قبل مطلع شهر رمضان، أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة بين الحكومة اليمنية -المعترف بها دوليًا- وجماعة الحوثيين. الذين تقاتلهم منذ سبع سنوات بدعم من تحالف تقوده السعودية والإمارات، ويحارب فيه جنود من السودان. لكن تبقى أمرا واحدًا مثيرًا للقلق. وهو مصير “تعز”.
صمدت الهدنة حتى الآن -وإن كانت متزعزعة في ذاتها إلى حد ما- واستطاعت الأمم المتحدة ضمان التنفيذ الجزئي لاثنين فقط من إجراءات بناء الثقة الثلاثة التي أرفقتها بالاتفاق الذي أوقف القتال. وهي مرور شحنات الوقود إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر -الذي يسيطر عليه الحوثيون- وإعادة فتح الحوثيين لمطار صنعاء الدولي للرحلات التجارية لأول مرة منذ عام 2016. بينما لم يكن هناك تقدم يذكر فيما يتعلق بالإجراء الثالث. وهو إعادة تنشيط الجهود لاستعادة الطرق المؤدية إلى تعز.
يخوض مسؤولو الأمم المتحدة الآن سباقًا مع الزمن لضمان بقاء مطار صنعاء مفتوحًا. على أمل إطالة الهدنة، وبدء محادثات سياسية. بارقة الأمل في الأمر هو أن ما يحدث هناك يمكن أن يسرّع التحول، من المواجهة العنيفة إلى المفاوضات السياسية. إن نجحت الجهود في الحول دون أن يصبح عائقًا، يعرقل المحاولات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء حرب اليمن المدمرة أخيرًا.
دخلت الهدنة -التي بدأت منذ أبريل/نيسان الماضي- حيز التنفيذ، فيما يشكل فرصة جيدة لاستقرار اليمن من جديد. من الناحية النظرية، فإن الهدنة قابلة للتجديد. وتأمل الأمم المتحدة في أن تكون الهدنة الممتدة نقطة انطلاق للمحادثات السياسية. حول وقف رسمي لإطلاق النار، وطريقة تفاوضية للخروج من الصراع.
اقرأ أيضا: خلف الهدنة اليمنية وإعلان المجلس الرئاسي (1-2)
مجلس رئاسي جديد في اليمن
بعد أقل من أسبوع من إعلان الأمم المتحدة الهدنة، أعلن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي. التنازل عن السلطة لمجلس رئاسي جديد من ثمانية أعضاء، بقيادة وزير الداخلية السابق رشاد العليمي. حيث جاء تنحي هادي تحت ضغط من السعودية، كجزء من مبادرة لإعادة تنظيم الكتلة المناهضة للحوثيين.
كان اليمنيون المناهضون للحوثيين قد انتقدوا هادي بشدة، لممارسته القليل من القيادة في التحالف المتباين المناهض للحوثيين. ورفض الحوثيون علناً المجلس الجديد، ووصفوه بأنه مجرد “إعادة خلط للمرتزقة”. مؤكدين ما يرون أنه “افتقار الحكومة للشرعية”. ومع ذلك، يمثل المجلس على نطاق واسع مجموعة من الفصائل العسكرية والسياسية المعارضة للحوثيين. والذين استقروا في عدن، جنبا إلى جنب مع رئيس الوزراء والحكومة.
يشير خبراء مجموعة الأزمات Crisis Group إلى أن الهدنة وتشكيل المجلس الجديد يعد فرصة مهمة -وإن كانت محدودة- خاصة أن التصريحات الأخيرة تؤكد مواصلة عملية السلام مع الحوثيين. ومنها يمكن بدء عملية سياسية، لا سيما بالنظر إلى تراجع سيطرة الحوثيين على ساحة المعركة. نتيجة لتجدد دعم الإماراتيين للقوات المناهضة للحوثيين.
