مع تداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد المحلي وضعت وزارة المالية موازنة هي الأضخم في تاريخ مصر للعام المالي 2022/2023. بإجمالي إنفاق متوقع يبلغ 2 تريليون و71 مليار جنيه. مقابل 1.8 تريليون جنيه للعام المالي الحالي 2021/2022 الذي ينتهي 30 يونيو المقبل.
وتؤكد الحكومة أن مشروع الموازنة تضمن تعديلات “تقشفية” كجزء من تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية. فضلا عن التضخم العالمي الذي أثر على مخصصات الاستيراد. خاصة بالنسبة للقمح والنفط. لكن أرقام البيان المالي تعكس غير ذلك.
يقصد بـ”السياسات التقشفية” الإجراءات التي تتبناها وتنفذها الحكومات لتخفيض الإنفاق العام لتخفيض عجز الموازنة العامة. كتقليص الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية والدعم الذي تقدمه الحكومات لبعض السلع الأساسية. إضافة إلى تخفيض التوظيف في القطاع العام.
يبلغ إجمالي الإيرادات المستهدفة بمشروع الموازنة الجديدة ١.٥ تريليون و١٨ مليار جنيه لكن المصروفات تجاوزت 2 تريليون جنيه للمرة الأولى في تاريخ مصر. مع استهداف تسجيل فائض أولى بمقدار ١٣٢ مليار جنيه بنسبة ١.٥٪. والفائض الأولى هو الفرق بين الإيرادات والمصروفات دون إضافة عبء خدمة الديون.
الموازنة الجديدة وزيادة الإنفاق
يتبنى مشروع الموازنة الجديدة زيادة الإنفاق العام باعتباره المدخل الأساسي للخروج من حالات الركود والتباطؤ الاقتصادي. حيث يعزف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذه الظروف. وخصصت 376 مليار جنيه للاستثمارات العامة مقابل 358.1 مليار جنيه بنسبة نمو سنوي ٩.٦٪ لتحسين الخدمات. وخلق المزيد من فرص العمل خاصة للشباب مع زيادة المشروعات الصديقة للبيئة إلى ٥٠٪.
في الإطار ذاته تمت زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية إلى 356 مليار جنيه مقابل 321 مليارًا للعام الحالي لمساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. والحد من آثارها السلبية التي تتشابك فيها موجة تضخمية غير مسبوقة فى أعقاب جائحة كورونا مع تحديات الأزمة الأوكرانية.
كما تم تخصيص 400 مليار جنيه لباب الأجور في الموازنة الجديدة بزيادة تقترب من 43 مليار جنيه عن التقديرات المحدثة لموازنة العام المالي الحالي. مع رفع دخول 4.5 مليون موظف من العاملين بالدولة بزيادة العلاوات الدورية والخاصة والحافز الإضافي بتكلفة سنوية 26 مليار جنيه. وزيادة حد الإعفاء الضريبي الشخصي من 9 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه. والإجمالي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه بزيادة 25% بتكلفة سنوية 7 مليارات جنيه.
لكن الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي- يقول إن الموازنة توسعية في أرقامها تقشفية في المضمون. فنسبة التوسع في البنود لا تتماشى مع ارتفاع التضخم المحلي أو نسبة زيادة الأسعار عالمًيا. فنسبة ارتفاع الاستثمارات الحكومية والأجور والدعم جاءت أقل من الأعوام الماضية.
ارتفاع بنود الموازنة لا يتماشى مع التضخم العالمي
ويضيف أن الفترة المقبلة ستشهد مناقشات في مجلس النواب ربما تسفر عن خفض جديد في بعض المخصصات التي يرى المجلس أنها غير ضرورية. بجانب نقاش حول فوائد الديون التي يوجد تصميم من وزارة المالية على خفض نسبتها لأقل من 90% عبر زيادة الناتج المحلي.
ويكشف مشروع الموازنة عن استمرار أزمة الديون التي تبلغ 33.3٪ مع مستوى العجز الكلى (الفرق بين الإيرادات والمصروفات مُضاف إليها الفائدة). فبلغ ٦.١٪ من الناتج المحلى الإجمالي مع استهداف نزول معدل الدين بشكل مستدام ليصل إلى أقل من 75% من الناتج المحلي خلال الأربع سنوات المقبلة. بجانب تقليل نسبة خدمة الدين إلى 7.6٪ من الناتج المحلى.
وربط البعض زيادة الإيرادات الضريبية المستهدفة في العام الجديد بنحو ٢٣.٥٪ بالتقشف. لكن بيانات وزارة المالية تؤكد عدم ارتباط الزيادة بفرض ضرائب جديدة. وأنها تقترن بتوسيع نطاق الممولين بتنفيذ مشروعات الفاتورة والإيصال الإلكترونيين. ومنظومة الإجراءات الضريبية الموحدة المميكنة والإقرارات الضريبية الإلكترونية التي لن تضع مجالا للقطاع غير الرسمي للإنتاج إلا بتوفيق أوضاعه.
هل راعت موازنة التعليم والصحة استحقاقات الدستور؟
حنان رمسيس -محللة أسواق المال- تؤكد أن الموازنة المصرية تقشفية في بعض جوانبها وتوسعية في أخرى. وذلك لوجود بعض البنود التي لم يتقرب منها التخفيض مثل التعليم والصحة والاستثمار في البنية التحتية. وكذلك رفع الأجور والمعاشات والدعم والمزايا الاجتماعية لدعم الطبقات الاجتماعية ومنع انكشافها مع الأزمة.
