يبدو أن تعثر ملف “الاتفاق النووي الإيراني” وتجميد المفاوضات بين طهران والدول الكبرى ألقى بظلاله على مسار تسوية الصراع في اليمن. ففيما يسعى التحالف العربي بقيادة السعودية ومن خلفه مجلس القيادة الرئاسي اليمني المشكل حديثا إلى “تبريد” الأزمة تحاول إيران عبر ذراعها اليمنية “مليشيا الحوثي” إشعالها من جديد. أملا في استخدامها كورقة على طاولة مفاوضتها مع الغرب.
قبل أيام قدم التحالف العربي “بادرة حسن نوايا” بإعلانه إطلاق سراح نحو 163 أسيرا حوثيا كانوا قيد الاحتجاز بالسعودية. في إطار مبادرة إنسانية لدعم هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة. و”دعما لجهود ومساعي إنهاء الأزمة اليمنية وإحلال السلام وتهيئة أجواء الحوار بين الأطراف المتصارعة” على ما قال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العميد تركي المالكي.
ونقلت قوات التحالف الجمعة الماضي 37 أسيرا برا إلى اليمن قرب مناطق إقامتهم من الحدود السعودية اليمنية. فيما نُقل 108 آخرون إلى عدن و9 إلى صنعاء. وتم تسليم 9 مقاتلين أجانب (إثيوبيين وصوماليين) إلى سفارات دولهم.
عمليات نقل الأسرى الحوثيين تمت تحت إشراف الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر. التي أعلنت أنها “سهلت نقل المحتجزين من مطار أبها السعودي إلى عدن وجميعهم يمنيون احتجزوا لأسباب تتعلق بالحرب”.
جماعة الحوثي رفضت “الهدية المجانية السعودية” بدعوى أنها ليست لها صلة بمعظم الأسرى الذين تم نقلهم. وقال رئيس لجنة شؤون الأسرى الحوثية عبد القادر المرتضى إنهم لن يتسلموا الأسرى. وأن من تم الإفراج عنهم “ليسوا من أسرانا وغير معروفين لدينا”. مشيرا إلى إبلاغه الصليب الأحمر بأن جماعته غير معنية بالأسرى المفرج عنهم.
بالتوزاي واصلت مليشيا الحوثي خرق الهدنة الأممية الإنسانية التي بدأت مطلع إبريل الماضي. وكثفت من هجماتها على مختلف الجبهات مستخدمة أنواع الأسلحة كافة بما فيها الطيران المسير والمدفعية. وهو ما أثار المخاوف من أن تؤدي هذه الخروقات والتي بلغت 3 آلاف خرق إلى انفراط عقد الهدنة واستئناف الحرب.
الجيش اليمني أفاد في أحدث تقرير له بأن المليشيات الحوثية ارتكبت يومي الخميس والجمعة الماضيين فقط 126 خرقا للهدنة. “في ظل التزام قوات الجيش والمقاومة بها. وفقا لتوجيهات القيادة السياسية والعسكرية التي تقضي بالوقف التام لإطلاق النار”.
الحكومة اليمنية من جهتها دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على الحوثيين لمنع خرق الهدنة وتشغيل رحلات مطار صنعاء كأولوية إنسانية لا تحتمل التأخير. مجددة “الالتزام بتنفيذ الهدنة بكل عناصرها دون انتقائية”. بحسب أحمد عوض بن مبارك وزير الخارجية اليمني. الذي اتهم الحوثيين باستغلال الهدنة لـ”تحصيل الأموال لتمويل آلة الحرب وإثراء قادتها على حساب تعذيب الشعب اليمني”.
بن مبارك قال إن “المليشيات الحوثية تجني ٩٠ مليار ريال يمني من المشتقات النفطية خلال شهري الهدنة وتتهرب من الالتزام بدفع مرتبات الموظفين”. وهو ما أعاد تأكيده العميد طارق صالح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي. مشيرا إلى أن الحوثيين يعملون على “استغلال الهدنة كفرصة للمناورة وترتيب الأوراق وتحشيد المقاتلين وتحريك القطع العسكرية”.
رفض “الهدية السعودية المجانية” الخاصة بإطلاق سراح الأسرى والخروقات المتكررة للهدنة والتسويف في فتح قنوات اتصال مع مجلس القيادة الرئاسي اليمين وهيئة التشاور والمصالحة المعنية بالتفاوض. لم يتخذها قادة الحوثيين بالطبع. فتعليمات الحرب والتسوية والتهدئة والتصعيد تصدر مباشرة من طهران التي تصر على أن يظل الصراع في اليمن ورقة على طاولة مفاوضاتها الإقليمية والدولية. دون النظر إلى معاناة الشعب اليمني التي لم تتوقف خلال السنوات السبع الماضية.
“لا يعرف الحوثيون الخطوة القادمة وينتظرون إشارة إيران للتحرك صوب إشعال الحرب مجددا أو الجلوس إلى مائدة التفاوض والتسوية”. يقول مسؤول سياسي يمني مطلع على سير الأحداث. لافتا إلى أنه في حال لم تتفق طهران مع الغرب على العودة إلى الاتفاق النووي سيتم استئناف الحرب في بلاده. فالهدنة اليمنية مرهونة بالمفاوضات النووية التي توقفت عند شرط طهران برفع “الحرس الثوري” من لائحة الإرهاب الأمريكية واعتبرت ذلك بمثابة خط أحمر.
