منذ سنوات تتحدث الحكومة المصرية عن بيع بعض الشركات المملوكة لها. وفي 2018 أعلنت أنها ستطرح حصصا أقلية في نحو 23 شركة حكومية في البورصة في خطة لجمع ما يصل إلى 80 مليار جنيه. لكن تأجل البرنامج مرارا وعللت الحكومة ذلك بأنه يرجع لضعف الأسواق والعقبات القانونية ومدى جاهزية الوثائق المالية لكل شركة.
لكن مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تُعانيها البلاد حاليًا وتكليفات رئيس الدولة نهاية الشهر الماضي عن برنامج للإصلاح الاقتصادي قضى بتوسعة الشراكة مع القطاع الخاص عن طريق طرح بعض الأصول المملوكة للدولة للبيع أمام القطاع الخاص. وتستهدف تلك الخطة جمع 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات.
وبحسب التقرير الصادر عن وزارة المالية بشأن خطة المرحلة الأولى من طروحات شركات في البورصة. فإن عدد الشركات الجديدة التي سيتم طرحها في البورصة للمرة الأولى يصل عددها إلى 14 شركة. علاوة على طرح نسب إضافية من 9 شركات مقيدة أصلاً في البورصة.
وأوضح تقرير المالية الصادر في عام 2019 أنه يتوقع أن تصل قيمة الزيادة في القيمة السوقية للبورصة المصرية إلى نحو 430 مليار جنيه بسبب تلك الأطروحات. وحددت الوزارة مدة 30 شهرًا لتنفيذه. لكن ذلك لم يحدث.
وقدرت الوزارة نسبة الطرح المقترحة في تلك الشركات ما بين 15 إلى 30% بحيث تستمر الدولة أكبر مساهم فيها.
ما أصول الحكومة المصرية؟
تمتلك الحكومة المصرية 255 شركة، ليس من بينها الشركات المملوكة للقوات المسلحة أو البنوك المملوكة للحكومة، تحت اسم شركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام. علاوة على 645 شركة أو مشروعا مع القطاع الخاص وفقًا لمراجعات أجريناها على الموقع الإلكتروني لوزارة قطاع الأعمال العام.
وتنقسم تلك الشركات إلى نوعين: النوع الأول شركات قابضة يصل عددها إلى 8. والتي تندرج تحتها قرابة 120 شركة. وهي مملوكة للحكومة بشكل كامل وأغلبها غير مقيد بالبورصة.
أما النوع الثاني فهو الشركات المشتركة والتي عادة ما تكون شراكة بين بعض القطاعات الحكومية أو مع القطاع الخاص. ويصل عددها إلى 135 شركة تعمل في قطاعات متعددة.
شركات قطاع الأعمال العام
النوع الأول وهي شركات قطاع الأعمال العام المملوكة بالكامل للحكومة. تُعاني من تخلفها وتدهور أحوالها. إلا أنها تمتلك أصولاً عقارية ضخمة بالمحافظات. إذ وفقًا للتقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في يوليو الماضي فإن 107 منها حققت خسائر بنحو 0.2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وذلك خلال موازنة العام المالي 2018/ 2019 وهي آخر موازنة للشركات على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية.
ويوضح تقرير صندوق النقد الدولي أنه بالمقارنة بين أداء الشركات المصرية الخاصة والشركات المملوكة للحكومات عالميًا تبدو ربحية الشركات المصرية المملوكة لها أضعف بكثير. إذ تشير التقديرات إلى أن إنتاجية شركات القطاع الخاص أعلى بنسبة 400% من الشركات المملوكة للحكومة.
ويلفت صندوق النقد إلى أنه رغم احتكار الدولة للموارد الطبيعية من النفط والغاز والنقل الجوي وغيرها. فإن كثيرا من تلك الشركات المملوكة لها تُحقق خسائر مالية كبيرة ويمكن أن يؤدي ضعف أداء تلك الشركات إلى مخاطر مالية.
جدول الخسائر الحكومية
إلى ذلك تُوضح مراجعة أجريناها على الموازنة العامة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج. والتي تندرج تحتها 31 شركة. أنها حققت خسائر بلغت 2 مليار و388 مليون جنيه خلال موازنة العام المالي 2020/ 2021. أما الشركة القابضة للأدوية والمستلزمات الطبية والتي يندرج تحتها 11 شركة فحققت مكاسب بلغت نحو 700 مليون جنيه خلال موازنة العام المالي 2021/ 2022.
كما حققت الشركة القابضة للسياحة والفنادق والتي يندرج تحتها 9 شركات صافي أرباح بلغ 30 مليون جنيه خلال موازنة العام المالي 2021/ 2022. كما حققت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ويندرج تحتها 17 شركة مكاسب بدفع من الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني. لكن سجلت 6 شركات خسائر بأكثر من 500 مليون جنيه في موازنة 2021/ 2022.
فيما حققت الشركة القابضة للتشييد والتعمير وتندرج تحتها 19 شركة أرباحا غير مخصوم منها الضرائب والإهلاك مليارا و994 مليون جنيه خلال موازنة العام المالي 2020/ 2021. أما الشركة القابضة للنقل البحري والبري وتندرج تحتها 15 شركة فحققت أرباحا أولية بنحو 3.7 مليار جنيه خلال موازنة العام المالي 2020/ 2021.
بينما حققت الشركة القابضة للصناعات المعدنية ويندرج تحتها 15 شركة خسائر وصلت إلى 3 مليارات و360 مليون جنيه خلال العام المالي 2019/ 2020. أما الشركة القابضة للتأمين وتندرج تحتها 3 شركات فحققت أرباحا بلغت 4.6 مليار جنيه خلال موازنة العام المالي 2021/ 2022.
