منذ أن أعلن رئيس اليمن السابق عبد ربه منصور هادي تسليم كافة صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد. مطلع الشهر الجاري، ظل سؤال «هل المجلس الجديد هو مجلس حرب أم مجلس سلم؟» يشغل بال المراقبون والمتابعون للشأن اليمني.
«مجلس سلم لو أراد الحوثيون ومن يحركهم في طهران الوصول إلى تسوية. ومجلس حرب قادر على حسم المعركة إن أدار المتمردين ظهروهم لدعوات السلام. التي أطلقها مجلس القيادة الرئاسي اليمني الجديد». بهذه العبارة حدد مصدر سياسي يمني مسئول خيارات المجلس الرئاسي الجديد. مشيرا إلى أن الشرعية اليمنية الجديدة ستمد أيديها بالسلام ومستعدة إلى التفاوض. لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خروقات الحوثيين للهدنة.
وألمح المصدر إلى أن روسيا تمارس ضغوط على إيران. حتى ترغم الأخيرة مليشيا الحوثي التابعة لها في اليمن على البدء في مباحثات سلام مع مجلس القيادة الرئاسي اليمني الجديد. موضحا أن من شأن ذلك أن يفتح باب التسوية السياسية قريبا.
اقرأ أيضا| خلف الهدنة اليمنية وإعلان المجلس الرئاسي (1-2)
توحيد القوى الوطنية
كان محمد الغيثي، رئيس هيئة التشاور والمصالحة المساندة لمجلس القيادة الرئاسي اليمني. قد أكد في تصريحات صحفية -قبل ساعات- أن ميليشيات الحوثي «لا تريد سلاماً وتعيش على الحرب»، وشدد على أن الشرعية تريد للهدنة أن تستمر. وأن تكون مقدمة لسلام شامل يجمع اليمنين جميعاً. لافتاً إلى أن الخروقات الأخيرة تدل على أن الحوثي لا يرغب في السلام.
وأوضح الغيثي أنهم كدولة جاهزون لكافة السيناريوهات «إذا اختار الحوثي خيار الحرب. فلن تكون هذه الحرب كسابقاتها لأننا جميعا صف واحد».
فجر الخميس الماضي، سمت «هيئة التشاور والمصالحة» رئاستها التنفيذية. بموجب إعلان نقل السلطة لمجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل/نيسان الجاري. ونص الإعلان بإنشاء «هيئة التشاور والمصالحة» على أن تعمل الهيئة على انتخاب رئاستها التنفيذية من بين أعضائها في أول جلسة تعقدها. بناءً على دعوة من رئيس المجلس الرئاسي، وتتكون رئاسة الهيئة من رئيس وأربعة نواب.
وتجمع الهيئة مختلف المكونات اليمنية لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي. والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود المجلس الرئاسي. وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى. والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء الجمهورية.
كما تعمل على توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة. بما يساهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية، وفقا لبيان الإعلان.
و جرى اختيار 5 شخصيات بالتوافق لقيادة الهيئة التي تضم 50 شخصية. ويقود مجلس قيادة الهيئة محمد الغيثي، مع عضوية كل من، عبد الملك المخلافي، وصخر الوجيه، وجميلة على رجاء، وأكرم العامري.
وارتكب الحوثيون 1924 خرقا للهدنة الأممية في جبهات القتال. بمحافظات الحديدة، وتعز، والضالع، وحجة، وصعدة، والجوف، ومارب، وأبين، ولحج. وفق ما رصده الجيش اليمني ونُشر في بيان على وكالة سبأ الرسمية.
وأشار بيان الجيش اليمني -المدعوم من السعودية والإمارات- إلى أن المليشيا الحوثية «تعمدت خرق الهدنة منذ لحظاتها الأولى. وما تزال مستمرة في اختراقها حتى الآن. في ظل التزام قواتنا بتوجيهات القيادة السياسية والعسكرية التي تقضي بالوقف التام لإطلاق النار».
