هنا في الصومال -أقصى شرق قارة أفريقيا- نقف خلف طبقات من الأسلاك الشائكة والجدران الخرسانية الشاهدة على حرب أمريكا التي لا تنتهي على الإرهاب. هنا قاعدة كامب ليمونير العسكرية التي تبلغ مساحتها 550 فدانًا والمخصصة لفرق العمليات الخاصة الأمريكية المكلفة بمحاربة أقوى فروع “القاعدة” في العالم “حركة الشباب”.
تتكشف القاعدة على بعد أميال من الصحراء داخل دولة جيبوتي الصغيرة وتبدو مثل قلعة سجن بلون الرمال. وبعدها وتحديدا في الحدود الجنوبية لجيبوتي يقع مصدر الخطر كله وتحديدا في الصومال. يقبع في تلك المعسكرات الجنود الأمريكيون المكلفون بالتعاون مجددا مع القوات المحلية التي تقاتل حركة الشباب الإرهابية.
يمثل النهج الجديد لـ”بايدن” نقطة تحول لأمريكا والعالم. حيث كانت سياسته تعتمد على ضرورة توقف الجيش الأمريكي عن المشاركة العسكرية في الخارج. مؤكدا في معظم تصريحاته أن البلاد يجب أن تتوقف عن خوض حروب الظل لأن الخسائر المدنية والتكاليف الأخرى تخلق صراعًا عالميًا مستدامًا ذاتيًا.
ولكنه رأى أن الأمر يمكن أن يشكل خطرا فتراجع عنه على عكس ترامب الذي سحب الجنود فجأة مما شكل خطرا على الولايات المتحدة.
فقد نفذت حركة الشباب الإرهابية من حين لآخر هجمات بارزة خارج منطقة نفوذها في الصومال. ومنها ذلك الهجوم على مركز تسوق الراقي في كينيا عام 2013. والذي أسفر عن مقتل 67. كما شن الإرهابيون هجوم يناير/ كانون الثاني 2020 على قاعدة عسكرية كينية في خليج ماندا. حيث كانت القوات الأمريكية تتدرب وقتل فيها الجندي الأمريكي هنري مايفيلد جونيور واثنان من المتعاقدين المدنيين الأمريكيين.
مفهوم الحروب الأبدية
وأعلن “البيت الأبيض” هذا الشهر أن ما يصل إلى 500 من مستشاري القوات الخاصة سيدربون القوات الصومالية على مكافحة التهديد المتزايد لمقاتلي حركة الشباب. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة سترسلهم بدوام كامل في الصومال. وهي خطوة وصفها “البيت الأبيض” بأنها “تعمق الالتزام العسكري الأمريكي طويل الأمد في صراع خارجي مستعصٍ”. مؤكدا أن ذلك لا يتعارض مع سياسة بايدن المتمثلة في الانسحاب من “الحروب الأبدية” التي تشكل أساس الانسحاب من أفغانستان.
وقال مسؤولون إن القرار لا يؤثر على عمليات الانتشار الشاملة في المنطقة. لكنه يستبدل الانتشار المتناوب بوجود “مستمر”. وهو عبارة عن جولات أطول من قبل جنود القوات الخاصة.
ولكن معارضي القرار قالوا إنه لا ينبغي تسمية الانتشار بشكل دائم لأن ذلك يعني ضمناً أن الجنود سيكونون هناك إلى الأبد.
خطوة “بايدن” هذه عكس سياسة دونالد ترامب الذي فاجأ الجميع بسحب القوات في الأسابيع الأخيرة من رئاسته. حيث أعاد لأمريكا 750 جنديًا كانوا متمركزين في الصومال. ووصف مسؤول كبير في الإدارة قرار ترامب -آنذاك- بأنه “غير منطقي”.
وتسبب قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية في تزايد نفوذ ووجود حركة الشباب الإرهابية في الصومال. والتي تعد أكبر وأغنى جماعة تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي. بل وزادت من وتيرة هجماتها بما في ذلك هجمات ضد الأمريكيين. وهذا الوجود المتناوب زاد المخاطر الأمنية على القوات الأمريكية أثناء دخولها وخروجها من البلاد وعطل تدريب القوات الصومالية عبر التغيير المستمر للمدربين الأمريكيين.
