رغم اتساع دائرة انتشار البرامج الدينية في التليفزيون، وبروز عدد من الدعاة في وسائل الإعلام. إلا أن ذلك لا يعبر عن تنوع الخطاب الديني أو تجديد مضمونه، وتدل المؤشرات المبدئية على قصور الإعلام في إدارة حركة الإصلاح وطرح قضايا معاصرة تمس حياة الناس وتركز على المعاملات.
ويؤكد الزخم الزائد أن الإعلام الديني مازال في حاجة إلى إصلاح لتنمية المجتمع من الداخل.
وترى النخبة أن الخطاب الديني في وسائل الإعلام أحادي النظرة ولا يحترم المخالف. ويركز علي تقديم معلومات دينية وعقائدية عامة ويهمل السلوكيات الصحيحة ولا يتناول قضايا التجديد والتنوير. بما يتواكب مع مقتضيات العصر، والجوانب الحضارية والهوية الثقافية.
وقد وجدت البرامج الدينية مع انتشار الفضائيات إقبالا كبيرا، حيث تلبي احتياجات قاعدة عريضة من الجمهور رغم انحضاض المضمون. إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه البرامج مصدر المعلومات الدينية الوحيد لهم بنسبة 62.8%. وفقا لدراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
المعرفة الدينية
ويعد الدافع الأساسي لدى مشاهدي هذه البرامج أنها المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية والتمسك بالقيم الدينية دون تقييم المحتوى. وعلى الرغم من أن 60% من محتوى هذه البرامج يناقش قضايا التطرف والإرهاب. فإن الدراسات تشير إلى أن الغالبية العظمي من المشاهدين ليسوا على دراية بموضوع تجديد الخطاب الديني وانعكست نسبة المشاهدة الدينية على أسلوب حياتهم بنسبة 89.7%.
والمحتوى الديني من المحتويات التي تشهد طلبا في الإعلام خاصة في البيئات المتدينة وأيضا في دول أكثر تحضرنا مثل أوروبا. لكن من وجهة نظر الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، تكمن المشكلة في أن المحتوى الإعلامي الديني في مصر غير إيجابي. ويسلط الضوء على المسائل الشعائرية والعقائدية ولا يبحث موضوعات جادة أكثر إيجابية على المتلقين والمتابعين تفيد في تطور المجتمع.
وأضاف أن بعض مقدمي هذا البرامج يلجئون إلي الإثارة والتهويل والمبالغة من أجل تحقيق أعلى نسب من المشاهدات. لما تثيره من مشاكل كبيرة تمس عقائد المتدينين ومقدساتهم.
أيضا لما تنطوي عليه من مخالفة للمعايير المتعارف عليها أو التي تدعو إلي التمييز والكراهية والنعرات المذهبية والطائفية في بعض أنماط المحتوي الديني.
الدعاة الجدد
تستحوذ البرامج الدينية التي يقدمها الدعاة الجدد من الشباب على النسبة الأكبر من المشاهدة. خاصة بين الشباب لما يمتلكه هؤلاء من وسائل حديثة ولغة خطاب قريبة من الشباب في توصيل المعلومة. ويعتبر أهم ما يميز مقدمي البرامج الدينية هو كونه متخصص في الدين و أسلوبه بسيط. لذا يفضل أن يكون الأغلبية من مقدمي البرامج من الذكور أكثر من الإناث بنسبة 84.7% يليهم شباب الدعاة بنسبة 22.2%.
وأكد ياسر أن الدعاة و رجال الدين الذين يمتهنون هذه الهنة كثير منهم لا يدرك طبيعة العمل الإعلامي ولا يمتلكون أدواته وأدبياته. حيث إن هذه البرامج تعتمد إعلاميا على طلب الجمهور الذي يحتاج أن يتزود بمحتوى ديني وتعتمد علي مجموعة من الوعاظ.
واستبعد ياسر في حديثه لــ360 أن يبدأ تجديد الخطاب الديني من الإعلام، ويرى أن البداية تأتي من المؤسسات الدينية نفسها. من تطبيق القانون ومن مؤسسات التعليم والثقافة والتنشئة، فهي المنوط بها تغيير الخطاب الديني. أما وسائل الإعلام فهي تعرض لأدبيات تظهر على هذه الوسائط من وجهة نظره. مبينا أن ترك مهمة تجديد الخطاب لوسائل الإعلام وحدها لن يؤدي إلى تغيير الواقع والاشتباك مع القضايا المجتمعية.
انفصال الخطاب عن الواقع
أما الكاتب الصحفي والناقد الفني محمد رفعت أرجع مشكلة الخطاب الإعلامي الديني إلى كونه منفصل عن الواقع في معظم القضايا التي يتناولها. وهو ما يعطي فرصة لغير المتخصصين بتقدم محتوى يهف إلى تحقيق الإثارة ولا يقدم معالجة.