اليد الممدودة للسلام لا تعني إسقاط البندقية
وفق قيادات سياسية يمنية فإن دعوات السلام والتأكيدات التي تتابعت من رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي الجديد خلال الأيام الماضية على «اليد الممدودة للسلام وإنهاء الحرب» لا يبدو أنها تقابل بجدية من طرف الميليشيات الحوثية التي تستغل هدنة الشهرين لتعزيز مواقعها القتالية في جبهات مأرب وتواصل خروقاتها اليومية في سائر الجبهات.
وجدد أعضاء في مجلس القيادة التأكيد على أن «اليد الممدودة للسلام لا تعني إسقاط البندقية وخيار المواجهة والحسم العسكري إذا رفض الحوثيون التخلي عن الحرب والتجاوب مع دعوات ومبادرات السلام المتكررة والقائمة».
وأعلن نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عبدالله العليمي عن استعدادهم للحرب إذا فشلت جهود السلام مع المتمردين الحوثيين، لكنه شدد على أنّ الأولوية تبقى إنهاء النزاع المستمر منذ ثماني سنوات.
وقال العليمي في مقابلة مع «فرانس برس»: خيارنا الأول السلام، لكننا مستعدون للحرب. ولم يوضح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي كم من الوقت سينتظر المجلس الجديد الحوثيين للجلوس حول طاولة المفاوضات.
ورفض الحوثيون المشاركة في مشاورات الرياض التي اعتبروها «أرضا للعدو»، لكن العليمي قال «إذا كانت هناك جدية لدى الحوثيين للحوار… لن نختلف على مكان عقد المفاوضات».
يأتي هذا فيما أشار مصدر سياسي يمني إلى أن الأطراف الدولية والإقليمية ذات الصلة بالشأن اليمني تضغط للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الدائرة في اليمن منذ نحو 7 سنوات، كاشفا عن دور روسي في الوصول إلى تلك التسوية.
وقال المصدر لـ«مصر 360»، إن السعودية طلبت من روسيا الضغط على إيران لتحرك الحوثيين في اتجاه التفاوض، موضحا :«كان من نتائج التقارب السعودي الروسي خلال الفترة الأخيرة أن طلبت الرياض من موسكو إقناع طهران بالضغط على الحوثيين للقبول بالجلوس مع المجلس الرئاسي الجديد للتباحث حول حل يرضي كل مكونات الصراع اليمني».
اقرأ أيضا: فرص التسوية في اليمن بين “الهدنة” و”حوار الرياض”: هل الحل النهائي ممكن؟
السعي لسلام مستدام في اليمن
في المقابل حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي على السعي لإرساء سلام مستدام في البلاد بعد مؤشرات إيجابية ظهرت مؤخرا إثر سبع سنوات من الحرب المدمّرة.
وأبدى بلينكن تأييده للهدنة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، مشيرا إلى أنها تبدو صامدة إلى حد كبير منذ بداية شهر رمضان.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إن بلينكن شدّد على ضرورة «الاستفادة من زخم هذه التطورات الإيجابية لضمان إرساء هدنة مستدامة وإطلاق عملية سلام شاملة»
ودعا بلينكن إلى تحقيق تقدم على مسار إعادة فتح الطرق المؤدية إلى تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، وهي نقطة أساسية في الهدنة التي تم التوصل إليها برعاية المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس جروندبرج. من جهته تعهد العليمي بالعمل على إرساء السلام ودفع جهود التسوية السلمية، لكنه أشار هو أعضاء مجلسه إلى أنهم مستعدون أيضا لسيناريو الحرب.
ورفضت السعودية عودة القيادات السياسية اليمنية إلى الرياض بعد وصولهم إلى عدن الأسبوع الماضي لحضور جلسة حلف اليمين الدستورية وجلسة أخرى لاختيار المكتب التنفيذي لمجلس التشاور والمصالحة، وفق ما كشف مصدر يمني مطلع.
