بينما كان دونالد ترامب يلملم أوراقه استعدادًا للرحيل عن البيت الأبيض، في ديسمبر/كانون الأول 2020. قام بالتوقيع على مرسوم أخير، هو إعلانًا من جانب واحد. يعترف بالسيادة المغربية على أرض متنازع عليها منذ نصف قرن، وهي “الصحراء الغربية”.

لوقت طويل، ظلت الولايات المتحدة تلتزم الحياد بشأن المواجهة بين الحكومة المغربية -التي تمارس قواتها سيطرة فعلية على معظم الأراضي- وجبهة البوليساريو “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووداي الذهب”، وهي الجماعة المتمردة التي تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية. لكن بجرة قلم، عكس ترامب سياسة أمريكية استمرت لعقود. وأيد مطالبة المغرب بهذه الأراضي، في مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم.

وبينما تسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، مما أدى إلى تجدد القتال وتزايد التوترات في المنطقة. تحاول الأمم المتحدة إعادة إطلاق عملية سياسية، من شأنها أن تتغلب على المأزق الحالي. حيث ترفض المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة، من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية. وقدم بدلاً من ذلك اقتراحه الخاص، الذي من شأنه أن يمنح الإقليم شكلاً من أشكال الحكم الذاتي المحدود.

مدعومة باعتراف الولايات المتحدة، من غير المرجح أن تقدم المغرب -الواثق من نفسها- التنازلات المطلوبة. مثل السماح بمراقبة حقوق الإنسان في الإقليم، أو المساومة على السيادة الكاملة التي تسعى للاحتفاظ بها على الصحراء الغربية. في حين أن جبهة البوليساريو -التي قاتل رجالها على مدى عقود من أجل استقلال الإقليم- مقتنعون بأن أي عملية قانونية ستكون مزورة ضد الصحراء الغربية. لم تحرز محادثات الأمم المتحدة على مدى عقود تقدمًا يُذكر نحو التوصل إلى حل. بينما تعزز المغرب سيطرتها على جميع الأراضي المتنازع عليها تقريبًا.

اقرأ أيضا: تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.. دوافع ترامب وبراجماتية محمد السادس

الصحراء الغربية.. أطول نزاعات إفريقيا

تمتد الصحراء الغربية على مساحة 252 ألف كيلومتر على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا. وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة إذ يبلغ تعداد سكانها 567 ألف نسمة وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة والبنك الدولي. وهو التقدير الذي تعترف به المغرب. أما جبهة البوليساريو، فتُقدر عدد السكان بحوالي 375 ألف نسمة.

بدأ النزاع فعلياً عام 1975، عندما وقعت إسبانيا -قبل جلائها من الصحراء الغربية- اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني. والتي اقتسم بموجبها البلدان الجاران الصحراء. لكن الصحراويين المسلحين الذين أسسوا جبهة البوليساريو، رفضوا الاتفاقية، وواصلوا مطالبتهم بالانفصال. صعّدت الجبهة من وتيرة عملياتها، وقامت بالتحريض على المظاهرات المطالبة بالاستقلال. بينما اتجه المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية.

وبينما أعلن المغرب تنظيمه “المسيرة الخضراء” باتجاه منطقة الصحراء. أُعلن في يناير/كانون الثاني 1976، عن قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” -جمهورية الصدر- بدعم من الجزائر. والتي تحظى باعتراف حكومات عدة، كما أنها عضو في الاتحاد الإفريقي.

بعدها، بدأ المغرب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ببناء جدار رملي. حول مدن السمارة، والعيون، وبوجدور، لعزل المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية. وجعل هذا الجدار أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات مسلحي البوليساريو. وتعزز موقف المغرب بتخلي ليبيا منذ 1984 عن دعم البوليساريو، وانشغال الجزائر بأزماتها الداخلية.

165 ألف لاجئ صحراوي

تعتبر أزمة الصحراء الغربية واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العالم. إذ لجأ خلال هذه الحرب الكثير من الصحراويين إلى الجزائر، والذين يقيمون في مخيمات منذ عقود، ويتباين تقدير عددهم. فوفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للحكومة الجزائرية القول إنه يوجد 165 ألف لاجئ صحراوي في المخيمات الخمس الموجودة قرب تندوف. بينما تشير الأرقام التخطيطية التي وجود 90 ألف لاجئ صحراوي من الفئات الضعيفة. في حين تشير بعض وكالات الأمم المتحدة إلى أن العدد يتراوح بين 90 و125 ألف لاجئ. وتشير وكالات الأمم المتحدة إلى أن هؤلاء اللاجئين يعيشون في ظل ظروف صعبة.

في عام 1991، تمكنت الأمم المتحدة من فرض وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو. دون التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع حتى الآن. وتمت إقامة منطقة عازلة بطول المنطقة المتنازع عليها، لتفصل بين الجزء الخاضع للإدارة المغربية والجزء الذي تسيطر عليه الجبهة. وتضطلع قوات حفظ السلام الأممية بتأمين المنطقة. وهي الاتفاقية التي “صارت من الماضي”، وفق تعبير وزير خارجية الجمهورية الصحراوية في 2020. عقب اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على المنطقة.