رغم أنه من المبالغة القول إن السلام احتمال فوري، حيث يرى العديد من اليمنيين أن الهدنة فرصة للأطراف المتنافسة. لإعادة تجميع صفوفهم بدلاً من وقف الأعمال العدائية. رغم ذلك فإن احتمالات الانتقال من القتال العنيف إلى المفاوضات السياسية الهادفة. أفضل الآن مما كانت عليه منذ سنوات.
يشير خبراء مجموعة الأزمات إلى انه من أجل الاستفادة من فرصة تمديد الهدنة. يتعين على الأطراف إحراز تقدم مستمر في جميع تدابير بناء الثقة الثلاثة ذات الصلة “الأمم المتحدة تضغط بالفعل بشدة لصالح توصيل شحنات الوقود، وإعادة فتح مطار صنعاء. ولكن قضية تعز تتطلب اهتماما أوثق”.
الهدنة.. صمود أم مماطلة؟
يعد صمود الهدنة حتى الآن -حتى لو كان هذا الصمود جزئي- إنجازًا بحد ذاته. نظرًا لعمق انعدام الثقة بين الحوثيين وخصومهم، الذين تبادلوا الاتهامات بشأن التأخير في اتخاذ الخطوات المتفق عليها. مع ذلك، لا يوجد مكان يتفوق فيه انعدام الثقة في نوايا الحوثيين على ما هو عليه في تعز، حيث استقبل السكان إعلان الهدنة بالاحتجاج بدلاً من الاحتفال.
وبينما يرى العديد من سكان المنطقة أن أحكام الاتفاقية الخاصة بمدينتهم غير واقعية. فبالنسبة للكثيرين في المعسكر المناهض للحوثيين، أصبحت تعز رمزًا لما يرونه نهجًا دوليًا غير متوازن. يعطي اهتمامًا قصيرًا لمظالمهم، أثناء سعيهم لإرضاء الحوثيين.
تم عزل محافظة تعز عن بقية أرجاء اليمن منذ أن انتهت المعارك في عام 2015. صار الحوثيين يسيطرون على مناطقها الشمالية المهمة اقتصاديًا واستراتيجيًا، ويطوقون المدينة التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة. قطع القتال جميع الطرق البرية الرئيسية التي تربط تعز بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والحكومة.
الآن، بغض النظر عن المكان الذي يسافرون إليه، يضطر اليمنيون الذين يعيشون في تعز إلى التنقل في الطرق الجبلية ذات المسار الواحد. وهي طرق منحنياتها خطرة، وبها الكثير من نقاط التفتيش التي تديرها الجماعات المسلحة.
اقرأ أيضا: بدعم أمريكي إسرائيلي.. أجندة الإمارات تجاه جُزُر اليمن: انتهاك للسيادة تحت مظلة صمت التحالف العربي
“تعز” المرهقة بين النظام والحوثي
جاءت عواقب عزل تعز منهكة للحياة المدنية والتجارة. زاد وقت السفر من وإلى المدينة بشكل كبير. فقد كانت الرحلة من حوبان التي يسيطر عليها الحوثيون -المركز الصناعي في محافظة تعز حيث يعمل العديد من السكان- إلى مركز مدينة تعز الذي تسيطر عليه الحكومة تستغرق ما بين 5 و15 دقيقة بالسيارة. وتستغرق الآن من 5 إلى 6 ساعات على طول طريق ذو مسار واحد مهمل الصيانة.
كما يستغرق السفر من تعز إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية من 6 إلى 8 ساعات بالسيارة. كان يستغرق الأمر ساعتين إلى ثلاث ساعات قبل عام 2015. ويمكن أن يستغرق نقل السلع الأساسية مثل الطعام والوقود بالشاحنات بين المدينتين المتحالفتين -اسمياً- من 14 ساعة إلى عدة أيام.