وقال المصدر أن الرياض طلبت من القيادات اليمنية الجديدة التواجد في بلادهم والتواصل مع باقي الأطراف وإدارة ملفات اليمن الامنية والاقتصادية من اليمن، وأوصلت لهم رسالة مفادها «انتهت مرحلة إدارة اليمن عن بعد».
وكان يعاب على سلطة هادي بقائها الدائم في السعودية، ما جعلها بعيدة عن مجريات الأحداث، وعن مواكبة الأوضاع الأمنية والاقتصادية على أرض الواقع.
ارتياح دولي تجاه المجلس الرئاسي الجديد في اليمن
لاقى تشكيل المجلس الجديد ارتياح المجتمع الدولي، بعد أن أظهرت قيادة هادي عجزا فادحا عن إدارة المرحلة الماضية وفشلت في حسم المعركة كما فشلت في الوصول إلى تسوية، ولوحق هادي باتهامات من عينة أنه أوكل إدارة مؤسسات الشرعية لأقاربه ومحاسيبه وسلم مفاصل الدولة إلى جماعة الإخوان وحزب الإصلاح، وأقصى باقي القوى الفاعلة على المسرح السياسي والعسكري.
وتسعى قيادات «الإصلاح» إلى العودة إلى المشهد بعد إقصاء على محسن الأحمر نائب الرئيس السابق وتقليص دورهم في المرحلة الجديدة، وحاول القيادي في الحزب حميد الأحمر الذي كان يقيم في تركيا التقرب من الرياض مؤخرا بعد أن أوقفت أنقرة دعمها لإخوان اليمن وطالبت عدد كبير منهم بالرحيل عن أراضيها، ألا أن المملكة ومعها الإمارات لا ترغبان في عودة الإخوان إلى المشهد مجددا.
والتقى الأحمر خلال الفترة الماضية بأعضاء من المجلس الرئاسي كما قابل الأمير خالد بن سليمان نائب وزير الدفاع السعودي بالرياض، في محاولة لتبريد الأزمة مع المملكة وباقي الأطراف اليمنية.
وقال مصدر يمني إن هناك اتفاق بين القوى اليمنية الفاعلة والتحالف العربي على تقليص الدور الإخوان في المرحلة الجديدة، بعد محاولتهم خلال السنوات الماضية السيطرة على المشهد، مشيرا إلى أن الجماعة لعبت على كل الحبال في السنوات العشرة الأخيرة حتى تظل متصدرة المجال وضامنة لمصالحها.
إخوان اليمن.. الدعوة إلى توافق سياسي
من جهتهم دعا إخوان اليمن إلى توافق سياسي بين كل المكونات اليمنية، وقال حزب الإصلاح في بيان نشره على موقع «الصحوة» لسان حال الحزب، إنه يدعو الجميع إلى الالتفاف حول أي خطوة تهدف إلى تحقيق التوافق السياسي بين مختلف مكونات الصف الجمهوري، باعتبار ذلك من أهم الأولويات الوطنية في المرحلة الراهنة، مشيرا إلى أن التوافق السياسي هو المفتاح لتوحيد الصفوف وإنهاء الانقلاب والوضع الشاذ الذي تسببت به المليشيا الحوثية الإرهابية.
بيان الإصلاح يأتي كمحاولة لإقناع الرياض ومجلس القيادة الرئاسي الجديد بضرورة وجود الإخوان في المشهد بأي طريقة يتم التوافق عليها.
وكانت قطر باعتبارها أكبر داعم لإخوان اليمن قد تجاهلت التغيرات السياسية الجديدة التي طرأت على هياكل الشرعية اليمنية، لكنها أصدرت قبل أيام بيان تُهنئ فيه المجلس الرئاسي على حلف اليمين الدستورية.