وقال رفعت إن معالجة القضايا الدينية تحتاج إلى مجهود أكبر في مناقشة القضايا المعاصرة والخلافية التي تؤثر في الناس وتشغلهم مثل قضية نقل الأعضاء. وفوائد البنوك ولا يوجد إجماع عليها إضافة إلى قضايا أخرى أكثر تماسا بحياة الناس مثل الحضانة وشرعيتها بعد زواج الأم.
ويذهب رفعت إلى أن تمسك مقدمي هذه البرامج وتركيزهم على القضايا العقائدية مثل الصلاة والصوم هو نوع من الفلس الفقهي والتساهل. حيث يتناول قضايا محسومة قديما ومعلوماتها متاحة وتقدم في المدارس ومتوفرة في الكتب الدينية. ويمكن الوصل إليها بسهولة من مصادر مختلفة بالإنترنت لكنه لا يستطيع إنتاج أراء جديدة في مسائل معاصرة لا يوجد لها حلول.
وأضاف أن أغلب القضايا المعاصرة لا تمثلها إلا بعض الآراء الشاذة خاصة في ظل غياب رد عليها أو تصحيح لها وتثير بلبلة بين الناس. معتبرا هذا نوع من التطرف لا يمثل صحيح الدين أو رسالة الإسلام الوسطية.
دور التليفزيون الرسمي
وذكر رفعت أن حجم البرامج الدينية المقدمة والمساحة المتاحة حاليا في التلفزيون الرسمي بشكل عام أقل من ذي قبل. في مقابل اتساع دائرة هذه البرامج في الفضائيات، موضحا أن الغالبية العظمى من مقدمي هذه البرامج يقدمون أنفسهم على أنهم رجال دين ولا يحصلون على ِإجازة من المؤسسات المختصة ويتصدون للفتوى وهم غير مؤهلين.
وألقى رفعت بالمسؤولية على الهيئة الوطنية للإعلام في وضع حد لمن يتصدرون المشهد في البرامج الدينية. وفلترة البرامج عن طريق وضع ضوابط إعلامية على أساس المحتوى. لأن أغلب ما يقدم يعتمد على الإثارة وصناعة “الترند” لتحقيق مكاسب للقناة دون الاستعانة بمن اعتبرهم أهل الاختصاص.
ووصف رفعت الحالة القائمة حاليا بأنها نوع التباسط في المحتوى الديني المقدم في وسائل الإعلام خاصة بعد 25 يناير. فبعض القنوات الخاصة لا يعرف غالبا الجهات الممولة لهذه البرامج والتي تبث سمومها في عقول المشاهدين.
مراعاة مقتضى الحال
وتتميز التركيبة الثقافية للمجتمع المصري بحضور قوي ومؤثر للمكون الديني عبر العصور. وقد استمر هذا الشغف بالبعد الديني لدى المصريين ممزوجًا بالتطور الديني والعقائدي ومتأثرًا بالأوضاع السياسية. ومحمولًا عبر وسائل الاتصال والتواصل الإنساني مواكبًا لتطورها وموظفًا لها كأدوات فاعلة في تشكيل الثقافة الدينية.
لكن الواقع الحالي يكشف عن انفصال جوهري بين الدين وحياة الإنسان. وهو ما اعتبره عبد الرحمن عمارة مقدم برامج في إذاعة القرآن الكريم فاصل كبير بين ما يقدم وما يجب أن يقدم. حيث يفتقد المحتوى الديني إلي الحكمة والموعظة الحسنة، وأوضح عمارة أن الحكمة المقصودة هي مراعاة مقتضى الحال فيما يطرح من قضايا. حيث يعتمد في تناول القضايا المطروحة على أراء سابقة دون مراعاة للإطار الزمني والمكاني الذي يعيشه الناس.
أيضا بجانب الخوف من المواجهة مع حراس الشريعة والمعترضين على أي تجديد. بحجة أن الدين صالح لكل زمان ومكان فيكون الحكم بمقضى ظروف الماضي. كما نفتقد في طرحنا الديني بوسائل الإعلام مراعاة مقتضى الحال المناط العام والمناط الخاص الموعظة الحسنة، فيتم تعميم قضية رغم خصوص سببها أو تقييد أخرى رغم عموم لفظها دون اعتبار مقتضى الشرع في تحقيق مصالح الناس.
ووصف عمارة الخطاب الديني في البرامج بأنه خطاب عنيف يحث علي الكراهية والنفور. ويلقي بمظاهر العنف الزائد والتفكك الأسري وغياب القيم في المجتمع حاليا على الخطاب الديني. لذا اعتبره منفر يعلي أحد أطراف المجتمع على الأخر ولا يراعي الموازنة بين شركاء الحياة. سواء على مستوى الجنس الرجل والأنثى أو على مستوى الأخر المغاير في الدين ووصف معالجة هذه القضايا بأنها معالجة نمطية في خطاب موسمي.
