وطمح أهالي الموصل في إعادة إعمار المدينة بعد انجلاء داعش منها، إلا أنهم مازالوا يعانون من الخراب الذي خلفته الحرب مع التنظيم الإرهابي، حيث لم تعوضهم الحكومة عن أي من الخسائر المادية والجسدية التي تعرضوا لها رغم موافقتها على آلاف الطلبات والشكاوى.
غير صالحة للسكن
الناشط العراقي علاء ناجي، يقول إن مدينة الموصل يسكنها حوالي 3 ملايين نسمة وتعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق من ناحية السكان بعد العاصمة العراقية بغداد، لافتًا إلى أنه تم تدمير المدينة بالكامل جراء المعارك والقصف وتفخيخ البيوت من قبل الإرهابيين في مواجهاتهم مع القوات العراقية والتحالف الدولي في يوليو 2017، مما تسبب في هجر أغلب سكان للمدينة.
ويوضح ناجي، أنه في عام 2018 قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، عدد المنازل المدمرة في الموصل جراء العمليات العسكرية بـأكثر من 21 ألف منزل.
ويؤكد الناشط العراقي، أنه بعد مرور ثلاث سنوات على تحرير المدينة لاتزال غير صالحة للسكن، مشيرًا إلى أن آلاف البيوت لم يتم بنائها وكثير من السكان لا يستطيعون الرجوع إلى المدينة بسبب لأنهم لا يجدون مأوى.
ويتابع ناجي، أن الأمم المتحدة نجحت في إعادة بناء 2000 منزل ومحطة لمعالجة المياه ومحطات توليد الطاقة وإدارات المستشفيات، و150 مدرسة وكلية ومركز شرطة، إلا أنها تُعتبر نقطة في بحر بالنسبة لمدينة يقطنها أكثر من 2 مليون نسمة، ولا تزال منطقتها القديمة تبدو وكأنها تلة ضخمة من الأنقاض.
وينوه الناشط العراقي، إلى أن سكان الموصل يطالبون بإعادة إعمار المدينة وتعويضهم عن منازلهم التي فقدوها ليتمكنوا من العودة إلى مواطنهم.
الكاظمي يتعهد بإعادة الاعمار
وتعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي، خلال الفترة الماضية بإعادة أعمار الموصل، حيث زار المدينة مؤخرًا في يونيو الماضي، ووعد بتغيير الوضع الذي تعيشه الموصل.
وقال الكاظمي، الذي تولى منصبه في مايو الماضي: “أريد أن أنظر شخصياً إلى كل عقد لإعادة إعمار الموصل، حتى لا نرى حالة واحدة من الاستغلال أو الفساد”.
أحلام ضائعة
ونقلت صحيفة “ذا ناشونال الإماراتية”، عن مواطن عراقي يدعي “أحمد حامد”، مطالبه بإعادة بناء منزله المُدمر في الموصل العراقية منذ اللحظة التي استعادت فيها القوات الأمنية المدينة الشمالية من داعش في عام 2017.
وأشارت الصحيفة في تقريرها الصادر بمناسبة إحياء ذكرى 3 أعوام على خروج داعش الإرهابي من الموصل بزعامة أبو بكر البغدادي، أن حامد من بين عشرات الآلاف من العراقيين الذين قدموا مطالبات إلى اللجنة الفرعية للتعويضات في محافظة نينوي، سعيًا للحصول على تعويضات عن السلع المادية، والإصابات، والخسائر في الأرواح في القتال المستمر منذ شهور لاستعادة الموصل من المسلحين المتطرفين.
وقال حامد، الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، ويعمل في وظائف يومية صغيرة لشراء شقة صغيرة: “لم أحصل على متر مربع بعد، على الرغم من مرور وقت طويل منذ التحرير”.
30 مليار دولار
وقال التقرير، إن العراق جمع 30 مليار دولار، من تعهدات المانحين الدوليين في الكويت في 2018 لإعادة البناء، لكن عمليًا لم يتم صرف أي من الأموال.
وتُلقي الحكومة العراقية، اللوم على عدم إحراز تقدم على نطاق واسع على الحكومة السابقة، بسبب الفساد الذي استنفذ أموال إعادة الإعمار وسياسات المدينة المستقطبة.
