“بعبي فاكهة في برانيك بلاستيك واناولها للرجالة اللي يحملوها على عربيات النقل، من 6 الصبح للمغرب، يوميتي 60 جنيه غير أكلي عليهم، البرانيك بتبقى تقيلة وبتعب في الشغل صحيح بس أحسن من مفيش، ما انا لازم اساعد أبويا واخواتي الصغيرين”.. هكذا يقول إسلام صاحب الـ 14 سنة، والذي يعمل في مزرعة للفاكهة بطريق الإسكندرية، منذ عامين.

يُقدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عدد الأطفال العاملين في مصر بنحو 1.6 مليون طفل، ما بين 12 لـ17 سنة، بنسبة تقترب من 10% من مجمل عدد الأطفال، 80% منهم من الريف، إلا أن الكثيرين من الحقوقيين يقولون إن الرقم ربما يصل لضعف المعلن، نظرًا لأن أصحاب الأعمال وخاصة في المزارع، والمنشآت الصناعية مثل مصانع الطوب “الطفلي” لا يعلنون عن الأطفال الذين يعملون لديهم، في ظل تقصير الجهات المعنية بالرقابة على تلك المنشآت في التفتيش.

وبحسب منظمة العمل الدولية، فإن 70% من الأطفال العاملين في مصر يعملون في مجال الزراعة، عدد كبير منهم في القطاع غير الرسمي، فيما يقترب العدد الإجمالي للأطفال العاملين حول العالم من 160 مليون طفل، 80 مليون منها يعملون في مجالات خطرة.

سعي المنشأة لتشغيل الأطفال

ظروف الأسر الاقتصادية الصعبة، نتيجة غياب عائل الأسرة أو مرضه، أو عمله مقابل أجر زهيد لا يكفي احتياجاتهم، أو حتى تهربه من التزاماته تجاه من يعول، كانت وراء دفع بعض الأسر إلى تشغيل أطفالها، لكن السبب وراء سعي أصحاب الأعمال والمنشآت الزراعية والصناعية في مصر، لتشغيل الأطفال سواء من بلغوا السن القانوني للعمل أم لا، هو توفير النفقات، كونهم عمالة رخيصة، بنسبة تصل إلى النصف مقارنة بالعمال البالغين.

يستكمل إسلام روايته فيقول: “في المزرعة اللي اشتغل فيها أكتر من 20 طفل أكبر وأصغر مني، في منهم يوميته أكتر مني بـ 10 أو 15 جنيه، لكن العمال الكبار يوميتهم 130 جنيه، رغم إننا بنعمل نفس شغلهم”.

وعن سؤاله عن مكان مبيتهم وإذا كان لهم أماكن مستقلة عن البالغين، يرد إسلام ضاحكًا: “لا طبعًا مفيش الكلام ده احنا بنام تحت رجليهم، في عشش من الخشب”، مضيفًا: “بروح المدرسة في أولى إعدادي بس مش بروح كتير، كل شهر أخطف 15 يوم في المزرعة وبعد كورونا بقيت اشتغل الشهر كله، وكان لازم اشتغل أبويا عنده حتة أرض مش بتدخل حاجة تستاهل، وعندي 3 أخوات أصغر مني ومصاريفهم كتير”.

عمل شاق

أما هاني، والذي يعمل بمصنع لإنتاج الطوب الطفلي، فيقول: “والدي متوفي من سنتين وعندي أخت وأخ أصغر مني، وأمي شغالة في حضانة بـ 900 جنيه، وراحت علشان تصرف معاش رفضوا علشان متأمن عليها”.

ويضيف هاني: “بشتغل في المصنع في تحميل ونقل الطوب الأخضر من مكان الصب لأفران الحرق، يوميتي 50 جنيه، بشتغل من بعد الفجر للعصر، الشغل صعب أوي طول اليوم في الشمس، مش بقدر أنام من وجع ظهري بالليل، أمي بتقولي ربنا بيقويك علشان خاطرنا”.

ويستكمل ذو الـ 15 عامًا: “في أيام يقولوا لنا ماتجوش علشان عندنا تفتيش”، مضيفًا: “صاحب المصنع راجل غني أوي، وأخوه عضو في مجلس النواب، لكن منشفها علينا”.