شراء الهواء
كان لظهور ما يسمى “الإعلام الديني “، الأثر البالغ في تطور نوعي في عدد القنوات الدينية من سنة 2010 إلى سنة 2015. وارتفع عددها من (54) قناة إلى (95) قناة، تعود النسبة الأكبر (86) قناة للقطاع الخاص.
يذهب عبد الرحمن إلى أن أغلب هذه البرامج في القنوات الخاصة يسيطر عليها من وصفهم بأنصاف المتعلمين من الراغبين في الشهرة. حيث يقومون بشراء الهواء مساحات إعلامية مدفوعة ويطلقون على أنفسهم دعاة. ويتحدثون عن العلاج بالطب النووي، والسحر والشعوذة والرؤية الشرعية بالقرآن وغيرها من القضايا المثيرة للجدل.
وعن خطورة هذه البرامج يقول عمارة لــ360 إنها تؤدي إلى انفصال المتلقي عن الواقع الذي يعيشون فيه وعرض أفكار هدامة ومحرضة. رغم أن الشرائع السماوية شمولية تشمل الدين والحياة.
البرامج المسيحية
وأشارت الدراسة إلى وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين كثافة مشاهدة الشباب المسيحي المصري للقنوات الفضائية المسيحية العربية. وبين مستوى التثقيف الديني لديهم، أي أنه كلما زادت كثافة المشاهدة كلما زاد مستوى التثقيف الديني.
واحتلت القنوات الفضائية المسيحية العربية مكان الصدارة بنسبة 73% في قائمة المصادر التي يعتمد عليها الشباب المسيحي المصري في التثقيف الديني. وأن نسبة 71.8% من لأفراد يشاهدونها دائماً وتزودهم بالمعلومات الدينية. ونسبة 26.5% منهم يشاهدونها أحيانا.
ويرى 74.3% أن قصور الخطاب الديني الحالي بالقنوات الفضائية المسيحية العربية يرجع إلى أنه خطاب انغلاقي منعزل عن الواقع ومتغيرات العصر.
ويلقي عبد الرحمن عمارة بالمسؤولية على كل من الكنيسة والأزهر في تشكيل وعي الجماهير بخطاب ديني مستنير. مبينا أن تراجع هذه المؤسسات سمح بوجود فجوة بين الدين والناس تملئها هذه البرامج في الإعلام المصري.
وقال أن إذاعة القران الكريم ابتعدت عن الوسطية ووقفت موقف جامد في تطوير الخطاب الديني. وهو ما دفعه إلى ترك عمله بها منذ بضع شهور، عندما احتد الخلاف بينه وبين إدارة القناة على تناول قضايا أكثر ارتباطا بحياة الناس.
المحتوى الديني
تصل نسبة الرضا عن المحتوى المقدم من هذه البرامج وفقا للدراسة إلى 92.2 وأن كون مقدمي البرامج على ثقافة. وعن الهوية المصرية فقد تغلبت على نسبة المشاهدين بنسبة 50.8% وأن نسبة الهوية الدينية كمسلم ومسيحي بلغت 44.1%.
وطالب رفعت الهيئة بعمل خريطة وإعادة وصياغة قائمة بالمسموح لهم الفتوى في وسائل الإعلام. على أن يتقدم بطلب إلى الأزهر ويتم اختباره وقياس قدراته في الفقه ومعرفة اتجاهه قبل الخروج على الملأ. لأن الخطاب الديني من وجهة نظره يهدم مجتمعات ويحدث فتنة، خاصة أن الناس تستقي معلوماتها الدينية والتاريخية من البرامج. ويشكل الخطاب الديني في وسائل الإعلام وعي خاطئ خاصة إذا كان هذا الخطاب لا يعبر عن مؤسسة يمكن الرجوع إليها.
وأشار عمارة أن المؤسسات الإعلامية لا تستطيع أن تخطو خطوة نحو الإصلاح في إعادة إنتاج البرامج الدينية والاجتماعية. تستطيع توصيل معلومة صحيحة تركز علي القضايا الحياتية اليومية للناس بمفردها، دون المؤسسات الدينية.
أوصت الدراسة بأن نشر الوعي والفكر الديني الصحيح، يتطلب ضرورة التدقيق في اختيار مقدمي البرامج الدينية. والعمل على تجديد البرامج والاستعانة بعلماء ومتخصصين عند تنفيذ هذه البرامج، والتركيز على المضامين والقضايا التي تعكس القيم الدينية. النظر إلى تجديد الخطاب الديني على أنه مجال متعدد التخصصات، تحديد ماهية الخطاب الديني الذي يتبع نهج الأزهر والمفكرون بالمؤسسة الدينية.