فاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفترة ولاية ثانية، لكنه لا يزال يواجه تحديات ضخمة في الحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من تنفيذ خططه وسياساته، بجانب الوضع الاقتصادي المتأزم جراء الحرب الأوكرانية الروسية.
تعلن المحكمة الدستورية الفرنسية رسميًا نتائج الانتخابات الرئاسية في 27 و28 أبريل ويحلف اليمين القانونية في 14 مايو، وأمامه خيارين إما إقالة حكومة رئيس الوزراء جان كاستكس، واختيار رئيس وزراء جديد أو الإبقاء على الحكومة الحالية كتسيير أعمال لجين انعقاد الانتخابات النيابية في يونيو المقبل.
خلال الفترة من 16 إلى 20 مايو، من المتوقع أن يتقدم المرشحون من جميع الأحزاب للتسجيل من أجل التنافس على 577 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية، ومن المقرر إجراء الجولة الأولى في 12 يونيو، وفي الدوائر الانتخابية التي لا يحسم فيها أي مرشح الفوز بأغلبية مطلقة، ستجري جولة إعادة بعد ذلك بأسبوع.
في عام 2017، حقق ماكرون فوزًا ساحقًا ضد معارضة محبطة، خاصة بين اليسار واليمين التقليديين. لكن عام 2022، يواجه تحديًا شديدًا، ليس أقله من حركة “فرنسا المتمردة” اليسارية المتشددة. التي يقودها جان لوك ميلينشون، الذي احتل المركز الثالث في الجولة الافتتاحية للتصويت الرئاسي. وبدأ ميلينشون بالفعل في وضع خطته للمعركة التشريعية المقبلة.
تأمين سياسات ماكرون يحتاج لمعركة عنيفة في البرلمان
يتوقع دوجلاس ويبر، الأستاذ الفخري في كلية إنسياد لإدارة الأعمال “معهد لإدارة الأعمال”. أن يحقق ماكرون أداءً جيدًا نسبيًا في الانتخابات في يونيو لكنه لن يفوز بشكل حاسم كما فاز في الانتخابات السابقة، فمن أجل بناء أغلبية بالبرلمان. سيحتاج على الأرجح إلى الحصول على دعم من بعض الأحزاب السياسية الأخرى. وقد يجد عددًا من النواب لدعمه من بين التيار الرئيسي لليمين وعناصر من اليسار الأكثر اعتدالًا أيضًا وبقايا الحزب الاشتراكي وخاصة فلول الجمهوريين “.
لكن قد يواجه ماكرون ردة فعل عنيفة إذ فاز بفضل الأصوات الإضافية التي حصل عليها نكاية في منافسته ماريان لوبان. فالكثير من اليساريين سواء صوتوا على مضض لصالح ماكرون، ورغم ذلك حصلت على أكثر من 42 في المئة من الأصوات.
قالت ستيفاني ديفيد، عاملة النقل والإمداد التي دعمت مرشحًا شيوعيًا في الجولة الأولى: “كان الخيار الأقل أسوأ”. والأمر ذاته تكرر مع جان بيير رو الذي صوت أيضًا للشيوعية في الجولة الأول وألقى مظروفًا فارغًا في صندوق الاقتراع. متجاهلاً كل من سياسات لوبان وما اعتبره غطرسة ماكرون، بينما أدلى ماريان أربري بصوته لصالح ماكرون “لتجنب حكومة تجد نفسها مع الفاشيين والعنصريين”.
أكدت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وجود ثلاث كتل راسخة حديثًا في المشهد السياسي الجديد لفرنسا: الوسطيون المؤيدون لأوروبا بقيادة ماكرون. واليمينيون المؤيدون لمنحى لوبان القومي، واليسار المتشدد لميلينشون.
على نطاق واسع، يتمتع كل من تلك التكتلات بدعم حوالي ثلث الجمهور. يشترك “اليسار” و “القومي” في القليل من الأمور المشتركة لكن من بينها العداء للرئيس ماكرون وأفكاره. وبالتالي إن معارضة ثلثي الناخبين لن تؤدي إلى حكومة سهلة.
