يبدو أن مسلسل فساد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف” لن ينتهي قريبًا. خاصة مع توالي أحداثه سخونة عاما بعد آخر. فرغم حملات التطهير الكبيرة والشاملة التي حدثت طوال السنوات الماضية يبدو أنها غيرت أسماء ومناصب فقط وبقي الفساد “معششا” داخل أروقة الكاف لا يرحل.
فقد فتح قرار الكاف الأخير باختيار المغرب وتحديدًا ملعب محمد الخامس في مدينة الدار البيضاء لاستضافة المباراة النهائية من بطولة دوري أبطال أفريقيا للموسم الحالي. فصلاً جديدًا من الانتقادات ضده وأعاده إلى بؤرة الاتهام بالفساد مجددًا. خاصة مع غياب الشفافية والمعايير في معطيات وكواليس قراراته وكيفية اتخاذها.
وقرر الاتحاد الأفريقي بشكل رسمي إقامة نهائي الأبطال يوم 30 مايو 2022 على ملعب محمد الخامس للمرة الثانية على التوالي. وهو أمر أثار انتقادات واسعة بسبب احتمال تأهل الأهلي المصري والوداد المغربي. وحينها سيغيب مبدأ تكافؤ الفرص بين الفريقين كون الفريق الأخير سيخوض المباراة على أرضه ووسط جماهيره. بينما يجبر المارد الأحمر على اللعب في معقل خصمه ما يصعب مأموريته تمامًا ويسهل حظوظ الوداد في خطف اللقب.
ووضع كل من الأهلي حامل اللقب في الموسمين الأخيرين والوداد البيضاوي الرياضي قدمًا ونصف في المباراة النهائية. حيث اكتسح الأحمر ضيفه وفاق سطيف الجزائري بأربعة أهداف نظيفة في ذهاب نصف النهائي. فيما عاد الوداد بانتصار كبير من ميدان بيترو أتليتكو الأنجولي بثلاثة أهداف لواحد.
هاشتاج “فساد الكاف” يتصدر تويتر
وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن القرار تصدر هاشتاج #StopCAFCorruption “أوقفوا فساد الكاف” موقع التواصل الاجتماعي تويتر. حيث يرى معظم المغردين على هذا الهاشتاج أن قرار إقامة النهائي في الدار البيضاء هو دلالة على الفساد الذي ينخر في جسد الاتحاد الأفريقي وإهانة للكرة الأفريقية. وأنه ضرب مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص في مقتل.
وأكدوا أنه رغم وصول الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي لرئاسة “الكاف” فإن سجل الفساد فتح صفحة جديدة بغض النظر عن الأسماء. فيما كان بيتسو موسيماني مدرب الأهلي ومواطن موتسيبي رئيس الكاف واحدًا من أشد المنتقدين للقرار وهاجم الكاف عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
وأعاد موسيماني نشر 18 تغريدة تهاجم الكاف من قبل الجماهير. قبل أن يعبر عن رأيه بنفسه. وكتب: “عندما انتهت مباريات دور المجموعات في دوري الأبطال كانت المعلومات تقول إن جنوب أفريقيا هي التي ستستضيف النهائي”.
وأضاف: “بعد التعرف على مباريات نصف النهائي ساد صمت شديد بخصوص الدولة التي ستستضيف المباراة النهائية. ثم بعد ذهاب الدور نصف النهائي فجأة يتم إعلان استضافة المغرب لنهائي دوري أبطال إفريقيا!!”.
نجوم الكرة المصرية والعربية يذبحون الكاف
بدورهم قاموا نجوم الكرة المصرية السابقون والإعلاميون الحاليون بذبح الاتحاد الأفريقي بشدة عقب هذا القرار. حيث أكد أحمد حسام ميدو لاعب الزمالك الأسبق أن الكاف يعمل دون شفافية وأن قراره الأخير وضعه في دائرة الشبهات.
وانضم المعلق الرياضي الجزائري الشهير حفيظ دراجي لهذه الحملة وطالب الاتحادات القارية عبر حسابه على تويتر بالتحرك لمنع “اختطاف الكاف”. ونشر دراجي صورة لشعار الكاف وعليه ورقتان من عملة الدولار. في إشارة منه -على ما يبدو- إلى تلقي عناصر في الاتحاد الأفريقي رشاوى.
واعتاد الاتحاد الأفريقي لكرة القدم على مثل هذه الأزمات التي تعرضه دائمًا للانتقادات وتصل في كثير من الأوقات إلى اتهام مباشر بالفساد.
