لم يكن الأستاذ محمد حسنين هيكل هو أول من اخترع وصف «مراكز القوى»، بل كان جمال عبد الناصر هو أول من استخدم التعبير في بعض الاجتماعات الرسمية في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران 1967، وصف به المشير عبد الحكيم عامر وجماعته المحيطين به، بمن فيهم «صلاح نصر» مدير المخابرات العامة الأشهر.
بعد ذلك شاع هذا الوصف في كتابات هيكل، وانتقل إلى خطب وتصريحات الرئيس السادات، استخدمه أول مرة في خطابه في أول مايو بمناسبة عيد العمال، قبل نهاية خطابه أخرج السادات ورقة من جيبه وقرأ منها عبارة كتبها بنفسه بعد أن رفض هيكل كتابتها في الخطاب حتى لا تمر على المحيطين بالرئيس وقتها، وهم المقصودون بالحديث، وارتاح السادات إلى الربط الوارد بها الذي يوضح أنه يواجه ما سبق لعبد الناصر أن واجهه من قبل، وأنه يستكمل الطريق الذي بدأه عبد الناصر.
ومن هنا جاءت العبارة لتقول:
«لقد قال جمال ومن ورائه أردد أيضًا إن الشعب هو المعلم وهو القائد وهو الخالد أبدًا وإن الشعب هو صاحب هذا البلد وهو الذي سيخوض مع قواته المسلحة معركة حياة، بكل مسؤولياتها وما تفرضه من تضحيات، وإذن فليس من حق أي فرد أو جماعة مهما كان هذا الفرد أو تلك الجماعة أن تزعم لنفسها قدرة منفصلة عن قدرة هذا الشعب أو أن تدعى لنفسها موقعًا تستطيع أن تفرض من خلاله رأيها على جموع الشعب بعد أن أسقط هذا الشعب مع جمال كل مراكز القوى ليبقى الشعب وحده سيد مصيره».
**
اختلف الفرقاء في كل شيء يخص وقائع ما جرى في مايو/أيار 1971، اختلفوا في رواياتهم، واختلفوا في تبريراتهم لمواقفهم، واختلفوا في نظرة كل فريق إلى مواقف الآخرين، كما اختلفوا في توصيف ما جرى، فهو في نظر البعض انقلاب، وهي حركة تصحيحية في نظر الفريق الآخر.
محمد حسنين هيكل يسميها أحداث 13 و14 مايو، وهي في رأيه حركة تصحيحية على مسار ثورة 23 يوليو، ولكن الرئيس أنور السادات أصر على تسميتها ثورة 15 مايو (رغم أن الأحداث انتهت فاعلياتها يوم 13 مايو، وكان خطابه بشأن الأحداث في 14 مايو، لكنه عمد إلى أن يسميها ثورة 15 مايو) بدون مبرر ولا منطق، حتى أن البعض ربط بين تاريخ إعلان دولة إسرائيل وتاريخ ثورة السادات، وهو ربط يبدو متعسفًا نوعًا ما.
هي على الحقيقة ليست الأحداث التي تسارعت وتيرتها في النصف الأول من شهر مايو/أياريأي سنة 1971 حيث جرت إقالة علي صبري نائب الرئيس في اليوم الثاني منه، وتتابعت بعدها الأحداث حتى وصلت ذروتها يوم 12 مايو/أيار، بإقالة شعراوي جمعة وزير الداخلية.
هي بكل تأكيد قصة ما جرى في الشهور السبعة التي تلت رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وحتى هذه الأشهر السبعة تمتد جذورها في التاريخ إلى السنوات العشر الأخيرة في عهد عبد الناصر نفسه.
**
على المستوى النظري ترك عبد الناصر دولة مؤسسات تتوزع بينها سلطة الحكم، أولها مؤسسة الرئاسة، وثانيها المؤسسة السياسية، ممثلة في الاتحاد الاشتراكي التنظيم السياسي الوحيد، وفي القلب منه التنظيم الطليعي (طليعة الاشتراكيين)، وعلى رأس التنظيم السياسي لجنة مركزية ولجنة تنفيذية عليا منتخبتين، وثالثها المؤسسة البرلمانية ممثلة في مجلس الأمة، ثم هناك مجلس الوزراء الذي تشكل قبل رحيل عبد الناصر ببضعة شهور.