قرار متردد من “بايدن”
وحسبما ذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز فإن “البيت الأبيض” قال إن العدد الأقصى لوجود قوات أمريكية في الصومال سيكون 450 جنديا. وأن الهدف سيكون تعزيز قدرة القوات الصومالية لتعطيل حركة الشباب بشكل كافٍ. بحيث لا تكون قادرة على التخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة. كهجوم يناير/ كانون الثاني 2020. والذي راح ضحيته ثلاثة أشخاص وتم تدمير ست طائرات وقتل فيه ستة متمردين من حركة الشباب على الأقل.
ولا تزال الحركة الإرهابية تسيطر على بلدات وقرى عدة في الصومال. فضلاً عن الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة.
ففي أوائل مايو الجاري نفذت الحركة واحدة من أكثر الهجمات دموية ضد قوات الاتحاد الأفريقي. مدعية أنها قتلت 170 جنديًا. ولكن لم يتم التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل.
بدوره اقترح البنتاجون هذا التغيير قبل بضعة أشهر. وتفيد التقارير أن “بايدن” وافق على القرار في وقت سابق من هذا الشهر. لكن توقيت الإعلان تم تحديده جزئيًا من خلال إعادة انتخاب برلمان الصومال مؤخرا للرئيس حسن شيخ محمود.
وأشار المسؤول إلى أن القرار استغرق وقتا بسبب حذر بايدن من إرسال قوات أمريكية إلى منطقة صراع.
وأضاف التقرير أن بايدن يأخذ على محمل الجد التزامه بطرح أسئلة صعبة والتأكد من أنه يفهم التداعيات. بالإضافة إلى الفوائد المحتملة قبل اتخاذ القرار و”بمجرد أن وجد إجابات لأسئلته كان مرتاحًا في النهاية للموافقة على هذا الاقتراح من وزير الدفاع”.
وقت التغيير في الصومال
وقد انتهت ولاية الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو في فبراير/شباط 2021 دون انتخابات. وأدت إلى تحول النزاع الذي طال أمده إلى أعمال عنف في بعض الأحيان وتسبب في انقسامات على أعلى مستويات الحكومة.
وقد أعجب الجانب الأمريكي بالرئيس الجديد حسن شيخ محمود. موضحين أنهم يفضلونه كونه معروفا لديهم نظرا لأنه شغل منصب الرئيس من 2012 إلى 2017. وأضاف تقرير لـ”الجارديان” أنه “سيكون هناك اتساق فيما يتعلق بدعم التعاون في مكافحة الإرهاب”.
أما الجانب الصومالي فوعد بالعمل عن كثب مع الشركاء الدوليين حسبما ذكر في تقرير عن أجندة حسن شيخ محمود الرئيس الصومالي الجديد الذي تولى منصبه منذ أقل من أسبوع. وهو ناشط في مجال السلام سابقا.
وأجريت الانتخابات الرئاسية الصومالية يوم 15 مايو/ أيار الجاري رغم الصعاب وعدم قدرة الجهات الصومالية على منع هجمات حركة الشباب. وأدلى المشرعون بأصواتهم في أماكن محصنة تحرسها قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.
الانتخابات في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا -وشابها عنف لعقود- تستثني غالبية سكان البلاد -15 مليون نسمة. يتم اختيار المرشحين للرئاسة من قبل البرلمانيين، الذين يتم اختيارهم بأنفسهم من قبل المندوبين الذين يختارهم شيوخ القبائل القوية.
وهذا النظام الذي يجعل من الصعب بشكل خاص على الشباب والنساء تسلق المناصب السياسية عرضة للتلاعب من قبل الجماعات المتنافسة ويفتقر إلى المساءلة الديمقراطية.
ولهذا فإن أولى الأولويات التي يتعين على الرئيس الصومالي إيجاد حل لها هي تهديدات حركة الشباب. إلى جانب التحديات التي يمثلها ارتفاع التضخم والجفاف الذي طال أمده. الأمر الذي يعرض ملايين الصوماليين لخطر المجاعة الشديدة.