اقرأ أيضا: المغرب.. التطبيع مع الاحتلال مقابل السيادة على الصحراء

من هم البوليساريو؟

يشير اسم “بوليساريو” اختصاراً إلى الأحرف الأولى لـ “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” باللغة الإسبانية. تأسست الجبهة في 20 مايو/ أيار 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية. وبدأ نشاطها العسكري أثناء الاستعمار الإسباني للمنطقة، وقد تلقت مساعدات من ليبيا والجزائر.

خاضت الجبهة نزاعا مسلحا، مع كل من المغرب وموريتانيا، بشأن استقلال الإقليم. لكن موريتانيا قامت من جانبها بالانسحاب من جنوب الصحراء الغربية. ليتم إعلان تأسيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، في الفترة ما بين 1975 و1976. وشكلت الجبهة حكومة في منطقة تندوف بأقصى الجنوب الجزائري.

تولى رئاسة الجبهة مصطفى سيد الوالي الرقيبي لمدة ثلاث سنوات. منذ تأسيسها عام 1973، حتى مقتله في 9 يونيو/ حزيران 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط. فخلفه محمد عبد العزيز أمينا عاما للجبهة، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة. من أغسطس/ آب 1976 حتى وفاته في مايو/أيار عام 2016، ليتولى القيادة إبراهيم غالي.

الوعود الأمريكية.. سلام لم يتحقق في الصحراء الغربية

بعد أن شغل البيت الأبيض، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بمراجعة اعتراف سلفه بالمطالبة المغربية، وأيد إعادة إطلاق عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. كانت إدارته تريد وقف الذوبان السريع للصراع وإعادته إلى الجليد. لكن مثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى دعم الوضع الراهن المختل.

لكن، عاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليُبلغ نظيره المغربي ناصر بوريطة -خلال مكالمة هاتفية- أن إدارة الرئيس بايدن “لا تنوي التراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء”. وفق ما ذكر موقع  Axios. الذي نقل في يناير/كانون الثاني 2021، عن مصدرين مطلعين على المكالمة. أن “إدارة بايدن لن تتراجع عن اعتراف الرئيس ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في الوقت الحالي على الأقل”.

ووفق الموقع الأمريكي، فقد تحدث مستشار بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكجورك، مع وزير الخارجية المغربي، وأعطاه الانطباع بأنه “لن يكون هناك تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن الصحراء الغربية”.

في تحليل نشرته Foreign Affairs. تشير هانا أرمسترونج إلى أنه لما يقرب من نصف قرن، كانت واشنطن “تسير على حبل مشدود”، عندما يتعلق الأمر بالصحراء الغربية. تقول: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير مكرس في سلسلة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والأحكام القانونية الدولية. لكن المغرب هو أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا.

تُضيف: رفضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الاعتراف بالمطالبة المغربية بالصحراء الغربية. بينما كانت لا تزال تسعى للحفاظ على علاقات قوية مع الرباط. لكن هذا التوازن انقلب رأساً على عقب بسبب تحركات ترامب في نهاية عام 2020. إدارة بايدن الآن في مأزق، إذا تراجعت عن اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. فقد تتراجع الرباط عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويمكن أن يعرض ذلك للخطر اتفاقيات إبراهيم، التي تتمتع بدعم واسع من الحزبين.

محاولات تغيير المسار

في الوقت الحالي، تواجه إدارة بايدن ضغوطًا من المشرعين الأمريكيين لتغيير مسارها. في 17 فبراير/شباط. حثت مجموعة من أعضاء الكونجرس من الحزبين بقيادة السناتور جيم إينهوفي -وهو جمهوري من أوكلاهوما- وباتريك ليهي -ديمقراطي من ولاية فيرمونت- بايدن على سحب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وحذروا من أن ذلك “يقوض عقودًا من سياسات الولايات المتحدة المتسقة”.

لهذا، اختار من في البيت الأبيض موقفاً غامضاً. رفضوا الموافقة علنًا على الاعتراف أو إبطاله. في غضون ذلك، تواصل وزارة الخارجية استخدام خريطة جديدة، كشفت عنها الإدارة السابقة تضم الصحراء الغربية كجزء من المغرب.

وبسبب غضبه من تقاعس الإدارة، فرض الكونجرس قيودًا جديدة على دعم المغرب. فلأول مرة على الإطلاق، يضع مشروع قانون التخصيصات هذا العام الأحكام المتعلقة بالصحراء الغربية تحت عنوان منفصل -بدلاً من القسم الخاص بالمغرب كما في الإصدارات السابقة. كما يحظر مشروع القانون بناء قنصلية أمريكية في الصحراء الغربية. في غضون ذلك، يحد قانون تفويض الدفاع الوطني لهذا العام من استخدام التمويل لأي تدريبات عسكرية مع المغرب. ما لم “يتخذ البلد خطوات لدعم اتفاق سلام نهائي مع الصحراء الغربية”.

تقول أرمسترونج: تعكس هذه الإجراءات مخاوف متزايدة بين أعضاء الكونجرس. من أن قبول السيادة المغربية على الإقليم ينتهك القانون الدولي. ويمثل سابقة خطيرة، خاصة وأن روسيا تسعى إلى إعادة ترسيم الحدود بالقوة في أوكرانيا.