لا تزال قضية صفقات السلاح البريطانية إلى السعودية تثير الجدل داخل المملكة المتحدة مع كشف الصحافة البريطانية من حين لآخر عن وجه خفي لتلك الصفقات تتضمن أسماء بارزة في الأسرة الحاكمة تلقت رشوة لتمريرها.
عادت تلك القضية للواجهة مجددًا مع نشر “ميدل إيست مونيتور” -وهي منظمة مراقبة صحفيّة لا تهدف للربح ببريطانيا- تقريرًا يتهم حكومة لندن بدفع مبالغ تصل إلى 60 مليون إسترليني كرشوة كجزء من صفقة أسلحة ضخمة على مدى عقود عديدة. وسعت إلى إخفاء المدفوعات من خلال ترتيب مثير للجدل.
وبحسب المنظمة فإن القضية التي تُعقد في محكمة ساوثوارك كراون تتعلق بصفقة أسلحة حكومية بريطانية لتوفير خدمات اتصالات للحرس الوطني السعودي. وتم تسليم الخدمات من قبل مقاول خاص -هو شركة GPT البريطانية- وهي الآن وحدة منتهية الصلاحية من شركة إيرباص.
ووفق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة الذي بدأ تحقيقًا في المدفوعات تم دفع ملايين الدولارات من الرشاوى المزعومة لأفراد بالعائلة المالكة السعودية لضمان حصول الشركة على عقود مع الجيش السعودي.
ومع ذلك تدعي الشركة أنها لم تكن على علم بأن المدفوعات التي قدمتها الشركة كانت بمثابة رشاوى لتأمين الصفقة.
جيفري كوك -العضو المنتدب السابق للشركة- وجون ماسون -المسؤول المالي السابق- متهمان بدفع 9.7 مليون جنيه إسترليني (11.9 مليون دولار) رشاوى لمسؤولين سعوديين بين عامي 2007 و2012.
مع ذلك يقال إن ترتيب هيكل الدفع الذي يسمح بإخفاء الرشوة المزعومة يعود إلى أواخر السبعينيات.
وتمكنت أفراد العائلة المالكة السعودية والحكومة البريطانية من “إنكار أي معرفة بالمدفوعات على الإطلاق من خلال تلك الترتيبات”.
الرشاوى.. وملك السعودية السابق
جان وينتر -محامي “كوك”- أخبر المحكمة بأن بعض المدفوعات تم دفعها إلى الأمير عبد الله آنذاك، الذي أصبح فيما بعد العاهل السعودي لمدة عقد من الزمان وتوفي عام 2015. وخلفه شقيقه الأصغر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
إخفاء المدفوعات
كما قال وينتر للمحكمة إن وثائق داخلية سجلت أن الحكومة البريطانية والأمير عبدالله نظما “عبثًا يمكن إنكاره” لإخفاء المدفوعات وأن الحكومة البريطانية لم “تكتف بالقبول أو التسامح مع هذه المدفوعات”. لكن “وزارة الدفاع البريطانية طلبت بالفعل سدادها”,
وفقًا لوينتر أوضح أعضاء الحرس الوطني السعودي أنه “واضح تمامًا” في المفاوضات مع كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية بشأن منح العقد أن المدفوعات كانت جزءًا من الصفقة.
وقال وينتر: “لذلك كان من المتطلبات التعاقدية أن تتم هذه المدفوعات بهذه الطريقة أو أن يذهب العقد في مكان آخر إلى شخص كان على استعداد لدفعها”.
ووصف وينتر هيكل الدفع الذي يسمح لكلا الطرفين بإخفاء الرشوة من خلال مقاول خاص. وقال إن “الأمير عبد الله والحكومة البريطانية أرادا وسيلة إنكار من شأنها أن تسمح بدفع المدفوعات. ولكن من شأنها أن تسمح لهما بإنكار تورطهما عبر استخدام مقاول خاص”.
وفي السنوات الأخيرة قامت GPT بدور ذلك المقاول.
كان مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطانية قد فتح تحقيقا جنائيا بشأن هذه الادعاءات في أغسطس 2012. وتم وقف هذا التحقيق لأسباب تتعلق بالأمن القومي البريطاني.
ومنذ ذلك الوقت كانت المنظمات الحقوقية تسعى للضغط على المدعي العام البريطاني لإعادة فتح تحقيق في هذه الاتهامات وكشف قضايا الفساد المتعلقة بالصفقات مع السعودية.
تعتبر الصفقة المذكورة هي الأكبر منذ صفقة اليمامة التي تمت بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية عام 1985 حتى 2006. والتي تم تغريم شركة “بي إيه آي” التي زودت السعودية بموجبها بمقاتلات من طراز يوروفايتر في 2010. بعدما أنهت بريطانيا تحقيقا استمر ست سنوات حول مزاعم بشأن تقديمها رشاوى.
كشفت وثائق بريطانية أن السعر الأساسي للطائرات التي تم بيعها للسعودية تم تضخيمه بنسبة 32٪ للسماح بدفع 600 مليون جنيه إسترليني في العمولات.
2 مليار دولار للأمير بندر بن سلطان
وتم اتهام الأمير بندر بن سلطان الذي لعب دور المفاوض عن الجانب السعودي في صفقة اليمامة بتلقي أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مقابل دوره في إبرام الصفقة المذكورة. لكنه نفى إساءة التصرف في إطار الصفقة المذكورة التي تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار.
تعود صفقة اليمامة إلى البرنامج الدفاعي الثنائي الذي وقعته لندن والرياض عام 1985. وحصلت المملكة بموجب الصفقة على 120 طائرة من طراز تورنادو و90 طائرة تدريب من طراز هوك و50 طائرة أخرى تم تطويرها بموجب الاتفاق. قبل أن يضاف له عقد لشراء 72 مقاتلة يوروفايتر من طراز تايفون من إنتاج شركة BAE بقيمة 8.84 مليار دولار أمريكي. مع خيار شراء طائرات اضافية وعقود صيانة ليصل إجمالي قيمة العقد إلى 40 مليار دولار.