أما على المستوى العملي فقد كانت هناك أطراف متنازعة عند قمة السلطة، دارت بينها معارك علنية وأخرى مخفية، تشكلت تلك الأطراف على مدار سنوات طويلة، وتحددت ملامحها عبر الكثير من الوقائع والمصالح والتوافقات والتوازنات.
**
رواية مجموعة مايو للأحداث والوقائع والخفايا عن تلك الفترة الواقعة من 28 سبتمبر/أيلول 1970 حتى 13 مايو/أيار 1971 تنطلق من التركيز على الجانب النظري في الحكاية، الخاص بالدولة التي تركها عبد الناصر على الورق، وليست الدولة التي تركها على الحقيقة.
تجدهم يركزون على ثلاث قضايا تحدد روايتهم لمسار الأحداث، أولها وضع الدولة لحظة الرحيل، قراراهم الذي اندفعوا إليه باختيار أنور السادات خليفة لعبد الناصر مؤسسًا على حجة الحفاظ على الشرعية، وضرورة وأهمية الاستمرار، والتحضير لمعركة التحرير، التي كانت قد وضعت خطتها وجرت عليها الكثير من التعديلات حتى استقرت في الخطة جرانيت، وثالث تلك القضايا يتعلق بالتحول الذي رصدوه وتبدى لهم في مواقف وسياسات أنور السادات، هذا التبدل الذي دفعهم في النهاية إلى الإقدام على مغامرة تقديم استقالاتهم حين لم يجدوا أمامهم سبيلاً آخر غيرها.
**
على مستوى الحقائق على الأرض، كان رحيل عبد الناصر فجيعة بمعنى الكلمة، ومفاجأة بكل المقاييس، ولكل الأطراف، في الداخل وفي الخارج، وكانت مفاجأة أطراف الداخل هي الأشد وطأة والأكثر تأثرًا، وشهدت جنازته مشاهد حزن جماعي بالغة التأثر شملت الجماهير العربية في أكثر من بقعة عربية، وكان الحزن داخل مصر أكبر من أن يوصف وأبلغ من كل الكلمات.
ودَّعت مصر عبد الناصر، ولم يعد للقرار فيها صاحب، وإن أصبح له ورثة، وجدوا أنفسهم لأول مرة بدون الزعيم أمام كل الصعاب، وفي مواجهة كل المسؤوليات، وكانت هناك ثلاثة أمور تأخذ بناصية النظام، ومن ثمَّ بناصية المتواجدين على محيط القمة في ذلك الوقت.
كان أولها: صاعقة الرحيل المفاجئ، وخلو موقع الرجل الأول بدون أية ترتيبات جاهزة مسبقا.
وكان ثانيها: عدم بروز اسم يمنع بقية الأسماء أو يحجب طرح أسماء آخرين، فكل الأسماء كانت سواء، أو تكاد.
وكان ثالثها: أن محيط القمة ضم أكثر من مجموعة، كانت تعمل كلها في كنف الزعيم الراحل، رغم تنافسها، أو حتى تناقضها، في بعض الأحيان، وهي الآن بعد رحيله، أصبحت وجها لوجه أمام مصائرها، وأمام قرار عليها أن تتخذه بدون الرجوع إليه، أو الاحتكام إلى رأيه، أو انتظار أوامره، ثم هي الآن أمام ما اكتسبت من نفوذ تحت جناح الرئيس، وقد أصبحت، وأصبح نفوذها على المحك، إما أن يزداد ويدَّعم ويرسخ، وإما أن يضيع ويتلاشى فتضيع، وتسقط من فوق محيط القمة.
كان محيط القمة يشمل ثلاث مجموعات كبيرة، لا تعدم كل مجموعة التباينات داخلها، ولكنها تحمل سمات وقسمات تقربها، وتجعلها تصنيفا مختلفا عن المجموعات الأخرى.