ويشير مصدر يمني آخر إلى أن المحادثات السعودية الإيرانية التي جرت نهاية إبريل الماضي في العاصمة العراقية بغداد، لم تسفر عن أي اتفاقات أو التزامات فيما يخص الملف اليمني ولا في باقي الأزمات الإقليمية.
ويرى المصدر أن المباحثات السعودية الإيرانية لن تتعدى حدود المستوى الأمني. مستبعدا عقد أي لقاءات بين وزيري خارجية البلدين كما أشيع مؤخرا. لافتا إلى أن رفع مستوى التمثيل في المحادثات بين الطرفين لن يتم إلا بعد دوران عجلة المفاوضات النووية بين الغرب وطهران من جهة. وانتهاء الانتخابات النيابية اللبنانية من جهة أخرى. وهي وجه آخر للصراع الإيراني السعودي، بحسب تعبيره.
وعقب اللقاء الذي جمع رئيس جهاز أمن الدولة السعودي خالد الحميدان بمساعد الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد إيرواني قبل أسبوعين في بغداد نقلت صحيفة “الصباح” العراقية عن مصدر إيراني قوله بأن وفد بلاده اقترح عقد لقاء عالي المستوى بين البلدين لتوقيع اتفاقية للتعاون حول طبيعة العلاقات المستقبلية بين طهران والرياض. وأن رئيس الوفد السعودي وعد بنقل المقترح الإيراني إلى المسؤولين في بلاده.
وفي محاولة لحث إيران على “الحفاظ على الهدنة في اليمن والشروع في عملية سياسية” تواصلت الأمم المتحدة مع طهران لـ”تحقيق تسوية سياسية شاملة للصراع عن طريق التفاوض”. وفق بيان صادر عن الأمين العام أنطونيو جوتيريش الذي بحث هاتفيا مع وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أمس الأول الأحد ملف المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي وتناولت مناقشتهما أهمية الحفاظ على الهدنة اليمنية.
وقدم الاتحاد الأوروبي من جانبه مقترحا لحلحلة أزمة رفع “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب الأمريكية، وهي الأزمة التي جمدت محادثات إحياء الاتفاق النووي بين طهران والغرب، ويلتقي مفاوض الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، اليوم الثلاثاء، المسؤولين الإيرانيين في طهران في محاولة للوصول إلى صيغة وسط.
ويطرح مورا عرضا جديدا يتضمن رفع اسم هذا الفصيل العسكري الذي يتمتع بأذرع عدة خارجية، وإمبراطورية أعمال ضخمة داخل إيران، من قائمة المنظمات الإرهابية، على أن تظل كيانات تابعة له ضمنها.
بالتزامن، كشف خبير غربي مطلع، معلومات جديدة عن تلك الأزمة، مؤكدا أن إيران التي تمانع بشدة في الوقت الحالي قبول مثل هذا العرض، كانت وافقت على مساومة أو تسوية معينة بشأنه سابقا.
وأوضح المصدر، بحسب ما أفادت الصحفية الشهيرة لورا روزن على مدونتها “دبلوماتيك” أن إيران وافقت أو أبدت –على الأقل- استعدادها سابقا للنظر في نوع من الالتزام المتبادل مقابل إزالة الحرس من القائمة السوداء، إلا أنها تراجعت لاحقا عندما علمت أن التزامها هذا لن يظل سرا.
في المقابل، أوضح مسؤولون أمريكيون وأوروبيون أن ما حدث كان أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، لكنهم رفضوا الخوض في التفاصيل. فيما أشار دبلوماسي غربي مشارك في المحادثات النووية إلى أنه “لم يكن هناك أي اتفاق كامل على الإطلاق”. وشدد على أن “الوضع صعب لأن الاتصال بين المفاوضين الإيرانيين والأمريكيين يمر عبر وسطاء وليس هناك وضوح كامل”.
مسؤول أمريكي كبير أشار إلى أن الإدارة الأمريكية قدمت الكثير من الخيارات بشأن التنازلات غير النووية والالتزامات التي يمكن لطهران تقديمها في المقابل، إلا أنها رفضتها على ما يبدو “الكرة باتت في ملعبهم.. لديهم خيار العودة على أساس الامتثال للامتثال”.
ويبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا وما تبعها من ارتفاع في أسعار النفط، والخلافات التي نشأت بين أمريكا وحلفائها في منطقة الخليج شجعت المسؤولين الإيرانيين على التشدد في موقفهم من المفاوضات النووية، معتبرين أنهم “لم يعودوا في عجلة من أمرهم لإحياء اتفاق 2015 لتخفيف العقوبات المفروضة على اقتصاد بلادهم المعتمد على النفط” وفق ما نقلت سابقا وكالة رويترز.
القيادة السياسية الجديدة في اليمن، والتي أعلنت عقب اختيارها مطلع أبريل الماضي أن تسوية الصراع الداخلي وتحسين حياة الشعب اليمني على رأس أولوياتها تواجه مأزقا كبيرا، فقرار الطرف الآخر في الصراع ليس في يده بل في أيدي ملالي إيران، وهؤلاء يرغبون باللعب بنار الصراع اليمني على كل الموائد لتحقيق أعلى المكاسب غير عابئين بالدماء التي تسيل والخراب الذي يحل، ليظل الشعب اليمني هو الخاسر في تلك المقامرة.