دولة منقسمة
بحسب المحللين ستبقى فرنسا دولة منقسمة بشدة، إذ يمكن لماكرون أن يعتمد على أقل من ناخب فرنسي واحد من كل ثلاثة، أو يحظى بتأييده ، 28٪، 27٪ في الانتخابات البرلمانية .
قال الرئيس إنه يعتزم البدء في إصلاح نظام التقاعد اعتبارًا من الخريف. بهدف رفع سن التقاعد القانوني إلى 65 عامًا، وحتى لو كان لديه أغلبية في البرلمان. لذلك المقترح فمن المحتمل أن يواجه معارضة قوية جدًا خارج البرلمان في شكل حركات احتجاجية. لذلك قد يشهد انتعاشًا لحركة “السترات الصفراء” إذا استمرت تكلفة المعيشة في الارتفاع أو التسارع على وجه الخصوص. في محاولة لجذب الناخبين على اليسار بين الجولتين الأولى والثانية في الانتخابات الرئاسية. وعد إيمانويل ماكرون بإصلاح سياسة المناخ أمام حشد من المؤيدين في مرسيليا. وقال إن رئيس الوزراء المقبل سيكون مسؤولاً بشكل مباشر عن التخطيط البيئي. مدعوماً بوزيران للإشراف على الانتقال والتنفيذ الأخضر.
الفكرة التي اقترحها ماكرون كانت مشابهة جدًا للفكرة التي اقترحها ميلينشون الذي حصل على 22٪ من تصويت الجولة الأولى. وبالتالي جذبت بعض أنصاره للتصويت للرئيس الفرنسي، لكن ميلينشون. طلب من مؤيديه استخدام الانتخابات التشريعية في يونيو كـ “جولة ثالثة” للانتخابات الرئاسية.
نتائج الجولة الثانية تشير إلى أن الناخبين اليساريين لم يتصرفوا بطريقة آلية وموحدة. فاختارت نسبة كبيرة منها مارين لوبان لا سيما في المناطق الريفية والمقاطعات والخارج. و جذبت العديد من الذين صوتوا لجان لوك ميلينشون في الجولة الأولى. إذ حصلت على ما يقرب من 70٪ من الأصوات في جوادلوب مقابل 56٪ من الأصوات قبل أسبوعين. لكن صوت جزء أكبر قليلاً لصالح إيمانويل ماكرون، خاصة في المدن الكبرى. حيث يتمتع أنصار ميلينشون بملف اجتماعي قريب إلى حد ما من صورة الرئيس الحالي.
الكتلة الرافضة لماكرون ولوبان
يبقى أيضًا الكتلة الرافضة لماكرون ولوبان إذ أدلى أكثر من 12٪ من الناخبين بأوراق اقتراع فارغة أو باطلة. مقابل 2.2٪ في الجولة الأولى، كما كان معدل الامتناع عن التصويت أعلى بكثير من معدل الجولة الأولى لعام 2022 (28٪ مقابل 26.3٪). وكان أيضًا أعلى من معدل الجولة الثانية لعام 2017 (25.4٪).
ماكرون، الذي يعتبر أول رئيس فرنسي يفوز بولاتين منذ عام 2002. يعرف نتيجة الانتخابات جيدا ويدرك أن المعركة البرلمانية ستكون صعبة إذ قال لمئات من المؤيدين عند سفح برج إيفل المتلألئ: “أعلم أن العديد من مواطنينا صوتوا لي اليوم، ليس لدعم الأفكار التي أدافع عنها، ولكن لمنع أفكار اليمين المتطرف”.
قبيل الانتخابات، اندلعت احتجاجات صغيرة في جميع أنحاء فرنسا. حيث سار الطلاب وآخرون في مدينة تولوز الجنوبية خلف لافتة كتب عليها: “لا لوبان ولا ماكرون”. لكن السفارة الأمريكية في باريس حذرت من تلك الاحتجاجات تحاشيا لتتحول إلى أعمال عنف ، ونصحت المواطنين الأمريكيين بالابتعاد عنها.