مخالفات مالية للكاف بالملايين
في نفس السياق كشفت شركة BWC المتخصصة في مراجعة الحسابات المالية عن مخالفات مالية بالملايين هزت أركان الكاف. وذلك خلال تدقيقها حسابات الاتحاد الأفريقي خلال ولاية الأمين العام للفيفا السنغالية فاطمة سامورا.
وحسب التقرير المؤلف من 50 صفحة والذي نشرته وكالة “أسوشيتد برس” يوم 8 فبراير 2020 وغطى الفترة بين عامي 2015 و2019 ورئاستي عيسى حياتو وأحمد أحمد. فإن ما يقرب من 8 ملايين دولار من أصل 51 مليونًا لم تحظَ بتوثيق الكاف لتحديد المستفيد والغرض منه.
وفي نفس العام وبالتحديد يوم 23 نوفمبر 2020 أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الملجاشي أحمد أحمد رئيس الكاف السابق عن ممارسة أي نشاط كروي بعدما اتهمه رسميًا بقضايا فساد مالي.
وأُدين أحمد بخرق عدة مواد متعلقة بما يُعرف بـ”واجب الولاء” وعرض وقبول هدايا أو مزايا أخرى. فضلا عن إساءة استخدام المنصب. بالإضافة إلى “اختلاس الأموال”. ويومها قال “فيفا” في بيان رسمي إن تحقيقات لجنة القيم المستقلة وجدت أحمد مذنبًا بتقديم وتلقي الهدايا وبعض المنافع الأخرى إلى جانب تجاوزات أخرى على مستوى الإدارة المالية للمؤسسة.
وأوقف أحمد أحمد يوم 6 يونيو 2020 في العاصمة الفرنسية باريس خلال إقامته في أحد الفنادق من أجل حضور اجتماعات كونجرس الفيفا. وذلك على خلفية اتهامه بالفساد في قضية أخرى.
وأدلى أحمد بأقواله في قضية فسخ “الكاف” عقده مع شركة الملابس الرياضية “بوما” والتعاقد مع شركة “تيكنكال ستيل” الفرنسية. وذلك بعد بلاغ تقدم به الراحل عمرو مصطفى فهمي السكرتير السابق للاتحاد الأفريقي. جاء فيه أن العقد مع الشركة المذكورة كان مقابل 739 ألف يورو وبسبب علاقة قوية تجمع أحمد مع أحد مُلاكها.
تحقيق بريطاني يكشف المستور
وحصلت هيئة الإذاعة البريطانية BBC على حق مشاركة مقاطع فيديو صور لتحقيق صحفي سري استغرق إعداده عامين عن فساد كرة القدم في أفريقيا.
وكشف التقرير المنشور يوم 7 يونيو 2018 عن فضائح فساد مالي متورط بها أكثر من 100 شخصية. ما بين حكام ومسؤولين تلقوا رشاوى مالية للتلاعب في مباريات محلية ودولية.
ونجح صحفي غاني وفق BBC في تصوير أكثر من مئة مسؤول أفريقي وهم يقبلون رشاوى من صحفيين متخفين من أجل التلاعب بنتائج المباريات. الأمر الذي يعد انتهاكًا واضحًا لقواعد المنافسة الشريفة.
وكان ويسي نيانتاكاي رئيس الاتحاد الغاني والنائب الأول السابق للاتحاد الأفريقي، الذي كان حينها ثاني أقوى مسؤول عن كرة القدم في القارة السمراء. من بين الذين ظهروا وهم يتلقون رشوة. وتم تصوير نيانتاكاي وهو يضع أموالاً في حقيبة بلاستيكية حصل عليها كرشوة مالية.
وبسبب هذا التقرير قررت لجنة الانضباط بالكاف إيقاف 11 حكمًا اُتهموا بالتلاعب في نتائج المباريات. وتباينت عقوباتهم ما بين الإيقاف لسنوات ومدى الحياة. وحسب الموقع الرسمي للكاف فقد تقرر إيقاف الحكم المساعد الكيني مروا رانج مدى الحياة عن مزاولة أنشطة كرة القدم بالقارة.
وبذلك يكون هذا الهاشتاج الذي انطلق عقب قرار الكاف الأخير بلعب المباراة النهائي لدوري الأبطال في المغرب وأخل بمبدأ تكافؤ الفرص وضع الاتحاد الأفريقي تحت القصف من الجميع واستعراض كافة قضايا الفساد والرشاوى والتلاعب بالنتائج والحكام خلال السنوات الأخيرة. الأمر الذي قد يتطور لحملة تطهير جديدة من قبل الاتحاد الدولي للعبة داخل أروقته بالفترة القادمة.