الشركات المشتركة
النوع الثاني من الشركات الحكومية وهي الشركة المشتركة والتي تسهم الحكومة فيها بنسب مختلفة. أحيانًا تكون نسبا حاكمة أو أخرى تكون نسب أقلية. وتعمل تلك الشركات في 11 قطاعًا يتنوع بين الطاقة والبترول إلى الزراعة والبنوك والتأمين. ويصل عددها إلى 135 شركة وتعدّ تلك الشركات الأكثر قدرة على الاستثمار والطرح في البورصة بسبب تحقيقها أرباحا. علاوة على زيادة رأسمالها واستثماراتها بشكل دوري.
ويُبين الموقع الإلكتروني لوزارة قطاع الأعمال العام أنه من بين القطاعات الـ11 التي تمتلك الحكومة فيها نسبا بهذه الشركات فإن القطاعات الأكبر التي تعمل فيها هي قطاعات البنوك والتأمين. حيث تشترك الحكومة في ملكية 14 بنكا وشركات تأمين أبرزها كريدي أجريكول والبنك المصري الخليجي وبنك فيصل الإسلامي.
أسهم الحكومة في القطاعات المختلفة
والقطاع الثاني البترول والطاقة وتمتلك الحكومة به أسهما في 15 شركة. أبرزها الإسكندرية للزيوت المعدنية “أموك” وسيدي كرير للتبروكيماويات وغاز مصر. وقطاع النقل وتسهم الحكومة في 15 شركة أيضًا به أبرزها المصرية للتوريدات والأشغال البحرية والملاحة الوطنية والنيل للنقل البري.
ثم قطاع الصناعة وتُسهم الحكومة بالشراكة في 15 شركة به أيضًا أبرزها البويات والصناعات الكيماوية “باكين”. والمالية والصناعية المصرية والدلتا للسكر ومصر للإسمنت قنا والنساجون الشرقيون. وقطاع الخدمات وتشترك الحكومة في 15 شركة به أبرزها المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي ومصر لإدارات العقارات والمصرية لضمان الصادرات.
وقطاع المال والاستثمار وتشترك الحكومة في ملكية 15 شركة به أبرزها المجموعة المالية هيرميس ومصر للصرافة والسعودية المصرية للاستثمار والتمويل. وقطاع العقارات وتشترك في ملكية 15 شركة به أبرزها زهراء المعادي للاستثمار والتعمير وشركة سوديك ومجموعة طلعت مصطفى ومدينة نصر للإسكان والتعمير.
وقطاع السياحة وتشترك الحكومة في ملكية 15 شركة به أبرزها العالمية للاستثمارات السياحية كونراد. فضلا عن طابا للتنمية السياحية والعربية للاستثمارات الفندقية والسياحية.
أما في القطاع الطبي فتشترك الحكومة في ملكية 5 شركات به. أبرزها عناية مصر لإدارة برامج العلاج الطبي ومستشفى دار الفؤاد لجراحة القلب. وفي قطاع الزراعة تشترك الحكومة في ملكية 4 شركات. أبرزها النوبارية للهندسة الزراعية والميكنة. وفي قطاع الاتصالات تشترك الحكومة في ملكية 6 شركات. أبرزها فودافون والمصرية للاتصالات والمصرية للأقمار الصناعية “نايل سات”.
الشركات المرشحة للبيع
إذا بعد كل هذا: ما الشركات المرشحة للطرح في البورصة؟!
اتفقت كل المصادر على أن شركة سيدي كرير للبتروكيماويات ستكون مؤهلة للطرح خلال فترة قريبة. فيما سيتم طرح شركات تشترك الحكومة بنسب في ملكيتها في القطاع العقاري؟. وهي من نوعية الملكية الثانية “الشركة المشتركة”.
كان من المخطط طرح نسب من بنك القاهرة تتراوح بين 20:30% من أسهمه في أبريل عام 2020. ولكنه جمد خططه بسبب جائحة كورونا. ثم تغيرت تلك الخطط بعد استحواذ بنك مصر على كامل البنك ووسع ملكيته من 57.1% إلى 99.9% بعد عملية شراء أتمها عبر البورصة في أبريل الماضي.
بنك الاستثمار للبيع
واستنادًا إلى تقرير المراجعة الدورية الصادر عن صندوق النقد الدولي في يوليو الماضي يبدو أن الحكومة ستطرح أو تبيع بشكل مباشر بعض الشركات التي يسهم فيها بنك الاستثمار القومي المملوك للحكومة. والذي باعت الحكومة نسبته البالغة أكثر من 24% في شركة أبوقير للأسمدة لصندوق أبوظبي خلال الشهر الماضي.
ويسهم بنك الاستثمار القومي بنسبة 12.39% في بنك مصرف أبوظبي. ونسبة 40.75% في البنك المصري لتنمية الصادرات. وشركة المتحدة للإسكان والتعمير بنسبة 3.2%. وشركة الدلتا للسكر بنسبة 6.27%. وشركة مصر للإسمنت قنا بنسبة 9%. وشركة المصرية للأقمار الصناعية “نايل سات” بنسبة 7.6%. وشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي بنسبة 17.8%.
ويتفق ذلك مع الخطة التي أعلنت عنها وزيرة التخطيط هالة السعيد قبل ثلاثة أعوام بتخارج بنك الاستثمار القومي من الشركات التي يسهم فيها. وكانت الحكومة حددت مدة عام ونصف العام لتصفية بنك الاستثمار القومي حسبما نُقل عن الحكومة في أغسطس الماضي.
في النهاية ستكون الحكومة مضطرة للسير على الطريق الذي ظلت تحاول تجنبه منذ أن تم طرح نسب من شركة الشرقية للدخان قبل سنوات. وذلك بفعل الأزمة المالية والضغوط الاقتصادية العالمية.