(١)
عادت لجنة العفو الرئاسي للعمل من جديد بقرار صدر من رئيس الجمهورية وذلك بعد توقفها لسنوات عدة دون سبب واضح.
طوال السنوات السابقة لم تتوقف الحملات الأمنية. ولا توقف الحبس الاحتياطي والأحكام التي تصدر ضد سجناء الرأي. ومع ذلك لم تكن لجنة العفو حاضرة ولا فاعلة. بل وانتهت وغاب دورها تماماً بلا أسباب واضحة رغم استمرار نفس أسباب نشأتها.
هذا الغياب خلال الفترة الفائتة يوحي بأن اللجنة تؤدي دوراً محدداً في أوقات محددة. ربما لنزع فتيل احتقان مجتمعي. وربما للتخفيف من وطأة ملف سجناء الرأي الذي أضحى عبئاً حقيقياً على البلد وسلامه الاجتماعي.
ورغم الغياب غير المفهوم الذي حدث فإن وجود لجنة تساعد في ملف سجناء الرأي وتتواصل مع أسر هؤلاء وتحاول أن تسهم في وضع حد لحبسهم المفتوح أمر محمود ومطلوب ويستحق الدعم والمساندة.
ولكن الدعم والمساندة المطلوبين في تقديري مشروطة بالإجابة عن أسئلة عدة. وبتوضيح أمور تبدو غامضة حول طبيعة عمل اللجنة وكيفية ممارسة عملها وضمانات تنفيذ إخلاء سبيل الأسماء الموجودة بالقوائم التي تقدمها للسلطات المختصة. لا سيما في ملف سجناء الرأي. وأظن أن الأسئلة الدائمة ستدفع اللجنة للعمل بطريقة شفافة وواضحة يمكن عندها أن يطمئن كل متشكك أو كل خائف.
الأسئلة كثيرة ومتنوعة. فعلى سبيل المثال هل هناك شروط لمن يمكنه التقدم للجنة. بمعنى آخر هل ستتيح اللجنة لأسر سجناء تيار الإسلام السياسي التواصل معها أم لا؟ ثم هل هناك أولوية لسجناء بالعين؟ بمعنى هل ستحتكم اللجنة في عملها لمعايير السن أم مدة الحبس أم الحالة الصحية أم أن هناك معايير أخرى ستعلن عنها اللجنة مثل الحالات الإنسانية. أم هناك معايير مختلفة تماماً ستتفق عليها اللجنة وتعلنها للرأي العام؟.
الحقيقة أن هناك أسئلة أهم، وربما أصعب، هل هناك ضمانات بالإفراج الفعلي عن كل من ستتفق اللجنة على أحقيته في الخروج من السجن؟ وكم الفترة الزمنية المتوقعة بين تجهيز قائمة بالأسماء وصدور قرار العفو من السلطات المختصة؟
كل هذه الأسئلة رغم صعوبتها تحتاج إلى الإجابة من القائمين على لجنة العفو. حتى يطمئن الناس إلى أن اللجنة ستقدم عملاً جاداً وحقيقياً ولن تكون أداة لمناورات سياسية أو وسيلة لتضييع الوقت. ليظل السجناء محتحزين لأطول فترة ممكنة.
ظني أن الأصدقاء في اللجنة سيسعون إلى إصدار رسالة تطمئن الجميع بأنهم سيقدمون أداءً جاداً ومحترماً. وأن لجنة العفو لن تختفي مرة أخرى قبل أن تحرز تقدماً مهماً وكبيراً في ملف سجناء الرأي. وهو ملف يستحق كل الجهد والمتابعة.
(٢)
في السياسة لا خلاف دائم ولا صداقة دائمة
لذلك فإن المختلفين مهما كانت درجة الخلاف يلجؤون إلى الحوار. الشرط الوحيد أن يكون الحوار حواراً وأن يتسم بالجدية واحترام الآخر.