جماعة التنفيذيين:
من أكبر المجموعات المنتشرة على محيط دوائر الحكم، وعند القمة، كانت جماعة «التنفيذيين» الذين قامت على أكتافهم المشروعات الكبرى للثورة، وهي جماعة في أغلبيتها الغالبة من المدنيين من أهل الاختصاص الذين استعانت بهم ثورة يوليو على مراحل مختلفة للقيام على تنفيذ مشروعاتها الكبرى.
وكان على رأس هؤلاء الدكتور عزيز صدقي الملقب بأبي الصناعة المصرية، وهو الوزير الذي نجح في نقل مصر الزراعية المتخلفة إلى مصر الصناعة الحديثة.
وكان من بين هؤلاء سيد مرعي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الذي أشرف لفترات طويلة من عمر الثورة على خطتها ومشروعاتها الزراعية الكبرى، وكان من بينهم عشرات الوزراء المختصين كلٌ في مجاله.
عملت هذه الجماعة مع شخصين كان هما الأكثر ترشيحا لخلافة عبد الناصر، عمل أكثرهم تحت رئاسة زكريا محيي الدين في مجلس الوزراء، وعمل كثيرٌ منهم تحت رئاسة على صبري عندما ترأس المجلس، وانقسموا إلى فريقين، فريق يؤثر زكريا محيي الدين، ويرفض على صبري، والفريق الآخر على العكس يحبذ على صبري، ويرفض العمل مع زكريا محيي الدين، ولكلٍ أسبابه.
الأسماء البارزة في جماعة التنفيذيين كانت ترى أن المُنفَذ على أرض الواقع يعطيها شرعية المشاركة مع الآخرين في اختيار من يخلف عبد الناصر، الرجل الذي كان فوق الخلافات، ولم يعد لأحدٍ غيره تلك الصفة.
ولكن أحدا من هؤلاء جميعًا، لم يكن يتصور أن أنور السادات هو المرشح الذي ستُغلق عليه بورصة الترشيحات، ويستقر عليه المتنفذون في هذه البورصة.
جماعة التأمين:
وكانت هناك جماعة صغيرة جدا، أكثر ترابطا وأكثر نفوذا، وهي ما يمكن أن نطلق عليهم جماعة «التأمين»، وهي التي اعتمد عليها عبد الناصر في تصفية جماعة المشير عبد الحكيم عامر في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران 1967، ثم كانت هي نفسها التي اعتمد عليها الرئيس في « تأمين» النظام، والإمساك بخيوط العمل اليومي في أيديهم، حتى يتسنى له التفرغ لمهمة كان قد نذر نفسه لها، وهي إعادة بناء وتأسيس القوات المسلحة المصرية، وتأهيلها لإزالة آثار العدوان، وقيادة الجهد السياسي على الصعيد العالمي والعربي والمحلي، لتوفير الفرصة الأفضل لهذه القوات لكي تقوم بمهمتها الموكولة إليها.
زاد ثقل تلك الجماعة المتنفذة عند قمة السلطة حين أدخل عبد الناصر 24 وزيرا جديدا في وزارته الأخيرة التي ترأسها حتى وفاته، ما أعطى ذلك ثقلا مضافًا لمجموعة «التأمين»، صاروا هم الوزراء الأقدم، وفي أيديهم المسؤوليات الأكبر والوزارات الأهم.
**
كان الأمن هو هاجس عبد الناصر المستمر..
أولًا: لأنه هو نفسه جاء فوق دبابة أطاحت بالنظام السابق..
وثانيًا: لأن المؤامرات عليه، وعلى نظامه، لم تتوقف للحظة طوال عمر الثورة، من الخارج ومن الداخل على السواء..
وثالثًا: لأن التجربة مع عبد الحكيم عامر تركت آثارا سلبية ضخمة على مسيرة الثورة، والأهم أنها تركت آثارا لا تمحى من ذاكرة ونفسية عبد الناصر..
وهكذا أعطى ثقته لجماعة «التأمين» التي شاركته عملية إقصاء عبد الحكيم عامر الذي كان هو والذين كانوا معه يمسكون بتلابيب القوات المسلحة.