وأدى ارتفاع تكاليف النقل ورسوم نقاط التفتيش -إلى جانب التكاليف الأخرى للعمل في اقتصاد الحرب- إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود داخل المدينة، مما يجعلها واحدة من أغلى الأماكن للعيش في اليمن. يلفت الخبراء إلى أنه حتى الآن، لم يكن لدى الحوثيين حوافز كبيرة لتحسين الوصول إلى المدينة “فهم يسيطرون على القلب الاقتصادي للمحافظة. ويبقون منافسيهم المحليين محاصرين. ومما يزيد الأمور تعقيدًا، أن أجزاء من محافظة تعز غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين متنازع عليها بشدة”.
تاريخ فاشل من المبادرات لإنقاذ تعز
فشلت سلسلة من المبادرات المحلية والدولية في تحسين الوصول إلى مدينة تعز – وهو فشل يرى العديد من السكان أنه نتاج تحيز أممي ودولي لصالح الحوثيين. يشيرون إلى اتفاق ستوكهولم لعام 2018، الذي أوقف معركة من أجل الحديدة، وكان يهدف إلى تمهيد الطريق لمحادثات سلام أوسع. تضمن هذا الاتفاق اتفاقًا فرعيًا غامضًا بشأن تعز. فقد دعا الجانبين إلى اختيار ممثلين في لجنة مشتركة، من شأنها أن تعمل على تحقيق هدف إعادة فتح الممرات الإنسانية في وسط المدينة. وكان من المقرر أن تقدم اللجنة أيضًا تقريرًا واحدًا حول التحرك نحو تحسين الوصول إلى الطرق في المدينة في الفترة التي تسبق المشاورات المستقبلية.
لكن الاتفاقية الفرعية لم تسفر عن أي تقدم ملموس في استعادة سكان تعز وصولهم إلى باقي أنحاء البلاد. على الرغم من أن الأمم المتحدة عقدت اجتماعات فردية مع ممثلي كل من الطرفين، إلا أن الوفود لم تلتق قط بشكل مشترك كلجنة، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق حول كيفية تحقيق الأهداف المحددة في السويد.
انتقد اليمنيون المناهضون للحوثيين الأمم المتحدة لفشلها في بذل نفس الطاقة لإعادة فتح تعز -التي يرى السكان أنها قضية إنسانية- التي فعلتها لإنهاء حصار الحديدة. ويعتقد العديد من اليمنيين الذين عملوا في قضية طريق تعز منذ بداية الحرب أن الأمم المتحدة “ما كان ينبغي أن تجعلها جزءًا من اتفاق ستوكهولم”. وبدلاً من ذلك، كان ينبغي أن تتفاوض بشأن الوصول إلى مسار منفصل.
اقرأ أيضا: الوجود الإماراتي في اليمن.. ممارسات عسكرية واستخباراتية خطيرة وآثار مدمرة
تعز واتفاقية ستوكهولم
من وجهة نظرهم، فإن وضع تعز في إطار عمل ستوكهولم جعل من السهل جدًا على الحوثيين إحراز تقدم في هذه القضية مرهونًا بتنفيذ جوانب أخرى من الاتفاقية. هناك أيضًا تصور واسع الانتشار بأن الأمم المتحدة “استسلمت بسرعة كبيرة جدًا عندما تعثرت المفاوضات حول الطرق، وأخذت القضايا الملحة الأخرى الأسبقية”.
يؤدي وضع تعز إلى توترات بين مختلف مكونات الكتلة المناهضة للحوثيين، والتي تحاول الرياض توحيدها تحت مظلة واحدة. ولكن يعتقد العديد من سكان تعز أن التحالف الذي تقوده السعودية – وخاصة الإمارات التي لديها أجندة محلية وإقليمية معادية للإسلاميين- يتمنى أن تظل تعز معزولة من أجل إبقاء الجماعة الإسلامية المهيمنة في تعز ضعيفة.
يشير اليمنيون في هذا المعسكر إلى قدرة القوات المدعومة من الإمارات على تعبئة القوات واستعادة الأراضي في أجزاء أخرى من البلاد. كما فعلوا في ثلاث مناطق في جنوب شبوة ومأرب في وقت سابق في عام 2022. ويعتقدون أن التحالف الذي تقوده السعودية يمكن أن -إذا رغبت- تقديم المزيد من المساعدة العسكرية للقوات المناهضة للحوثيين في تعز. على أقل تقدير لدفع الحوثيين للتراجع عن الطرق المحيطة بالمدينة.