ووسط جائحة فيروسات كورونا وتراجع أسعار النفط، تكافح الحكومة العراقية من أجل جني عائدات شهرية كافية لتحقيق التعادل، مما دفع عملية إعادة البناء إلى الأسفل في قائمة أولوياتها.
270 ألف شخص عالقون
وبحسب مسح أجراه مجلس اللاجئين النرويجي في الموصل، فإن أكثر من 270 ألف شخص لا زالوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم، وأكد 64 بالمائة أنهم لن يتمكنوا من دفع الإيجار في الأشهر الثلاثة المقبلة.
ويصطف العشرات من الناس خارج نافذة استقبال في اللجنة الفرعية للتعويضات، وكان من بينهم علي إلياس الذي يبلغ من العمر 65 سنة، والذي يأمل في أنباء عن ابنه، جندي اختطفه داعش في 2017، قائلًا: “لقد تقدمت بطلب له بعد التحرير بوقت قصير على الأقل حتى نعرف ما حدث له”.
90 ألف شكوى
وبحسب رئيس اللجنة الفرعية محمد محمود، فإن اللجنة تلقت “90 ألف مطالبة، من بينها حوالي 49 ألف مطالبة تتعلق بالبضائع والمنازل والمحلات التجارية والممتلكات الأخرى، و39 ألفًا للخسائر البشرية قتلى أو جرحى أو مفقودون”.
ويتابع: “لقد عالجنا 3 أرباع المطالبات المتعلقة بالأضرار المادية، لكن لا توجد أموال كافية لسدادها بالفعل، لقد تمكنا فقط من تعويض 2500 عائلة”.
مسجد النوري
أحيا المواطنون العراقيون ذكرى الثلاث سنوات على رحيل التنظيم الإرهابي من الموصل في 10 يوليو 2017، حيث واجه سكان الموصل أحد أصعب الضربات وهي قصف مسجد النوري الكبير ومئذنته المائلة التاريخية.
وبعد ثلاث سنوات، سيتم ترميم المسجد المتضرر بفضل مشروع بقيمة 50.4 مليون دولار بتمويل من الإمارات العربية المتحدة وتنفيذه بالتعاون مع “اليونسكو”.
وفي أواخر شهر مايو، وقعت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية نورا الكعبي ووزيرة الثقافة العراقية السابقة فرياد رواندوزي، بروتوكول للتعاون الثقافي بين الوزارتين لبدء إعادة بناء المسجد.
وقالت الكعبي، إن ترميم المسجد مهم للغاية لثقافة وروح الموصل والعراق والمنطقة، مشيرة إلى أن الدعم الإماراتي جزء من جهود الإمارات لحماية التراث والمعالم العالمية.
وقال راكان العلاف، مدير المشروع الوطني لإعادة بناء جامع النوري باليونسكو، إنه تم الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع إعادة بناء المسجد بمساعدة مواطني الموصل بمشاركة 300 شخص تقريباً من فبراير 2019 إلى مارس 2020 في إزالة الألغام والذخائر وجمع التراث والتحف التاريخية وتصنيفها وتوثيقها.
وهدمت داعش جامع النوري الكبير، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، في 21 يونيو 2007، خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة العراقية التي أطاحت بالجهاديين من الموصل، عاصمتهم الفعلية في العراق.
ومن هذا المسجد الذي يعود إلى العصور الوسطى في منتصف عام 2014، أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عن “الخلافة” المزعومة التي تغطي أجزاء من سوريا والعراق.
وقالت الكعبي: إن إعادة بناء جامع النوري ومئذنته يبعثان رسالة أمل للعالم أجمع في معركته ضد الأفكار المتطرفة، كما تشارك الإمارات في مشاريع إعادة الإعمار في كنيسة سيدة الساعة “كنيسة كاثوليكية في وسط الموصل”، وكنيسة الطاهرة، الواقعة في قلب المدينة القديمة.
الأمم المتحدة
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الجامعة الأمريكية في محافظة السليمانية جنوب العراق، اشتكى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن الحكومة العراقية تُعطل المشاريع أو تعوقها بدلًا من تسهيلها.
وسعياً لاستئصال الفساد، أدخلت الأمم المتحدة عمليات تدقيق طويلة، الأمر الذي أدى إلى تأخير إعادة البناء.
واتهم التقرير، محافظ الموصل السابق نوفل عقوب بالسعي للحصول على رشاوى وعمولات من شركات إعادة الإعمار.