رئيس الجمهورية كان قد دعا خلال إفطار الأسرة المصرية يوم الثلاثاء بشكل رسمي إلى حوار يشمل كل القوى السياسية والحزبية في مصر. وهي دعوة من حيث المبدأ طيبة رغم أنها تتنافى مع سلوك السلطة الحالية التي تحكم منذ ٨ سنوات وحدها بلا شركاء ولا معارضين ولا مستشارين. ورغم أن سلوك النظام الحالي سياسياً بدا طوال السنوات الماضية وكأنه ضد الحوار. فطوال الثماني سنوات كانت السلطة لا ترى غير نفسها ولا تسمع سوى صوتها. ومع ذلك فإن الحوار مطلوب والتنوع والاتفاق والاختلاف بين شركاء الوطن حق وواجب. لذلك فإن دعوة الحوار في حد ذاتها خطوة جيدة.
على أن الحوار لا يجب أن يكون على طريقة عمنا الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم “تسمعوني وأقولكم. هكذا يبقى الحوار”. فهنا سيتحول الأمر إلى مجرد “محاضرة” تلقيها السلطة على معارضيها ويعود الجميع إلى بيوتهم هانئين متحاورين!
في تقديري أن الحوار المطلوب له ثلاثة شروط لازمة ويجب الاتفاق عليها قبل البدء فيه:
أولا: أن تقدم السلطة دليلاً عملياً على أنها ترغب في حوار حقيقي يسهم في التغيير السياسي المطلوب. ويساعد في عملية انتقال ديمقراطي جادة. هذا الدليل في حده الأدنى هو الإفراج عن سجناء الرأي. وكل من لم يتورط في ممارسة العنف. فالدعوة الجادة تحتاج إلى مقدمات جادة وليس هناك أكثر جدية من إخلاء سبيل الآلاف من السجناء الذين يستحقون بالفعل الحرية والذين تضيع أعمارهم في السجون.
ثانيا: ألا ينفرد طرف واحد بوضع أچندة الحوار. فالموضوعات والقضايا يجب أن يشارك فيها الجميع ويجب ألا يتم استثناء أي ملف مهما كان. فالحوار يجب أن يرسم خريطة طريق لمستقبل هذا البلد بمشاركة كل أبنائه. وعليه يجب أن يشترك الجميع في ترتيب القضايا التي هي في تقديري تشمل: الحريات العامة (حريات الرأي والتعبير والاعتقاد والتجمع والتظاهر السلمي). واحترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية. وحرية الصحافة والإعلام. وخروج الأمن من إدارة ملف الإعلام بالكامل. وفتح المجال العام ورفع الحصار عن الأحزاب والنقابات والجمعيات والتوقف الفوري عن ملاحقة الناشطين السياسيين السلميين. وضمان استقلال القضاء وإبعاده عن تجاذبات السياسة.
ثم نقاش عن الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها مصر وفي القلب من هذه القضية التوقف الفوري عن القروض والاستدانة. ووقف بيع أصول الدولة. لا سيما لغير المصريين. وطرح البدائل المتاحة لتوفير العملة الصعبة وفرص العمل ومناقشة إمكانية توقف المشروعات الكبرى غير الإنتاجية واستبدالها بمشروعات إنتاجية والنهوض بالصحة والتعليم والبحث العلمي.
ثم القضايا الخارجية وقضايا الأمن القومي وفي القلب منها سد النهضة الإثيوبي وحدودنا الشرقية والغربية. ودورنا السياسي في المحيط العربي والأفريقي والتطبيع مع إسرائيل وغيرها من قضايا مصيرية في هذا البلد.
ثالثا: الاتفاق على آلية وجداول زمنية واضحة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال الحوار. فوجود آلية سيضمن أن الحوار لن يتحول لمجرد تضييع للوقت أو فضفضة وينتهي بعدها كل شيء. فقد يحتاج الحوار مثلا إلى تعديلات تشريعية عندها يجب الإعلان عن آلية مشاركة وتفاعل البرلمان. وهكذا إذا تطلب الأمر تدخلاً من رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء أو غيرهم.
الحقيقة أن كل الأمور في يد السلطة. فإذا أرادت تغيير نهجها الذي استمر لسنوات عدة والبدء في تحرك جاد يدفع البلد للأمام فإن الطريق سيكون ممهداً. الأهم ألا تتحول الدعوة للحوار إلى مجرد دردشة لا تقدم ولا تؤخر، أو مناورات سياسية تزيد من تعقيد الأمور في بلد يمتلئ بالمشكلات أصلاً.