فكانت تلك «الجماعة» هي الأكثر نفوذا، والأكثر اقترابا من عبد الناصر في أخريات أيامه، وقد تركهم في مواقع متقدمة على محيط القمة ولذلك كانت هي الجماعة الحاسمة في اختيار من يخلف عبد الناصر..
سعت إليهم كل المجموعات الأخرى، وسعى إليهم كل المرشحين، ووضعهم في اعتباره كل من سولت له نفسه أن يترشح، أو يرشح غيره للرئاسة.
جماعة الاتحاد الاشتراكي:
إلى جانب هؤلاء كان هناك قيادات التنظيم السياسي الوحيد، وعلى رأسهم أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، توحدهم المكانة الرفيعة التي توفرها لهم عضويتهم في أعلى جهة دستورية في البلاد، التي تسيطر على الحياة السياسية، وبحكم مسؤوليتها عن الترشيح لرئاسة الجمهورية.
وكان من هؤلاء على صبري الذي يعد من أقوى المرشحين لخلافة عبد الناصر، وكان من بينهم عبد المحسن أبو النور أمين الاتحاد الاشتراكي، الذي حل خلفا لعلي صبري، وكان من بينهم لبيب شقير والذي كان يترأس مجلس الأمة إضافة إلى عضويته باللجنة العليا، وكان معهم ضياء الدين داود وكمال رمزي استينو.
وكانت هذه الجماعة هي الأقرب إلى جماعة «التأمين»، وكانت نقاط التماس بينهما تجمعهم، أكثر مما تفرقهم، فقد كان شعراوي جمعة، وهو من جماعة التأمين، هو نفسه أمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي، وأمين التنظيم الطليعي في نفس الوقت، وكان معه سامي شرف كأحد أهم قيادات هذا التنظيم السري.
كتلة الفرد الواحد:
إلى جانب هذه المجموعات الثلاثة كان هناك مجموعة من الأفراد شكل كل واحد منهم ما يمكن تسميته «كتلة فرد»، وكان محمد حسنين هيكل هو أول، وأهم هؤلاء..
ثم كان هناك حسين الشافعي أحد نواب عبد الناصر، والوحيد للسادات، الذي بقي الى جوار عبد الناصر من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان هناك محمود فوزي عضو اللجنة العليا، والوزير الذي ظل فترة طويلة واجهة العمل الدبلوماسي، في أوقات حاسمة من تاريخ الثورة، وكان مستشار عبد الناصر في مجال السياسة الخارجية.
ثم كان هناك أمين هويدي وزير الحربية، ومدير المخابرات، وأحد الذين شاركوا في لجان العمل التي كانت تسير الأمور الداخلية في ظل انشغال عبد الناصر بقضية التحرير.
وكانت هذه المجموعة من الأفراد لا يجمع بينها غير إن لكلٍ منهم طموحاته، ولكلٍ منهم تخوفاته، من القادم المجهول.
**
وبعد أن أصبح على صبري أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي في عام 1966، ازداد نفوذه تحت جناح عبد الناصر الذي رأى اهمية لإعطاء دفعة قوية للاتحاد الاشتراكي، وإيجاد تنظيم سياسي قوي ليخلق توازنا مع دور القوات المسلحة المتفاقم في الحياة المدنية.
وكانت المجموعة العسكرية تتوجس من تصاعد نشاط الاتحاد الاشتراكي، ونجحوا في إلحاق الهزيمة به، وببعض أجهزته قبيل نكسة يونيو سنة 1967.
ولكن اختلف الأمر بعد النكسة، واتخذ عبد الناصر أول قراراته بعد عودته عن قرار التنحي عن السلطة بتصفية نفوذ المشير، وجماعته..
**
بعد تصفية المشير عبد الحكيم عامر وشمس بدران وجماعتهما، في أعقاب النكسة ظهر على السطح بقوة ما كان معروفا في أروقة الحكم عن وجود صراع مكتوم بين علي صبري وجماعة الاتحاد الاشتراكي، وبين محمد حسنين هيكل.
