمل بأن تكون هناك منظومة مسجلة. بداية من العامل الذي يقوم بتجميع الجلد وعامل التمليح حتى صاحب المصنع. مطالبا الدولة بوضع مزايا لتشجيع الاستثمار في القطاع.
وعن تطوير الصناعة يرى “ضرورة توفير ودعم مكونات الإنتاج. فضلا عن تقديم حوافز ضريبية من البنوك ودعم وفرة مكونات التصنيع بداية من قالب الحذاء-السوستة-الإبر-الكبسولة-الخيط –الغراء) وغيرها.
درب آية
اتخذ المصنعون اليدويون من منطقة باب الشعرية بوسط القاهرة نقطة تجمع لهم بحارة “درب آية”. وتحولت العديد من تلك الورش إلى شركات لتجارة الأحذية المستوردة بفعل غلاء مكونات التصنيع.
ويروي خالد فاروق -صاحب ورشة لتصنيع الأحذية بباب الشعرية: “ورثت مهنة صناعة الأحذية عن والدي. وبعد وفاته واصلت العمل بها بعد عزوف إخواتي التلاتة. فضلوا العمل في صناعة الحلي الذهبية”.
واستكمل: “ماعرفش مهنة غيرها. عشان كدا باتحمل مشاكلها وقلة عائدها الذي لا يغطي تكلفة التصنيع. خاصة بعد تراجع الطلب على صناعة الأحذية اليدوية وإقبال الشباب على الكوتشى الرياضي وأحذية الماركات المستوردة التي تنافس اليدوي”.
وأضاف: “الشغل اليدوي تمنه غالي مقارنة بشغل المصانع. فالقطعة الجلد الطبيعي لا تقل عن 400 جنيه”.
وطالب أن تكون حرفة صناعة الأحذية ضمن المهن التراثية التي تحافظ عليها الدولة. وتنشئ لها مراكز تدريب لتعليم الشباب الذي ابتعد عنها تماما.
الحلقات الوسيطة ورفع التكاليف
عمر دريم -أحد مصنعي الأحذية- يرى أن تجميع عناصر الصناعة ومستلزماتها في مكان واحد يقضي على الحلقات الوسيطة التي ترفع الأسعار والخامات اللازمة للتصنيع. لافتا إلى أن أسعار مستلزمات الإنتاج ارتفعت 15% خلال الفترة الأخيرة بسبب أزمة المستندات الاعتمادية وارتفاع الدولار.
وقال: “أتوقع أن تسهم المنطقة الصناعية المتكاملة للجلود في حل أزمة المواد الخام المستوردة. وبالتالي زيادة الإنتاج المحلي وخفض أسعار المنتج النهائي للمستهلك”.
لجنة لبحث الأزمة
كانت غرفة صناعة الجلود تقدمت بطلب لوزارة الصناعة لإنشاء شركة مساهمة لتوفير مستلزمات الإنتاج اللازمة للمصانع العاملة في القطاع. وذلك في ظل النقص الحاد الذي يعانيه الصناع حاليا. والذي أدى لتراجع الإنتاج 70%، وفقا لجمال السمالوطي -رئيس غرفة الصناعات الجلدية.
وشكلت غرفة صناعة الجلود لجنة لبحث إزالة المعوقات التي تواجه صناعة الجلود. ووضع استراتيجية لتطوير صناعة الجلود والعمل على جذب المنشآت خارج الاقتصاد الرسمي وذلك بتقنين أوضاعها.
ووفقا لـ”السمالوطي” فإن المشروع الجديد يهدف لحل أزمة مستلزمات الإنتاج وخلق تجمع مصنعين تحت مظلة شركة واحدة منوطة بالتعاقد على شراء المستلزمات من الخارج بالكميات المطلوبة. ما يسهم في خفض التكلفة ويوفر الخامات المطلوبة.
وقال لـ”مصر 360″ إن اللجنة ستعمل على حل أزمة نقص وارتفاع أسعار الخامات والمستلزمات والكيماويات. وذلك عبر إنشاء شركة مساهمة لتوفير مستلزمات الإنتاج لصناعة الأحذية والمنتجات الجلدية ولتوفير الكيماويات اللازمة لدباغة الجلود. وكذلك العمل على مساعدة المصانع العاملة في القطاع في تسويق منتجاتها داخلياً وخارجيا.
وتهدف اللجنة إلى الاهتمام بالتدريب. سواء بالتدريب في المدارس الفنية الصناعية أو بكلية الاقتصاد المنزلي قسم الجلود. وذلك لتخريج عمالة وفنيين ومصممين على مستوى عال لرفع كفاءة المنتج المصري.
وأشار إلى أنه تم إنشاء 33 مصنعاً للأحذية الرياضية خلال السنوات الثلاث الماضية. تنتج نحو 80 ألف زوج حذاء رياضي يوميا. وذلك للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بالسوق المحلية لتقليل الاستيراد وتقلقل هدر الدولار.
وأوضح “السمالوطي” أن هناك 50 مستثمرا أجنبيا من 3 دول يرغبون في ضخ استثماراتهم بصناعة الجلود في مصر.
ويرى أن ذلك سيساعد على عمل شراكة بين المصنعين المحليين والأجانب في نقل التكنولوجيا للمصانع المحلية.
المصانع المغذية لصناعات الجلود
وأثنى السمالوطي على مبادرة وزارة الصناعة لإنشاء 100 مصنع لإنتاج منتجات الجلود تامة الصنع في الروبيكي. تمهيداً لطرحها أمام المستثمرين. وأكد أن الغرفة على استعداد تام للتعاون مع الدولة في ملف توطين الصناعة وزيادة التوسع في إنشاء المصانع المغذية بحصر جميع المستلزمات التي يتم استيرادها لتصنيعها محلياً بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.
وأضاف أن هناك 120 طلبا مقدمة من المصانع للغرفة لتقنين أوضاعها بتوفير وحدات صناعية بمدينة الروبيكي بأسعار مناسبة. حتى يتمكن صناع الجلود من ضخ رؤوس أموالهم في المدينة. مطالبا الوزارة بتخصيص أراض مماثلة للروبيكي بالمحافظات بالمناطق الصناعية تختص بالمصنوعات الجلدية ومكونات الإنتاج وتصدير منتجات نهائية بدلاً من تصدير الجلد نصف تشطيب بقيمة تتعدى مليار جنيه.
وذكر أن قرار زيادة التعريفة الجمركية على الأحذية كاملة الصنع من الخارج أسهم في ضبط الاستيراد العشوائي.
وقال إن تصدير الجلود في منتجات نهائية سيساهم في زيادة القيمة المضافة وضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. فضلا عن توفير فرص عمل وغزو الأحذية المصرية للأسواق العالمية مرة أخرى.
وطالب بضرورة توفير وحدات سكنية للعمال قرب مدينة الروبيكي لسهولة نقلهم لمصانع الأحذية والمنتجات الجلدية بالمدينة. حتى لا يتحمل صاحب العمل عبء نقلهم من القاهرة للمدينة الجديدة.