عمل الأطفال في الدستور والقانون

تنص المادة 80 من الدستور المصري على أنه: “تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر”.

ونص قانون العمل رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، في الباب الخاص بالأطفال العاملين، على: أنه يعتبر طفلاً ـ في تطبيق أحكام هذا القانون ـ كل من بلغ الرابعة عشرة سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة، ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلًا دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوى العاملة المختص، ومنع القانون تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، أو أربع عشرة سنة أيهما أكبر، بينما أجاز تدريبهم متى بلغت سنهم اثنتي عشرة سنة.

وحظر القانون تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميًا، وأوجب تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يعمل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، كما حظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية، وفى جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحًا.

ووضعت اللائحة التنفيذية لقانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، ضوابط عديدة لعملية تشغيل الأطفال، من بينها، إلزام صاحب العمل بإجراء كشف طبي بهيئة التأمين الصحي على نفقته، على الأطفال قبل تشغيلهم للتأكد من سلامتهم الصحية وصلاحيتهم للعمل بما لا يضر صحتهم، وألزمت صاحب المنشأة بتوفير مبيت صحي وأمن للأطفال العاملين لديه بعيدًا عن مبيت البالغين، في المنشآت التي يحتاج عمالها للمبيت وتوفير غذاء صحيًا لهم.

وأن يحرر أولًا بأول كشفًا موضحًا به البيانات الأساسية المتعلقة بكل طفل عامل، لديه يشتمل على اسمه وتاريخ ميلاده وطبيعة نشاطه وعدد ساعات عمله وفترات راحته ومضمون الشهادة المثبتة لأهليته للعمل ويقدم الكشف للمختصين من العاملين بالإدارة العامة لمفتشي مكاتب العمل أو غيرهم من المختصين عند طلبه، وأن يعلق نسخة من هذا الكشف في مكان بارز بالمنشئة.

كما حددت اللائحة التنفيذية قائمة طويلة للأعمال المحظور على أصحاب العمل تشغيل الأطفال فيها من بينها: العمل أمام الأفران، حمل الأثقال أو دفعها أو جرها إذا زادت عن وزن محدد لكل سن ذكرته اللائحة، العمل في معامل الثلج، ومصانع الأسمنت، واللحام بالأكسجين، والشحن والتفريغ، إضافة للعشرات من الأعمال.

انتهاك القانون

لا نحتاج إلا لمقارنة بسيطة بين ما نص عليه القانون كشروط لتشغيل الأطفال وبين الشهادات التي استمع إليها “مصر 360” لنكتشف أي خرق للقانون مارسه أصحاب المنشآت الزراعية والصناعية، من أجل السعي لتخفيض النفقات وتقليص الأجور، مستغلين الأطفال، الذين دفعتهم حاجة أسرهم للمال، بتشغيلهم في ظل ظروف صعبة، في أعمال حظر القانون عمل الأطفال بها ما يؤثر على مستقبل صحتهم، متهربين من تسجيلهم، ومتنصلين من الالتزام نحوهم فيما يخص الطعام الصحي، والسكن المستقل عن البالغين مما قد يعرضهم لانتهاكات جنسية، ناهيك عن استغلالهم بدفع أجورٍ نصف ما يحصل عليه العمال البالغين، بنفس المنشاة.

أسئلة حول الظاهرة

وهو ما يدعونا للسؤال حول أمرين، أولهما دور مكاتب العمل ووزارة القوى العاملة، والمجلس القومي للطفولة، في الرقابة على هذه المنشآت، وثانيهما، حجم الدعم المقدم للأسر محدودة ومعدومة الدخل و التي تعول أطفالًا، فعلى ما يبدوا أن معاش مشروع تكافل والموجه للأسر التي تعول أطفال بمراحل التعليم المختلفة، لا يفي بمستلزمات تلك الأسر نظرًا لضعف المبلغ المقدم والذي لا يتخطى الـ 600 جنيه شهريًا، كما أنه  يستثني الأسر التي يعمل أحد الوالدين بالحكومة أو القطاعين العام أو الخاص حتى لو كان المرتب لا يصل إلى 100 جنيه كما في الحالة الواردة في التقرير.

  • الأطفال الواردة شهادتهم في التقرير تحدثنا معهم بعد موافقة أحد الوالدين.