وشهدت الموازنة الجديدة تخصيص 310 مليارات جنيه للصحة مقابل 275.6 للعام الحالي. و476.3 مليار جنيه للتعليم الجامعي وقبل الجامعي مقابل 388 مليارا في الفترة المقارنة و79.3 مليار جنيه للبحث العلمي بما يتناسب مع الاستحقاقات الدستورية حسبما تؤكد وزارة المالية.
ويقضي الدستور بزيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبحث العلمي والتعليم العالي بإجمالي 10%. موزعة بين 3% من الناتج القومي الإجمالي للصحة و4% للتعليم و2% للتعليم الجامعي و1% للبحث العلمي.
وخصص مشروع الموازنة الجديدة 90 مليار جنيه لدعم السلع التموينية ورغيف العيش لنحو 71 مليون مواطن. مقابل 87.2 مليار جنيه للعام المالي الحالي. و22 مليار جنيه لزيادة المستفيدين من “تكافل وكرامة” و”الضمان الاجتماعي” لأربعة ملايين أسرة. و3.5 مليار جنيه لتوصيل الغاز الطبيعي لنحو 1.2 مليون وحدة سكنية. و7.8 مليار جنيه لتمويل مبادرات الإسكان الاجتماعىي. و10.9 مليار جنيه للتأمين الصحي وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة و18.5 مليار جنيه للأدوية والمستلزمات الطبية.
مخصصات لتعيين 60 ألف معلم وطبيب وصيدلي
كما تتضمن الموازنة الجديدة تخصيص 5 مليارات جنيه لتعيين 60 ألفًا من المعلمين والأطباء والصيادلة. ومليار جنيه لإجراء حركة ترقيات العاملين بالدولة. إضافة إلى زيادة حافز الجودة لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمراكز والمعاهد والهيئات البحثية.
وتضيف أن الموازنة المصرية تتماشى مع خطة طويلة الأجل يتم فيها تغيير البنود وفقا للوضع الاقتصادي والأزمات للحفاظ على النمو الاقتصادي عند المستويات المستهدفة. لكن هناك تقليًصا لبعض البنود التي تتضمن ضغطا على الاحتياطي النقدي مثل الاستيراد من الخارج فيما يتعلق بالمشتريات الحكومية والاعتماد على المنتج المحلي بدلاً منها. وكذلك العلاج في الخارج. وهي أمور يمكن تأجيلها.
ترى الخبيرة الاقتصادية أن الموازنة العامة تعاني التضخم العالمي الذي يتم مواجهته برفع الفائدة لكنه في الوقت ذاته يزيد عبء فوائد الدين. فكل 1% ارتفاعا بالفائدة يزيد معه 60 مليار جنيه في عجز الموازنة الذي يتم تمويله عبر الاقتراض. كما أن التوسع في تحقيق العدالة الاجتماعية له مردود مالي أيضًا. فتطوير العشوائيات يسهم في تحقيق الأمن وتقليل الجريمة وهو أمر مهم لنمو الاقتصاد.
حوافز التصدير مستمرة
وخصصت الوزارة 5 مليارات جنيه لتحمل الأعباء المالية الناتجة عن خفض أسعار الكهرباء لقطاع الصناعة. ونحو 1.5 مليار جنيه لتحمل تكلفة الضرائب العقارية عن قطاع الصناعة. مع الالتزام بتوفير المخصصات المالية المطلوبة لسرعة رد الأعباء التصديرية للمصدرين بتخصيص 6 مليارات جنيه للاستمرار في تمويل برنامج دعم المصدرين. بما يوفر لهم السيولة النقدية اللازمة لاستمرار عجلة الإنتاج وتحفيز الصادرات.
وزير المالية تطرق إلى تلك النقطة أمام مجلس النواب أمس حينما أكد أن الوزارة حريصة خلال العام المالي المقبل على المضي فى تنفيذ إصلاحات هيكلية جادة لتحفيز الاستثمار وزيادة إسهامات القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. بما يُساعد في تنويع أنماط الإنتاج وتوطين الصناعة لرفع معدل النمو وتوفير فرص العمل وتعظيم الصادرات على نحو يُؤدى إلى صون المسار الاقتصادي الآمن للدولة.
الدكتور فخري الفقي -رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب- قال إن تحقيق نسبة نمو 5.5% للعام المالي الجاري رقم إيجابي في ظل ما يشهده العالم من تداعيات لجائحة كورونا وأزمة أوكرانيا. بجانب إتاحة مصروفات في الموازنة للتعيينات الجديدة. خاصة في مجال التعليم والصيادلة والأطباء. كما وفرت الحكومة 900 ألف وظيفة هذا العام.
أرقام البيان المالي يشير إلى أنها موازنة “توسعية ــ انكماشية” تطمح لرفع معدلات النمو بمَنح دور لمؤسّسات القطاع الخاص بصفتها منشآت إنتاجية لتوفير الوظائف. وتطبيق التعاون بين القطاعين العام والخاص عبر استخدام مجموعة استراتيجيات تنموية تسهم في نهوض الاقتصاد المحلي.