لم يتخذ هذا الصراع أبعادا واضحة وملموسة، ولم يسمع له ضجيج إلا مع المقال الذي نشر يوم 8 أغسطس/آب سنة 1967 بتوقيع الدكتور محمد أنيس أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة، وكان له وقع الصاعقة في الصحافة المصرية..
كان المقال قد جاء ضمن حملة تكاد تكون عامة، شملت الكثيرين من القيادات السياسية، والكتاب والصحافيين من اتجاهات متعددة، وإن كانت في الأغلب يسارية، وتخالف هيكل في توجهاته الرئيسية..
**
قضيتان رئيسيتان أثارهما هيكل في تلك الفترة وأثارتا الكثير من الردود عليه هما:
– المجتمع المفتوح..
– الدعوة إلى تحييد أمريكا..
يقول الكاتب الصحفي محمد سيد أحمد: كانت مرارة الهزيمة، قد بلغت الذروة وبمجرد الإفاقة من هول الصدمة، استثارت المعاناة ومضات يقظة تراجع التفكير في كل شيء، وتقيم وتمتحن كل شيء، وتتحدى أنماط وقوالب الفكر التي استقرت، بل تتحدى شخصيات لم ينلها قلم بالنقد من قبل، كانت لحظة تأمل بالغة الثراء..
وكان هيكل على رأس الذين نالهم التحدي البازغ من هزيمة يونيو/حزيران سنة 1967، وبدأ الحديث عنه باعتباره واحدا ممن دأبوا في مقالتهم الأخيرة إلى إشاعة البلبلة، في دوائر الرأي العام العربي كله، حول مستقبل الثورة والمعركة، كما جاء في مقال الدكتور أنيس الصاعق.
وهو المقال الذي يقرر فيه الدكتور أنيس أن ما يكتبه «رئيس تحرير جريدة ما في الجمهورية العربية المتحدة لا يعبر إلا عن رأي صاحبه، ولا يمثل الرأي الرسمي».
ولا شك ان نشر مثل هذا الكلام في ذلك الوقت كان مفاجأة بكل المقاييس، إذ كان واضحًا أن رئيس التحرير المقصود هو هيكل، وكانت علاقته الوطيدة والمستقرة بالرئيس عبد الناصر أمرا لا يكتنفه غموض.
**
ولم يكن قادة الاتحاد الاشتراكي إلا جزءا من الرفض العام للتوجهات التي يمثلها هيكل، وكانت صورة هيكل لدى اليسار لها أربعة أبعاد:
أولها: أنه معاد للاشتراكية..
وثانيها: أنه معاد للعلاقات المصرية السوفيتية..
وثالثها: أن علاقته بعبد الناصر لها مردود سلبي على القوى الوطنية..
ورابعها: أنه موالٍ للأمريكان، فقد كانت علاقاته مع الإدارة الأمريكية قوية باستمرار، وكان كثير الحديث عن تعديل العلاقة مع الأمريكان، وكان في صف تقوية هذه العلاقات، حتى إن البعض تساءل عندما تم القبض على مصطفى أمين: ولماذا تركوا هيكل؟
**
جذور الخلاف بين هيكل من ناحية ومن ناحية أخرى جماعة التأمين المتحالفة مع جماعة الاتحاد الاشتراكي كانت أبعد من لحظة رحيل عبد الناصر، كان الصراع قد اشتد أواره فعلًا في الأشهر الأخيرة في حياة عبد الناصر.
ولذلك كان طبيعيًا أن يكون أول قرار يفكر فيه هيكل في أعقاب رحيل عبد الناصر أن يستقيل من منصبه الوزاري.
لم يكن يريد (أو لعله كان يخشى) الدخول في صراع يراه قادمًا لا محالة مع أعضاء بارزين في الحكومة، والقيادات الممسكة بزمام التنظيم السياسي، وتأثيرهم كبير في أروقة مجلس الأمة
منذ اللحظة الأولى وجد هيكل أنه سيكون أكثر فائدة للرئيس السادات من موقعه في «الأهرام» بعيدا عن أرض المعارك، وكان متيقنا ساعتها أن الأمور صائرة إلى صراع عند قمة السلطة؟