هنا سوق ديانا. كل شيء معروض للبيع. قطع أنتيكة نحاس وأدوات مائدة غالية وألبومات طوابع وصور. عملات ملكية حقيقية ومضروبة. منبهات قديمة لا تعمل. وبضائع رخيصة وبلاستيك تتظاهر في الزحام بأنها ذات قيمة.
ملتقى التجار والهواة والبائعين والوسطاء واللصوص وعشاق التاريخ والتراث وخادمات البيوت اللائي وجدن في مطابخ العائلات العريقة ما يستحق التسريب والعرض بأسعار عالية لمن يقدّر ويفهم.
هنا يأتي الموهوم بأحلام الثراء لأنه ورث عن أبيه أو جده كيسا من العملات المعدنية أو ألبوما من الطوابع التذكارية. بينما هي هنا يتم بيعها بالكيلو على موائد مكسورة يمر أمامها الناس وهم فيها من الزاهدين.
القاهرة -وسط البلد- من سينما ديانا حتى قهوة الفنانين. يبدأ المهرجان وينصبون السوق من التاسعة صباحا كل يوم سبت.
كل شيء وأي شيء قابل للعرض والمساومة والبيع.
في سوق ديانا.. الخبرة تفرق
برواز (كانافاه) خرْج بيت. صواني وأكواب أكل الزمان عليها وشرب. زجاجة عطر فرنسي قديم. ألبومات صور أبيض وأسود. أشياء كانت أطول عمرا من حياة أصحابها. (كلوب نور) الأرياف قبل دخول الكهرباء. جركن بنزين داكن اللون وذو تصميم فريد يناسب السيارات العسكرية زمن الحرب العالمية الثانية.
أثمانها جميعا ليست رخيصة. لكن عين الخبير تنظر باستحسان وتقول إن تلك الأشياء تستحق المئات التي يتم دفعها فيها. وهي قابلة للبيع في أماكن أخرى بثمن أعلى.
على الأرصفة وفوق موائد بلاستيك مكسورة وحتى فوق (كبوت) وسقف سيارة (نص عمر). يقدم الباعة بضاعتهم. أشياء لن تقف بخسارة على من يشتريها. شرط ان تكون قديمة بحالة جيدة تظهر عليها علامة واضحة تشير لاسم الشركة المصنعة أو سنة الإنتاج.
وستجد دوما على مقربة التالف والمزيف الذي لا يستحق عناء السؤال عن ثمنه.
الخبرات المتراكمة ستعطيك بعد شهور أو سنين عينا تفرز وتثمن من النظرة الأولى. وإن كنت مستجدا في سوق ديانا فلا تخرج منه قبل أن تقابل (الكينج) أبو سامح. فهو ملك النحاس. يجلس هنا في قهوة الفنانين. مُسن وضخم البنيان مفعم بالثقة. يرتدي قميصا مزركشا بألوان زاهية وبجواره حقائب فيها قطع غالية ذات قيمة ولها زبونها من علية القوم تنتظره.
لا يعرض الكنج هذه القطع للمارة العاديين.
وفي حقيبة أخرى وجبة فاخرة من السمك تم إعدادها للكينج وضيوفه الأعزاء الذين قد ينعمون بضيافته وقت الغداء.
ميراث من ذهب
يحكي الكنج وهو على كرسي في قهو الفنانين:
“مرة رحت أنا وصديق تاجر موبيليا لبيت في حي راقي. ولقينا شاب منتظرنا مع صديقته يدخنان في لا مبالاة. قال لنا باستهتار (ادخلوا خلصوني من شوية الزبالة دي. كان يقصد عفش البيت ومحتوياته. وعرفت فيما بعد أنه بيت جده وهو الوريث ولا يعرف قيمة محتويات البيت. وليس له هم غير البيع ليحصل على مال سريع يشتري بيه خمورا وسجائر له ولصديقته. فحصنا المنقولات بين خشب ونحاس وفازات ونجف وتماثيل وتحف وكتب وقلنا له هندفع 13 ألف جنيه. رد فورا وقال شيلوا الحاجة وهاتوا الفلوس.
دفعنا وشيلنا المنقولات في 4 عربات نقل”.
ويتابع الكنج: “بعد يومين جاني صديقي تاجر الموبيليا وقال لي أنه باع الصالون وحده بـ60 ألف جنيه. كان مفروض يبقى في منتهى السعادة. لكنه كان متغاظ جدا وقال لي بالحرف أنا عايز أرجع للواد اللي باع لنا عفش جده ده أضربه”.
كثيرون من الورثة يبيعون بأرخص الأثمان أشياء غالية لا يعرفون قيمتها. ربما كانت بعض القطع يعلوها الصدأ أو تحتاج لصيانة أو تصليح. وهذا أمر سهل وتلك مهمتنا. نفرز ونلمع ونعرض ونبيع لمن يعرفون القيمة والمعنى ويعشقون القديم ويفهمون في المعادن والتاريخ والناس.