بينما ينظر بعض اليمنيين المناهضين للحوثيين إلى الهدنة على أنها إشارة إلى أن السعودية تريد تخليص نفسها من الحرب. ويعتقدون أن السعوديين وافقوا على إدراج التقدم في قضايا تعز. كأحد تدابير بناء الثقة الثلاثة فقط لتهدئة حكومة هادي، التي قيل إنها قاومت الصفقة.
بناء الثقة يجب أن يكون متبادل
مهما حدث بعد ذلك، فمن المرجح أن تصبح قضية الوصول إلى الطرق في تعز مثيرة للجدل بشكل متزايد. لا سيما مع تكثيف الأمم المتحدة للجهود للحفاظ على التقدم في تدبيري بناء الثقة الآخرين في محاولة لتمديد الهدنة وتوسيعها.
حتى الآن -وفقًا لمسؤول حكومي يمني تحدث إلى مجموعة الأزمات- وصلت 11 سفينة وقود على الأقل إلى ميناء الحديدة. علاوة على ذلك، غادرت أول رحلة تجارية من صنعاء منذ ست سنوات إلى عمان. بعد وقت قصير من إعلان الحكومة أنها ستسمح للأشخاص الذين يحملون جوازات سفر صادرة عن الحوثيين بالسفر.
وعلى الرغم من هذا التقدم، تنتشر شائعات عن حشود عسكرية مع استعداد الأطراف لاحتمال انحلال الهدنة أو انتهاء صلاحيتها.
يكمن الخطر في أن الهدنة قد لا تستمر بعد الإطار الزمني الحالي -البالغ شهرين- إذا لم يكن هناك تقدم ملموس في جميع تدابير بناء الثقة الثلاثة. دفع تعز إلى الجانب “قد يهدد آفاق التجديد”. فقد يدعو البعض في معسكر الحكومة إلى إجراء مفاوضات حول إعادة فتح مطار صنعاء بالكامل، اعتمادًا على التقدم المحرز في تعز. مما يقوض إمكانية تمديد الهدنة إذا استمر الحوثيون في تأخير هذا المطلب. فيما يواصل الحوثيون -من جانبهم- رفض قضية طرق تعز. ويظهرون بوادر مفاوضات بطيئة السير، مما يمنح الحكومة ذريعة مثالية لتعطيل الجهود للتحرك نحو المحادثات.
حل مشكلة تعز واستمرار الهدنة
بالتالي، يرى خبراء مجموعة الأزمات أن حل مسألة طرق تعز يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمصير الهدنة بشكل عام. فضلاً عن أي محادثات مستقبلية بين المتحاربين “يجب أن تستخدم القوى الخارجية نهجًا ذا شقين للتوصل إلى حل. أولاً، كجزء من حملة دبلوماسية أوسع مع الحوثيين في صنعاء، يجب عليهم تركيز المتمردين على الحاجة إلى إحراز تقدم في تعز، مما يشير إلى أن القضية تحتل مكانة عالية في جدول أعمالهم”.
ويلفت الخبراء إلى أن “غياب الدبلوماسية الجادة والمستمرة حول مسألة تعز يمكن أن يساهم فقط في عدم اتخاذ إجراءات حتى الآن. وإدراكًا لخطر خلط ملف الوصول إلى الطريق مع القضايا السياسية والعسكرية الأخرى، يجب على الدبلوماسيين إثارة تعز في مناقشاتهم مع السعودية. لأن المملكة لديها قنواتها الخاصة مع الحوثيين. يمكن لإشراك المملكة في الدعوة لإعادة فتح تعز أن يعزز مصداقيتها، نظرًا لأن العديد من اليمنيين يعتقدون -ويستاؤون- أنها ترغب في إبقاء الإصلاح في المقدمة. في واحدة من أكثر المناطق أهمية اقتصاديًا في البلاد.